كشف راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسي، في شريط فيديو تناقلته مجموعة من المواقع الإلكترونية، عن مخطط سري لسيطرة الإسلاميين على دواليب الدولة ومؤسساتها. وقال الغنوشي الذي كان يتحدث إلى قيادات سلفية إن المؤسستين العسكرية والأمنية في تونس «غير مضمونتين»، محذرا السلفيين في بلاده من أن المكاسب التي تحققت لهم منذ وصول النهضة إلى الحكم «قابلة للتراجع» مثلما حصل مع إسلاميي الجزائر خلال تسعينات القرن الماضي. واعترف زعيم النهضة أنه رغم عدم حصول الفئات العلمانية في هذه البلاد على الأغلبية في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي أجريت في 23 أكتوبر 2011، وفازت فيها حركة النهضة، لكن «الإعلام والاقتصاد والإدارة التونسية بيدهم (..) بيدهم الجيش، الجيش ليس مضمونا، والشرطة ليست مضمونة (..) أركان الدولة مازالت بيدهم». وتعتبر هذه أول مرة يكشف فيها راشد الغنوشي عن موقفه الحقيقي من العملية الانتقالية ببلاده، خاصة أنه دأب، في كل خرجاته الإعلامية، على الإشادة بحيادية المؤسسة العسكرية التونسية، حيث قال إن جيش بلاده «غير مضمون». في المقابل قال الغنوشي «الآن، ليس لنا جامع (فقط) بل لدينا وزارة الشؤون الدينية، (..) عندنا الدولة (..) أنا اقول للشباب السلفي .. المساجد بأيدينا دَرِّسوا .. متى شئتم.. استدعوا الدعاة من كل مكان.. المفروض أن نملأ البلاد بالجمعيات، وننشئ المدارس في كل مكان.. لاتزال جاهلة بالإسلام».. وأضاف «نحن اكتسبنا يا إخواننا، في سنة واحدة، شيئا عظيما، وهذا الشيء العظيم ليس مكسبا نهائيا وثابتا». مذكرا بتجربة الاسلاميين الجزائريين خلال تسعينات القرن الماضي. وخاطب الجالسين معه: «هل تظنون أن ما تحقق لكم غير قابل للتراجع فيه؟ هكذا كنا نظن عندما كنا في الجزائر سنة 1991 وظهورنا محمية بالجزائر، كنا نظن أن الجزائر أقلعت ووصلت إلى نقطة اللاعودة، لكن تبين أن ذلك كان تقديرا خاطئا، عدنا إلى الوراء وأصبحت المساجد تحت سيطرة العلمانيين من جديد والإسلاميون مطاردون. ألا يمكن أن يحصل هذا في بلادنا؟» فأجابه السلفيون الحاضرون بالإيجاب. وذكر بأن الإسلاميين في الجزائر انتخبوا في التسعينات بنسبة «80 بالمائة وتم التراجع عن ذلك». وقال إن «النخبة العلمانية في تونس أقوى منها في الجزائر، والإسلام الجزائري أقوى من الإسلام التونسي، ومع ذلك تم التراجع». وتابع: «انظروا المؤامرات التي حولنا، كلهم يتجمعون ضد الإسلام، ضدنا». وردا على ما حمله شريط الفيديو، أصدرت الهيئة التنفيذية لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد التي اجتمعت يوم 10 أكتوبر 2012 بتونس العاصمة، بيانا قالت فيه: بعد تداولها في ما نسب من أقوال وتصريحات للسيد راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، تداولتها وسائل إعلام محلية وعالمية ومواقع تواصل اجتماعي وتضمنت مواقف وخططا على درجة عالية من الخطورة، يهمها أن تعلن للرأي العام الوطني ما يلي: لقد كشفت هذه التصريحات رؤية حركة النهضة للمجتمع التونسي الذي قسمته إلى علمانيين وإسلاميين واحتكار التحدث باسم الإسلام وتكفير المختلفين عنها بما يكشف سعيها لبث الفتنة ويفضح ازدواجية خطابها ويؤكد مصادرتها لهوية الشعب. تشكل هذه التصريحات خطة عملية للاستيلاء على المؤسسات العسكرية والأمنية والإعلامية والإدارة وتحويلها إلى هياكل تابعة لحزب حركة النهضة وأداتها في الانقلاب على المسار الثوري وقيم الجمهورية ورافعتها لتأسيس دولة الاستبداد المتسترة بالدين زورا. لقد فضحت هذه التصريحات أدوات تنفيذ هذه الخطة الانقلابية، وذلك بإطلاق يد المجاميع السلفية للسيطرة على المساجد والأحياء وبعث الإذاعات والتلفازات وإرساء مؤسسات تعليمية موازية كما جاءت لتثبت أن حركة النهضة وحكومة الترويكا وفرت الغطاء والحاضن لمجاميع السلفية في كل ما أتته من عنف ،وما بثته من فوضى و ما قامت به من اعتداءات كان آخرها ما عرفته الساحات الجامعية (كلية 9 أفريل) والاعتداء الهمجي الذي تعرض له الاتحاد العام التونسي للشغل اليوم في محاولة لضرب دوره الوطني والاجتماعي، والالتفاف على مبادرته والتملص من مستلزمات الحوار الوطني. إن الهيئة التنفيذية لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد تعتبر أن هذه التصريحات هي الوجه الحقيقي لبرنامج حركة النهضة الذي يستهدف قيم الجمهورية ومبادئ الديمقراطية ويعادي المسار الثوري ويكرس دولة الاستبداد والفساد وإلغاء الآخر، وهو ما يستوجب من كل قوى المجتمع الوطنية والتقدمية والديمقراطية والتنويرية، أحزابا ومنظمات وهيئات وجمعيات و نخبا، أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في التصدي لمشروع الانقضاض على تونس وعلى شعبها، خاصة وأن هذه الخطة قد قطعت أشواطا هامة جسدها غياب رزنامة محددة لإنهاء المرحلة الانتقالية، عمقت الاحتقان ووسعت من دائرة القلق استغلته حركة النهضة لتنصيب أعوانها وأتباعها في المواقع الحساسة داخل الأجهزة الأمنية والإدارة والمؤسسات الإعلامية، وإعفاء واستبعاد كل من لا ينسجم مع خططها. إن هذا الوضع يطرح بإلحاح شديد ضرورة مراجعة كل التعيينات الحزبية التي أقدمت عليها حكومة الالتفاف على الثورة، كما يستوجب جديا ضرورة البحث عن مخرج للأزمة السياسية التي تتخبط فيها نتيجة سياسات حزب حركة النهضة وحكومة الالتفاف، وعلى رأسها تشكيل حكومة كفاءات وطنية محدودة العدد لإدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية، و منع كل مسارات الانقلاب على المجتمع والدولة وهو ما يطرح على القوى الثورية. وعلى الجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثورة مهمة استنهاض جماهير شعبنا وتأطير نضالاته بشكل مدني سلمي واسع لمحاصرة مخطط الانقضاض ومسح آثاره، والدفاع عن المسار الثوري وحماية قيم الجمهورية المدنية الديمقراطية الاجتماعية». وفي سياق متصل أعلن عامر العريض رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة في بيان الاربعاء أن «جهات مجهولة» سربت شريط الفيديو الذي قال إنه «تضمن فقرات متقطعة ومركبة من كلام رئيس الحركة» داعيا إلى «تجنب اعتماد أساليب الجوسسة والتركيب الموروثة عن النظام السابق». وأضاف «يتعلق هذا الشريط بمداخلة للشيخ راشد أمام مجموعة من الشباب السلفي في شهر فبراير 2012 خلال المناقشات الدائرة حول الفصل الأول من الدستور» التونسي الجديد الذي يعكف المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) على صياغته. ولاحظ «لقد تم إخراج جمل وفقرات عن سياقها وتركيبها مما حرف معانيها وهذا سلوك وعودة الى الأساليب البالية للتشويه». ولفت الانتباه الى أن قول الغنوشي بأن «الشرطة غير مضمونة، جاء في سياق الحديث عن احتواء كل المؤسسات لأقليات فاسدة مرتبطة بالنظام السابق، وهي التي تعرقل بناء الأمن الجمهوري وهذا ما يقوله الأمنيون أنفسهم». وأضاف «تؤكد حركة النهضة ثقتها في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية وتدعو إلى مزيد تطويرها وتوفير الإمكانيات للارتقاء بأدائها».