} في الوقت الذي تسير فيه التجارب العالمية في تدبير الإعلام العمومي في إطار من الإستقلالية والحرية، نجد أن في المغرب أن وزارة الاتصال أصبحت تلعب دور المؤطر والموجه في وضع التصورات؟ إن وجود وزارة الاتصال في حد ذاته ضمن الهيكلة الحكومية، دليل قاطع على أن الكلام عن الإصلاحات في الإعلام العمومي اليوم يدخل في خانة الحلقيات البولميكية التي تخصصت فيها الوزارة الحالية بما تمارسه مع سبق الإصرار في تكريس وتجسيد اللااستقلالية في الإعلام العمومي من خلال وضع تصورات جاهزة غاب في إنجازها الفاعلون الأساسيون في الحقل السياسي و الاجتماعي والإعلامي، اللهم بعض من اختارهم الوزير نفسه الذين يرددون نفس خطابه شكلا ومضمونا، إلى درجة أصبح من غير الممكن التمييز بينهما كذات وفصيلة ومرجعية، وبالأحرى كشركاء جاء بهم الوزير ليساعدوه على وضع دفتر التحملات جديد ومشروع قانون المجلس الوطني للصحافة. } وهل اطلعتم على مضمون دفتر التحملات؟ سبق وأن التقينا بالوزير في إطار تنسيقية النقابات الثلاث، وناقشنا معه السياسة الإعلامية لبلادنا والمحطات التاريخية الكبرى التي أسسها رجال، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. والمقصود هنا طبعا، هم الذين أسسوا إطارات نضالية نقابية من أجل حرية التعبير والدفاع عن الرأي الآخر . لكن عرفت من خلال عضوية في المجلس الإداري للشركة الوطنية أن الجديد في دفتر التحملات هو إحداث ثلاث قنوات تلفزية. } ما هي؟ القناة البرلمانية، قناة الأسرة والطفل والقناة الإخبارية الدولية، إضافة إلى تحويل قناة الرابعة إلى قناة ثقافية، ومن هنا يتضح أن كل الجهات المعنية بالموضوع مباشرة لم تشرك، على سبيل المثال لا الحصر قناة الرابعة ستحول إلى قناة ثقافية لم يشارك الإعلامي بها في إعطاء رأيه أو وجهة نظره حول مضمونها وفلسفتها ولا حتى مع نقابتهم الأكثر تمثيلية بالقناة. هذا من جهة، ومن أخرى: هل فعلا أولويتنا إحداث قنوات جديدة في الوقت الذي لا تملك الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة مقرا رئيسيا ونقصا كبيرا في اللوجستيك والموارد البشرية المتخصصة في التصوير والتوضيب وتقنيات البث المباشر، مما يجعل هذه القنوات لا تتوفر على مقومات مهنية تسمح للإعلامي بإنجاز عمله في ظروف تحترم فيها الحد الأدنى من المبادئ المهنية المتعارف عليها . } يلاحظ أن التنسيقية لعبت دورا في تحريك السؤال حول الإعلام العمومي، ما موقفكم حاليا من هذا النقاش؟ أولا، إن التنسيقية تأسست بدوافع نضالية وحدوية حصلت عند بعض المناضلين. وكنت شخصيا من أعلنها ولم يكن المقصود بها الضغط أو عزل الآخر، بل كنت دائما أقول إن التنسيقية مفتوحة لجميع الذين يتقاسمون نفس القناعات والمبادئ والحرص على النضال لانتزاع حقوق العاملين والصحفيين في الإعلام العمومي. ولقد ضعنا برنامجا نضاليا دامت فترته أزيد من أربعة أشهر توجت بمسيرة وطنية وصيغت في الموضوع توصيات مفصلة لو طبقت لقطع مع الكثير من هذا البوليميك ومع كثير من قناصي الفرص ومستغلي المناسبات من أصحاب لكريمات والأراضي المنتسبين لمهنة المتاعب. إن النقابة الديموقراطية للإعلام السمعي البصري تحمل اليوم مبادرة، ستساهم من خلالها في تطوير العمل الوحدوي وتنقية العمل النقابي من كل الاحتقانات المفروضة على الجسم الإعلامي في بلادنا. وفي ما يخص تعاملنا مع الواقع، فنحن في آخر المطاف نقابة مناضلة ومواطنة لها قدرة على الحوار كما لها خبرة في خلط الأوراق وقلب الطاولات، لذلك نحن في انتظار ما سيأتي به الوزير وكيف سيأتي به، والأطراف التي اشتغلت عليه، وطموحها ومقاصدها وآنذاك لكل مقام مقال. وللتذكير فقط، فإن هذا الموضوع لا يعني نقابتنا وحدها، بل يشمل المركزيات النقابية والأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والفرق البرلمانية. إنها معركة تهم المجتمع برمته. } إلى أي حد تلمسون وجود إرادة سياسية وشروط مؤسساتية لإحداث إصلاح حقيقي وانتقال فعلي في الإعلام العمومي؟ كل متتبع للقنوات التلفزية المغربية على مستوى الإنتاج والأخبار يقتنع أن الإرادة السياسية غير متوفرة، ذلك أن الإصلاح -لا يقاس حسب ما يعتقده الوزير ومن يدور في فلكه - هو وضع دفاتر التحملات وإدخال بعض التعديلات الشكلية عليها من قبيل نسبة الإنتاج الداخلي والخارجي، بل هو القطع مع المنهجية القديمة في تدبير الإعلام العمومي بما فيها الخط التحريري الذي تجاوزه الدهر وأصبح من مخلفات سنوات الجمر التي لا يعرفها الكثير ممن يتحدث حاليا عن بداية تاريخ الإصلاحات، بل منهم من هو جزء من هذه الحقبة، مثلهم مثل الحرباء، يتلونون حسب فصول السنة. إن إصلاح الإعلام العمومي هو معركة وطنية تهم جميع مكونات المجتمع وبتصور يأخذ بعين الاعتبار التحولات السياسية والفكرية والثقافية وطنيا وجهويا، وذلك باحترام المواطن في حقه في خدمة عمومية وتلقيه أخبارا تقدر وعيه وذكاءه، وجعله متتبعا لشأنه الوطني والدولي بكل حرية وشفافية.