لم يعد خافيا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تريد أن تحكم سيطرتها على المغرب العربي بعدما طوّقت المشرق بقواعد عسكرية وأساطيل بحرية تسبح في مياه الخليج التي صارت عينا على كل التحركات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط. كما أن هذا الإلحاح الأمريكي على دول المغرب العربي يؤكد بوضوح أن دعاوى شجب التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية سيترك مكانه لدعاوى أنصار العولمة الأمريكية وضرورة التأقلم مع المتغيرات التي يشهدها العالم. فالولاياتالمتحدةالأمريكية تريد أن تجعل لنفسها موطئ قدم راسخ في الشمال الإفريقي بعدما هيأت لنفسها أمكنة حيوية في غرب إفريقيا ووسطها وجنوبها. وهي بذلك تريد متابعة التحولات الأوربية عن كثب، سيما بعدما فقدت حلفاء تقليديين في دول أمريكا اللاتينية التي اجتاحها المد الاشتراكي المناهض للعولمة والرافض لهيمنة واشنطن على العالم. ومن ضمن الخيارات التي تتدارسها الولاياتالمتحدةالأمريكية لإنشاء طوق أمني يحميها من كل اعتداء إرهابي إقامة قواعد عسكرية في موريتانيا، وهو خيار سبق وأن نفاه مسؤولون أمنيون أمريكيون، إلا أن نفي الشيء دليل على ثبوت عكسه، كما يقال. ولهذا ستساهم القواعد العسكرية المحتمل إنشاؤها في موريتانيا بفرض حماية على الاستثمارات الأمريكية في الصحراء الكبرى، ومراقبة تحركات الجماعات المسلحة بالتنسيق مع القيادات العسكرية الجزائرية والمغربية والليبية، دون إحراج هذه الدول بإنشاء قواعد عسكرية بداخلها، لأنه سيساهم في خلق بؤرة توتر في مكان تريده واشنطن من الآن فصاعدا آمنا ومستقرا. إن الوضع في عالم اليوم أضحى جد معقد، حيث اختلطت فيه مفاهيم السيادة الوطنية بالضرورات التي تفرضها المتغيرات الأمنية والاقتصادية في العالم ككل، ولهذا صار من المسلم به القول إن ما يحدث في الداخل لن يعدو أن يكون انعكاسا لما يحدث في العالم. وهذا واضح. ولكنّ السؤال المطروح اليوم هو كيف ستحافظ دول المنطقة على ثوابتها السياسية في عالم أمريكي لا يعترف بالثوابت؟