في آخر تقرير صدر عن وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن بالمغرب بلغ العدد التقديري للمتسولين حوالي 195 ألفًا و950 شخصًا، منهم 48.9 % ذكورًا، و51.1 % نساء، و62.4 % منهم يمارسون التسول الاحترافي. ومن هؤلاء المتسولين المحترفين من يملكون الملايين والعقارات؛ فقد بلغ مجموع المبالغ المالية المتحصلة لدى متسولين محالين على مركز اجتماعي بالدارالبيضاء لغاية 18 أغسطس الماضي، مليونين و78 ألفا و973 درهمًا و60 سنتيمًا. متسولون ذوو ممتلكات ومن بين الحالات المثيرة التي جاءت في التقرير أن متسولاً عمره 70 عامًا تم ضبطه وفي ملكيته حوالي 16 مليون سنتيم، تمكن من جمعها في أربع سنوات، وهو متسول غير متزوج، ويقطن في منزل يملكه. وأردف التقرير أن متسولة عمرها 68 سنة ظلت سنوات تتفادى دخول الحمام الشعبي للاستحمام، خوفًا من سرقة أموالها ومجوهراتها المتجمعة من التسول، وتم ضبط حوالي 12 مليون سنتيم نقدًا، و6 أساور من الذهب، تمكنت من تحصيلها من التسول في ظرف أربع سنوات. وتملك هذه المتسولة عمارة تكتريها للسكان، ومخزنًا تكتريه لعامل في إصلاح السيارات، كما يرسل لها ابنها المهاجر إلى ألمانيا زهاء 3 آلاف و500 درهم شهريًا.. ورغم كل هذه الإمكانيات المادية المتيسرة لها، تحترف التسول ولا تفكر في مزاولة مهنة غيره. ويناهز الدخل اليومي الفردي للمتسول ما بين 500 و700 درهم، أي ما يعادل 15 ألف درهم إلى 20 ألف درهم في الشهر، الأمر الذي يجعل المتسولين يفضلون التسول على أية مهنة أخرى مهما كان دخلها، كما يجعلهم هذا الوضع رافضين للاستقرار في المراكز الاجتماعية التي تعتبر مأوى للمتسولين بالمغرب، ومنها مؤسسة الرعاية الاجتماعية "دار الخير" بتيط مليل بالدارالبيضاء. وهكذا، فقد أضحى التسول في المغرب فنًا ومهنة تدر المال الوفير على بعض المتسولين، حتى أن بعض المتسولين صارت لهم ممتلكات وعقارات وأراض أيضًا نتيجة عملهم الدءوب في مد اليد أمام الناس في الممرات والشوارع وقرب المساجد والمستشفيات، حيث يكثر المارة ويكثر المحسنون وذوو الأريحية والجود والإنفاق. النساء أكثر المتسولين ويشكل النساء نصف عدد المتسولين بالمغرب، حيث بلغت نسبة النساء المتسولات 51 % ، والأطفال يشكلون 11.5 % (حوالي 22 ألفا و618 طفلا)، أما المتسولون البالغون أكثر من 60 سنة فتبلغ نسبتهم 9.6 % من العدد الإجمالي للمتسولين (57 ألفًا و931)، والنسبة المهمة تعود إلى المتسولين الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و50 سنة حيث يشكلون 34.6 % . ومن حيث التقسيم الجغرافي حسب المدن والمناطق، تحتل العاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء الصدارة في عدد المتسولين، إذ تضم جيوشًا جرارة من هاته الفئة الاجتماعية، حيث بلغ المتسولون في البيضاء نسبة 17.8 % ، أي 34 ألفا و868 متسولاً، ثم في المرتبة الثانية تأتي جهة مكناس تافيلالت بولمان ب14.4 %، والمناطق الشرقية 11.5 %، ثم منطقة سوس ماسة درعة ب9.9 %، (حوالي 13255 متسولا). وحددت الدراسة التي سبق للوزارة المعنية أن نشرتها بخصوص التسول في المغرب السنة المنصرمة نسبة المتزوجين من غير المتزوجين في شريحة المتسولين بالمغرب، فالمتزوجون يشكلون النسبة الأوفر منهم، أي 35 % (حوالي 69 ألف متسول متزوج)، ثم فئة العزاب بنسبة 28 % ، تليها النساء الأرامل ب 24 % ، وتبلغ نسبة المسنين الذين يتعاطون التسول بالمغرب 30 %، وهو رقم يدل على النقص في رعاية المسنين والتكفل بهم داخل أسرهم فضلاً عن دور المجتمع والدولة. أحدث طرق التسول وصار التسول تجارة مربحة لا تبور مع مرور الأيام بالمغرب، ويستغل بعض المتسولين رأفة الناس بهم وأريحية البعض الآخر لتكديس الأموال يومًا بعد يوم، أو بتغيير الأماكن والمدن أحيانًا، فالأساس لديه هو تجميع أكبر قدر ممكن من المال يقيه غدر الزمان ونوائب الدهر. ومن أحدث الطرق عند بعض المتسولين في المغرب التفنن في تمثيل أنفسهم ذوي عاهات وإعاقات بدنية، فهناك متسولون يتقنون طي الرجل أو الذراع بشكل بارع إلى درجة يتخيل معها الناس أن الرجل فعلاً ذو عاهة ويستحق الرحمة، فتنهال عليه الصدقات من كل جانب. وهناك طريقة حديثة في التسول ملخصها أن يأتي المتسول متجولاً في أزقة الأحياء والشوارع يطرق أبواب المنازل ورفقته رجل يكون بمظهر محترم ويعلوه وقار، ويبدو على محياهما الحزن، وفي يد المتسول صحن دائري بدعوى جمع النقود لمتوفى من عائلته لا يجد أهله بماذا يكفنونه، وتسمى هذه الحيلة في المغرب "كفن غريب"، وبات يمارسها كثير من المتسولين خاصة الذين يفدون إلى المدينة من مناطق أخرى مجاورة، غير أنه في بعض الحالات يتم كشف احتيال المتسول؛ مثل ما وقع ذات مرة في إحدى المدن الكبرى حيث كان يتجول شاب مدعيًا أن عمه المسن توفي، وكان يجمع التبرعات من سكان الأحياء والأزقة للمساعدة في شراء كفن وتحضير العشاء للناس المعزين، غير أن صادف في تجوله رجلاً يعرف عمه ، فسأله هل عمك هو فلان؟ أجابه الشاب نعم وإني أجمع له مالاً لأنه توفي هذا الصباح، فنظر إليه الرجل باستغراب وصاح في وجهه كاشفًا حيلته الخبيثة بكونه كان معه منذ قليل على متن الحافلة في مدينة قريبة، فتوسل الشاب المتسول من الرجل ألا يفضحه على ألا يعيد التسول بهذه الطريقة مجددًا!! وتتنوع طرق التسول في المغرب، ولعل إحداها أن يركب المتسول وعادة ما يكون شابا أو فتاة حافلة وبدون أن يتحدث يوزع أوراقًا صغيرة على الركاب، وفيها عبارات تكون مكتوبة بخط اليد فيها: "أنا شاب (أو فتاة) يتيم وأعيل والدتي المريضة، وأرجو أن تساعدوني ببعض الدراهم حتى أعود لأمي بدواء لمرض الربو.." ويختتم العبارات بآيات من القرآن الكريم استدرارًا لعطف الركاب، فمنهم من يتجاوب ويصدق ومنهم من لا يكترث لهذه الطريقة الجديدة في طلب المساعدة من الناس. وهناك طريقة أخرى حين يصعد الشاب مرتديًا ثياب عادية ومظهر عاد، ويؤكد للناس في الحافلة أنه خرج لتوه من السجن ويريد العودة إلى بلدته أو مدينته التي تبعد بمئات الكيلومترات، وأنه ندم على دخوله السجن، وأنه تاب ويطلب العون المادي حتى يجد ثمن النقل إلى أسرته لأنه خرج من السجن دون فلس واحد، ويقول لهم كطريقة للإقناع أنه كان بإمكانه أن يأخذ مال البعض بالقوة بحكم أنه "ابن سجون"، لكنه تاب ويريد مالاً بالحلال، فهناك من تنطلي عليه الحيلة وهناك من يعرف أنها مجرد طريقة جديدة من طرق المتسولين الجدد. أشهر الحالات وتحدثت الصحف المغربية عن حكاية "الجيلالي" البالغ من العمر 67 سنة، فقد استغل فقدان بصره وامتهن التسول، يتخذ من محطة سيارات الأجرة الكبيرة موقعه الدائم، يدافع عنه بكل قواه حتى لا ينافسه أحد المتسولين في طلب رزقه، ورغم توسلات ابنيه المقيمين بأمريكا، وامتلاكه لمنزل من ثلاثة طوابق، رفض "التقاعد" عن "عمل" مارسه طيلة 20 سنة، "والجلوس في البيت في انتظار إحسان ابنيه". ومن أشهر الحالات أيضًا حالة سيدة تصدرت ذات يوم عناوين الأخبار التلفزية بالمغرب، حيث عثرت الشرطة بعد أن حدث حريق في كوخ بأحد الأحياء الفقيرة بمدينة الدارالبيضاء، عثرت على مبلغ مالي كبير مخبأ تحت الأرض لصاحبة الكوخ الذي تقطنه وهي متسولة مسنة، وقد اندهش رجال الشرطة حين وجدوا المبلغ المالي الكبير الذي يحلمون بالحصول على مثله. واعترفت المتوسلة أن المال نتيجة عمل شاق في التسول. وحالة مشابهة لامرأة متسولة في مدينة "سطات" المغربية، حيث وجدت لديها الشرطة بعد حادثة وفاتها مبلغًا ماليًا كبيرًا، احتاج أفراد الشرطة لعده 24 ساعة بالتناوب بين أعضاء الفريق، ذلك أن المبلغ المحصل عليه في منزل المتسولة كان عبارة عن نقود معدنية صغيرة القيمة، والغريب أن بعض تلك القطع النقدية كانت تنتمي إلى سنوات قديمة، انقضت معها القيمة الإبرائية لها، ولم تعد تتداول في السوق لقدمها. التسول من زاوية قانونية ويعتبر الباحث المغربي الدكتور العربي مياد أن "التسول في المغرب صار مشكلة بنيوية، إلا أن خطورته لا تكمن في أن بعض الأفراد لا يجدون وسائل كافية لضمان قوتهم اليومي؛ فيلتجئون للارتزاق على عاطفة الناس في إطار التكافل الاجتماعي والإحسان والبر، وإنما الآفة والخطورة تأتي من أن هناك شبكات منظمة للتسول تعتمد تقنيات مدروسة لاصطياد الضحايا، تتمثل في وجود عقول مدبرة مهمتها تنظيم المتسولين في شكل هرمي، ووضع خطط توزيعهم على مناطق حساسة؛ كفيلة بضمان العودة بمبالغ مالية مهمة، يعاد توزيعها حسب "السلم الإداري" لهذه الشبكات التي لا تتورع في تشغيل النساء والأطفال والرضع والمعاقين بدنيًا وذهنيًا". ويتحدث الدكتور مياد عن الجانب التشريعي في القضية، حيث يقول: إن القانون الجنائي المغربي نظم جريمة التسول بمقتضى الفصول 326 ، و327 ، و 328. وهكذا نص الفصل 326 على أنه يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر من كانت لديه وسائل التَّعيُّش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة، ولكنه تعود ممارسة التسول في أي مكان كان. كما نص الفصل 327 على أنه يعاقب من ثلاثة أشهر حبسًا إلى سنة كل متسول، حتى لو كان ذا عاهة أو معدمًا، استجدى بإحدى الوسائل الآتية: 1 استعمال التهديد 2 التظاهر بالمرض أو ادعاء عاهة 3 تعود استصحاب طفل صغير أو أكثر من غير فروعه. 4 الدخول إلى مسكن أو أحد ملحقاته، دون إذن مالكه أو شاغله. 5 التسول جماعة، إلا إذا كان التجمع مكونًا من الزوج وزوجته أو الأب أو الأم وأولادهما الصغار، أو الأعمى أو العاجز ومن يقودهما. بينما نص الفصل 328 على أنه يعاقب بالعقوبة المشار إليها في الفصل السابق من يَستخدم في التسول، صراحة أو تحت ستار مهنة أو حرفة ما، أطفالاً يقل سنهم عن ثلاثة عشر عامًا. العلاج؟ ولعلاج الظاهرة التي تستفحل يوما عن يوم بالمغرب، أعدت الوزارة المعنية بالمغرب 3 مقاربات منهجية: مقاربة اجتماعية؛ تتمثل بالأساس في إدماج الأشخاص ضحايا التسول في مؤسسات المجتمع، ومساعدتهم في حل مشاكلهم، وتأهيل البعض منهم من أجل الحصول على فرص عمل بدل التسول. مقاربة زجرية؛ تتمثل في الوسائل الزجرية عبر مؤسسة القضاء، حيث إن العديد من المتسولين تحولوا إلى شبكات منظمة لاستغلال الأطفال والمعاقين في التسول، بل إن بعض الأشخاص يمتهنون التسول رغم أن ظروفهم المادية لا تدعو إلى ذلك. مقاربة التحسيس؛ بخطورة ظاهرة التسول على النسيج الاجتماعي للمغاربة، لأنها تزرع ثقافة التواكل والكسل بدل الاعتماد على الذات لحل مشكل الفقر. الإسلام اليوم / خاص