مازال الكثيرون من المتتبعين لحركة الغناء العربي تقف معلوماتهم عن أشهر المغنيين عند محمد عبد الوهاب وأم كلثوم واسمهان وفريد الأطرش وليلى مراد وما حولهم، فيما يجهلون العديد من الأسماء وخصوصا في الربع الأول من القرن العشرين وما قبله. فأين يوسف المنيلاوي وكامل الخلعي وسيد الصفتي وعبد الحي حلمي وصالح عبد الحي ومعاصريه. وأين سلامة حجازي ومسرحياته الغنائية، وداود حسني وأدواره، وما جادت به قريحته من تلاحين لزكي مراد وليلى مراد ونجاة علي وسهام رفقي واسمهان ونادرة. وماذا عن محمد السنباطي وعلي القصبجي والد محمد القصجبي ورياض السنباطي، إضافة إلى الشيخ محمد سالم العجوز والشيخ إسماعيل سكر والشيخ علي محمود أستاذ محمد الوهاب، في حين التحق بهذه الكوكبة الشيخ أبو العلا محمد الذي تخرج من التجويد إلى فن الغناء وكان الراعي والأستاذ الأول لأم كلثوم. وتكاد هذه المجموعة، وما إليها من أسماء عابرة، أن يطويها الزمن فيما إذا بقيت مهملة ولم تجد الرعاية الكافية لإحياء هذا الغناء الكلاسيكي، كما تفعل أوربا في الحفاظ على الموسيقى الكلاسيكية وأصحابها المشهورين أمثال باخ وموزارت وبيتهوفن وتشايكوفسكي وغيرهم من العباقرة. لم يقتصر النسيان لأولئك الفطاحل، الذين كانوا جسرا لنبوغ محمد عبد الوهاب وصحبه. بل امتد الإهمال إلى العنصر النسوي ممن كان لهن دور في النهضة الغنائية، ومن بين الأسماء التي تغاضي عنهم الزمن: ساكنة والمظ واللواندية وهانم المصرية وأمينة القباني ونرجس المهدية وتوحيدة والسويسية ونعيمة المصرية وآخرهن منيرة المهدية التي انسحبت من الميدان عندما ظهر نجم أم كلثوم. إذا فارقنا القرن العشرين ورجعنا إلى القرن التاسع وربطنا الاتصال بثنائيين كان لهما دور في بداية النهضة الموسيقية وتطويرها. الأول الأول كان يجمع بين شهاب الدين وعبد الرحيم المسلوب وتوزع العمل الموسيقى في بداية هذا القرن حيث ألف شهاب الدين كتابه المشهور «سفينة الملك ونفيسة الفلك» جمع فيه المئات من الموشحات، فأخذ بعضها عبد الرحيم المسلوب ولحنها، مما جعل هواة الغناء يقبلون على هذا اللون ويتذوقونه. كما أنه اكتشف لونا جديدا من الغناء بالنسبة لعصره آنذاك وهو فن «الدور» الذي كان مجهولا. لكن الذي طوره هو الثنائي الموسيقى محمد عثمان وعبده الحامولي، فاقتسما العمل الموسيقي بعد العطب الذي أصاب الأول حلقه، مما جعله يتخصص في التلحين ويبرع فيه فتأتي الأغاني على فم الحامولي سلسبيلا، إذا علمنا صوته العذب والذي لا يضايه صوت آخر. وقد أطنب العديد من الأدباء الكبار في ذلك الزمن في مدح أدائه الصوتي وما يتمتع به من تناغم وتلاعب في انخفاضه وارتفاعه. إنها إطلالة سريعة إحياء لذكرى الفنانين المجهولين، ونريد منها أن تجمع شتات تلك العصارة الفنية التي جادت بها قريحتهم لتسير على هديها الأجيال الجديدة فيما إذا أحسنت التمعن وأدركت عمق هذا التاريخ الغنائي.