مرحلة استراتيجية جديدة في العلاقات المغربية-الصينية    محامون يدعون لمراجعة مشروع قانون المسطرة المدنية وحذف الغرامات        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    النقيب الجامعي يكتب: على الرباط أن تسارع نحو الاعتراف بنظام روما لحماية المغرب من الإرهاب الصهيوني    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران    كأس ديفيس لكرة المضرب.. هولندا تبلغ النهائي للمرة الأولى في تاريخها        الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    فولكر تورك: المغرب نموذج يحتذى به في مجال مكافحة التطرف    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم: "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    قلق متزايد بشأن مصير بوعلام صنصال    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط        الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين        المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الاتحاد الوطني إلى الاتحاد الاشتراكي: أزمة قيادة جماعية أم أزمة ديمقراطية داخلية؟
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 06 - 10 - 2012

عند الاحتفال بالذكرى الخمسينية للاتحاد بالمركب الثقافي بالرباط، أثير نقاش من قبيل أحقية الاحتفال بذكرى تأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انطلاقا من تاريخ تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية منذ سنة 1959 باعتبار أن الاتحاد الاشتراكي هو امتداد لحزب الاتحاد الوطني واستمرار للحركة الاتحادية، كحركة تحرير شعبية، أم أن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية حزب قائم الذات ومستقل عن الاتحاد الاشتراكي ومختلف عنه في الهوية والمرجعية، وبالتالي فالاحتفال بالاتحاد الاشتراكي كحزب من المفروض أن ينطلق منذ المؤتمر الاستثنائي، أو على الأقل عند بداية التحضير له من طرف القيادة الجماعية، فهوية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حسب بعض المناضلين والقياديين ترتكز على إيديولوجية واضحة المعالم مجسدة في تبني الاختيار الديمقراطي انطلاقا من مرجعية الاشتراكية الديمقراطية، هذا الجدال يخفي في حقيقته جزءا مهما من مستقبل الاتحاد الاشتراكي، ويوضح بشكل أو بآخر بعض المواقف التي يجب أن نتخذها، وطبيعة التحالفات الممكنة للاتحاد في أفق عقد المؤتمر التاسع، هذا الإشكال الذي لا يجب أن يفهم منه أن الاتحاد الاشتراكي يريد السطو على تاريخ الحركة الاتحادية، هو محاولة للحديث عن فهمنا للقيادة والتفاعل التراكمي الذي تحمله معها انطلاقا من تجارب فردية وجماعية، يمكن أن تكون فاعلا مهما في تحديد المعالم الكبرى لاتحاد المستقبل. ويمكن القول إن الاتحاد عرف نوعين من القيادة، قيادة جماعية وقيادة فردية على مراحل .وعند الدخول في نقاش كل مرحلة على حدة يظهر لنا بالملموس أن الإشكال بالنسبة للكثيرين مرتبط بطريقة تدبير الحزب حسب طبيعة القيادة وطبيعة المرحلة والظروف المحيطة والمواقف والقرارات المتخذة . فالاتحاد الوطني للقوات الشعبية الحزب تميز بمفهوم القيادة الجماعية والمشكلة أنذاك من اتحاديين خارج الوطن وداخله . القيادة الجماعية أملتها أولا طبيعة الظروف السياسية المغربية وتبني كل قائد لاستراتيجية مختلفة تماما عن الآخر، سواء في فهمه للحزب أو لطبيعة الصراع أو لطبيعة التغيير المنشود. تعدد الاستراتيجيات أثر بشكل جلي على أداء الحزب وطبيعة الأهداف التي كان له أن يحققها، فلم يحسم الخلاف بين دعاة التغيير الجذري والتغيير النسقي الوظيفي والتدريجي، واستمر النقاش الداخلي والوطني حول شرعية من يسود ومن يخضع للسيادة، لتتوسع الهوة بين الاستراتيجيات حول من يريد التحكم في الحزب من زاوية استعراض قوته النقابية، ومن يريد التحكم في الحزب من زاوية استعراض قوته الفكرية ومن يريد التحكم في الحزب من زاوية استعراض قوته العسكرية....وكلها تكتيكات ووسائل لخدمة استراتيجيات مختلفة ، هدفها الأساسي مقسم بين دمقرطة المؤسسات والمجتمع وبين التحكم فيه، وكانت محاولة تجميع الرؤى وتوحيد الأهداف والاستراتيجية من طرف الشهيد المهدي بنبركة قوية عندما تطرق في نقده الذاتي لضرورة الوضوح الأيديولوجي لتدارك أهم ثلاثة أخطاء اعتبرها قاتلة ، فالوضوح الأيديولوجي حسب المتتبعين كان بإمكانه أن يجنب الحزب والمجتمع الكثير من الأعطاب في تلك المرحلة، وكان ممكنا أن يتحقق الإجماع حول استراتيجية متوافق عليها تمثل الحد الادنى، كما ينسجم مع قيادة الحد الأدنى الجماعية، فلم ينجح الحزب في توضيح أيديولوجيته، وظل الصراع بين الحزب ورئيس الدولة من جهة ومن داخل القيادة الجماعية من جهة ثانية. ومع كثير من المراجعات الفكرية والنقدية وبعض التوافقات المرحلية تأسس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في مؤتمر الوضوح الايديولوجي.
عنوان نجاح المؤتمر الاستثنائي: الانسجام بين الاستراتيجية والقائد
استراتيجية النضال الديمقراطي وإن كانت قد عبرت في حينها عن الوضوح الإيديولوجي، بتبني الاشتراكية الديمقراطية واعتبار التحليل الملموس للواقع الملموس منهجا في التحليل يستمد قوته من التحليل العلمي الجدلي كما هو متعارف عليها في الأدبيات الاشتراكية، فإنه عبر وبطريقة مباشرة عن نوع من الانسجام بين الاستراتيجية والقائد، فالسي عبد الرحيم بوعبيد كما يعرف المواطنون والمناضلون استطاع بحنكته وقوة بصيرته، السهر على تطبيق استراتيجية النضال الديمقراطي وتفعيلها بشكل استطاع معه الاتحاد الاشتراكي إعمال نوع من القطيعة الإبستمولوجية والتنظيمية مع ما اصطلح عليه في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالقيادة الجماعية . القائد الذي جمع بين الكاريزمية والانضباط للقواعد الديمقراطية، عمل جاهدا على بلورة مجموعة من الخطط والتكتيكات للانخراط في مختلف المؤسسات ذات الواجهة الجماهيرية، معتبرا الانخراط في العملية الانتخابية شرطا أساسيا لإصلاح المؤسسات من الداخل. قيادة الحراك الاجتماعي وتأطير احتجاجات المواطنين وخلق امتداد جماهيري للحزب، هي أهداف جزئية كلها تصب جميعا في الوصول للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع، للدفع بالتطور المؤسساتي للأمام لتحقيق الملكية البرلمانية تدريجيا، وعن طريق القيام بتعديلات دستورية متوافق عليها. انخرط الاتحاد في العمل الجماهيري بوعي وبمسؤولية وأسس مجموعة من التنظيمات الجمعوية والنقابية والشبيبية وقام المناضلات والمناضلون بوضع تصور للقطاع النسائي ينسجم مع رؤيتهم التقدمية. رفع الحزب شعار تحسين جودة الخدمات الاجتماعية وتوسيع الرقابة الاجتماعية، ودعا للعمل من داخل المؤسسات المنتخبة المحلية والبرلمانية، للتعريف بهويته والدفاع عما يؤمن به من قيم ومبادئ، حتى وإن كان ذلك ضد مصالحه خدمة لقضايا الوطن ولخير دليل على ذلك قول لا للملك الحسن الثاني والموقف من القضية الوطنية، وعندما يتحدث القائد أو يفاوض أو يناور أو يصارع، فكل المناضلين والمتعاطفين يعرفون بما لا يجعل مجالا للشك بأن المسألة مرتبطة بالقرارات الواجب اتخاذها خدمة لكل الحزب وللوطن، ولم يكن بنية تغليب كفة جهة على حساب جهة أو إقصاء طرف على حساب آخر. صحيح أن القراءات كانت مختلفة ومتعددة وكانت التقييمات تبعا ذلك جد متباينة، ولكن الاستراتيجية لم يكن حولها الاختلاف وعندما نتفق حول الاستراتيجية يسهل علينا جيدا اختيار قائد ينسجم مع هذه الاستراتيجية، ويسهر على وضع الخطط الكفيلة بتطبيقها وكان دائما تجديد الثقة في الشخص القائد القادر ليس فقط على قيادة جهاز بحد ذاته، بقدر ما كان يعمل على تحقيق ما يطمح إليه جميع الاتحاديين والاتحاديات ، وعندما تكون القيادة منسجمة مع ذاتها وتعمل على تحقيق الاستراتيجية المتعارف والمتفق عليه، يحصل الانضباط التنظيمي ويكون حاضرا لكل الافراد والأجهزة ويتحقق الالتزام النضالي على أساس نوع من الالزامية الوظيفية والمؤسساتية التي تفرض تقديم الجميع للمحاسبة والمساءلة. لقد كان القائد السي عبد الرحيم يسعى لتحقيق النصر ولكن مع تجنيب الحزب الهزائم، أو على الأقل نصر بأقل الخسائر.
استراتيجية النضال الديمقراطي والقيادة الجماعية
لقد رحل عنا السي عبد الرحيم وبوادر تحقيق أهداف الاستراتيجية في بدايتها. فبعد 14 دجنبر 1990 انطلقت في العلن مفاوضات شبه علنية وأخرى سرية بين رئيس الدولة الملك الحسن الثاني وأحزاب المعارضة من أجل ترتيب المشهد السياسي لدخول أحزاب المعارضة لتدبير الشأن العام الوطني ، وكان النقاش حول تعديلات دستورية عرف نوعا من التقدم ، بعد تنازلات قدمها كل من الملك والمعارضة على حد سواء للمضي قدما في الإصلاحات الديمقراطية والمؤسساتية ، غير أن حسابات من داخل المعارضة من جهة، وخلافات من داخل الاتحاد الاشتراكي من جهة ثانية، وتشبث الملكية ببعض التفاصيل أجل مرحلة دخول الحزب في تجربة التناوب التوافقي، لكنه في المقابل وعلى المستوى الذاتي الداخلي دخلنا في مرحلة القيادة الجماعية، للمرة الثانية في تاريخ الحركة الاتحادية. فمن جهة ظهر للعلن نقاش قديم جديد بين قيادة الداخل وقيادة الخارج على شاكلة «اتحاديو الداخل واتحاديو الخارج»، ومن جهة ثانية فتح ملف العلاقة بين النقابي والسياسي، وتحديد من يسود ومن يخضع للسيادة، في إطار داخلي، وظل الصراع قائما بين الاطراف داخل الاتحاد، في نوع من استعراض العضلات التنظيمي والعددي لقلب موازين القوى داخل الحزب، وبدأت المناورات الداخلية مع تغيير الخصم الذي تحول تدريجيا من خصم خارجي متمثلا في قوى المخزن بكل تلاوينها ومستوياتها، إلى إنتاج أعداء داخليين وفي بعض الأحيان أعداء وهميين، مما قلص من هامش الحد الأدنى بشكل تدريجي خصوصا بعد اقتراب الحزب من تحقيق جزء من استراتيجيته المتمثلة في الوصول للسلطة كما حسبناها، والقيام بإصلاحات دستورية وانتخابات نزيهة. تم التصويت على دستور 1996 واعتبرنا التصويت إشارة سياسية وحسن نية يقدمها الاتحاد لرئيس الدولة. حقق الاتحاد الاشتراكي كما كان متوقعا المرتبة الأولى على مستوى الانتخابات التشريعية سنة 1997 وكلف السي عبد الرحمان اليوسفي بقيادة الحكومة، حيث قاد المفاوضات لتشكيلها، لكن هذا لم يمنع من بروز حسابات القيادة الجماعية خصوصا وأن الاستراتيجية التي كانت توحد مختلف القيادات داخل الحزب في الحد الأدنى الذي يجعل التوافق قائما، لم تعد متينة ومتراصة البناء، وأصبح من الواجب على الحزب توضيح رؤيته ووضع استراتيجية تتماشى مع الوضع الجديد المتمثل في تدبير الحكومة. الاختلافات بين القيادات بدت واضحة والاتحاد يهيئ لمؤتمره السادس، حيث انصب النقاش بالأساس حول هل فعلا حققت فعلا استراتيجية النضال الديمقراطي أهدافها؟ ، وإذا كان الأمر كذلك فهل نستطيع وضع استراتيجية جديدة تجعلنا نعمل على البقاء في الحكومة مع تعميق الإصلاحات واستكمال الأوراش التي فتحت، وفي نفس الوقت الحفاظ على الحزب وحمايته من الانكماش الذي قد يصيبه من جراء مشاركته في التدبير الحكومي؟.
عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية
أكيد أن من أهداف استراتيجية النضال الديمقراطي الرهان على العمل التشريعي والبرلماني والانتخابي كإحدى الوسائل للدخول في الحكومة، ومن ثم الحفاظ على الحركة الاتحادية في تطور دائم يدفع بالإصلاح إلى أقصى مدى، مع التأكيد على أن الهدف الأسمى للاستراتيجية هو تحقيق مكتسبات معيشية وديمقراطية لمختلف الفئات الشعبية وتضمن لهم الحرية، الكرامة والعدالة الاجتماعية، إلا أنه وفي تقييم لهذه الوسائل وما تحقق من منجزات ومن مهام، بدا الاختلاف يظهر جليا أولا حول طريقة المشاركة التي اعتبرها البعض بديمقراطية ما قبل مغيب الشمس، وحول الأشخاص الذين سيتحملون مسؤولية المشاركة كوزراء في الحكومة، وحول الحلفاء وطبيعة الائتلاف المكون للحكومة، ومن جهة ثانية تحول الاهتمام للبحث في تحديث الحزب ودمقرطته، بشكل يتناسب مع الوضع الجديد المشارك في الحكومة، دون أية رؤية استراتيجية تجنب الحزب الدخول في صراعات داخلية وانشقاقات، وهو ما تم بالفعل في المؤتمر السادس الذي ورغم حفاظ الحزب على هويته الاشتراكية الديمقراطية وتطعيمها بأوراق أرضيات تتبناها الأممية الاشتراكية، إلا أن الاجتهاد التنظيمي ظل قاصرا بالشكل الذي جعل القيادة الجماعية غير قادرة على التوافق حول الكثير من النقط المدرجة في التصور التنظيمي المقدم للمؤتمر، فاعتمد التصويت السري في اختيار الاجهزة الحزبية ، وتبنى المؤتمر نقطة تتعلق بالاشتغال بالتيارات، لكن انسحاب الأموي من المؤتمر بتبني استراتيجية مخالفة تماما لباقي القيادات الحزبية، جعل الجناح النقابي للحزب «الكونفدرالية الديمقراطية للشغل» يتخذ قرارات يبتعد بها عن مساندة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وبالمثل انسحب تيار الوفاء للديمقراطية بقيادة الساسي الذي قام بتأسيس جمعية لتتحول في ما بعد إلى حزب.
ومع انسحاب جزء من القيادة الجماعية ، بعد أن اختار كل قائد استراتيجية خاصة به، ظلت التوافقات تطبع قيادة الحزب، على أساس استكمال الأوراش الكبرى والاعتقاد بأن الاصلاح من الداخل ممكن ، جاءت هذه المرة ضربة قوية من خارج الحزب تعلن الخروج عن المنهجية الديمقراطية ، لينفجر من جديد نقاش القيادة الجماعية ، ومن يتحمل المسؤولية ككل، وهل التعاقد مع الملك الحسن الثاني على المصحف الكريم كان كافيا للدخول في مغامرة تدبير الشأن العام، أم هي تهدئة لضمان انتقال سلس للسلطة من الملك الحسن الثاني إلى ولي عهده محمد السادس؟ وهل فعلا استلمنا الحكم أم فقط الحكومة، وهل هناك مفهوم جديد للسلطة أم نفس المفهوم التقليدي في حلة حداثية؟ وهل من الضروري الاستمرار في المشاركة في الحكومة بدافع الالتزام مع الحلفاء السياسيين؟
أسئلة كثيرة ظلت عالقة وظل النقاش الحزبي الرسمي هو الدفاع عن مقولة أن ما يجب تغييره هو الخط السياسي أما الاستراتيجي فيبقى النضال الديمقراطي، ومع ارتفاع وتيرة المتغيرات والتقلبات المحلية والاقليمية والدولية، وما واكبها من نقاش حول الوافدين الجدد والقوى الاجتماعية الصاعدة أو تلك التي قدر لها أن تصعد ، انعقد المؤتمر الوطني الثامن لحزب الاتحاد الاشتراكي .
*المؤتمر الثامن ومقابلة التيارات بين شوط للتنظيم وشوط للسياسة
انخرطت اللجنة التحضيرية والمجلس الوطني في نقاش معمق لتجاوز أشكال القيادة الجماعية التي عرفتها الحركة الاتحادية، مستحضرة مجموعة من التجارب الذاتية والعالمية لتجاوز الخلل التنظيمي وضعف الأداء السياسي الذي عرفه الحزب، انطلقت الأشغال حول تحديد طبيعة المؤتمر، هل مؤتمر عادي ؟ أم مؤتمر استثنائي؟ لأن طبيعة المؤتمر بالنسبة للبعض ستحدد عدد المؤتمرين ونوعيتهم من جهة، ومن جهة ثانية هو إحالة على مرجعية فكرية ولحظة تاريخية قد يستنبط منها المواقف السياسية الضرورية للخروج بالحزب قويا معافى، وتم الاتفاق في الأخير على صيغة مؤتمر عادي بوسائل استثنائية. فالوسائل كانت تعني تغليب الشق التنظيمي على السياسي، وهو ما لم يقبله عدد كبير من المؤتمرين الذين اعتبروا أن المدخل السياسي شرط أساسي لبناء أي تصور تنظيمي، وهو ما أثر سلبا على تبني اختيار نظام اللائحة لانتخاب المكتب السياسي والكاتب الأول، الذي صادقت عليه اللجنة التحضيرية والمجلس الوطني، غير أنه تم تفنيد الأساس النظري الذي اعتمد لتبني نظام اللائحة، باعتبار أن الإشكال لا يكمن في ضمان أغلبية مريحة للكاتب الأول داخل المكتب السياسي، لتمرير قراراته بأريحية مع ضمان حق الأقلية داخل نفس الجهاز، بل في طرح إجابات سياسية على الأسئلة التي طرحها المجتمع، إذ تزامن الشوط الأول مع مجموعة الأحداث والحركات الاحتجاجية التي عرفها المغرب، أبرزها أحداث سيدي إيفني ، فكان لزاما علينا تقديم مواقف سياسية تميزنا عن باقي الفرقاء السياسيين خصوصا مع صعود نجم حزب ما عرف أنذاك بحزب صديق الملك ، وكان لابد من التأكيد سواء من حيث التحالفات أو بناء على المرجعية الفكرية للحزب كاشتراكي ديمقراطي، التأكيد على أن الاتحاد لا يمكن أن نختزله في تحالف حداثي/ محافظ أو يميني، بل إن هناك طريقا ثالثا: طريق لليسار قادر ليس فقط على أن يلعب دور المكمل بل أن يقوم بقيادة المجتمع، بعد الخبرة التي اكتسبها الاتحاد في تدبير حكومة التناوب، وبالتالي فالمشهد السياسي وفق هذه الرؤية الإصلاحية للمشهد السياسي ككل والتي هي مقدمة لفرز سياسي وإيديولوجي حقيقي، تنقسم بين يمين محافظ، واضحة معالمه ومرجعيته الدينية والسلفية، والليبراليين الحداثيين الذين يجب أن يعملوا على الدفاع عن قيم حقوق الإنسان وإعلاء العقل وعلى الاختيارات الديمقراطية وتكريس قيمها داخل المجتمع، انتصارا للفرد وإعلاء من قيمته، وبين الديمقراطيين الاشتراكيين الذين عليهم أن يكونوا أوفياء لخطهم الاصلاحي في إطار التشبث بالمطالبة بالملكية البرلمانية في إطار استراتيجي.
تقديم أجوبة عن الأسئلة التي يطرحها المجتمع، عجل بتأجيل المؤتمر للشوط الثاني لإعادة النظر في التصور التنظيمي واتخاذ المواقف السياسية الضرورية التي تنسجم مع المرحلة ، مع الكثير من التوافقات التي لم تلغ فلسفة القيادة الجماعية بل وارتها للخلف. انعقد المؤتمر في شوطه الثاني بالصخيرات، بعد أن تم التراجع عن تبني نظام اللائحة الذي ربطه المؤتمرون والمؤتمرات بضرورة تقديم ورقة سياسة لكل لائحة، وهو ما كان يعني العودة لتنبي فلسفة التيارات والعمل بها حسب ما صادق عليه المؤتمر السادس، غير أن طريقة انتخاب الكاتب الأول من المؤتمر وإن اعتبرت حلا وسطا تعطي للكاتب الأول صلاحيات واسعة باعتباره منتخبا من المؤتمر، ولأن المؤتمر هو الكفيل بإقالته، إلا أنها خلقت نوعا من التصدع داخل المكتب السياسي باعتبار هل سيعمل الكاتب الأول على تطبيق برنامجه الذي وفقه اختاره المؤتمر أم سيعمل على تطبيق الخطوط العريضة للبيان الختامي الصادر عن المؤتمر ؟، وهكذا سجل المناضلون والمناضلات عدم تحقيق سنة التنظيم للأهداف المرجوة منها ، كما أن مطالبنا بالملكية البرلمانية ظلت حبيسة تأويلات لايزال الحزب، ووفق الدفاع عن التأويل الديمقراطي للدستور، عاجزا عن توضيح معالمها الكبرى. ورغم نجاح المؤتمر وانتصار الديمقراطية الداخلية بترشح خمسة مؤتمرين للفوز بمنصب الكاتب الأول ( عبد الواحد الراضي ، فتح الله ولعلو، لحبيب المالكي، ادريس لشكر، نصر حجي) إلا أنه لم نقطع نهائيا مع ثقافة تنظيمية مرتبطة بأعراف الحركة الاتحادية، وأقصد هنا القيادة الجماعية، وهو ما يعبر عليه بشكل جلي ونحن على مشارف المؤتمر من خلال تحديد التحالفات المستقبلية والمواقف السياسية، وكذا المراجعة الفكرية التي يقوم بها بعض المناضلين والمناضلات لمفاهيم كالعلاقة بين التقدمية والحداثة، والحركة الاتحادية في العلاقة بالدين والموقف من العلمانية، وهل التأويل الديمقراطي للدستور كاف لإصلاح المشهد السياسي أم نحتاج للدفع بالمطالبة بالملكية البرلمانية إلى مرحلة متقدمة، عن طريق تعبئة القوى الحية،والاستفادة من التحولات العالمية وما عرفه العالم العربي من احتجاجات ،وما راكمته حركة 20 فبراير من مكتسبات لصالح التغيير الذي نطمح إليه؟
عادل أزعر
عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.