تفاقم التسول في الشوارع وأمام المحلات التجارية وداخل الحافلات من الظواهر التي أصبحت تثير الانتباه وتسترعي الاهتمام، ظاهرة التسول، التي أصبحت تشوه سمعة العاصمة الاقتصادية وتخدش بياضها. ويعد التسول من «المهن» الأكثر دخلا والتي تعرف تطورات وتغييرات في ظرف وجيز، إذ في كل حين تظهر أساليب جديدة، يبرع في استعمالها ومحترفو وهواة هذه الظاهرة التي أصبحت مهنة تتعاطاها شريحة واسعة من المتسولين والشحاذين، خصوصا في هذا الوقت الذي أخذت فيه المشاريع الاجتماعية تتكثف للنهوض بالأوضاع الاجتماعية للقضاء على الفقر والهشاشة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومن ثمة بناء صرح الديمقراطية وحقوق الإنسان. قديما، كان المتسولون يقتصرون في مزاولة نشاطهم على يوم الجمعة وفي ليالي الأعياد الدينية بالخصوص، أمام أبواب المساجد وبالمقابر، لكن أمام الاتساع المطرد للفوارق الاجتماعية، وخيبة السياسات العمومية في المجال الاجتماعي، صار التسول ظاهرة احترافية تمارس يوميا، ونكاد نلاحظها في جميع الأمكنة والأوقات، بالإشارات الضوئية، بالمقاهي، أمام الإدارات العمومية، أمام المدارس، أمام الملاعب، أمام المساجد، بالحافلات، بالأسواق والمحلات التجارية، وغيرها من المرافق، وبطرق جديدة «يبدع» فيها المتسولون في خلق العاهات والتظاهر بالإصابة بالأمراض وخلق القصص والحكايات لاستدرار العطف. لقد ظهر التسول المتنقل عبر الحافلات حيث يعمد الشحاذون لأساليب مختلفة للتأثير في الركاب ودفعهم لإخراج الدراهم. في المقاهي يوزع المتسولون وغالبيتهم أطفال صغار ونساء يحملن الرضع، أوراق صغيرة مكتوبة، من خلالهم يستجدون الزبناء ويستدرجونهم بشتى الذرائع للتصدق عليهم، وهي طريقة مختصرة تجنب المتسولين كثرة الكلام.. وتسود في المدارات وعند الإشارات الضوئية وحتى أمام المرافق العمومية، ظاهرة التسول من خلال اصطناع الإعاقة أو اكتراء الأطفال الرضع، وكمثال حي للظاهرة، تظاهر متسول بالصم والبكم وهو يشحذ بشارع الحزام الكبير قرب الإشارة الضوئية، وهو نفس المتسول الذي تم التعرف عليه من قبل بعض الشباب بهندام أنيق بحانة وسط المدينة، في جلسة خمرية لم يغادرها إلا في ساعة متأخرة من الليل. لقد تحولت جميع الأمكنة حيث يلتقي الناس أو يتجمعون لقضاء أغراضهم، قبلة آمنة للشحاذين يستجدون الصدقات ويضايقون المتواجدين فيها. وغالبا ما ينشأ صراع حاد بين المتسولين، حول الأماكن الاستراتيجية ومواعيد استغلالها، حتى أن الدارالبيضاء رغم كبرها وكثافة سكانها لم تعد بإمكانها استيعاب كل هذه الجحافل من المتسولين. ولا تقتصر الظاهرة على المتسولين المحليين بل تطال حتى الأجانب من المهاجرين الأفارقة الذين صاروا جحافل يتسولون فرادى وجماعات في العاصمة الاقتصادية حيث مشاهد شبان وفيتات في كل الأماكن يشحذون... الظاهرة تستدعي تكثيف الجهود للحد منها، لاسيما، وأنها تتفاقم يوما بعد آخر وذلك بإنشاء مراكز عديدة على غرار ما هو متواجد بطيط مليل لإيواء هؤلاء وإيلائهم اهتماما خاصا من الاهتمام والرعاية والتوعية بخطورة الظاهرة وحثهم على الاعتماد على النفس مع مراجعة القوانين الجزرية في هذا الباب، وإيلاء الأطفال عناية بالغة من خلال التصميم على التمدرس والسهر على اتمامه لأن التربية والتكوين عنصر من عناصر التنمية، بل هي التنمية ذاتها، فالهدر المدرسي ساهم بقسط كبير في تنامي ظاهرة تسول الأطفال مع العمل على إعادة النظر في دور المؤسسة التعليمية فيما يتعلق بالبرامج المعتمدة في هذا الإطار برامج تمكن الأطفال من القيام بأنشطة موازية خارج أوقات الدراسة مع وضع آليات لمراقبة سلوكات الأطفال وعدم انحرافهم أو انقطاعهم المبكر عن الدراسة. هذا إلى جانب تفعيل المقاربة الأمنية بالقيام بحملات تمشيطية للحد من تفاقم هذه الظاهرة الخطيرة التي أثرت على نسبة توافد السياح الذين أصبحوا يتداولون هذه الظاهرة في بلدانهم.