هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء        الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    "دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب        أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مساهمة من حزب اليسار الأخضر في تأطير المذكرة المزمع رفعها الى اللجنة الملكية الاستشارية للجهوية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 23 - 09 - 2010

تسعى هذه الأرضية إلى بلورة تصور عام حول الجهوية ودورها في التطور الديمقراطي والتنموي في المغرب، في سياق النقاش العام الذي تعرفه الساحة السياسية والمدنية والإعلامية وأجهزة الدولة منذ الخطاب الملكي في 3 يناير 2010 بمناسبة تشكيل اللجنة الإستشارية للجهوية.
ولعل بلورة هذا التصور لكفيل بالمساهمة في تأطير «مذكرة حزب اليسار الأخضر المغربي» حول الجهوية المزمع رفعها الى اللجنة الملكية الاستشارية للجهوية.
تتغيا هذه المساهمة المتواضعة- حسب ما حمله نص الأرضية- الإجابة عن مجموعة من الأسئلة تؤطر مفهوم الجهوية؟ والجهوية الموسعة؟ شروطها وحدودها؟ الصيرورة التاريخية للجهوية في المغرب؟ الحدود الممكنة للمشروع المقبل؟
فمن خلال هذه الأرضية هناك سعي بلورة تصور عام حول الجهوية ودورها في التطور الديمقراطي والتنموي في المغرب، في سياق النقاش العام الذي تعرفه الساحة السياسية والمدنية والإعلامية وأجهزة الدولة منذ الخطاب الملكي في 3 يناير 2010 بمناسبة تشكيل اللجنة الإستشارية للجهوية.
ولعل بلورة هذا التصور لكفيل بالمساهمة في تأطير «مذكرة حزب اليسار الأخضر المغربي» حول الجهوية المزمع رفعها الى اللجنة الملكية الاستشارية للجهوية.
تتغيا هذه المساهمة المتواضعة الإجابة عن مجموعة من الأسئلة تؤطر مفهوم الجهوية؟ والجهوية الموسعة؟ شروطها وحدودها؟ الصيرورة التاريخية للجهوية في المغرب؟ الحدود الممكنة للمشروع المقبل؟
يحدد القانون المنظم للجهة الاختصاصات بشكل مضبوط في ثلاث مستويات، الخاصة بالمجلس والمنقولة والاستشارية. ولاشك في أن الدولة، خاصة في البلدان النامية، تتحمل مسؤوليات جوهرية في تحديد استراتيجية التنمية التي تحتاجها البلاد، وبالمقابل فإنه من المفروض أن تبلور الجهة وثائقها الخاصة لإعداد التراب الجهوي وبرنامجها الجهوي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، على أن يندمج الجميع في برنامج عام للبلاد على أساس الاختيارات الوطنية.
د- الإختصاصات:
فالمبادرات التي تتخذها الدولة يجب أن تكرس دور الجهات، فوجود مجالات السيادة والقطاعات التي ترجع لصلاحيات الدولة لا يجب بالضرورة أن تكون خارج الشراكة مع الجهات. فالدولة مطالبة بالسهر على حسن سير الخدمة العمومية في الجهة ومراقبة الانسجام بين مجموع الوطن والبرنامج الجهوي، وعلى هذا الأساس تعتبر صيغة الشراكة ضرورية لتنفيذ البرنامج الجهوي. فالتعاقد بين الدولة والجهات أسلوب ضروري لخلق الانسجام بين الاستراتيجية الوطنية والخيارات الجهوية. فالجهات تعتبر أساس البناء الوطني بتحريك الطاقات المحلية، والجهة لاتنوب عن الدولة ولكنها التعبير الديمقراطي على غنى التنوع والطاقات التي تزخر بها الجهات.
ه- سلطة الوصاية والمراقبة:
جاء القانون المنظم للجهة بتجديد يتجلى في تقليص دائرة الوصاية التقليدية وضبط عدد من جوانبها وتدشين مرحلة جديدة من المراقبة القضائية. حيث تم تخفيض المواد الخاضعة للمصادقة المسبقة الى تسع مواد تهم الميزانية ومالية الجهة بصفة عامة وممتلكاتها، وتم تحديد أجل المصادقة في ظرف لا يتعدى 30 يوما. وبالرغم من الضمانات القانونية التي خولت للجهة كاللجوء الى المحكمة الادارية، فإن التجربة أفرزت العديد من النزاعات التي أعاقت العمل الجهوي مما أصبح معه مطلب المراقبة البعدية يطرح نفسه. وهذا يتطلب وجود محاكم إدارية في كل الجهات لتسريع آجال البت، ويتطلب كذلك تحريك مقتضيات المجالس الجهوية للحسابات، وكذا مختلف مرافق المراقبة والتتبع والاستثمار.
و- الموارد البشرية:
لقد أعطيت للجهة أدوار مهمة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، سواء في التخطيط أو إعداد التراب في الجهة أو إقامة شراكات مع الدولة. إلا أن القانون المنظم للجهة لم يخول لها امكانية التوفر على موظفين جهويين، ما عدا ما سمح به القانون لرئيس مجلس الجهة في حق تعيين مكلفين بمهام ومكلفين بالدراسات، وهؤلاء طبعا لا يمكن أن يقوموا بمهام الموظفين المختصين في المجالات المختلفة التي يشتغل عليها المجلس. يبقى إذن الموظفون في العمالة مركز الجهة تحت اشراف الوالي أو عامل مركز الجهة الذي يجسد السلطة التنفيذية المكلفة بتنفيذ برامج مجلس الجهة. وبالطبع فإن عامل مركز الجهة يعتمد على موظفي المصالح الخارجية للوزارات إضافة الى موظفى العمالة بصفته رجل سلطة مابين-وزارية.
ولقد سجلت التجربة ضعفا ملحوظا على مستوى العنصر البشري الموضوع رهن اشارة السلطة التنفيذية لبرامج الجهة. فهي طاقات بشرية موضوعة رهن اشارة الجهة من طرف إداراتها، وتبقى مرتبطة بإداراتها المركزية وبرامجها أكثر من ارتباطها بالجهة، بل وغالبا ما تفتقد لثقافة جهوية ولا تتوفر على مؤهلات ولا على تجربة تمكنها من تثمين كفاءتها على مستوى الجهة. وأمام هذا الوضع حيث لا يفترض في المستشارين الجهويين التخصص ولا القيام بمهام الموظفين فإن الديمقراطية الجهوية تعيش خللا عميقا يسائل التجربة في جوهرها. فالمجلس يقوم بالتخطيط وصياغة البرامج أو الموافقة عليها، بما هو مجلس للتقرير جهويا، لكن سلطة التنفيذ تعين من المركز لا سلطة فعلية للمجلس عليها.
ز- الموارد المالية:
تخصص الحكومة حصة ضعيفة من ميزانيتها للجهات بالمقارنة مع حجم الحاجيات . ويخول المشرع لعامل مركز الجهة سلطة التحكم في ميزانية الجهة تحصيلا وصرفا، وهذا يساير منطق القانون المنظم للجهة، بحيث أن كل قرارات المجلس الجهوي الخاصة بالمالية تخضع لموافقة مسبقة من طرف سلطة الوصاية. وبالإضافة إلى كل ذلك أبرزت التجربة أن مالية الجهة تعاني مجموعة من الاكراهات، لعل أهمها:
- ضعف التأطير الإداري الخاص بالطابع التقني المرتبط بالتدبير المالي.
- ضعف نظام التدبير المرتبط بالطابع الافتراضي للموارد نظرا للموارد غير المحددة.
-هشاشة النظام المالي الذي يحول دون وضع سياسة مالية جهوية تمكن من ضبط العلاقة بين الميزانية والتخطيط الجهوي.
- اكراهات مرتبطة بالنظام المالي للجهة، من حيث تبعية النظام المالي الجهوي للنظام المالي للدولة من جهة (قسم من ضرائب الدولة)، والنظام المالي الجماعي (الرسوم الإضافية) من جهة ثانية. هذا الوضع يرهن برامج التنمية ويحكم على الجهة بالتبعية.
إن مختلف عناصر الخلل التي تبرز من خلال القراءة المتأنية للتشريع والتجربة العينية تبرز بأن الأمر ليس تقنيا ولكنه سياسي بالدرجة الأولى يجعل التجربة الديمقراطية الجهوية مفرغة من مضمونها الحيوي الذي يحرر الطاقات ويجعل مختلف النخب في تنوعها وتعددها تساهم بشكل فاعل في إبداع المبادرات القادرة على تحقيق التنمية المستدامة. ذلك أنه كيفما كانت قناعات وكفاءات مكونات المجالس الجهوية فهي تبقى في آخر المطاف رهينة لبرامج وتوجيهات المركز المتجسدة في السلطة التنفيذية الجهوية الممثلة لهيمنة الحكومة. فالأغلبية المتحكمة في الحكومة هي المتحكمة في برامج الجهات كيفما كانت عليه تشكيلة المجالس الجهوية. فهل هناك الآن فعليا إرادة سياسية لتجاوز هذا الكابح لتطور الجهوية؟ هل يعبر مصطلح الجهوية الموسعة عن هذا الغرض؟ وهل سيمكن المشروع الجديد للجهوية، الجهة من سلطة تنفيذية؟ في هذه الحالة كيف ستكون عليه العلاقة بين السلطة التنفيذية الجهوية والسلطة التنفيذية المركزية الممتدة في الجهات عن طريق المصالح الخارجية للادارات؟
خامسا - الجهوية، ورش دائم
ومفتوح على التطور التدريجي.
يتضح من الخطاب الملكي في 03 يناير الماضي بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية، أن «مشروع الجهوية المتقدمة يشكل ورشا هيكليا كبيرا يهدف إلى خلق تحول نوعي في أنماط الحكامة الترابية». ويشكل «انبثاقا لدينامية جديدة للإصلاح المؤسسي العميق». فالجهوية الموسعة المنشودة في المنظور الملكي، ليست مجرد إجراء تقني أو إداري، بل توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة، والنهوض بالتنمية المندمجة. إنها «نموذج وطني لجهوية متقدمة، تشمل كل جهات المملكة».
ولبلورة هذا التصور تم التأكيد على أربعة مرتكزات أساسية:
1 - التشبث بمقدسات الأمة وثوابتها، في وحدة الدولة والوطن والتراب، والتأكيد الديمقراطي على التميز المغربي الغني بتنوع روافده الثقافية والمجالية، المنصهرة في هوية وطنية موحدة.
2 - الالتزام بالتضامن، فالجهوية الموسعة ليست مجرد توزيع جديد للسلطات، بين المركز والجهات. والتنمية الجهوية لن تكون متكافئة وذات طابع وطني، إلا إذا قامت على تلازم استثمار كل جهة لمؤهلاتها، مع ايجاد آليات ناجعة للتضامن، المجسد للتكامل والتلاحم بين المناطق في مغرب موحد.
3 - اعتماد التناسق والتوازن في الصلاحيات والإمكانات، وتفادي تداخل الاختصاصات أو تضاربها، بين مختلف الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات.
4- انتهاج اللاتمركز الواسع، الذي لن تستقيم الجهوية بدون تفعيله، في نطاق حكامة ترابية ناجعة، قائمة على التناسق والتفاعل.»
يتوخى صاحب الجلالة «من هذا الورش المؤسس بلوغ أهداف جوهرية، وفي مقدمتها إيجاد جهات قائمة الذات، قابلة للإستمرار، من خلال بلورة معايير عقلانية وواقعية، لمنظومة جهوية جديدة.» و»انبثاق مجالس ديمقراطية، لها من الصلاحيات والموارد، مايمكنها من النهوض بالتنمية الجهوية المندمجة. فجهات مغرب الحكامة الترابية الجيدة، لا نريدها جهازا صوريا أو بيروقراطيا، وإنما مجالس تمثيلية للنخب المؤهلة، لحسن تدبير شؤون مناطقها.»
يتضح من خلال هذه التوجيهات الملكية للجنة الاستشارية للجهوية، وللرأي العام السياسي والمدني، ومن خلال القراءة المتأنية لعوائق التجربة الجهوية الادارية ومواطن ضعفها، أن المغرب يتجه تدريجيا الى جهوية سياسية ذات طابع مغربي غير ملزم باستنساخ تجارب بلدان أخرى. ذلك أن مختلف التجارب تأسست انطلاقا من شروطها وظروف تطورها التاريخي. مما يطرح على المغرب الآن أن يدشن تجربة جهوية سياسية جديدة تميز:
أولا، بين مستويين من الجهوية السياسية، الأولى خاصة بالأقاليم المسترجعة في الصحراء المغربية التي لازال ملفها خاضع لنتائج الحوار تحت رعاية المنتظم الأممي، والثانية خاصة بباقي جهات المملكة.
ثانيا، الإجابة على الاشكالات التي تعيق تطور الديمقراطية الجهوية مغربيا بما يحقق شروط وعوامل التنمية المستدامة ويحافظ على الوحدة والانسجام والتعدد الذي يشكل قوة الكيانية المغربية.
فالجهوية ورش دائم ومفتوح على التطور التدريجي، يتقدم بقدر تحقيق الاجابات على الاشكالات الموجودة والمستجدة التي تعيق تطور المجتمع في مشروع الديمقراطية والحداثة.
ألف: مشروع الجهوية الموسعة بالمغرب.
يتضح من خلال التناول الجدي لموضوع الجهوية الموسعة أن المغرب يريد القيام بخطوات هامة وجوهرية في إعادة هيكلة الدولة على أساس جهوي، ليصبح «مغرب الجهات»، بهدف إعادة تنظيم المجال الترابي وجعل الجهات تشكل رافعة أساسية لتعميق الديمقراطية وفرز النخب الجديدة جهويا، القادرة على تحمل المسؤولية في تدبير الشأن العام الجهوي. وكذا جعل الجهات تتحمل مسؤولياتها كاملة في النهضة المغربية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا مما يحقق تنمية مستدامة منشودة في كل ربوع الوطن.
وفي تقديرنا لا يمكن للجهة أن تلعب دورها كاملا إلا إذا استطاعت تحقيق مجموعة من الوظائف في تناسق وتكامل مع أجهزة الدولة في مجالات مختلفة على رأسها: وظيفة سياسية، ووظيفة حقوقية، ووظيفة اقتصادية تنموية، ووظيفة تدبيرية، ووظيفة اندماجية. وقبل هذا وذاك إقامة تقطيع ترابي يمكن الجهة من القيام بمشاريع كبرى قادرة على توفير التنمية وجذب الاستثمارات اللازمة في شروط سيادة العولمة وانفتاح الأسواق. تقطيع قادر على بلورة الشخصية المتميزة لكل جهة ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا في تكامل حضاري مع باقي الجهات الأخرى.
1- التقطيع الترابي
لا يمكن الإستمرار في التقطيع الترابي الحالي، لأنه يتكون من جهات صغيرة غير قادرة على تحمل أعباء التنمية المستديمة على عدة مستويات سبق وأشرنا إلى بعضها فيما سبق. فالمغرب يمكن تقطيعه على 7 أو 8 جهات لا أكثر، حتى يتوفر على جهات كبرى قادرة على الحياة والمبادرة المنتجة. وفي هذا الأمر لا بد من استحضار كل العوامل المساعدة على تحقيق ذلك سواء جغرافيا، أوتاريخيا، أوثقافيا، أو ديمغرافيا، أواقتصاديا، أواجتماعيا..الخ. وهنا لابد من استحضار عنصرين أساسيين في مسألة التقطيع الترابي: الأول يتعلق بالهوية والثاني بمركز الجهة.
ففيما يتعلق بالهوية لابد من التأكيد على الثوابت الوطنية وتجاوز المقاربات الاثنية واللغوية الضيقة، ذلك أن الاثنية العسيرة التحديد مغربيا على مستوى الجهات توجد في مرتبة تاريخية دون البناء الديمقراطي والحداثي الذي ينشده المغاربة وتعمل الدولة جاهدة على تحقيقه خاصة في العشرية الأخيرة. أما الأمازيغية فهي قضية وطنية تستدعي تجند الجميع من أجل احلالها المكانة اللائقة بها كلغة وطنية الى جانب العربية، وبالتالي فهي ليست حكرا على جهة أوأكثر من الجهات. أما مركز الجهة فلابد من التوفر على مركز حضاري قوي اقتصاديا أو تاريخيا ليشكل قطب جذب للاستثمارات والتطور الإقتصادي والإجتماعي المستمر.
2- الوظيفة السياسية
لعل أول مسألة تطرح نفسها هي تعميق التعددية السياسية وإعطاء الممارسة الديمقراطية مدلولها الفعلي والسليم على مستوى الجهة، بتشكيل المجالس الجهوية عن طريق الانتخابات المباشرة على قاعدة النسبية لخلق حركية سياسية في الجهات تجعل المواطنين والمواطنات يرتبطون بمجلسهم ويتتبعون تطورات أعماله، ويكونون قادرين على محاسبته انتخابيا. وفي هذا الأمر يكون على الدولة أن تتحمل مسؤولياتها كاملة في محاربة كل أشكال الإفساد بالحزم الضروري عن طريق سلطاتها الأمنية والقضائية. والمسألة الثانية التي تطرح نفسها في تشكيل المجالس الجهوية هي إحلال حالة التنافي بالنسبة للمستشارين في المجالس الجهوية على ألا يكونوا في نفس الوقت أعضاء في المجالس الجماعية أوالاقليمية. ويبقى في هذه الحالة امكانية تمثيل المستشارين الجهويين لجهاتهم في مجلس المستشارين المطروح لتعديلات أساسية وجوهرية من حيث تنظيمه وصلاحياته في إطار الاصلاح الدستوري.
3- الوظيفة الحقوقية
على المجالس الجهوية أن تصون الحقوق وتحترم حقوق الانسان في كافة مجالاتها السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن يرفض دستوريا أي تقصير أوحد أوتراجع على الحقوق المعترف بها، تشريعيا، على المستوى الوطني. فالمجالس الجهوية مطالبة بتطوير الحقوق والاستجابة لطموحات السكان المتجددة في تكريس التعددية الثقافية ومراعاة الخصوصيات المحلية.
4- الوظيفة الاقتصادية/التنموية
تعاني بلادنا من عدة اختلالات اقتصادية واجتماعية تتمثل في ترييف المدن، واللاتوازن بين الجهات، حيث تعيش بعض الجهات تهديد حقيقي في وجودها بيئيا واقتصاديا وتعاني أخرى من ثقل الفقر والتهميش. كما يعاني مجال بلادنا انكسارات اجتماعية قوية، تتمظهر في الأزمة بين البادية والمدينة وكذا بين المدن الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، إضافة الى الخلل بين الأحياء الغنية داخل المدن والأحياء الفقيرة والمهمشة. مما يطرح على المجالس الجهوية مهام كبرى لرفع تحديات التنمية المستدامة على المستويات الجهوية سواء في إعداد التراب الجهوي وإقامة المخططات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في انسجام مع المخططات الوطنية وبروح مبدعة ومطورة لها على المستوى الجهوي. وهذا يتطلب توفير الإمكانيات المالية اللازمة سواء على مستوى الحصة المخصصة لدعم الجهات في الميزانية الوطنية العامة، أو على مستوى نسبة الضرائب المخصصة للجهات، أو على مستوى الحصة من الضرائب على الشركات والضريبة على القيمة المضافة التي يجب أن تكون متفاوتة حسب متوسط الفرد من الناتج الداخلي الخام، الشيء الذي يفترض تقليص نسبة تلك الضرائب بالنسبة للجهات التي لا تصل مساهمتها الى المتوسط الوطني، مما سيشجع على جلب الاستثمار الى تلك الجهات وينشط السوق فيها، مما سيرفع من مستوى السكان المعيشي. فليس هناك أي مجال ترابي غير صالح أو مذموم على حد قول أحد الجغرافيين ولكن فقط هناك مجالات ترابية فاقدة للمشاريع المحفزة على التنمية.
5- وظيفة تدبيرية
تقتضي هذه المهمة استبدال التدبير الاداري البيروقراطي بتدبير تشاركي فعال مفتوح على المواطنين يجسد سياسة القرب، ويستدعي ذلك سيادة الحكامة الجيدة المتمثلة في الالتزام بمقتضيات القانون والشفافية والاعلام والحرص على مصالح السكان في الجهة في إطار الاحترام التام للثوابت الوطنية. ويقتضي هذا الأمر:
- تحديد الاختصاصات بشكل واضح بين التي تعود الى مجلس جهة والتي تعود الى ممثلي السلطة المركزية في الجهة.
- تمكين المجالس الجهوية من حق تشكيل هيئة تنفيذية، تسهر على تنفيذ مقررات المجالس. ويعود الى عامل مركز الجهة السهر على تنفيذ البرامج التي تحتفظ بها الدولة .
- تمكين الهيئة التنفيذية الجهوية وكذا المجلس الجهوي من موظفين أكفاء قادرين على مسايرة العمل الجهوي.
- جعل سلطة الوصاية تمارس رقابة بعدية وليس قبلية. وإعطائها حق التعرض لدى المحكمة الادارية.
- تشكيل المجالس الاقتصادية والاجتماعية الجهوية، وجعل استشارتها ملزمة للمجالس الجهوية تحت طائلة الابطال.
- تشكيل مراصد البيئة والتنمية المستدامة وأخذ تقاريرها بعين الاعتبار حول الأوضاع البيئية ومختلف المشاريع الاستثمارية.
- خلق محاكم إدارية في كل الجهات.
- التمييز بين مهام المجالس الجهوية والاقليمية والجماعات الحضرية والقروية.
6- الوظيفة الاندماجية
للمجلس الجهوي مهام أساسية في الحرص على تكريس آليات الاندماج الاجتماعي والتضامن المجالي والمجتمعي لتوفير شروط النهوض والتقدم لكل مكونات الجهة، مما يعمق ثقافة المواطنة والمسؤولية الفردية والجماعية الكفيلة بمشاركة المواطنين والمواطنات في المبادرات التنموية والمراقبة والتتبع للشؤون العامة في الجهة.
باء: الجهوية الموسعة والحكم الذاتي في الصحراء المغربية.
خضعت الأقاليم الجنوبية في الصحراء المغربية منذ استرجاعها للسيادة الوطنية الى نفس التنظيم الاداري السائد في المملكة. وشاركت في كل الاستحقاقات الانتخابية، فتشكلت بها مجالس جماعية ومجالس إقليمية ومجالس جهوية. كما لها ممثلين في مجلسي البرلمان. وهي منطقة خاضعة للتفاوض على أساس مقترح «الحكم الذاتي» الذي وضعته بلادنا لدى المنتظم الدولي، بسبب النزاع المفتعل من طرف جارتنا الجزائر وجبهة البوليزاريو. وتنص المادة 29 من المبادرة المغربية للتفاوض على أن «تتم مراجعة الدستور المغربي وإدراج نظام الحكم الذاتي فيه، ضمانا لاستقرار هذا النظام وإحلاله المكانة الخاصة اللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة.»
والآن والمغرب فتح ورش إعادة هيكلة مجاله الترابي بما في ذلك الأقاليم الصحراوية التي تعتبر جزءا من السيادة المغربية، هل سيمكن الصحراء المغربية من «الحكم الذاتي» بشكل منفرد، أم أنه يخضع تلك الأقاليم لنفس المقتضيات القانونية التي ستسود في باقي أطراف المملكة تفعيلا لقانون الجهة الجديد المزمع إقراره.
نعتقد أن الخيار سياسي بدرجة أولى وليس قانوني لأن الاطار العام محدد في المبادرة المغربية من حيث صلاحية تشكيل برلمان وحكومة وقضاء جهوي ولا تنقص الا المراسيم التنظيمية لتحديد النسب التي تعود للدولة والجهة في استغلال الثروات والضرائب وغيرها. فهل من الممكن للمغرب أن ينفرد بتطبيق نظام «الحكم الذاتي» في الوقت الذي لازال المشروع الذي قدمه معروض على المنتظم الأممي وخاضع للتفاوض. والمشروع الذي قدمه المغرب ينص في مادته 27 على أن «يكون نظام الحكم الذاتي للجهة موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية. ويعد هذا الاستفتاء، طبقا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، بمثابة ممارسة حرة من لدن هؤلاء السكان، لحقهم في تقرير المصير.»
لذا فالموقف السليم سياسيا في هذه المرحلة لن يكون سوى تطبيق قانون الجهوية الموسعة المزمع إقراره على الأقاليم الصحراوية مثل باقى جهات المملكة، ذلك أن أي تطبيق ناقص للحكم الذاتي سيشكل دعاية مضادة له، وتطبيق من جانب واحد لن يكون في صالح المغرب عند الحسم في المفاوضات على الوضع النهائي.
للحديث صلة
الجهوية الموسعة مشروع يتأسس بالتدريج، وقد جاءت المبادرة الملكية بعد تراكمات عدة، تستهدف اعادة هيكلة الدولة المغربية لتحريك كل طاقات المجتمع في بوتقة الديمقراطية والتنمية المستدامة، مما يجعل من هذا المشروع رهان نهضة حداثية مستقبلية، يتعلق نجاحه بمدى ادراك مجموع الفاعلين أدوارهم والحزم في احترام القانون وتطوير الحقوق وتحمل كل المواطنين والمواطنات مسؤولياتهم في انجاح جهوية سياسية متقدمة في إطار الدولة الموحدة وليس المركبة بإبداع مغربي خالص. إنه ورش مفتوح على التطور الدائم.
()نائب المنسق العام
ومنسق المؤسسات والتنظيمات الموازية
حزب اليسار الأخضر المغربي
المر اجع:
- الجهة جماعة محلية جديدة- منشورات المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية.
سلسلة «نصوص ووثائق»- الطبعة الأولى- 1997 .
- المسألة الجهوية ورهانات التنمية بالمغرب- المعهد الجامعي للبحث العلمي-
جامعة محمد الخامس- الرباط السويسي - الرباط 1999 .
(أعمال الندوة التي نظمها المعهد الجامعي للبحث العلمي بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور
بمعهد البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية بالرباط ، يومي 10 و11 دجنبر 1998 ).
- المسألة الجهوية بالمغرب، دراسات ووثائق مختارة-
منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية-
«سلسلة مواضيع الساعة»- الطبعة الأولى- 2006 .
- الجهات والجهوية في القانون المغربي والقانون المقارن- منشورات المجلة المغربية للإدارة
المحلية والتنمية- سلسلة «نصوص ووثائق»- الطبعة الأولى- 2010 .
- الجهوية الموسعة بالمغرب - جمع وتنسيق : د. سعيد جفري وكريم لحرش.
سلسلة اللامركزية والإدارة المحلية- الطبعة الأولى: فبراير 2010 .
- DE LA REGIONALISATION (Enjeux du Maroc de la décennie II)
Préalables, Voies et Supports pour une croissance socio-économique équilibrée.
Ahmed BOUTOUIL - Edition AMOK GRAPHIC - 2010.
- La revue ECONOMIA - n- 9 Juin- Septembre 2010.
- Régionalisation UN PROJET DE REGNE -
-Publication hors-série 2010- Le quotidien Les Echos.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.