رصيف الصحافة: قرار منع ذبح إناث الأبقار يقسم آراء مهنيي اللحوم الحمراء    هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    الكعبي يستمر في هز الشباك باليونان    لحظة تسليم علم منظمة "الأنتربول" للحموشي باعتباره رئيس الوفد الأمني للدولة التي ستحتضن الدورة المقبلة للجمعية العامة للأنتربول (فيديو)    المغرب يعتمد إصلاحات شاملة في أنظمة التأمين الصحي الإجباري    أخنوش يترأس اجتماعا حول شؤون الجالية    الكشف عن عدد سكان جهة طنجة تطوان الحسيمة برسم إحصاء 2024 (تفاصيل)    التامك يتأسف لحظر "النقابة" في مندوبية السجون... ويقول: "ما بقاش عندي الوجه" للقاء الموظفين    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الأسباب الحقيقية وراء إبعاد حكيم زياش المنتخب المغربي … !    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    توقيف 08 منظمين مغاربة للهجرة السرية و175 مرشحا من جنسيات مختلفة بطانطان وسيدي إفني    بايدن يتعهد بانتقال "سلمي" مع ترامب    اعتقال رئيس الاتحاد البيروفي لكرة القدم للاشتباه في ارتباطه بمنظمة إجرامية    «كلنا نغني».. جولة عربية وأوروبية للعرض الذي يعيد إحياء الأغاني الخالدة        المهرجان الدولي للسينما والهجرة بأكادير في دورته العشرين    ياسين بونو يجاور كبار متحف أساطير كرة القدم في مدريد    2024 يتفوق على 2023 ليصبح العام الأكثر سخونة في التاريخ    "أجيال" يحتفي بالعام المغربي القطري    المنصوري تكشف حصيلة برنامج "دعم السكن" ومحاربة دور الصفيح بالمغرب    الجماهير تتساءل عن سبب غياب زياش        ليلى كيلاني رئيسة للجنة تحكيم مهرجان تطوان الدولي لمعاهد السينما في تطوان    بايتاس: أكثر من 63 ألف أسرة استفادت من المساعدات الشهرية لضحايا زلزال الحوز    مجلس جهة كلميم واد نون يطلق مشاريع تنموية كبرى بالجهة    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    هذا ما قالته "كامالا هاريس" في خطابها الأول بعد الهزيمة في السباق الانتخابي    ما هي انعكاسات عودة ترامب للبيت الأبيض على قضية الصحراء؟    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    التنسيق النقابي للأطر الصحية يتوعد الحكومة بالتصعيد احتجاجاً على خرق اتفاق يوليوز    انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    مورو يدشن مشاريع تنموية ويتفقد أوراشا أخرى بإقليم العرائش    البنيات التحتية الأمنية بالحسيمة تتعز بافتتاح مقر الدائرة الثانية للشرطة    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار بالسعودية    بوجمعة موجي ل"رسالة24″ : يجب تعزيز الرقابة وحماية المستهلك من المضاربين    جدري: القطاعات التصديرية المغربية كلها تحقق قفزة مهمة    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين        خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقد الذاتي والاختيار الاتحادي الحر
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 08 - 05 - 2012

الاتحاد الاشتراكي ليس كالفراشات، ينتظر الربيع لكي يعيش ، وهذه حالة شاذة في العمل السياسي جعلت الكثير من الأحزاب في بعض الدول الإسلامية ، بتفاوت، تتصدر المشهد السياسي مستغلة حالة الفراغ الروحي وعملية التجهيل والتضليل والتعتيم والإبعاد من ممارسة العمل السياسي وتتبع الشأن العام ومراقبة ومحاسبة المسؤولين، ولكن الاتحاد كان قادرا دائما على خلق الفارق واتخاذ المواقف الحاسمة والواضحة في لحظات تاريخية مفصلية عاشها المغرب المعاصر، و هو قادر كذلك على صناعة الربيع الذي يريد وبإمكانه التكيف مع جميع الفصول حتى في أحلك الأحوال وأصعبها، ولقد أثبتت الحركات الاحتجاجية الاجتماعية كحركة 20 فبراير، رغم نزوع بعض الأطراف للسيطرة عليها وتدجينها تارة، وتنميطها تارة أخرى، صدق نظرتنا للأمور ونجاعة مواقفنا التاريخية خدمة للوطن، رغم أن هذه التضحية استفاد منها الانتهازيون وقطفوا أزهار ربيعنا المغربي بأقل جهد، إلا أن هذه الاستفادة ليست دائمة أو في غفلة عنا ، لأن التاريخ وواقع الحال يظهر بالملموس أن الشعوب لم تعد أدوات في يد الحكام ولا سماسرة الانتخابات والسياسة، ولم يعد المواطنون كالقطعان تساق جماعات لمصيرها ، وهو ما يدفعنا للعمل على رد الاعتبار للسياسة وللفعل الاجتماعي وللمجتمع المدني كمؤسسات للتوعية ونشر ثقافة المواطنة والديمقراطية وحقوق الانسان، ولم يعد مقبولا أن يظلوا دمية يحركها بطريقة لا حول لها ولا قو ة في ظروف مذلة بالكرامة الإنسانية، لأن هدفنا كان ولا يزال هو مجتمع السلام والأمن والطمأنينة للوقوف ضد مختلف الاختيارات التي تميل للعنف أو للانشقاق أو للانقسام ، لهذا على الاتحاد اليوم (عقل وجسد) ان يقوم بعملية التحليل والتقييم الذاتي ، ليس من منطلق عقد ندوة للتنظيم و تقييم الأداة الحزبية ، أو العودة للتاريخ لجرد المواقف السياسية بما في ذلك المشاركة في تدبير الشأن العام او التموقع في المعارضة وتحليل من نعارض، كيف نعارض ؟ وليست مهمة الاتحاد اليوم تناول مسألة التشبيب والتداول على المسؤولية خارج حدود المصداقية والكفاءة والتشبع بالروح النضالية والمتمحورة حول الاصطفاف إلى جانب الجماهير الشعبية وقيادة نضالتها لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوفير شروط العيش الكريم والمواطنة الكاملة، ولكن تقع على الاتحاد اليوم مسألة الالتزام النضالي والأدبي، لفتح طريق الخلاص للمشهد السياسي المغربي ككل، من الفوضى التي يتخبط فيها ، والتي تجعل الفعل المؤسساتي لا يرقى لمستوى طموحات المواطنين سواء في التأطير أو في التمثيلية والتعبير عن قضاياهم الآنية والمستقبلية، وهي الإمكانية المتاحة له للقيام بنقد شامل للخط السياسي ووضع استراتيجية ثانية للنضال الديمقراطي، تجنب المغاربة السقوط في فخ التعامل البرغماتي بمعناها النفعي الضيق والمصلحي الخاص ، وتدفع المسؤولين الحزبيين ، المحليين والوطنيين، للدخول في متاهات الحسابات الإنتخابية الضيقة المرهونة بالكم دون تأطير هذا الكم لتحويله إلى كيف فاعل ومؤثر في الحياة السياسية المغربية، فهل الحزب لايزال بإمكانه توحيد اليسار في إطار الاتحاد الاشتراكي الكبير؟ وكيف يمكن لحزب تقدمي أن ندعي تجاوزا ، أنه حزب حداثي دون أية مراجعة فكرية أو سياسية، وما عليه إلا الاصطفاف إلى جانب القوى الحداثية لأنها تملك رؤية سياسية للفرد و للمجتمع والدولة ونظام الحكم؟ أم الاتحاد اليوم هو حزب ديمقراطي وفق ما يمارس في ما بين المناضلين وليس حسب ما يصاغ من بيانات لدمقرطة المشهد السياسي ومختلف المؤسسات؟ وإذا كنا حداثيين، فهل يعني هذا أننا مازلنا نستحضر تحرير الذات الإنسانية والانتصار للعقل بنفس الطريقة المطلقة التي سقطت فيها حسابات التحليل العلمي الجدلي والتي تبنيناها كمنهج للتحليل في المؤتمر الاستثنائي؟ وهل المنهج العقلي والذي يتأسس على أنا أفكر حسب المنهج الديكارتي، لن يوصل لليقينات النضالية بنفس القدر الذي يوصل إليها المنهج العلمي الجدلي الواقعي ؟ وهل من مكان عند المناضلين والمناضلات اليوم لنوع من نقد العقل الاتحادي ونقد العقل المغربي في إطار إعمال القطيعة الابستمولوجية التي تبقي على التفاعل قائما بين الماضي والحاضر والمستقبل ؟ أو هل أن الحزب اليوم هو حزب اشتراكي ديمقراطي يؤمن بتحسين الخدمات الاجتماعية ويعمل على توسيع الرقابة الاجتماعية عن طريق الحكامة الرشيدة وإسقاط الفساد، بدون ديكتاتورية البروليتاريا والحزب الواحد؟ أم هل الاتحاد اليوم حزب حداثي ديمقراطي وفقط؟ على اعتبار أنه يعيش حالة من التماهي مع زمن ما بعد الحداثة عن طريق إعادة تكسير الحقائق المطلقة التي يقدمها العقل البشري مع استحضار الدين للانسجام مع خصوصيتنا المجتمعية ويقوم بالبحث في التاريخ عما يبرهن صدق هذه النظرة باعتباره امتدادا للحركة الاتحادية ولجيش التحرير في تعددها ونضاليتها؟
الأكيد أنه لا يمكن لنا القيام بكل هذا العمل النضالي والفكري دون عرض الأخطاء و نقط ضعفنا أمام الآخرين، وهو ما يجعلنا ننظر في مرآة التاريخ ، التي عودتنا تجربتنا النقدية دائما كحركة اتحادية ما معنى المصير التاريخي المختفي، لفهم ماذا كنا نعني بجيوب المقاومة؟ وما معنى مخزن القرن الواحد والعشرين؟ وما العلاقة بين الدين والسياسة ؟ وما معنى الملكية البرلمانية وما حدودها ؟ كما ستعيد التفكير في اللامفكر فيه وتلك الاتفاقات التي آمنا بها دون أن نعطيها حقها من النقد والتحليل ، كالقسم على المصحف الكريم لرهن تجربة التناوب التوافقي خارج أي تعاقد يشفع لنا فسخه أو على الأقل مراجعة بنوده، كما سيحرر المسكوت عنه والمكبوت في النفوس، والذي يرتبط ، في كثير من اللحظات، بعلم النفس بالابتعاد قليلا عن السياسة، ولفهم أرض الله الواسعة ورفض الاقتراع السري والديمقراطية الداخلية، والقبول باستكمال الأوراش الكبرى رغم الخروج عن المنهجية الديمقراطية ، و السكوت على الكثير من المغالطات التاريخية التي تمرر يوميا وبشكل تعسفي في بعض المنابر الإعلامية، و .... حتى لو كان هذا النقد اتهاما لنا فيجب القيام به وبجرأة كبيرة ، لأن ضعفنا الحالي والتمزق واللامسؤولية والضبابية التي نتخبط فيها، هو خطأنا قبل كل شيء ، لأن رغم ما ارتكب من أخطاء ورغم تلكم المواقف المتذبذبة و غير المنسجمة مع مرجعيتنا الاشتراكية الديمقراطية ، فقد أثبتت التجربة وحركة الشارع صدق تحليلنا وقوة تعاطينا مع التاريخ ، لأننا نعلم كاتحاديين ، وبناء على منهجنا التحليلي العلمي، بالتحليل الملموس للواقع الملموس، أنه ورغم قوة الأخطاء التي سقطنا فيها نحقق النصر، ويكفي العودة للنقد الذاتي لعريس الشهداء المهدي بنبركة والاعتراف بالأخطاء الثلاثة القاتلة، لأن النقد الذاتي في هذه المرحلة وبهذا المعنى ليس ضرورة أساسية ونحن في خضم التحضير للمؤتمر التاسع للحزب ، ولكنه أرفع واجبات الحزب والمناضلين ،لأن الرهان دائما كان هو الحفاظ على هويتنا وما ارتكزنا عليه من مبادئ إنسانية وسط هذه الفوضى التي خلقها المشهد السياسي المغربي وما انعكس علينا سلبا من تحولات علمية ، اقتصادية وسياسية (الأزمة العالمية، والربيع العربي، ضعف التأطير السياسي .... ) وما حملته لنا من حركات دعوية إسلاموية ممخزنة بلغة أهل الدين، وهي ما يدفعنا للعودة للحركة الاتحادية لاستنباط العبر مع عدم السقوط في أخطاء التاريخ المتجسدة أساسا في عدم الوضوح الايديولوجي والقبول بأنصاف الحلول وحصر الصراع في رقعة تنظيمية ضيقة تحجب علينا تحولات الواقع الذي نعبر عنه كقوة سياسية وما يمكن أن نراكمه لصالحنا في قلب موازين القوى الاجتماعية ، ويمكن التنبؤ بأن إسلاميي الاحزاب التي ترفض أن تنعت بالدينية ظاهريا ورسميا، غير قادرين على المضي بالمجتمع نحو الأمام، بل فقط نحو تكريس نظام رأسمالي أكثر بربرية ورجعية وعدمية تجعل الناس للناس سخرية وتبعية واستلابا ، فحدود الاجتماعي بالنسبة لهم والمبني على الصدقة بمختلف ألوانها ودرجاتها، لا يمكن أن يحل أزمة الهشاشة الاجتماعية واقتصاد الريع وسياسة الامتيازات، رغم ما يمرر علينا يوميا من مواقف وأفكار تدعي بأن الإسلاميين يشتغلون بنفس طريقة وأهداف الاشتراكية الديمقراطية، أي تحسين الخدمات الاجتماعية ومحاربة الفساد وتوسيع الرقابة الاجتماعية ، إلا أن اختيارات الاتحاد تكون حرة غير مفروضة أو مستنسخة، فنظرتنا ومشروعنا لم يقف يوما عند حدود الاجتماعي الترقيعي وفق رؤية الاسلاميين الليبراليين، بل يتعداه لإيجاد حلول بنيوية للدولة والمجتمع تجعل من الفرد الانسان الحر مرتكزها وغايتها، وليس علاجات سطحية تبسيطية، وبالتالي فالمطالبة بملكية برلمانية ليست شعارا للاستهلاك الداخلي وليست خطابا للتفاعل مع المرحلة وما يقتضيه الربيع العربي للركوب على الحركة الاحتجاجية وتلجيمها أو تنميطها ، بل هي موقف ورؤية تنسجم مع استراتيجيتنا ومواقفنا السياسية ومرجعيتنا الاشتراكية الديمقراطية.
وبنفس المنطق والمبادئ التي جعلتنا نختار المعارضة ونرفض الدخول مع إسلاميي العدالة والتنمية في تجربة حكومية جديدة، وجب رفض التعامل مع بعض من ينسبون أنفسهم للحداثيين أو التنويريين، فقط لمجرد أنهم ادعوا بأنهم كذلك، وهو المنطلق الذي جعلنا نرفض التعامل مع بعض الأحزاب التي ادعت أنها ديمقراطية أو أنها ليبرالية ، وما هي ، في حقيقة الأمر، إلا صنيعة بصراوية استخباراتية ممخزنة، و الحداثة بالنسبة لنا ليست برؤية سياسية، بقدر ما هي رؤية ثقافية للفرد والمجتمع وللعلم ، وهو ما جعل ما بعد الحداثة تعيدنا إلى الدين ، وإذا افترضنا أن الحداثة تقاس بالتقدمية وتلازم الديمقراطية، فكيف نفسر إقصاء الحداثيين لغير الحداثيين التقليديين والمحافظين والمتأسلمين باسم الحداثة ، ثم يدمجون باسم الديمقراطية في قوالب أخرى غير واضحة سياسيا، وهو ما سيزيد المشهد السياسي تعقيدا وفبركة، كما أننا لن نسقط في فخ التحالف الحداثي ولنا في مجموعة الثمانية العبرة والنموذج الذي يجب علينا تجنب السقوط فيه فقط لأن هناك من يدعي أن هناك أحزابا حداثية أصبحت تشكل رقما في المعادلة السياسية المغربية، وأصبح حجمها وعددها أكبر منا ويتجاوزنا، ويتناسون أن الاتحاد وعبر تاريخه ورغم التزوير الذي كان يواجه به داخل صناديق الاقتراع، ورغم القمع، إلا أنه لم يكن يرهبه لا القمع ولا العدد، وننتظر من الذين يدعون أنهم حداثيون أن يعبروا عن ذلك في مواقف وبيانات ومعارك سياسية و اجتماعية للدفاع عن العقل و الإعلاء من سلطته وتحرير المواطن من التقاليد البالية المرتبطة بثقافة مخزنية تعطي الأهمية للمظاهر على شاكلة المواسم البدوية والتقليدية، وآنذاك يمكن النظر في مجموع الإمكانات المتاحة وسنظل نمارس معارضتنا بالطريقة التي نختارها نحن وبإرادتنا ووفق قناعتنا، وهو الخطاب الموجه أيضا لكل الذين يدعون أنهم ليبراليون ولا يستطيعون الدفاع عن أبسط حقوق الإنسان وأرفعها، وهو الحق في التعبير وفي التظاهر السلمي .
أكيد أننا سنستمر ليس لأن معايير ومقاييس الصراع السياسي وموازين القوى الاجتماعية تتغير وتميل لصالحنا ، ولكن لأننا نتعلم من التاريخ الذي علمنا أننا كنا في المعارضة أو الحكم ، فلابد للأقنعة أن تسقط سواء كانت تعبر عن انتهازية منمقة أو طموح جامح خارج الأعراف والضوابط الاتحادية، وهي ما زاد الطين بلة وجعلتنا في موقع المنهزم في العديد من المحطات الانتخابية والاختبارات المجتمعية.
ورغم أن المشاركة في تدبير الشأن العام الوطني، غيرتنا بشكل جلي وأثرت على نظرتنا للأمور، إلا أننا لن نترك أمامنا المساحات فارغة وسنستعمل ونوظف في كثير من الأحيان سلاح خصومنا ومن أرض المعركة، لتفادي حسابات بعض القيادات الخاطئة، وتنازلاتهم غير المبررة دون احترام لأبسط ضوابطنا وخطوطنا الحمراء. لقد كان على حزبنا أن يكون مدركا للأهداف الحقيقية للانخراط في تجربة التناوب التوافقي، قيادة وقواعد، ومستعدا لها قيميا ، تنظيميا وسياسيا وبشريا ، غير أن الاستعداد لم يكن بنفس الروح الوحدوية التي طبعت مرحلة وضع استراتيجية النضال الديمقراطي والانخراط في مختلف المعارك التي ساهمت في تكريس ثقافة الاحتجاج وتحقيق المصالحة الاجتماعية ووضع اللمسات الأولى نحو الانتقال نحو الديمقراطية ، المصعد الذي تعطل مع الخروج عن المنهجية الديمقراطية سنة 2002، لقد طبعت تجربتنا في الصراع والاختلاف الداخلي، الذاتية والفئوية والحلقية ،وللأسف، وهذا هو الخطير، استحضار صراعات التأسيس وحسابات الحركة الاتحادية والقيادة الجماعية ، وظهر جزء من هذه الصراعات للسطح في المؤتمر السادس للحزب ثم أخيرا حصر الصراع بنفس المنطق الاجتراري لحسابات الماضي وصراعاته بين مجموعات وفرق، وإن كانوا مرتبطين بالأفراد أكثر من ارتباطهم بالتيارات رغم أنهم تجسيد فعلي لسياسات واختيارات وأفكار حول الحزب والمجتمع والدولة. النقد الذاتي الذي يجب أن نقوم به هو اختيار اتحادي حر، يجب أن يتجاوز عوائق و إكراهات الماضي، وعليه أن يكون أكثر مؤسساتية منه انتسابه للأفراد رغم مصداقيتهم وكفاءتهم وامتدادهم الجماهيري، ولدينا من التراكم التنظيمي والمعرفي والسياسي ما يكفي للخروج من هذا المأزق، إن لم نقل أزمة تنظيمية خانقة ، ويكفي العودة لمقررات المؤتمر السادس الذي تبنى العمل بالتيارات لتنظيم الاختلاف و دمقرطته، كما أن المكتسبات التي حققناها في المؤتمر الثامن ، بشوطيه، في حالة ما اجتمعت، تعد تكريسا للعمل بالتيارات بطريقة منسجمة واختيارنا الحر، ففي الشوط الأول صادق المؤتمرون على العمل بنظام اللوائح بدون أية رؤية سياسية، على اعتبار أن المشكل في فريق العمل واتخاذ القرارات الذي يحتاج لحد أدنى من الانسجام وليس المشكل في الخط السياسي العام، أو في الاختيار الاستراتيجي، وفي الشوط الثاني ،وبعد التراجع عن تبني النظام اللائحي، فقد كانت هناك مشاريع رؤى سياسية لمتنافسين على الكتابة الأولى لقيادة الحزب، دون الرقي لمستوى وضع تصور تنظيمي يكملها وينضج شروط الديمقراطية الداخلية لتدبير الاختلاف في ما بيننا، وظلت مختلف المقررات التنظيمية حبيسة الموقف والموقع الرسمي للحزب باعتباره حزبا مشاركا في الحكومة، لهذا ونحن في الطريق لوضع استراتيجية نضال ديمقراطي ثانية، وجب التحرر من مجموعة من القيود التي كبلتنا ونحن في تدبير الشأن العام، لأن الاتحاد حزب جاء ليحكم ووجودنا في المعارضة ليس هو مكاننا الطبيعي، كما يتوهم ذلك بعض الذين يريدون الاستفراد بالسلطة والمال، أو كما يدعي بعض شنّاقة الفعل السياسي ، ولنا عبرة في حكومة عبد الله إبراهيم التي انخرطت فيها الحركة الاتحادية في شخص حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، ونعرف جميعا كيف أقبرت التجربة وهي في مهدها، ذلكم الانعراج والخروج عن المنهجية الديمقراطية من بين أهم عوامل تخلفنا الحضاري والسياسي، ثم جاء الاختيار الثوري كاختيار اتحادي حر من أجل الوصول للسلطة أو على الأقل اقتسامها، ثم كان تبني الاختيار الديمقراطي كنوع من المراجعة النقدية للوصول للحكم عن طريق تبني إستراتيجية النضال الديمقراطي الأولى، وما موقعتنا في المعارضة اليوم إلا احتراما للأجهزة المقررة وانسجاما مع هويتنا في دحض تام لمختلف التصورات القبلية التي كوناها عن المشهد السياسي وحسابات ما قبل دستور فاتح يوليوز عقب «20 فبراير» لهذا لا يمكن أن نعارض حزبا إسلاميا بدعوى الوضوح الإيديولوجي ثم نقوم بدورة كاملة للسقوط في فلسفة ما بعد الحداثة والعودة مرة أخرى لنقطة الصفر في المشهد السياسي المغربي، فالاتحاد اختياراته حرة ، والاتحاد جاء ليحكم، وأي حزب هدفه هو الوصول للسلطة لتطبيق مشروعه المجتمعي والسياسي والاقتصادي، ومع ما يتوفر لنا اليوم من إمكانيات مادية وبشرية وتقنية وتشريعية دستورية، يمكن لنا الدفاع عن التأويل الديمقراطي للدستور وتفعيله، لإكمال نصف الطريق الصعب والشائك نحو الملكية البرلمانية.
03/05/2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.