زنيبر يبرز الجهود التي تبذلها الرئاسة المغربية لمجلس حقوق الإنسان لإصلاح النظام الأساسي للمجلس    دلالات لزيارة رئيس الصين الودية للمملكة المغربية    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مساهمة في تأطير المذكرة المزمع رفعها الى اللجنة الملكية الاستشارية للجهوية .. حزب اليسار الأخضر المغربي: الجهوية، ورش دائم ومفتوح للتطور الديمقراطي والتنمية المستديمة

تسعى هذه الأرضية إلى بلورة تصور عام حول الجهوية ودورها في التطور الديمقراطي والتنموي في المغرب، في سياق النقاش العام الذي تعرفه الساحة السياسية والمدنية والإعلامية وأجهزة الدولة منذ الخطاب الملكي في 3 يناير 2010 بمناسبة تشكيل اللجنة الإستشارية للجهوية.
ولعل بلورة هذا التصور لكفيل بالمساهمة في تأطير «مذكرة حزب اليسار الأخضر المغربي» حول الجهوية المزمع رفعها الى اللجنة الملكية الاستشارية للجهوية.
تتغيا هذه المساهمة المتواضعة- حسب ما حمله نص الأرضية- الإجابة عن مجموعة من الأسئلة تؤطر مفهوم الجهوية؟ والجهوية الموسعة؟ شروطها وحدودها؟ الصيرورة التاريخية للجهوية في المغرب؟ الحدود الممكنة للمشروع المقبل؟
فمن خلال هذه الأرضية هناك سعي بلورة تصور عام حول الجهوية ودورها في التطور الديمقراطي والتنموي في المغرب، في سياق النقاش العام الذي تعرفه الساحة السياسية والمدنية والإعلامية وأجهزة الدولة منذ الخطاب الملكي في 3 يناير 2010 بمناسبة تشكيل اللجنة الإستشارية للجهوية.
ولعل بلورة هذا التصور لكفيل بالمساهمة في تأطير «مذكرة حزب اليسار الأخضر المغربي» حول الجهوية المزمع رفعها الى اللجنة الملكية الاستشارية للجهوية.
تتغيا هذه المساهمة المتواضعة الإجابة عن مجموعة من الأسئلة تؤطر مفهوم الجهوية؟ والجهوية الموسعة؟ شروطها وحدودها؟ الصيرورة التاريخية للجهوية في المغرب؟ الحدود الممكنة للمشروع المقبل؟
قبل الإجابة عن مجموع هذه الأسئلة وأخرى ستتولد من خلال الدراسة، لابد من الإجابة عن تساؤل مركزي حول راهنية المشروع الجديد للجهوية؟ يمكن حصر دواعي الجهوية الموسعة الآن في أربعة عناصر أساسية:
1 - الدينامية التنموية: لقد عرف المغرب في العشرية الأخيرة دينامية تنموية استثنائية، بانطلاق الأوراش الكبرى المهيكلة وانفتاح السوق على الاستثمارات والاستفادة من حركة التحويل التي تعرفها الصناعات الأجنبية في عدة مجالات، مما ساعد المغرب على تنشيط نسيجه الاقتصادي وتحقيق نسبة نمو تصل إلى 5 / خلال الفترة الممتدة من 1999 إلى 2008 . إلا أنه يلاحظ أن التنمية سارت بسرعات مختلفة، فحسب الدراسة التي أنجزتها مديرية التخطيط حول مؤشر التنمية البشرية في الجهات، يبرز بشكل واضح أن جهة الدارالبيضاء الكبرى تحتل قمة الترتيب بمؤشر 0،768 قريب من المؤشر الذي تعرفه الصين، في حين أن جهة تادلة-أزيلال وجهة تازة-الحسيمة-تاونات توجد في أسفل الترتيب بمؤشر يصل على التوالي الى 0،562 و0،581 في مستوى كينيا والنيبال. فهذا اللاتوازن يتطلب اعادة النظر في التقسيم الجهوي بشكل يمكن كل جهة من قطب حضاري أوأكثر لجدب امكانيات التنمية ودفع المؤشرات الاقتصادية الى الأعلى.
-2 النمو الإقتصادي: يلاحظ أن التقسيم الجهوي الحالي غير متوازن ولا يساعد على النمو الاقتصادي في كل الجهات بنفس الوثيرة. فانعدام التوازن يلاحظ من حيث توزيع السكان ودرجة التمدن، حيث يلاحظ انتشار التمدن في كل الجهات تقريبا مع استثناءات بالنسبة لسوس والغرب والشاوية والحوز ودكالة والمحور تازة-الحسيمة-تاونات. يضاف الى هذا ضعف المراكز التي تشكل قاطرة للتنمية قادرة على جدب الاستثمارات، ويلاحظ في هذا الموضوع المجهود الخاص الذي يقوم به الملك في السنوات الأخيرة للتخفيف من الاختلال وتهيئ الجهات الى شروط أخرى. والجدير بالتسجيل كذلك، انعدام التوازن في شبكة الطرق ودرجة البنكرة مما يؤثر على درجة المساهمة في الانتاج الداخلي الخام (جهة الدارالبيضاء الكبرى: 21-/-، جهة الرباط - سلا-زمور-زعير: 14-/-، جهة مراكش-تانسيفت-الحوز: 9-/-، جهة طنجة-تطوان: 9 /-، جهة سوس-ماسة-درعة: 8-/-، باقي الجهات: 39-/-). فالهدف إذن هو إعادة النظر في التقسيم الجهوي بشكل يحقق نوع من التوازن لتوفير امكانيات النمو الاقتصادي لكل الجهات وتأهيل الأسواق الجهوية على التعامل مع الأسواق الوطنية والأجنبية والرفع من مستوى الاستهلاك الداخلي، وفتح المجال لانتعاش المقاولات الصغرى والمتوسطة، حيث يلاحظ أن نسبة افلاسها يرتفع رغم دخول نسبة أخرى جديدة للسوق وهو مايعبر عن اختلال ناتج عن اندراج الاقتصاد المغربي في السوق المعولم.
-3 الدواعي الاجتماعية والثقافية: يؤدي اقتصاد السوق والنمو السريع الى اختلالات اجتماعية وثقافية كبيرة لعل أهمها الضعف المتدرج والمستمر للطبقة الوسطى بحكم تمركز الثروات في المراكز الحضرية الكبرى التي تعمل على استقطاب مفاعيل الثروة من الجهات الاخرى الأقل تأهيلا من حيث البنيات التحتية والضعيفة في مجالات الاستثمار، يضاف الى هذا انتشار عادات الاستهلاك المتزايد كنتيجة طبيعية لاستيلاب السوق في ظل اقتصاد السوق السائد عالميا. مما يضعف الدور الاجتماعي والثقافي الرائد للطبقة الوسطى التي أصبحت تعاني مآسي البلترة. ولعل اقرار جهوية موسعة بتقسيم جديد وصلاحيات متقدمة من شأنه انعاش وضع وأدوار الطبقة الوسطى كصمام أمان للحماية ضد التهميش والفقر وفاعل أساسي في المجال الثقافي وتطوير الديمقراطية.
-4 دواعي سياسية: منذ إقرار القانون 47-96 المنظم للجهات لم تتوقف الانتقادات التي تبرز شكلية الصلاحيات وهيمنة سلطة الوصاية. إلا أن الفساد المسجل على المجالس الجهوية سواء في الانتخاب أوالتشكيل أوالتدبير جعل السؤال العريض يطرح نفسه. حول انتخابات مجالس الجهة ورئيس الجهة، والشروط الضرورية للتوفر على مجالس مسؤولة سياسيا قادرة على تحمل أعباء التنمية الجهوية. يضاف الى هذا، الدور السلبي الذي يلعبه افساد الانتخابات في عزوف المواطنين والمواطنات على المشاركة، مما أصبح يستدعي اعطاء دفعة جديدة للديمقراطية المغربية، بحيث لاديمقراطية وطنية دون ديمقراطية في الجهات.
وبالاضافة إلى ضرورات إصلاح الوضع في الجهات لإعطاء دفعة قوية الى الديمقراطية، يوجد الوضع المتميز لأقاليمنا الجنوبية التي ستتمتع بوضع «الحكم الذاتي»، والذي يتطلب تأهيل مختلف جهات المملكة ليس إلى وضع مماثل ولكن الى جهوية متقدمة قادرة على الانسجام مع الوضع الخاص للصحراء المغربية الخاضع للتفاوض في الإطار الأممي على أساس المقترح المغربي الذي مافتئ يستقطب المساندة على المستوى الدولي.
أولا: مفهوم الجهوية
يعتبر مفهوم الجهوية من المفاهيم التي طبعت تطور الفكر السياسي بالعالم المتقدم الذي أفرزته التحولات التي شهدتها أوربا مع فكر النهضة وعصر الأنوار. ولقد شكلت هذه التحولات الأساس المرجعي للنظام الجهوي كنمط عقلاني لتدبير الاختلاف بين مكونات المجتمع الواحد، وكآلية لدمقرطة المؤسسات السياسية والاقتصادية. فلجنة الشؤون الجهوية للمجلس الأوربي عرفت الجهة «بالوحدات التي تتموقع تحت مستوى الدولة المركزية، وتتمتع بتمثيلية سياسية مضمونة بوجود مجلس جهوي منتخب». إن الجهوية كآلية تدبيرية ارتبطت بالمد الديمقراطي الذي عرفه العالم، وخاصة أوربا، وما تلا ذلك من اعتراف رسمي بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجماعات والمناطق والأفراد والجهات، إذ أصبحت الجهة المجال الأنسب لتصريف الصراعات السياسية والثقافية من جهة، والفضاء الجدير بتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة ثانية.
ولقد شكلت الجهوية إحدى الخيارات الأساسية لإعادة بناء قوة الدول الوطنية الأوربية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث عرفت الدول الأوربية أشكالا متنوعة من الجهوية، كالفيدرالية بألمانيا(اللاندر)، و»المجموعات المستقلة»بإسبانيا، والجهوية بفرنسا، إضافة إلى تجارب إيطاليا وبريطانيا وبلجيكا وغيرها. كل بلد اتخذ تجربته وفق شروطه، فلا يمكن استنساخ التجارب، فالأساسي هو السعي إلى تحقيق ديمقراطية قوية وتوفير مساهمة كل الجهات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستفادة منها. وفي هذا الصدد لا يمكن إقامة الجهوية في ظل دولة ضعيفة. فالجهوية الموسعة مظهر من مظاهر الدولة القوية، إذ، وحدها الدولة القوية تكون قادرة على تحمل لا مركزية قوية ولاتمركز واسع لمصالحها الادارية في الجهات حيث تمكنهم من صلاحيات القرار تجاوبا مع الهيئات اللامركزية المنتخبة.
فالجهوية الموسعة تعني توزيع السلطة بين المركز والجهات، وفي هذا الأمر لا يمكن استنساخ أي نموذج، لكن الأساسي هو تكريس الديمقراطية وتطويرها وتوفير شروط التنمية المستديمة. وعموما في تحديد أي شكل من الجهوية لا بد من الوقوف بالدرس والتمحيص على ستة محددات أساسية: الجغرافيا، والتاريخ، والديمغرافية، والثقافة، والاقتصاد، والسياسة. إن هذه المحددات هي الكفيلة بتحديد النموذج الخاص الذي يمكن اتباعه في الجهوية، وما هو التقسيم الملائم لإنجاحها. وهذه المحددات كذلك هي الكفيلة بتحديد مستوى اللامركزية الذي سيتم اختياره، وماهي المجالات التي يجب أن تخضع للاتركيز الاداري وماهي المجالات التي يجب أن تبقى ممركزة من صلاحيات الادارات المركزية، الخ... وانطلاقا من مختلف التجارب يمكن التمييز بين ثلاثة أشكال من الجهوية استنادا الى الاطار القانوني الذي تستمد منه وجودها، وهي: الجهوية الوظيفية، والجهوية الادارية، والجهوية السياسية.
- الجهوية الوظيفية: وهي الجهوية المؤسسة قانونيا على أساس الوظيفة المحددة لها دون غيرها، ودون الأخذ بعين الإعتبار العوامل الأخرى. فالجهة في هذا النوع ليست سوى مجالا ترابيا لتحقيق مهمة من مهام الدولة، ولا تتطلب وجود إدارة ذاتية مستقلة لها شخصية قانونية متميزة.
- الجهوية الادارية: في هذا الاطار تتمتع الجهة باللامركزية ونوع من الاستقلال الذاتي يتمثل في وجود هيئة منتخبة تتوفر على موارد مالية وبشرية، واختصاصاتها محددة بالقانون وتتمتع بشخصية قانونية مستقلة، إلا أنها تخضع في تدبير شؤونها إلى وصاية ممثلي السلطة المركزية، وتعاني من ضعف لاتمركز إدارات الدولة.
- الجهوية السياسية: تتمتع الجهة هنا بسلطات سياسية مهمة، وتحتل مكانة متميزة داخل التنظيم الاداري والسياسي. إنها الأساس الفعلي للدولة، فهي تتقاسم مع السلطة المركزية الوظائف السياسية في الميدان التشريعي والتنظيمي، وقواعدها محددة دستوريا. وتعتبر الجهة السياسية أعلى مستويات اللامركزية الترابية، دون الوصول الى مستوى الدولة الفيدرالية التي تتوفر فيها الجهة على سيادتها التامة مع احترام القوانين الاتحادية.
وقد عرف المغرب تجربة الجهوية الوظيفية في ظل قانون 16 يونيو 1971 المشهور بالمناطق الاقتصادية السبع. ويعيش حاليا تجربة الجهوية الادارية في ظل قانون 47-96 المتجسد في التقسيم الجهوي ل16 جهة. ويتطلع حاليا الى جهوية موسعة، ما حدودها؟ هل ستكون جهوية سياسية؟ ما هي شروط ذلك؟
ثانيا: الاطار التاريخي
للجهوية في المغرب
يمكن اعتبار الجهوية في شكلها العصري حديثة العهد نسبيا في المغرب، وتبرز لنا القراءة التاريخية لمسألة الجهوية في المغرب عموما ثلاث مراحل كبرى:
- مرحلة ماقبل 1971 : وتضم هذه المرحلة السياسة الاستعمارية الفرنسية وسياسة الدولة المغربية في الخامسة عشر سنة الأولى من الاستقلال في مجال التدبير الإداري للتراب الوطني.
كانت الجهوية في المرحلة الاستعمارية تجيب عن الحاجيات الأمنية والعسكرية تجاه المناطق المنتفضة على السلطة المركزية لفرض خضوع جميع المجموعات السكانية لقرارات المستعمر. فقد جعلت الضرورات الأمنية المستعمر الفرنسي يلجأ إلى تقسيم المملكة، في الجزء الخاضع لسلطته، إلى أربع جهات عسكرية وثلاثة مدنية لضمان الفعالية في التدخل.
وعلى المستوى الاقتصادي تركزت التجهيزات في المحور الأطلسي (القنيطرة- الرباط- الدارالبيضاء)، وأصبح هذا المحور يشكل محور قطب جدب للاستثمارات واليد العاملة والرأسمال. فغدت مدينة الدار البيضاء تحتكر قرابة 80 / من الوحدات الصناعية وربع سكان المغرب.
وغداة الاستقلال استشعرت السلطات المغربية صعوبة الارث الاستعماري، سواء من الناحية الادارية، أو من ناحية التنمية (المغرب النافع/المغرب غير النافع)، فعملت على وضع تنظيم إداري جديد يعتمد على الجماعات المحلية (أول انتخابات جماعية في 1960 )، والعمالات والأقاليم. ومنذ أحداث الدارالبيضاء المأساوية في مارس 1965 تم التفكير في الحد من التركيز الشديد للاقتصاد والساكنة بالدارالبيضاء، واتجه البحث إلى التخفيف من اللا توازن المجالي والحاجة إلى إعادة هيكلة المجال على أسس جهوية. فتم في البداية خلق اللجنة الوزارية المكلفة بإعداد التراب الوطني في صيف 1968، والتي رأت في الجهة الاقتصادية وسيلة لتنمية الجهات المتأخرة والتخفيف من الهيمنة الاقتصادية للدارالبيضاء.
لا يمكن أن نتكلم في هذه الفترة الممتدة بين 1956 و1971 عن سياسة لامركزية/جهوية للدولة، بقدر ما ينبغي أن ننوه بمحاولة تخطي صعوبة الاختلالات المجالية، وعدم التوازن بين مناطق وجهات التراب الوطني، لذلك نعتبر أن أول محاولة جدية للسياسة الجهوية في المغرب جاءت باستصدار ظهير 16 يونيو 1971 الذي قسم البلاد إلى سبع جهات اقتصادية.
- تجربة ما بعد 1971 : جاء ظهير 16 يونيو 1971 في سياق البحث عن تحقيق سياسة تستهدف إنهاء أو على الأقل التخفيف من اختلال التوازن المسجل بين مختلف أطراف المملكة. هذه الاختلالات التي تعود الى عدة عوامل موروثة عن المرحلة الاستعمارية من جهة، وتعود كذلك الى عوامل الانفجار الديمغرافي، والجغرافيا والمناخ والموارد الطبيعية والبشرية والمركزية الشديدة للإدارة. لقد جاء ظهير 16 يونيو 1971 لتحديد المناطق الإقتصادية، بحيث جاء محتويا على الجدول المحدث والمحدد لعدد وأسماء ودوائر نفوذ المناطق الاقتصادية، ومبينا مدلول المنطقة الاقتصادية. حيث بين الفصل الثاني من الظهير أن المنطقة يراد بها «مجموعة من الأقاليم التي تربط بينها أو يحتمل أن تربط بينها على الصعيد الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي، علاقات كفيلة بتقوية نموها والتي تقتضي من جراء ذلك القيام بتهيئة عامة فيها». وقد أحدث هذا الظهير سبعة جهات بأهداف اقتصادية (تجسيد لجهوية وظيفية). اعتبرها « إطار عمل اقتصادي يباشر داخله إجراء دراسات وإنجاز برامج قصد تحقيق تنمية منسقة ومتوازنة لمختلف أجزاء المملكة». وتضم هذه المناطق الاقتصادية السبع: منطقة الجنوب، منطقة تانسيفت، المنطقة الوسطى، المنطقة الشمالية الغربية، المنطقة الوسطى الشمالية، المنطقة الشرقية والمنطقة الوسطى الجنوبية، محتوية على مجموعة من الأقاليم الأساسية التي تم الاعتماد عليها في التنمية الاقتصادية، وضمت إليها الأقاليم المجاورة التي تحتاج الى التنمية الاقتصادية من أجل التعاون والتكامل والتآزر فأطلق عليها اصطلاح الجهات الاقتصادية. فهذه الجهات السبع كانت عبارة عن مجموعة من الأقاليم تشكل إطارا ضعيفا للاتمركز في غياب أي هيئة لامركزية تعبر عن ارادة الجهات، بحيث أسندت إلى مديرية التنمية الجهوية والهيئات الإقليمية الاستشارية صلاحية تسيير تلك الجهات الاقتصادية، واقتصر دورها على المجال الاستشاري دون التقريري. وبذلك لم تكن تتمتع بالشخصية المعنوية ولا بالاستقلال المالي، فالقانون لم يجعل منها وحدة جماعية ترابية مستقلة آنذاك. وقد تم انتظار 30 شتنبر 1976 عند صدور الظهير المنظم للجماعات المحلية الذي وسع من اختصاصات المجالس الحضرية والقروية وصلاحيات الرؤساء لبداية مسلسل للديمقراطية المحلية الذي لازال يعاني من عيوب كثيرة. وفي نفس السياق جاء ظهير 15 فبراير 1977 لتدعيم سلطات العمال الذين أسندت لهم مهمة التنسيق بين السلطة المركزية والجماعات المحلية، بالإضافة الى اختصاصاتهم الأساسية.
بعد استرجاع الأقاليم الصحراوية تم تغيير وتتميم ظهير 16 يونيو 1971 بمرسوم 2 غشت 1979 الذي يقضي بإضافة الأقاليم الصحراوية المسترجعة إلى الأقاليم المغربية، حيث ارتبطت بجهة الجنوب.
ولتدعيم هذا المسار الجهوي عمل المخطط الخماسي 1973-1977 على خلق جهاز لتمويل ودعم العمل الجماعي. ولأجل ذلك تشكلت العديد من المؤسسات كالوزارة المكلفة بالتخطيط والتنمية الجهوية، والصندوق الخاص بالتنمية الجهوية، وصندوق تنمية الجماعات المحلية وصندوق التجهيز الجماعي. كما صدرت القوانين المتعلقة بتشجيع الاستثمارات الفلاحية، والصناعية والسياحية، والعقارية والمنجمية، والصناعة التقليدية، والصيد البحري وغيرها... إضافة الى البرنامج الوطني للمناطق الصناعية. وقد تم بفضل هذه التدابير والوسائل مجتمعة الوصول إلى التخفيف من حدة الفارق بين الدارالبيضاء وبقية المناطق خلال مدة ربع قرن تقريبا(1971 -1996 ) إلى نسبة النصف تقريبا. ذلك أن العاصمة الاقتصادية أصبحت تمثل 53?/? من المقاولات الصناعية، وأصبحت 47 / موزعة على مختلف مناطق المغرب وخاصة طنجة وفاس ومكناس والرباط وبرشيد وغيرها....
وخلال فترة السبعينات والثمانينات التي تم وسمها «بالمسلسل الديمقراطي» لم تهتم الهيئات السياسية بالجهوية أكثر ما اهتمت بقضايا الديمقراطية على الصعيد الوطني وتركزت انتقاداتها بالخصوص على ثغرات الديمقراطية وضعفها وضعف الصلاحيات المخولة للمجالس الحضرية والقروية وهيمنة سلطة الوصاية مما يفرغ الديمقراطية المحلية من محتواها الأساس. فجاء الخطاب الملكي في فاس بتاريخ 24أكتوبر 1984 أثناء ترأس جلالة الملك المرحوم الحسن الثاني لاجتماع المجلس الاستشاري الجهوي للمنطقة الوسطى الشمالية مؤكدا على تصوره الطموح للجهوية المغربية في أن تقوم على «...هياكل جهوية لها من الإمكانيات تشريعيا وماليا وإداريا ما يجعلها قادرة على أن تقف على رجليها وأن تعرف حاجياتها وأن تقيم سلّم أسبقياتها وأن تعبر بصوت
جماعي، بقطع النظر عن اختلاف الأحزاب أو المشارب السياسية، عن الحاجيات وعن المطامح وأن تكون هي الناطقة وهي المبرمجة وهي المخططة وهي البانية والمطبقة على أراضيها...»مضيفا في جزء آخر من الخطاب «فكرت أن أضع أمام أنظار البرلمان مشروع قانون خاص بمجالس الجهات المغربية التي تكون لها سلطتها التشريعية وسلطتها التنفيذية الخاصة بها وتكون لها هيئة الموظفين». وقد ساق في خطابه نموذج «اللاندر» الالماني، مما أنعش النقاش في الساحة السياسية حول الجهوية ودورها في تجسيد ديمقراطية القرب وتحقيق التنمية. توسع هذا النقاش في سياق النقاش العام حول الاصلاحات الدستورية والسياسة، حيث غذى خطاب 1984 العديد من الطموحات على مستوى تمكين المملكة من جهوية فعلية تحضى بهياكل تشريعية وتنفيذية. وسيتم انتظار التعديل الدستوري لشتنبر 1992 لكي تصبح الجهة تحظى بنفس رتبة الجماعات المحلية لتكون مكلفة بتدبير شؤون الجهة حسب منطوق الفصلين 94 و95 .
- مرحلة القانون 47-96 المنظم للجهة: يشكل هذا القانون منعطفا أساسيا في البناء الجهوي للمغرب مفارنة مع قانون 16 يونية 1971. رغم أنه جاء دون الطموحات التي غذتها النقاشات السياسية في تلك المرحلة. فهذا القانون لم يستجب لشروط الاستقلال الذاتي للجهات، سواء من حيث الطابع غير المباشر لتشكيل المجالس الجهوية، أو من حيث الصلاحيات الخجولة للمجالس وسلطاتها التنفيذية المعينة، أو من حيث نظام الوصاية المستنسخ على قانون الجماعات المحلية أو من حيث الموارد البشرية والمالية الهشة وغير الواضحة.
وللتذكير، فإن هذا القانون جاء في ظل أجواء سياسية يطبعها التوافق والحوار والتراضي التي سادت خلال هذه المرحلة، وتجسدت في التصويت شبه الاجماعي على دستور 1996، وتجسدت كذلك في استمرار النقاش حول مشروع القانون المنظم للجهات منذ وضع المشروع لدى لجنة الداخلية والجماعات المحلية والإنعاش الوطني في البرلمان إلى حدود التصويت عليه بالإجماع في آخر مارس 1997، قبل صدور الظهير الشريف في 2 أبريل 1997 القاضي بتنفيذ القانون رقم 47-96 المتعلق بتنظيم الجهات.
وقد عبر تقرير اللجنة البرلمانية المنوه بها على الطابع التوافقي للمشاورات السياسية بشكل واضح حيث أشار في سياق التقرير لتدخلات النواب «... وأكدوا على هذا المغزى الإشادة بالخطوات الإصلاحية التي عرفها المغرب بدءا من خطاب 1984 المتعلق بالجهة ثم التعديلات الدستورية لسنة 1992 و1996، وما واكبها من مشاورات سياسية، وشدد عدد من السادة النواب على أهمية هذه الإصلاحات في تأسيس أسلوب التراضي والتوافق على تعميق النقاش حول مشروع الجهة داخل المجلس، حتى يتمكن الرأي العام من الإطلاع على مختلف الآراء ومراحل وكيفية إنجاز النص النهائي». وفي نفس سياق تأكيد الطابع التوافقي في التعامل مع مشروع القانون المنظم للجهات المطروح للتصويت في البرلمان، جاء تدخل السيد محمد عامر باسم الاتحاد الاشتراكي «ولقد وافق حزبنا بمعية حلفائه في الكتلة الديمقراطية على المشروع بعد إدخال العديد من التعديلات على النص الأصلي، وعيا منه بالطابع المتواضع للتنظيم المقترح، وإيمانا منه أن البناء الجهوي هو مسلسل طويل النفس يندرج في السياق العام للتطور السياسي والمؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي للبلاد». ويضيف «... إن نجاح المشروع الجهوي المتراضى بشأنه اليوم يتوقف إلى حد بعيد على توفير الموارد الأساسية والإجتهاد في إيجاد موارد جديدة دون أن يتم ذلك على حساب حاجيات الجماعات المحلية».
جاء هذا القانون، إذن محكوما بالشروط السياسية العامة التي كان يطبعها التوافق والتراضي، والتي أدت إلى تشكيل حكومة «التناوب التوافقي». ورغم تواضع الصلاحيات التي خولت للمجالس واستمرار هيمنة سلطات الوصاية فقد أسس لتجربة جهوية إدارية محكومة بتحكم الادارة المركزية في اختيار المشاريع والتخطيط لها، حيث ساد ضعف اللاتمركز وقوة سلطة عمال مركز الجهة في التأثير على اختيارات المجالس والانفراد في سلطة التنفيذ. وهذا الأمر كان يعبر عن مفارقة واضحة بين من جهة، الارادة السياسة العامة التي تمثلت في تطوير الديمقراطية المحلية كخطوة هامة في تطوير الديمقراطية على المستوى الوطني، ومن جهة ثانية جسم إداري ضعيف القناعة باللاتمركز وبالقيم الديمقراطية والحداثية وعلى رأسها الحكامة الجيدة، أعطيت له صلاحيات الوصاية، مما يشجع على استشراء الفساد وانتشار المحسوبية والرشوة كممارسات حاضنة للريع بكل أشكاله الاقتصادية والسياسية، الشيء الذي فتح المجال لهيمنة لوبيات المال والجاه. والخطير في الأمر هو أن الأحزاب السياسية المفروض فيها تمثيل السكان وتفعيل الصلاحيات وكل الامكانيات القانونية المتوفرة أصبحت تتحول في أغلبها إلى أجسام انتخابية تمارس نوع من المركنتيلية السياسية في الاعتماد على المفسدين كوجوه انتخابية لضمان المقاعد في المجالس وباقي المؤسسات اعتمادا على سلطة المال وتعامي السلطة المستفيدة من وضع الافساد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.