هموم النضال واحدة في رأيك لأنك كنت دائما تحث على الرصد والتتبع والتباري البديع كإبداع الريشة في قبضة اليد فوق صفحة بيضاء. كنت تعتبر النضال هوسا جميلا جعلك تحب الاندفاع والمكابدة والصبر والصدق والوفاء. أكدت في حياتك اليومية أن النضال كذلك أناة ونشوة ونشاط وإبداع وإيمان راسخ بنبل الهدف والعطاء السخي بدون حساب. كرهت الانحراف والزعامة والبيروقراطية، واعتبرت الضحية الأولى لهذه الآفات هو النضال نفسه. فأحببت الإنصات للقواعد، لآرائها وانتقاداتها، لأنك كنت مؤمنا بإشراكها في القرار لتعكس تطلعاتها. النضال عالم واسع وصعب ومعقد احتضنك واحتضنته حيث فتحت نافذة خاصة بك أطللت منها على ما يتراءى أمامك. فمارست طقوس المناضل البسيط الممزوجة بحس إنساني رفيع يجمع بين احترام الخصوم والتصور الإيجابي لكل ما يهم المجتمع، ويخدمه في احترام إرادته الحرة وتلبية مطالبه. أتقنت فهم وإدراك الآخر وتمكنت بسهولة من التواصل، وخلق الجسور مع أجيال من وطننا بل من أمم مختلفة حيث فرضت وجودك على قوانين النضال الشريفة. لقد طبقت استراتيجية مكنتك من تخليق المشاعر الإيجابية، أثناء عمليات التفاوض، للتغلب على المشاعر السلبية الموجهة من قبل الآخر. فبقدر ما احترمت وجهة النظر المضادة، كنت تملك ما يكفل لك احترام الآخر لوجهة نظرك وآخذها بعين الاعتبار. لم يكن عشقك للهم الجميل منغلقا على ذاتك يتحكم فيه المعطى السلبي، بل كان دعوة مفتوحة للعمل الجماعي لأنك آمنت بكون النضال حرية في حد ذاته يعلمنا معنى خدمة الصالح العام بتجرد عن كل ما هو ذاتي صرف. كنت تتمتع بهامش أكبر من الحرية الفكرية والمرونة النفسية لمجادلة القضايا الحيوية، والدفاع عن المطالب الملحة وتميل للتعايش والتنوع والاختلاف على قاعدة نبذ التحيزات، حيث استطعت تحويل هذه العناصر إلى مكونات بنائية كفيلة بالتفاهم على سحنة اجتماعية مظلتها الديمقراطية. كان لك شعور تفاؤلي استثنائي يخترق الذات من الداخل ليتجلى قويا على مستوى الخارج، فيراه إخوانك. نضالك كتاب مفتوح على اللانهائي لا يحده وزن أو إيقاع. وزنه هو ذلك الإشعاع الذي أعطيته لنقابتك التي جعلتها مرتبطة أشد الارتباط بهموم القواعد من أجل مجتمع ديمقراطي، أساسه تثمين الفرد عبر التربية السليمة والتقليص من الفوارق. إيقاعه هو تلك الضحكات الساخرة التي كنت تطلقها في عز المحن بشكل تلقائي. كنت تحب الحياة الجميلة لأنك كنت تعتمد الإيقاع الدلالي المكثف بالرؤى، وتعيد صياغة الأشكال التعبيرية لهذه الحياة وفق رؤية أكثر جمالية مهما كانت المتاعب والمصاعب. أشعرتنا من خلال نبرتك غير المحبطة والمشجعة دائما أن النضال طريق طويل وشاق لا يعيش إلا وهو يعاني من نقصانه، والاكتمال النهائي يعني موته. تبنيت أسلوب نضال اختلافي وتجاوزي في ذات الآن. اختلافي بمعنى أنه لا يشبه إلا ذاته حيث ساهمت في التأسيس لرؤى جديدة وتجديدية على الدوام. تجاوزي لأنه لا يقف عند محطة من المحطات بل كرست الاستمرارية التي لا أحد يمنعها من السير بعيدا. لكن كنت تؤكد أن النضال رؤى مختلفة تجدد دماءه يوما بعد يوم انبثاقة إبداعية قادرة على الإتيان بتصور مغاير، تصور يتجلى انطلاقا من التحولات المشهدية التي يعرفها عالم اليوم. إن بساطتك وتواضعك وعفتك عناصر منحت نضالاتك الشاقة روعة الإضاءة التي جعلتنا نعانق النضال بك ومن خلالك. إن نضالاتك ليست هي الماضي والحاضر فحسب، بل هي أيضا المستقبل المفعم بخصالك الحميدة لأن نضالاتك هي الأزمنة الثلاثة، وقد تجسدت في زمن واحد كلي عميق. لقد امتطيت صهوة الزمن اللانهائي وقد اخترقت نفوسنا الإنسانية لنتخلص من الأنانية والنرجسية، ونعشق الحياة في بساطتها وخيرها وجمالها. لذلك لم تمت بل مازلت حيا بيننا. (*)عضو المكتب المركزي للفيدرالية الديمقراطية للشغل وقد افتتح اللقاء بكلمة كاتب فرع الشبيبة الاتحادية حسام هاب ، الذي قدم سياق تنظيم هذا النشاط التأطيري ، والمرتبط بتخليد الشبيبة الاتحادية بعين الشق لذكرى اغتيال القائد الاتحادي الشهيد عمر بن جلون ، إضافة إلى رغبة مكتب فرع الشبيبة الاتحادية في الانفتاح على الأطر الشابة في المنطقة، وفتح نقاش سياسي معهم حول القرار الذي اتخذه المجلس الوطني للحزب مؤخرا، والمتعلق بتموقعه في صف المعارضة، وذلك لفهم سياقاته وتأثيره على الحياة السياسية ببلادنا. بعد ذلك تناولت الكلمة زينب تاميم الداري عضوة مكتب فرع الشبيبة الاتحادية التي قدمت نبذة عن حياة الشهيد عمر بن جلون ومساره السياسي والنضالي بحزب القوات الشعبية . وفي بداية عرضه قدم محمد ناصح عضو المجلس الوطني للحزب ذكرياته مع الشهيد عمر بن جلون، الذي اعتبره مناضلا اتحاديا صلبا، لعب دورا مهما في التاريخ النضالي للحركة الاتحادية ، حيث خبر السجون والمعتقلات دفاعا عن مغرب الديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية إلى أن تم اغتياله يوم 18 دجنبر 1975 على يد أعضاء الشبيبة الاسلامية . لينتقل بعد ذلك ناصح إلى تقديم قراءة تاريخية لمسار حزب القوات الشعبية في المعارضة منذ تأسيسه سنة 1959 وأبرز محطات صراعه مع النظام المخزني، خاصة محطة الدستور الممنوح سنة 1962 ، وانتخابات 1963 ، والاعتقالات والمؤامرات التي حيكت ضد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية باعتباره القوة السياسية الوحيدة المعارضة للنظام الفردي آنذاك ، وبعد ذلك عرج على الحديث عن مرحلة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومحطة المؤتمر الاستثنائي سنة 1975 الذي تبنى استراتيجية النضال الديمقراطي من خلال المشاركة في الانتخابات والنضال من داخل المؤسسات من أجل دستور ديمقراطي والتواجد في المجتمع من أجل بناء مجتمع ديمقراطي ، متحرر ، شتراكي تسوده العدالة الاجتماعية، حيث استمر هذا النضال الاتحادي إلى حدود سنة 1996 عندما صوت الاتحاد الاشتراكي تصويتا سياسيا على الدستور ، مما مهد الطريق أمام تشكيل حكومة التناوب التوافقي برئاسة المجاهد عبد الرحمن اليوسفي سنة 1998 لإنقاذ المغرب من السكتة القلبية ، حيث أنقذ الاتحاد الاشتراكي المغرب من أزمته لكنه خسر علاقته بالمجتمع ، الشيء الذي أثر على نتائجه الانتخابية التي بدأت في التراجع منذ سنة 2007 . وركز محمد ناصح خلال الجزء الثاني من عرضه على مرحلة الربيع العربي الذي ساهم في ظهور حركة 20 فبراير التي رفعت شعار إسقاط الاستبداد والفساد، حيث اعتبر أن مطالب حركة 20 فبراير كانت في مجملها مطالب الحركة التقدمية والاتحادية ، خاصة مطلب الملكية البرلمانية الذي تبناه المؤتمر الثالث للحزب سنة 1978 و المؤتمر الثامن سنة 2008 ، إضافة إلى مذكرة الاصلاحات الدستورية التي قدمها الحزب للملك سنة 2009 ، حيث توج كل ذلك باستفتاء 1 يوليوز 2011 على الدستور الجديد ، ليؤكد ناصح أن انتخابات يوم 25 نونبر كانت إشارة واضحة أن الشعب اختار حزب العدالة والتنمية لقيادة الحكومة الجديدة ، ووضع الحزب في صف المعارضة بعدما كان على الحزب العودة إليها سنة 2002 عند الخروج عن المنهجية الديمقراطية ، و سنة 2007 عندما احتل الحزب المرتبة الخامسة في الانتخابات التشريعية ، ليختم عرضه بالدعوة إلى إعادة بناء الحزب من جديد ليقوم بدوره في الحقل السياسي لأنه هو المؤهل تاريخيا وسياسيا ليقود معارضة بناءة بخطاب سياسي هادف بعيدا عن الخطاب الشعبوي . وفي نهاية اللقاء، فتح النقاش ما بين الشباب الاتحادي و محمد ناصح ، والذي تمحور حول مجموعة من الاستفسارات والأسئلة المتعلقة بمستجدات المشهد السياسي والحزبي الراهن، وخاصة صعود حزب العدالة والتنمية للحكومة لتسيير الشأن الحكومي، وآفاق التجربة التي سيخوضها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في المعارضة، والتأكيد على ضرورة عودة الحزب إلى الجماهير الشعبية و المجتمع والامتداد فيه من جديد عن طريق الجمعيات والنقابة والقطاعات الحزبية و التواجد بالساحة التلاميذية والطلابية ، الشيء الذي يبرز المكانة التي مازالت تحتلها الحركة الاتحادية لدى فئات واسعة من المجتمع، مما يحتم ضرورة إعادة بناء الأداة الحزبية السياسية والتنظيمية من أجل اتحاد اشتراكي جديد، حامل لمشعل الدفاع عن المشروع الحداثي التقدمي.