مقترحات على قانون القطاع السمعي- البصري شكل مطلب دمقرطة وسائل الإعلام العمومية و تحرير الفضاء السمعي البصري في المغرب ، أهم مطالب النقابة الوطنية للصحافة المغربية منذ بداية التسعينات .واعتبرت النقابة باستمرار أن هذا المطلب يلبي حاجتين أساسيتين. أولهما وهو الانخراط في صيرورة الديمقراطية والانفتاح التي يشهدها العالم والتي تشكل الوسائل السمعية البصرية أحد أدواته الكبرى، وثانيهما وهو التغيير الجذري،على المستوى المهني والمادي لأوضاع العاملين في المؤسسات العمومية . وخاضت النقابة لهذا الغرض نضالات متعددة، كوقفات احتجاجية وحمل الشارة وتظاهرات، بالإضافة إلى الحملات التي خاضتها على الصعيد الوطني و الدولي لتحقيق هذه الأهداف. وعندما دخل المغرب في مسلسل تحرير القطاع السمعي البصري، بادرت النقابة إلى تأكيد مطالبها المتعلقة بإصدار قانون، ينظم هذا القطاع ويلبي الحاجات الأساسية للعاملين، سواء في الحفاظ والرفع من مكتسباتهم أو في جعلهم يتمتعون بكل الحقوق المعنوية والمهنية ، المعمول بها في البلدان الديمقراطية. وتعتبر النقابة أن تحرير القطاع السمعي- البصري يهم جوانب أخرى تتعلق بتطوير الممارسة الديمقراطية وذلك بتكريس التعددية السياسية والنقابية والثقافية والجمعوية ، ومختلف شروط إنتاج برامج تتمتع بجودة وذات قيمة عالية ترفع من وعي المجتمع وثقافته.لذلك انصبت المقترحات التي قدمتها النقابة على كل هذه المستويات، المادية والنقابية والمهنية والسياسية والثقافية.. وأكدت مقترحات النقابة على أن يتضمن القانون حماية لحرية الإعلام وضمان استقلالية العمل المهني عن طريق وضع مواثيق ومجالس تحرير والالتزام بأخلاقيات المهنة، واحترام حقوق العاملين وخاصة الحقوق النقابية، سواء تعلق الأمر بالقطاع العام أو الخاص.وفي هذا الصدد اقترحت النقابة أن ينص القانون على الالتزام باحترام القانون الأساسي للصحافي المهني ومدونة الشغل والاتفاقيات الجماعية المعتمدة في القطاع. أما بالنسبة لموضوع الإنتاج الوطني والكفاءات المغربية، فقد طالبت النقابة بأن يتم الاعتماد على إعطاء الأسبقية لحصة معينة من المواد الوطنية وكذلك للكفاءات المغربية بشكل تدريجي يراجع دوريا في دفتر التحملات.وتضمنت مقترحات النقابة عدة مقتضيات، تسير كلها في اتجاه خلق شروط إنتاج مغربي جيد وتطوير كفاءات صحافية وفنية وتقنية مغربية. وخصصت النقابة في مقترحاتها حيزا هاما لمسألة حرية الإعلام، وفي هذا الشأن طالبت بأن تحذف كل التعابير العامة والفضفاضة التي يمكن تأويلها ضد هذه الحرية، كما اعتبرت أنه من اللازم أن تتمتع القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية بهامش واسع من الاستقلالية بعيدا عن هيمنة الجهات الرسمية . وركزت النقابة على نقطة هامة في مقترحاتها تتضمن تجنب أي غموض في الحفاظ على مكتسبات العاملين، بل أنها أكدت في مقترحها أن تتم الإشارة بوضوح إلى أن ينص النظام الأساسي الجديد على أن تكون وضعيتهم أفضل من الوضع السابق.كما ألحت على أن يتم استبدال كلمة "المستخدمين" بجملة أكثر وضوحا تتحدث عن "الصحافيين والتقنيين والفنيين ومختلف فئات العاملين".ويعني هذا أن يتم التنصيص في الهياكل والقوانين المقبلة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية على نظام واضح للمهن والتخصصات، بما يعني ذلك من خلفيات ومرجعيات سواء قانونية أو مهنية أو اعتبارية. وانطلاقا من الفلسفة العامة التي تدافع عنها مختلف نقابات الصحافة والإعلام على المستوى العالمي ، فأن النقابة الوطنية للصحافة المغربية اعتبرت أن موضوع الخدمة العمومية، التي ينبغي أن يقوم بها المرفق العام، أي الإذاعة والتلفزة المغربية والقناة الثانية، ينبغي أن يكون واضحا وأن ينعكس في طريقة التسيير والتدبير. ولتجسيد هذا المبدأ ، اقترحت النقابة أن يتم إحداث مجلس للإدارة بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ، يقوم بتحديد سياساتها ومراقبة تنفيذ دفتر التحملات ومتابعة التوجهات العامة في التدبير والتسيير، يقدم تقريره إلى الوزير الأول والهيأة العليا للإعلام . ويتكون هذا المجلس، حسب اقتراح النقابة من عضوين يعينهم الوزير الأول ، من بينهم الرئيس و عضوين يعينهما البرلمان، وعضو واحد يمثل النقابة الأكثر تمثيلية للصحافيين على الصعيد الوطني، وعضو واحد يمثل نقابة الفئات الأخرى، غير الصحافية، الأكثر تمثيلية في الشركة وعضو واحد يمثل الميدان الثقافي و الفني وعضو واحد يمثل منظمات المجتمع المدني. وكما هو واضح من خلال هذه التركيبة والصلاحيات المقترحة لهذا المجلس، فإن النقابة كانت تهدف إلى تشكيل هيأة لها سلطة المراقبة والتتبع تتمتع بتمثيلية سياسية ومهنية ومدنية متوازنة، تجعل المرفق العام خاضعا في تدبيره إلى التزامات واردة في دفتر التحملات،وفي القوانين المنظمة، بالإضافة إلى سلطة المجتمع. وعملت النقابة على حشد الدعم لمواقفها واقتراحاتها من خلال اتصالاتها بكل الفرق البرلمانية، ونظمت ندوات بحضور فاعلين سياسيين ونقابيين وجمعويين، وعدد كبير من المهنيين، ووجدت تجاوبا كبيرا مع التعديلات التي قدمتها. غير أن الحكومة، ممثلة بوزارة الاتصال، تمسكت بمشروعها، ولم تدخل عليه سوى تعديلات جزئية، منها الإقرار بجهاز تسييري، بمشاركة العاملين، على أن يحدد النظام الأساسي للشركة الوطنية شروط هذه المشاركة. وتبين أن السلطات الرسمية مازالت ترفض مبدأ المراقبة المجتمعية والمهنية لكيفية تدبير وتسيير المرفق العام. وهذا ما انعكس في النظام الأساسي للشركة، الذي أحال مسالة التمثيلية إلى مجرد انتخابات يتقدم إليها كل العاملين، سواء كان لهم انتماء نقابي أم لا. ولذلك ، فإن التحدي الذي ناضلت من أجله النقابة ومجمل القوى الحية بالمجتمع لتتحول وسائل الإعلام الرسمية السمعية البصرية إلى مرفق عمومي، مازال مطروحا. وفي هذا الصدد، فإن النقابة تعتبر أن المعارك المقبلة ستتمحور حول القانون الأساسي والاتفاقية الجماعية والهياكل الملموسة، المهنية والإدارية، لمؤسسات المرفق العمومي. وينبغي أن تشكل هذه المراحل المقبلة فرصة لتقوية التوجه الذي دافعت عنه النقابة لتطوير المهنية واستقلالية وسائل الإعلام العمومية وتحسين الظروف المادية والاجتماعية للعاملين في هذه المؤسسات. إن تجسيد ممارسة المرفق العام على أرض الواقع تتطلب نضالا متواصلا من طرف المنظمات النقابية العاملة في قطاع الإعلام العمومي، سواء تعلق الأمر بإصلاح القوانين أو بتعزيز العمل الجماعي والتضامني. وستواصل النقابة كفاحها ونضالها على مختلف هذه الواجهات، لأنها تعتبر أن الإصلاح القانوني لا يمكن أن يعطي ثماره في هذا المجال إلا إذا تحول إلى ممارسة ملموسة في أرض الواقع.