أكيد أن من أهداف استراتيجية النضال الديمقراطي الرهان على العمل التشريعي والبرلماني والانتخابي كإحدى الوسائل للدخول في الحكومة، ومن ثم الحفاظ على الحركة الاتحادية في تطور دائم يدفع بالإصلاح إلى أقصى مدى، مع التأكيد على أن الهدف الأسمى للاستراتيجية هو تحقيق مكتسبات معيشية وديمقراطية لمختلف الفئات الشعبية وتضمن لهم الحرية، الكرامة والعدالة الاجتماعية، إلا أنه وفي تقييم لهذه الوسائل وما تحقق من منجزات ومن مهام، بدا الاختلاف يظهر جليا أولا حول طريقة المشاركة التي اعتبرها البعض بديمقراطية ما قبل مغيب الشمس، وحول الأشخاص الذين سيتحملون مسؤولية المشاركة كوزراء في الحكومة، وحول الحلفاء وطبيعة الائتلاف المكون للحكومة، ومن جهة ثانية تحول الاهتمام للبحث في تحديث الحزب ودمقرطته، بشكل يتناسب مع الوضع الجديد المشارك في الحكومة، دون أية رؤية استراتيجية تجنب الحزب الدخول في صراعات داخلية وانشقاقات، وهو ما تم بالفعل في المؤتمر السادس الذي ورغم حفاظ الحزب على هويته الاشتراكية الديمقراطية وتطعيمها بأوراق أرضيات تتبناها الأممية الاشتراكية، إلا أن الاجتهاد التنظيمي ظل قاصرا بالشكل الذي جعل القيادة الجماعية غير قادرة على التوافق حول الكثير من النقط المدرجة في التصور التنظيمي المقدم للمؤتمر، فاعتمد التصويت السري في اختيار الاجهزة الحزبية ، وتبنى المؤتمر نقطة تتعلق بالاشتغال بالتيارات، لكن انسحاب الأموي من المؤتمر بتبني استراتيجية مخالفة تماما لباقي القيادات الحزبية، جعل الجناح النقابي للحزب «الكونفدرالية الديمقراطية للشغل» يتخذ قرارات يبتعد بها عن مساندة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وبالمثل انسحب تيار الوفاء للديمقراطية بقيادة الساسي الذي قام بتأسيس جمعية لتتحول في ما بعد إلى حزب. ومع انسحاب جزء من القيادة الجماعية ، بعد أن اختار كل قائد استراتيجية خاصة به، ظلت التوافقات تطبع قيادة الحزب، على أساس استكمال الأوراش الكبرى والاعتقاد بأن الاصلاح من الداخل ممكن ، جاءت هذه المرة ضربة قوية من خارج الحزب تعلن الخروج عن المنهجية الديمقراطية ، لينفجر من جديد نقاش القيادة الجماعية ، ومن يتحمل المسؤولية ككل، وهل التعاقد مع الملك الحسن الثاني على المصحف الكريم كان كافيا للدخول في مغامرة تدبير الشأن العام، أم هي تهدئة لضمان انتقال سلس للسلطة من الملك الحسن الثاني إلى ولي عهده محمد السادس؟ وهل فعلا استلمنا الحكم أم فقط الحكومة، وهل هناك مفهوم جديد للسلطة أم نفس المفهوم التقليدي في حلة حداثية؟ وهل من الضروري الاستمرار في المشاركة في الحكومة بدافع الالتزام مع الحلفاء السياسيين؟ أسئلة كثيرة ظلت عالقة وظل النقاش الحزبي الرسمي هو الدفاع عن مقولة أن ما يجب تغييره هو الخط السياسي أما الاستراتيجي فيبقى النضال الديمقراطي، ومع ارتفاع وتيرة المتغيرات والتقلبات المحلية والاقليمية والدولية، وما واكبها من نقاش حول الوافدين الجدد والقوى الاجتماعية الصاعدة أو تلك التي قدر لها أن تصعد ، انعقد المؤتمر الوطني الثامن لحزب الاتحاد الاشتراكي . *المؤتمر الثامن ومقابلة التيارات بين شوط للتنظيم وشوط للسياسة انخرطت اللجنة التحضيرية والمجلس الوطني في نقاش معمق لتجاوز أشكال القيادة الجماعية التي عرفتها الحركة الاتحادية، مستحضرة مجموعة من التجارب الذاتية والعالمية لتجاوز الخلل التنظيمي وضعف الأداء السياسي الذي عرفه الحزب، انطلقت الأشغال حول تحديد طبيعة المؤتمر، هل مؤتمر عادي ؟ أم مؤتمر استثنائي؟ لأن طبيعة المؤتمر بالنسبة للبعض ستحدد عدد المؤتمرين ونوعيتهم من جهة، ومن جهة ثانية هو إحالة على مرجعية فكرية ولحظة تاريخية قد يستنبط منها المواقف السياسية الضرورية للخروج بالحزب قويا معافى، وتم الاتفاق في الأخير على صيغة مؤتمر عادي بوسائل استثنائية. فالوسائل كانت تعني تغليب الشق التنظيمي على السياسي، وهو ما لم يقبله عدد كبير من المؤتمرين الذين اعتبروا أن المدخل السياسي شرط أساسي لبناء أي تصور تنظيمي، وهو ما أثر سلبا على تبني اختيار نظام اللائحة لانتخاب المكتب السياسي والكاتب الأول، الذي صادقت عليه اللجنة التحضيرية والمجلس الوطني، غير أنه تم تفنيد الأساس النظري الذي اعتمد لتبني نظام اللائحة، باعتبار أن الإشكال لا يكمن في ضمان أغلبية مريحة للكاتب الأول داخل المكتب السياسي، لتمرير قراراته بأريحية مع ضمان حق الأقلية داخل نفس الجهاز، بل في طرح إجابات سياسية على الأسئلة التي طرحها المجتمع، إذ تزامن الشوط الأول مع مجموعة الأحداث والحركات الاحتجاجية التي عرفها المغرب، أبرزها أحداث سيدي إيفني ، فكان لزاما علينا تقديم مواقف سياسية تميزنا عن باقي الفرقاء السياسيين خصوصا مع صعود نجم حزب ما عرف أنذاك بحزب صديق الملك ، وكان لابد من التأكيد سواء من حيث التحالفات أو بناء على المرجعية الفكرية للحزب كاشتراكي ديمقراطي، التأكيد على أن الاتحاد لا يمكن أن نختزله في تحالف حداثي/ محافظ أو يميني، بل إن هناك طريقا ثالثا: طريق لليسار قادر ليس فقط على أن يلعب دور المكمل بل أن يقوم بقيادة المجتمع، بعد الخبرة التي اكتسبها الاتحاد في تدبير حكومة التناوب، وبالتالي فالمشهد السياسي وفق هذه الرؤية الإصلاحية للمشهد السياسي ككل والتي هي مقدمة لفرز سياسي وإيديولوجي حقيقي، تنقسم بين يمين محافظ، واضحة معالمه ومرجعيته الدينية والسلفية، والليبراليين الحداثيين الذين يجب أن يعملوا على الدفاع عن قيم حقوق الإنسان وإعلاء العقل وعلى الاختيارات الديمقراطية وتكريس قيمها داخل المجتمع، انتصارا للفرد وإعلاء من قيمته، وبين الديمقراطيين الاشتراكيين الذين عليهم أن يكونوا أوفياء لخطهم الاصلاحي في إطار التشبث بالمطالبة بالملكية البرلمانية في إطار استراتيجي. تقديم أجوبة عن الأسئلة التي يطرحها المجتمع، عجل بتأجيل المؤتمر للشوط الثاني لإعادة النظر في التصور التنظيمي واتخاذ المواقف السياسية الضرورية التي تنسجم مع المرحلة ، مع الكثير من التوافقات التي لم تلغ فلسفة القيادة الجماعية بل وارتها للخلف. انعقد المؤتمر في شوطه الثاني بالصخيرات، بعد أن تم التراجع عن تبني نظام اللائحة الذي ربطه المؤتمرون والمؤتمرات بضرورة تقديم ورقة سياسة لكل لائحة، وهو ما كان يعني العودة لتنبي فلسفة التيارات والعمل بها حسب ما صادق عليه المؤتمر السادس، غير أن طريقة انتخاب الكاتب الأول من المؤتمر وإن اعتبرت حلا وسطا تعطي للكاتب الأول صلاحيات واسعة باعتباره منتخبا من المؤتمر، ولأن المؤتمر هو الكفيل بإقالته، إلا أنها خلقت نوعا من التصدع داخل المكتب السياسي باعتبار هل سيعمل الكاتب الأول على تطبيق برنامجه الذي وفقه اختاره المؤتمر أم سيعمل على تطبيق الخطوط العريضة للبيان الختامي الصادر عن المؤتمر ؟، وهكذا سجل المناضلون والمناضلات عدم تحقيق سنة التنظيم للأهداف المرجوة منها ، كما أن مطالبنا بالملكية البرلمانية ظلت حبيسة تأويلات لايزال الحزب، ووفق الدفاع عن التأويل الديمقراطي للدستور، عاجزا عن توضيح معالمها الكبرى. ورغم نجاح المؤتمر وانتصار الديمقراطية الداخلية بترشح خمسة مؤتمرين للفوز بمنصب الكاتب الأول ( عبد الواحد الراضي ، فتح الله ولعلو، لحبيب المالكي، ادريس لشكر، نصر حجي) إلا أنه لم نقطع نهائيا مع ثقافة تنظيمية مرتبطة بأعراف الحركة الاتحادية، وأقصد هنا القيادة الجماعية، وهو ما يعبر عليه بشكل جلي ونحن على مشارف المؤتمر من خلال تحديد التحالفات المستقبلية والمواقف السياسية، وكذا المراجعة الفكرية التي يقوم بها بعض المناضلين والمناضلات لمفاهيم كالعلاقة بين التقدمية والحداثة، والحركة الاتحادية في العلاقة بالدين والموقف من العلمانية، وهل التأويل الديمقراطي للدستور كاف لإصلاح المشهد السياسي أم نحتاج للدفع بالمطالبة بالملكية البرلمانية إلى مرحلة متقدمة، عن طريق تعبئة القوى الحية،والاستفادة من التحولات العالمية وما عرفه العالم العربي من احتجاجات ،وما راكمته حركة 20 فبراير من مكتسبات لصالح التغيير الذي نطمح إليه؟ عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية