منحت الدولة الفرنسية الشاعر أدونيس وسام جوقة الشرف تقديراً لمساره الشعري والفكري. وفي احتفال أقيم في دار مركور دو فرانس - غاليمار سلّم المفكر الفرنسي الكبير إدغار موران الشاعر الوسام ممثلاً الرئاسة الفرنسية في حضور جمع من الشعراء والكتّاب الفرنسيين والعرب. وألقى موران في المناسبة كلمة حيى فيها أدونيس ومما قال: »أعتقد أنّ من خلفية إنسانية مشتركة، يُمكنني القول إنني أعتبر أدونيس طفلاً بالنسبة إليّ، أنت ولدت في العام 1930، وأنا كنت أمضي أعوامي العشرة الحاسمة قبل ولادتكم... وأكثر ما أحببته في سيرتك هو مثلّث الهويات التي تُمثّلك »سوري، لبناني، فرنسي«، وهذا يسعدني فعلاً لأنني طالما رفضت أن أعرّف نفسي حصراً ضمن هوية واحدة من هوياتي التي لا كوابح لها. وهنا أقول إنّه إلى جانب »هويّاتنا« يُمكن إضافة واحدة أخرى، المتوسطية، وهي تجمعنا أيضاً لأنّ من بين أسلافي من عاش قرناً كاملاً في ربوع السلطنة العثمانية، أو بمعنى أوضح في ذاك الشرق الذي أتيت أنت منه، هذا الشرق الذي يُشكّل جزءاً مني. وفي أعماقك، أنت تحمل أيضاً هوية، لن أقول إنها الخامسة، ولكنها قد تكون الأهم، وهي أنك إنسان ينتمي إلى النوع البشري الذي نجده اليوم مهدداً بمصير تراجيدي طالما عرفته الإنسانية التي أعتقد أنها مرساة هوياتنا المشتركة كلها. وإن أردت أن أضيف إلى مجموع هذه الهويات واحدة أخرى قد تكون السادسة ولكنها حتماً هي الأعلى لكونها تضمّ الأخريات وتبلورها »شاعرٌ شاعرٌ«. انها في طبيعة الحال لا تُدوّن في بطاقة الهوية الرسمية، ولا تُعتبر فئة اجتماعية - مهنية ولكنها أسمى من ذلك، إنها صفة انتروبولوجية، إنسانية لأنّ الشاعر يحكي ما يعجز الكلام عن تعبيره، لأنّ الشاعر يعبّر على حدود كلمات اللغة بخفر، ويكتب على حدّ ما لا يوصف وما لا يُرى. لأنّه يلامس الغموض الذي ينسجنا، لأنّ الشاعر يحكي عن الأهمّ في حياتنا... عن الشعر الذي يُقوّي الإنسان ويُحوّله ويُخلّده. أدونيس، مع كلّ الألقاب الكبيرة والتكريمات الرسمية والجوائز الدولية والترجمات إلى كلّ اللغات الحيّة وغيرها من الإنجازات التي إن عددتها تتحوّل كلمتي إلى فهرس ثناء، فليس باستطاعتي أن أحصيها ولكن لا بدّ من أن أذكرها. وأكثر ما أريد التكلّم عنه في هذا المقام هو ما يُعذبنا ويجرحنا وما يجمعنا أيضاً، لأنني أنا أيضاً أعتبر نفسي شرقياً، هو ما يجري في سورية اليوم. فهي اليوم تمر في مرحلة تتأرجح بين الاستبداد والتفكك، وهنا تستحضرني مقولة لجوبير: »في الفترات المضطربة، لا تكمن الصعوبة في تقديم واجبنا وإنما في معرفته«. والأهم في هذه المرحلة هو تحقيق وحدة الشعب وإنقاذ الحريّات... وأنا أقول مرّة جديدة إن ثمة همّاً يجمعنا، وأكثر ما وددته اليوم في كلمتي هو التركيز على الأمور المشتركة والتشديد على النقاط المشتركة في ما بيننا والتي تكمن في مقاومتنا قسوة العالم وظلمته، وهذا ما جعلنا إخوة«. ثم ألقى أدونيس كلمة قال فيها: »يسعدني أن تمنحني فرنسا هذا الوسام، استمراراً في تحقيق رؤيتها للإنسان والكون والثقافة. وهي رؤية فريدة في انفتاحها على الآخر، بحيث يبدو كأنه بُعدٌ تكوينيٌّ من أبعاد الذات. يسعدني أيضاً أن يقلّدني إيّاه، إدغار موران، السلطة الفكرية العالية، والصديق الذي يصحّ فيه قول كاتب عربيّ من القرن العاشر هو التوحيديّ: »الصديقُ آخرُ هو أنت«. يسعدني على نحوٍ خاصّ، أن يتمّ هذا التقليد في هذا البيت الكريم الذي فتح صدره لكتاباتي منذ أن كانت تديره سيمون غاليمار، التي كانت تعطي للشعر مكانة كبيرة في حياتها ونظرتها، وتتابعها في ذلك ابنتُها السيدة إيزابيل غاليمار. تأخذ هذه السعادة بعداً خاصّاً بينكم أيها الأصدقاء الذين يرون إلى الصداقة بوصفها شعراً ثانياً«.