من الأكيد أن الديمقراطية بحاجة دائما إلى من يسهر على ضمان شروط استمراريتها في كينونتها وفي مسارها, ومن الأكيد أيضا أن يعتز المغاربة بالتحولات الايجابية الهادئة التي تمت عبر عدة مستويات بفعل تأثير المحيطين الدولي والإقليمي وخاصة العربي منه بداية بإسقاط نظام بنعلي بتونس ومع تحرك الشارع المغربي بفعل حركة 20 فبراير وانخراط الشباب المغربي فيها وخاصة المنتمي لأحزاب اليسار وفي مقدمتها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. هذه التحولات المتسارعة انتهت بالتصويت على دستور1 يوليوز 2011 والإعلان عن تنظيم الانتخابات البرلمانية الخاصة بمجلس النواب في 25 نونبر من ذات السنة والتي اعقبها تكليف رئيس الحكومة الجديد عبد الاله بنكيران بتشكيل فريقه بصلاحيات دستورية جديدة لأول مرة في التاريخ السياسي المعاصر للمملكة.. صحيح أن مطالب المغاربة وقواهم الحية في اصلاحات سياسية ودستورية تكون اعمق وعلى رأسها الملكية البرلمانية، لم يستجاب لها بعد بشكل كلي، ومع ذلك فقد فتحت باب الأمل أمامهم في تحول سياسي سلس يمكن ان يصنف ضمن الاستثناء المغربي وخاصة بعد اتساع باب حرية التعبير والتفكير مقارنة مع الماضي، إلا ان هناك مظاهر سلبية اصبحت تطفو بشكل روتيني فوق سطح الحياة الاجتماعية للمغاربة وبخصوصيات تكون في الغالب شاذة تحاول الركوب على نتائج الحراك الاجتماعي والسياسي لإضعاف دور الدولة والمجتمع بمختلف مكوناته: فالديمقراطية قد تصبح فوضى عارمة اذا لم تتم حمايتها بنص وروح القانون دون أن يعني ذلك السماح للسلطات بتبرير استعمال اسلوب القمع والزرواطة وإنتاج اساليب الماضي القريب التعنيفية، مظاهر اصبحت تستفزنا في حياتنا اليومية وقد يفضي تفاقمها الى استحالة ضبطها وتنظيمها مستقبلا, اذ هناك قنابل بحمولة اجتماعية قد تنفجر بين الفينة والاخرى امام الصمت الحكومي: القنبلة الاولى : فقد أصبحت معظم محطاتنا الطرقية خارج الزمن التنظيمي، جحافل من الكورتية وأغلبهم يمارس النصب خارجها, بينما الشبابيك المعدة لذلك في راحة تامة، تحرش في تحرش للنساء العازبات والمتزوجات وحتى أمام انظار أزواجهن، وأمننا الوطني يتفرج ،وفي غياب نصوص تشريعية تقنن عمل الكورتي وتحد من الفوضى العارمة في السلوكيات وفي المضاربة بالأسعار تحت غطاء كثيف من الالفاظ النابية..فأما أن تتحرك وزارة النقل والتجهيز بسرعة أو لتغلق كل المحطات الطرقية ببلادنا قبل فوات الأوان. فهل فعلا نتوفر على محطات طرقية بمواصفات الجودة الدولية؟ إن كان كذلك زوروا أولاد زيان ومحطة فاس والقامرة بالرباط ومراكش ووجدة وتطوان وبني ملال..هناك قد تجدون الجواب . القنبلة الثانية: ظاهرة الفراشة أو ما يسمون بتجار الأرض. بديهيا أن نتضامن مع هؤلاء في الرزق، إلا أن وضعهم الحالي والذي يتفاقم بشكل يثير الانتباه يتطلب تدخلا حكوميا عاجلا بوضع استرتجية تنظيمية لحرفة التاجر الفراش وخاصة بعد احتلال شوارع وأزقة بأكملها ومنع حتى وسائل النقل من المرور فيها بالحي المحمدي بالبيضاء وبيعقوب المنصور بالرباط مثلا ونفس المثال ينطبق على جل مدن المملكة كبيرها وصغيرها, بل وإغلاق ابواب المنازل والدور والشقق دون أن يستطيع أحد من الساكنة الاحتجاج لأنه يعرف مصيره مسبقا.. وهناك من استغل شهر رمضان الكريم لفرض أسواق تجارية جديدة فوق الملك العمومي رغم أنف السلطات كما حصل مؤخرا بمقاطعة الفداء بالدار البيضاء, فوزارة الداخلية ملزمة بالتنسيق مع الجماعات المنتخبة، بسن قانون يحدد مهنة التاجر المتنقل والفراش وينظمها في اطار اسواق معترف بها وإلا..؟ القنبلة الثالثة: سرقة الكهرباء من الإنارة العمومية :الحراك الاجتماعي بالمغرب من خلال حركة 20 فبراير والقوى اليسارية التقدمية والحقوقية والنقابية والاحتجاج بشكل سلمي ضد الفساد والمفسدين وضد غلاء المعيشة والحق الطبيعي في السكن والتعليم والصحة...ساهم بشكل مباشر في التحولات السياسية الهادئة ولو انها بطيئة، تلك التي تشهدها المملكة..إلا أن البعض اعتبر ذلك دربا من دروب تهاون وخنوع الدولة: فالديمقراطية إن لم تحم، تتحول الى فوضى، وهذا ما لا حظناه في بعض المدن، فبالإضافة الى بعض مظاهر الفوضى التي تطرقنا اليها في البداية، ظاهرة أخرى يستنكرها المواطنون كل مساء وتتجلى في لجوء الباعة المتجولين والفراشة وبائعي الفواكه.. الى سرقة الكهرباء من الانارة العمومية، عشرات المصابيح من الحجم الكبير تغطي السلع المعروضة في كبريات المدن المغربية بما فيها العاصمة الرباط، وقد لن تقف هذه السرقة عند هذا الحد مستقبلا إن لم ؟؟ القنبلة الرابعة: استفحال ظاهرة التسول: الكثير منا يتساءل عن وجود وزارة كبيرة ببلادنا اسمها وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن ؟ وكل مرة تبشرنا السيدة الوزيرة في حكومة المناصفة الدستورية ، بقرب الاعلان عن خطة وطنية بأبعاد استراتيجية للتضامن العائلي والأسري بخلق أنشطة بديلة مدرة للدخل من شأنها مواجهة جحافل المتسولين بمختلف فئاتهم العمرية وبغض النظر عن أساليبهم الاحتيالية في هذا المجال: نساء بثوب ابيض ( أرامل) ومن يعرض عاهاتهم المستديمة والمفتعلة ، وشباب يتسول بطرق مشروعة بعرضهم لعذاب القبر في الأوتوبيسات وفتيات تقدن رجلا أو امرأة تضع نظارات سوداء فاحمة إشارة الى العمى...فمتى ستعلن السيدة الوزيرة عن خطتها البديلة هذه للحد من تفاقم أرقام المتسولين والذين أصبح الكثير منهم يعترض طريق الرجال والنساء أمام المخابز والمحلبات والجزارين وأمام الشباك الاوتوماتيكي للابناك؟ وقد يصبح الراجلون غدا بشوارعنا كلهم من المتسولين إن لم تتدارك الحكومة هذا الوضع. القنبلة الخامسة: حوادث السير: لا نذهب بعيدا ويكفي أن نستحضر انتشار أشلاء جثث انقلاب حافلة أفسو غرب الناضور والحافلة المنقلبة في واضحة النهار على الطريق السيار قرب فاس وأخرها وليس أخرها الحادثة المفجعة قرب خريبكة يوم الاحد 29 يوليوز الماضي: مسلسل لا ينتهي من القتل وسفك دماء الأبرياء بدون أدنى اعتبار للحق في الحياة، جحافل من الدراجات النارية ( سكوترات) تحتل طرقنا وتهدد باستمرار الراجلين وتكسر صمتنا وهدوءنا بضجيجها المفتعل أغلبها لا يتوفر على الأوراق القانونية.. هل هو استهتار بالقانون وبتساهل المشرفين عليه؟ أم نرجع لعنة القتل الى طبيعة طرقنا؟ أم إلى أعطاب راداراتنا.. أسئلة في حاجة الى تأملات قانونية رادعة حماية لأرواحنا وسلامة أبنائنا قبل فوات الاوان ونكون مجبرين وقتها على عدم مغادرة منازلنا الى مقرات عملنا أو الى التبضع أو ذهاب أطفالنا الى مدارسهم؟ - القنبلة السادسة: مواقف السيارات: في كل زقاق وأمام كل المقاهي والصيدليات والمؤسسات العمومية وأسواق الخضر وحتى بالقرب من قسم المستعجلات الطبية... تجد شبابا من كل الاعمار يلبسون قميصا باللونين الاصفر والأخضر( جيلي)، قبعاتهم فوق رؤوسهم وفي أفواههم صفارات لكرة القدم تصدر انذارات في كل الاتجاهات، بواسطتها تحول الملك العمومي الى ملك خاص خارج الرخص القانونية المنظمة لكراء موقف السيارات، واذ امتنعت عن الأداء أو اعتذرت لأن ليس لديك (صرف) تعرضت لوابل من الشتم والكلمات النابية حتى أمام أعين زوجتك وأبنائك، وقد تسلم من الاكراه البدني إذا كنت محظوظا خلال هذا الموقف الحرج والصعب للغاية ..مهنة بحاجة الى التنظيم والتى قد تصبح قانونا غابويا فوق القانون قد تجد الدولة نفسها في يوم من الأيام في موقف ضعف؟؟ القنبلة السابعة :الحرمان من التعليم الجامعي المجاني؟ العدالة الاجتماعية تقتضي توفير الحد الادنى من الخدمات الاجتماعية لذوي الدخل المحدود وللفقراء في مختلف القطاعات التي تلامس الحياة اليومية لهؤلاء المواطنين. القيادي في حزب المصباح لحسن الداودي حاول جس نبض المغاربة حينما صرح بضرورة مراجعة مجانية التعليم العالي وان كان هذا التصريح قد خلف موجة استنكار شعبي وسياسي ونقابي ، ليعود في تصريح اخر بالقول بان القرار هو قرار سياسي وهو موجه فقط للفئات التي يفوق اجر رب بيتها 10.000 فما فوق، ثم ليشير الى ان المراجعة تهم فقط طلبة كليات الهندسة والطب وكأن هذه الكليات يدرس بها فقط ابناء الميسورين؟ وهل يعلم السيد الوزير ان مؤشر راتب العشرة الالف درهم هو مؤشر الفئات الاجتماعية المتوسطة وليست الغنية وحتى رجل تعليم عادي مثلا بالابتدائي راتبه في حدود هذا المبلغ واذا اضفنا اليه سومة الكراء والماء والكهرباء والتغذية والتنقل..فماذا سيبقى للموظف المتوسط من 10.000 درهم؟ - القنبلة الثامنة :ارتفاع فواتير الماء والكهرباء وأسعار المحروقات: في احدى اللقاءات السياسية التي نظمها مؤخرا بالدارالبيضاء المعهد المغربي للعلاقات الدولية وأسبوعية لا فيريتي، تفاجأت بتدخلين بارزين الأول ذو شق سياسي والثاني بتوجه اقتصادي: ما أثارني في النقطة الاولى إلحاح وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي حينما قال أمام الملأ "حزب العدالة والتنمية ليس بحزب ديني بل هو حزب سياسي"، أما التدخل الثاني فهو للفاعل الجمعوي جواد كردودي حينما فأجا الجميع منوها بقرار الحكومة الزيادة في اسعار المحروقات معتبرا أن من شأن تلك الزيادة العمل على تخفيض العجز التجاري وتحد من تفاقم أزمة صندوق المقاصة.وليكذبنا التاريخ إن كانت الزيادة في الاسعار تحل الأزمات المرتبطة بالحركية الاقتصادية أو يكون منطلقها رغبة ذاتية ملحة. إنها البداية، ولننتظر بقية تنفيذ البرنامج الانتخابي لحزب المصباح ففيه من الوعود ما يشبع لأمد طويل وكل انتخابات والمغاربة بألف وعد؟ فاللهم احفظنا في جيوبنا حاليا ومستقبلا من لسعات فواتير الماء والكهرباء المتلونة بلون الحرباء. -القنبلة التاسعة: انهيارات المدن القديمة: من منا يستطيع نسيان كارثة مسجد مكناس بالمدينة القديمة؟ ومن منا لا يتذكر فاجعتي انهيار المنازل بالمدينة القديمة بالدار البيضاء قرب السور الجديد ؟ ومن منا يقبل بأن يندثر جزء من الإرث الحضاري المادي المغربي كما حصل مؤخرا مع انهيار جزء كبير من السور التاريخي الذي يحيط بالجزء القديم لمدينة ازمور؟ انهيارات وانهيارات وفواجع منتظرة في الطريق بمدن تاريخية اخرى كالرباطوفاس ومراكش وسلا وتارودانت وابي الجعد... وإمكانياتنا الصحية غير قادرة لا قدر الله على استقبال ضحايا محتملين في الوقت الذي لازالت فيه بعض نسائنا تلدن في الشارع أو فوق الدواب؟ والحكومة تتوعد في حالة عدم الاخلاء... وقد عودتنا الاعراف الديمقراطية أنه في مثل هذه الحالة الطارئة تكون الحكومات المنتخبة ديمقراطيا سباقة الى الاستثمار العقاري السريع تلافيا لقدر الله حدوث كوارث بشرية، أم أن حكومتنا ستكتفي فقط بالدعاء لساكني المدن العتيقة بالسلامة في حالة الامطار الغزيرة , لأن ذلك ليس من أولوياتها ,فالأولوية للقنوات الفضائية الخارجية وليس لمواطني الداخل. ولننتظر حدوث الكارثة لتحضر وسائل الاعلام المحلية الى جانب الوفود الرسمية للتضامن مع المصابين؟ - القنبلة العاشرة: ارتفاع مؤشرات الجريمة :في ركنه اليومي في عدد 10.157 من جريدة الإتحاد الاشتراكي ، عنون عبد الحميد جماهري ركنه هذا بحرب العصابات, متسائلا في ذات الوقت حول امكانية إجراء الدولة لحوار مع زعماء العصابات التي انتشرت في بلادنا طولا وعرضا كالفطر الى درجة بدأ التساؤل معه حول هبة الدولة ليس بالمفهوم المكيافيلي ولكن هبة الدولة التي يؤطرها القانون: عصابات باسم الدين في بعض مناطق المغرب تمارس دور شرطة الاداب السعودية وتعاقب كل الفتيات اللواتي لا يساير لباسهن توحدات هذه الشرطة الجديدة ببلادنا :واخرى تهاجم الفتيات من الخلف لأن سروال جينز رسب لدى البعض عقدة ذكورية اتجاه مؤخرات النساء؟ سكان حي بأكمله بدرب الكبير يرشقون رجال الامن بمختلف الأسلحة المتاحة لمنعهم من اعتقال بارون حيهم وخسائر جسدية متفاوتة لدى الأمن. تصفية حسابات باسم الدين وقتل في سلا.. اتساع خريطة بيع الحشيش والقرقوبي خلال شهر رمضان.. عصابات محترفة لسرقة الغابة بخنيفرة وأخرى بالبيضاء لسرقة الاسلاك النحاسية.. أطنان محتجزة للشيرا بموانئنا... ولد الخيرية بتمارة يحاول ذبح رجال الشرطة بسيفين.. إلى أين يتجه المغرب إذن؟ فهل استقالت الدولة والحكومة من أداء دورها الدستوري؟؟ السرقة واعتراض المارة بالسلاح الأبيض واحتجاز الحافلات وقتل يومي وانتشار واسع لنقط بيع كل ما له علاقة بالتخدير. ألا يستدعي كل هذا حربا استيباقية ضد الجريمة كما نجحنا فيها خلال مواجهة المجموعات الارهابية المتطرفة؟ بناء على كل هذه الوقائع ، أليس من حقي كمواطن مغربي أن أوجه سؤالي لحكومتنا الموقرة ولرئيسيها: بالله عليكم ما أنتم فاعلون اتجاه هذه القنابل الموقوتة؟ تواجهونها بقوة القانون؟ أم ستؤجلونها الى ما بعد الانتخابات المقبلة؟ أم أنكم تنتظرون انفجارها ؟.