يرى سعيد شبعتو رئيس جمعية «الجهات المغربية» أنه من اللازم الإقرار بوجود رابط متناغم بين الجهوية كبنية مجالية إدارية ومؤسساتية، والحكامة الترابية كتدبير وتوجيه وتخطيط وتنسيق بين السياسات العمومية والمجالات الترابية لتأمين التنافس السليم والتوزيع العادي للثروات، الشيء الذي لا يمكن حدوثه إلاّ في إطار لاتمركز إداري وسياسة مندمجة للتنمية والإعداد الترابي بحكامة في التدبير والتشارك. كما عبر شبعتو باسم جمعية الجهات المغربية، في حوار أجريناه معه في ظل صمت السلطات العمومية، عن مآل هذا المشروع الهام والاستراتيجي في غياب تام عن إعلان مقاربة بشأن حكامة هذا الورش التقني والسياسي، وكذلك البرمجة الزمنية المرتقبة لإقراره، وذلك بالرغم من التوصيات الواردة في تقرير اللجنة الاستشارية الجهوية، والتي تلح على ضرورة القيام بتحضير قانوني ومؤسساتي دقيق يعالج مختلف جوانب هذا الورش المتشعب. وعلى المستوى السياسي لا يختلف الوضع كثيرا، ويظل التصريح الحكومي في هذا المجال مجرد نوايا تغيب فيها الإشارة الفعلية واللوجستيكية المادية في التعاطي مع هذا الملف. ومن هذا المنطلق يمكن طرح أسئلة جوهرية تتعلق أولا بالجهاز المؤسساتي لمواكبة مسلسل الجهوية، وما هي الأدوار العليا لإعداد التراب جهويا ووطنيا، زد على ذلك التساؤل حول المؤسسات الموازية في توزيع الموارد والإمكانيات، من خلال صناديق التنمية، وأي دور لإدارة إعداد التراب الوطني في هذا المسلسل، في أفق جهوية موسعة بحكامة مجالية وإدارية، تتماشى وروح دستور 2011.وفي ما يلي نص الحوار: { يعتبر مشروع الجهوية الموسعة إطارا ملائما لبلورة استراتيجية جديدة للتنمية، بكل مشاربها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحلية، من أجل بناء جهوي يسعى إلى ترسيخ الديمقراطية وهذا المشروع، بعد دستور 2011، يتطلب آلية قانونية مصاحبة لتنزيله السليم، اعتباراً أن نجاح أي مشروع رهين بقانونه التنظيمي. هذه النقط كلها بلورت في اليوم الدراسي الذي نظمته جمعية الجهات. فباعتبارك رئيسا لهذه الجمعية، كيف ترى المشروع في إطار هذا التصور العام، وما هي استراتيجيتكم في تقويم كل اعوجاج بعد الدستور في ما يخص مسألة الجهوية؟ فعلا الجهوية الآن هي مدخل أساسي بالنسبة لإصلاح الدولة، وكل مؤسساتها، لأن هناك ارتباطا لجميع المؤسسات المنتخبة وكذلك المجتمع المدني، في مشروع إنتاج دولة مغربية مبنية على الديمقراطية، إن على المستوى الوطني أو المحلي. تاريخيا الجهوية لديها 15 سنة، وأظن أن هذه التجربة، بينت عددا من النواقص ولكن في نفس الوقت مكنت عدداً من المنتخبين من الاطلاع على القضايا، والعلاقات التي بالإمكان أن تكون بين المستوى المركزي والمستوى الجهوي. فمنذ عين جلالة الملك لجنة ملكية استشارية وحزب الاتحاد الاشتراكي يشتغل على الملف، وعلى مستوى جمعية الجهات المغربية، حاولنا مواكبة هذه اللجنة، وتم الاستماع إلى رؤساء الجهات، وكذلك مختلف الآراء داخل الجمعية. وتبين أن هناك -أولا- إرادة سياسية للمرور قدما إلى تجسيد هذا المشروع، ولكن تبين كذلك أنه رغم الإرادة السياسية، فمسؤولية الأحزاب والمجتمع المدني، هي مسؤولية أساسية في إبراز النخب، التي أظن أن الكل يحاول معالجتها طبقا للضوابط، وكذلك الأنظمة المعمول بها في الحزب والجمعية. ولكن الآن، ومنذ دستور 2011، اتضح أنه يجب أن نمر أولا من النوايا الحسنة، ومن الإرادة السياسية، ومضامين الدستور، إلى تجسيده من خلال قوانين تنظيمية لهذا المشروع. وفي هذا الاتجاه فنحن في الجمعية، وبناء على هذه المعطيات، قمنا بعدة ورشات مع مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد، وفرقاء آخرين. إلا أنه تبين أن الحكومة لم تعط أي إشارة في ما يخص هذا المشروع، الذي نظن أنه مشروع مهم. ولهذا ارتأينا تنظيم ورش، نحاول فيه تحسيس المسؤولين بأهميته الاستراتيجية. واستدعينا فيه عدداً من المسؤولين، بمن فيهم رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والكتاب العامين لوزارة السكنى والداخلية، واتضح أنه لابد من المرور إلى مناقشة قانون تنظيمي للجهوية الموسعة. ولكن من خلال النقاش تبين كذلك أن هذا القانون التنظيمي مرتبط بقانون تنظيمي للمالية، ومرتبط كذلك بميثاق اللامركزية. وأظن أن التجربة ومنذ 2002، تبين أن الحكومات جاءت فيها سياسات قطاعية ولو أنها من الناحية التقنية تعتبر برامج مهمة، ولكن ليس لها اندماج على المستوى الترابي، فكل مؤسسة وزارية تشتغل لوحدها على المجال الترابي، ونحن نظن في جمعيتنا أن ذلك خسارة بالنسبة للمغرب، وخسارة بالنسبة للمسار حيث وصلنا إلى أن الديمقراطية المحلية تقتضي تنسيقا وحوارا واندماج السياسات العمومية على مستوى المجال بالنسبة لمفهوم الحكامة الترابية الجيدة. { طيب أستاذ شبعتو، وجهت أصبع الإشارة إلى الحكومة المغربية، لا تتحمل مسؤوليتها في التنزيل الصحيح لمشروع الجهوية الموسعة، باعتباره حلقةأساسية في استكمال الصرح الديمقراطي الذي ينادي به الدستور. وبحكم عضويتك كبرلماني، فالتنزيل الصحيح يقتضي مشاريع قوانين مصاحبة، للنهوض بالمجال التشريعي. فما هي استراتيجية الفريق الاشتراكي في هذا الإطار، من أجل النهوض بالجهوية كفعل؟ أولا في مناقشة التصريح الحكومي، حدد الفريق الاشتراكي، عدداً من الأولويات، بما فيها القانون التنظيمي للجهوية، والمالية، وميثاق اللاتمركز. وفي مناقشته الميزانيات الفرعية داخل اللجن، أكد الإخوة والأخوات مراراً على أن هناك أولويات نقترحها كفريق، إلا أن للحكومة أولويات أخرى... فإذا كان هناك مدخل للإصلاح، أظن أن الجهوية يجب أن تحظى بالأولوية. وإذا نبهنا الحكومة لذلك، وحسب الأجندة المتبقية لدخول البرلمان في دورات أكتوبر 2012، فإنه يفصلنا زمن خمسة أشهر، وهذه قوانين مهمة وتحتاج إلى نقاش عميق، واستشارة حتى على مستوى الأحزاب مع القواعد والنقابات. ولهذا فأنا أظن أنه على مستوى الفريق أولا ثم على مستوى الجمعية مع إخواني المنتمين إلى أحزاب أخرى، أنه من مسؤولية الحكومة فتح هذا الملف، الذي نظن أنه ملف مهم وعميق، ويجب أن يعطى له الوقت الكافي، لكي لا نتسرع في ذلك، ونحن نعرف أن قانون 96 47 مر دون مناقشة مستوفية، والتي لم تدم أكثر من شهر، وكان الهدف هو التصويت عليه. ولهذا ننبه مرة أخرى الى أنه آن الأوان لفتح هذا الملف لأنه هام واستراتيجي للنهوض بسياسة المجال، في إطار الجهوية الموسعة التي نادى بها الدستور. { نريد أن نتحدث معك من منطلق خبرتك في مجال الجهوية، إن على مستوى تقلدك لمسؤوليات جهوية سياسية ومدنية وكذلك من منطلقك كعضو مكتب سياسي في حزب يجعل من الجهوية أفقا سياسيا هاما للنهوض بالمغرب ديمقراطيا وتنمويا. من هذا المنطلق ناديتم بأن الورش الكبير لا يعني نخبة سياسية معينة، بل هو ورش موسع يعني جميع الفاعلين في مختلف المجالات، بما في ذلك المجتمع المدني المشتغل على المجال. هل تعتقد أن هذا الورش بهذه الأيادي يمكن أن يصل إلى الإشكالية المعقدة المتعلقة بالجهة، خصوصا التضارب الحاصل بين المفهوم المجالي والمفهوم الإداري؟ هناك تضارب أولا بين من يدافعون عن تصور واستراتيجية مركزية، ومن يدافعون عن استراتيجيات جهوية، ناهيك عن أنه داخل الاستراتيجية المركزية هناك في القطاعات، على مستوى الكتاب العامين والمديرين، من يدافع عن تمركز إداري. ولهذا نقول إن زيادة القانون المنظم للجهة يجب أن تخرجه الحكومة للوجود، في ميثاق لا تمركز. أي عندما نأتي لنقاش القانون المنظم والاختصاصات في المجالس الجهوية، فإننا سنكون على معرفة بينة بأن هناك اختصاصات للدولة على المستوى المركزي، مستعدة للتخلي عليها. وإذا رجعنا إلى المستوى السياسي، فإن بعض الوزراء يتبنون استراتيجية قطاعية. ويتضح بعد ذلك أنالاندماج لا يعني ضم الاستراتيجيات التي أنتجت على المستوى الوطني، فيجب أن يكون في الاندماج انبثاق للسياسات المجالية القطاعية من المستوى الجهوي وهي مندمجة في تشخيص موحد وفي برمجة موحدة. أي أن الاندماج ليس هو جمع السياسيات القطاعية على المستوى المجالي. ثم إذا تطرقنا إلى الجانب المالي - لكي تعرفين عمق التضارب الذي أشرت إليه - فنحن نقول إن هذه الجهة تستفيد من التغطية العمومية بنسبة معينة، بينما هذا يعني أن هذه النسبة هي نسبة البرامج التي قررت على مستوى القطاعات وطنيا، وجمعناها لكي نقول هذا هو الغلاف المالي الذي رصد لهذه الجهة. بينما نقول في الاندماج يجب ألا يكون هناك تمركز للمالية العامة لكي تكون هناك جهوية، لأن تركيبة البرامج على المستوى الجهوي، ليست هي التركيبة التي تأتي بجمع ما برمجته الوزارة في كل جهة على حدة. { إذن في رأيكم، أستاذ شبعتو، التقسيم الجهوي الحالي يدعو إلى قلق في غياب تكافؤ جهوي في جميع مستوياته؟ أنا لا أقول، بالتقسيم، أنا أقول يجب أن نمر من الجهة كمشروع المركز، إلى جهة كمشروع الجهويين والمعنيين بالأمر. فلهذا فجميع القطاعات الآن لها برامج جهوية، ولكن برمجت على كل قطاع. بينما ما نقوله نحن، يجب على تلك البرامج أن تدرس على مستوى مؤسساتي جهوي عام. ولكن في تصور مندمج، لأن الاندماج إلى يومنا هذا يقع على مستوى المركز (الرباط) لا على مستوى الجهات. هذا يعني أن العامل الترابي لا يؤخذ بعين الاعتبار على مستوى الحكومة، وأكثر من ذلك أنه الآن في هذه الحكومة، لا يوجد قطاع يهتم بالإعداد الترابي. بينما عشنا في العشرية الأخيرة نقاشا وحوارا، وإنتاج مخطط إعداد التراب، ثم كذلك وضع مخططات جهوية لإعداد التراب الجهوي. وأظن أن هذه الوسائل التي أنتجتها الحكومات السابقة، بالإمكان توظيفها لإنتاج سياسات عمومية مجالية مندمجة على المستوى الجهوي. { هل هذا ما تعنيه بالمقاربة التوافقية؟ تكون توافقية، ولكن بتصور مندمج، بمعنى أننا نشتغل بمجال واحد مع كل الفرقاء لسن سياسة مندمجة تهم جميع القطاعات، لأنه الآن، بإمكاني القول، إنه ليس هناك أحد مسؤول عن جهة من الجهات، لا الوالي ولا رئيس الجهة. فلا تنسيق بين القطاعات والهيئات المنتخبة. فالكل يشتغل لوحده. فالقطاعات تشتغل لوحدها والمؤسسات المنتخبة كذلك. زد على ذلك أن هناك ثلاثة مستويات: مستوى الجماعات المحلية - مستوى المجلس الإقليمي - ثم مستوى الجهة، في مجال واحد. لهذا يجب أن نفرق بين المجال المادي والمجالات الوظيفية. ونحن نتصور، أنه في تحضير الميزانية يجب أن تكون هناك توجيهات وطنية قطاعية، وأن نشتغل بدءأً بالجماعة، لكي نضمن الاندماج على مستوى الجماعة، ثم نمر إلى مستوى الإقليم، ثم نصل إلى مستوى الجهة، ونعمل ربطا وطنيا على مستوى الحكومة، إضافة إلى التصورات المجالية ليكون هناك تحكم بين ما تراه الدولة على المستوى الوطني، وما يراه المتدخلون على المستوى المجالي. { إذا تقوى العنصر في هذا الإطار، فالبنية تشتغل بشكل منظم، إلاّ أننا نجد في المغرب إشكالية تتعلق أولا بفصل السلط، فسلطة رئيس الجهة تحد بتدخل سلطة الوالي، كآمر بالصرف، وهذا نوع من التضارب يخلق خللا واضحا في المنظومة المنفتحة في المشروع على جهوية موسعة وازنة، وواعدة بمغرب مختلف تفصل فيه السلط من خلال قوانين واضحة، ما هي قراءتكم؟ لا يزال المشكل قائما، لأن مفهوم توازن السلط فيه نظر. فنحن نعرف على المستوى الوطني أن البرلمان بإمكانه إسقاط الحكومة، وهذا لا يوجد على مستوى الجهة، لأن الوالي يعين على المستوى المركزي. ولهذا فالحل، هو حل قانوني مع إيجاد نخب على مستوى المنتخبين، وعلى مستوى المسؤولين. فالتركيبة البشرية هي التي بإمكانها أن تضمن النجاح. وإلاّ فالقوانين بإمكانها أن تحل الأمور بنسبة معينة، ولكن التنسيق البشري، والمسؤولية التي ألقيت على عاتق المسؤول، هي التي بإمكانها أن تحل المشاكل. { هل هذا يعني أنه ينبغي سن ثقافة جديدة؟ فعلا، سن ثقافة جديدة مبنية على التشاور والحوار، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ولهذا أظن أنه إذا كانت هناك ثقافة جديدة وإبراز نخب جديدة تحترم المسؤولية الموضوعة على العاتق، فإن الأمور ستمشي إلى الأحسن. ولكن ريثما نصل إلى هذا المستوى، فنحن في جمعية «الجهات المغربية» وعلى مستوى الاتحاد الاشتراكي، سنقترح أن نبدأ بالتعاقد بين الجهات والدولة. لأن التعاقد يحدد المسؤوليات. ومن خلال ذلك ، أيضا ، ندعم الممارسة لكي نصل إلى مستوى النخب التي نطمح إليها في تدبير الشأن العام على المستوى المحلي والمركزي وإدارة التراب الوطني، من خلال الولاة والعمال. { هل هذا جزء من الحكامة الجهوية التي تدعون إليها؟ من بين وسائل الحكامة الجهوية وربط المحاسبة بالمسؤولية، أن يكون هناك تعاقد بين المستوى الجهوي والمركزي ونحدد فيه الأدوار والمسؤوليات، لكي نُحاسب في ما بعد، انطلاقا من الوسائل التي أعطيت لكل مؤسسة، وبالتالي الأهداف التي رصدت واتفق عليها الجميع، وهذا مدخل أساسي لثقافة جديدة في التنسيق، والانسجام بين السلطة التنفيذية في شخص الوالي والسلطة التشريعية في شخص المؤسسة المنتخبة التي هي الجهة. { في جمعية الجهات، يتضح أنكم بدأتم الدفاع عن المشروع من بوابته المدنية، أهذا يعني غياب الدفاع عن المشروع وفتحه كورش من طرف الفرقاء السياسيين، أم أن الأمر يصعب من بوابة الفضاء التشريعي، خصوصا وأن المشروع يسعى إلى مس مواقع التوتر في جهاتنا الوطنية، إن على مستوى الشمال، سبتة ومليلية أو على مستوى الجنوب، قضية الصحراء المغربية؟ هناك إرادة على مستوى السلطة العليا للبلاد، وحتى الأحزاب السياسية والنقابات خاضت في هذه الإرادة وهذا مستوى أول، أما على مستوى التنفيذ، فكان من الممكن إخراج هذه الإرادة إلى الوجود في إطار التحالفات الحزبية، كما هو الحال على المستوى الحكومي بأن يكون هناك تصور لتنفيذ هذا المشروع، وضمان الانسجام بين مناطق المغرب. لأنه كلما ذكرنا الجهوية يأتي إلى بعض الأذهان، بأن الجهوية ممكن أن تجرنا إلى مسائل أخرى ليست في مصالح المغرب. وأظن أنه عندما تكون الديمقراطية على المستوى المركزي والمحلي، ويكون هناك إشراك الجميع، فالأهداف تكون موحدة مبنية على التضامن والديمقراطية، عند ذلك يكون الانسجام لإنجاح مشروع المرحلة.