أصبح التسول مصدرا للغنى، واقع لا يمكن أن ينكره أحد، خاصة عندما نعلم أن بعض الأشخاص المحتالين تمكنوا من جمع مبالغ مالية ضخمة عن طريق النصب. بوعزة عبد الإله شاب في عقده الثالث ضرير يقطن مدينة الدارالبيضاء، تمكن من جمع 6 مائة وخمسين ألف درهم(مغربي) وامتلاك شقة من خلال احترافه التسول طيلة أربع سنوات. ليس عبد الإله الوحيد الذي وجد في التسول وسيلة للثراء، بل هناك أناس كثيرون، وهذا ما يفسر امتلاء شوارع المدن المغربية بالمتسولين من كل الأعمار، فقد تمكنت دوريات الأمن ووحدات المساعدة الاجتماعية التابعة للمراكز الاجتماعية في إطار حملاتها التمشيطية ضد المتسولين من اكتشاف عدد غير يسير من المتسولين الذين يملكون أموالا ضخمة، حيث ثم العثور على عجوز بالدارالبيضاء دائما تلف حول خصرها حوالي 106 ألف درهم وحلي من ذهب، وأخرى بحوزتها أزيد من100 ألف درهم وتملك عمارة تكتري كل شقة منها ب 2000 درهم.كما تم إلقاء القبض على رجل في عقده الخامس بمدينة مراكش يلف حول ساقه 400 ألف درهم حصل عليها من التسول، حيث كان يدعي أن ساقه بها مرض يقعده عن العمل ويتنقل بكرسي متحرك. تعددت الحالات واختلفت حولها القصص لكن الواقع واحد وهو تحصيل المال بأسهل الطرق وهي التسول. يقول عبد اللطيف بوعزة، مدير التنمية الاجتماعية بوزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، خلال لقاء صحفي نظمته الوزارة بشراكة مع مركز المساعدة الاجتماعية تيط مليل بالدار البيضاء يوم 26 شتنبر 2008، أن التسول أخذ منحى آخر لدى كثير من المتسولين، إذ لم يعد مجرد وسيلة لضمان لقمة عيش يومي لأولئك الذين لا يجدون مصدرا للعيش، بل أصبح وسيلة للغنى، إذ أن دخل المتسول في اليوم، يقول بوعزة، قد يصل إلى 700 درهم، وهناك من يفوق دخله اليومي من التسول هذا المبلغ أي بحسب الموقع والحالة التي يستعطف بها الناس. حتى أن هناك شبكات منظمة للتسول، يضيف بوعزة، تنشط في كل من الرباطوالدار البيضاء حسب ما توصلت إليه الوزارة المعنية في إطار إستراتيجيتها لمحاربة التسول والهشاشة. وبحسب نتائج البحث الوطني حول التسول، تقول نزهة الصقلي، الوزيرة المكلفة بالتنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن خلال نفس اللقاء، أن العدد التقديري للمتسولين على المستوى الوطني هو 195 ألف و950 متسول يمثل الرجال 48.9 في المائة منها والنساء 51.1 في المائة.أما نسبة التسول الاحترافي فتمثل 62.4 في المائة بينما توزعت باقي النسب بين التسول من أجل الفقر أو الإعاقة أو المرض. ولأن التسول الاحترافي يمثل حصة الأسد، فإنه بات من الضروري مواجهته بمختلف الطرق التي رأتها الوزارة المعنية ضرورية قد تصل حد المتابعة القانونية، وقد سخرت لمواجهة ظاهرة التسول بمختلف أشكاله ومسبباته ميزانية بلغ حجمها 4 ملايين و600 درهم، جزء منها يخصص لمراكز إيواء المتسولين والمشردين الذين يتم توقيفهم من طرف دوريات الأمن ووحدات المساعدة الاجتماعية.هذه المراكز يقول عنها عبد الكريم الصبار، مدير المركز الاجتماعي تيط مليل بالدار البيضاء، أنها لعبت دورا مهما في إيواء عدد من المتسولين والمشردين والمعاقين وتكوين الأطفال والمراهقين الذين ليس لديهم أماكن يؤون إليها وليس لديهم من يعيلهم، إلا أنها تبقى غير كافية نظرا لضعف القدرة الإيوائية مقابل عدد الوافدين. فمركز تيط مليل مثلا قدرته الاستيعابية لا تتجاوز 962 فرد بينما بلغ عدد الوافدين عليه مابين 2007 و2008، 5480 متسول ومشرد، يضيف الصبار.وتعتمد مراكز الرعاية الاجتماعية في مجملها على مساعدة الجمعيات وهبات المحسنين، حيث أن الميزانية المخصصة لها لا تكفي لسد كافة الحاجيات، بالإضافة إلى الصعوبات التي يواجهها الطاقم المشرف في إدماج النزلاء بسبب سلوكات بعضهم العدوانية. ويبقى ضعف الميزانية المخصصة لمحاربة التسول ومحدودية القدرة الاستيعابية لمراكز المساعدة الاجتماعية، وعدم وجود قوانين صارمة وواضحة لمصادرة الأموال المتحصل عليها من التسول، ومعاقبة المتسول المحترف عائقا أمام الحد من ظاهرة التسول بالمغرب، بل أنها تساهم في ازدياد أعداد المتسولين خاصة وأن الوضع الاقتصادي الراهن محليا ودوليا ينبأ بضعف الوضع الاجتماعي وتراجع مجموعة من المكاسب الاجتماعية السابقة.