الاستاذ الكبير عطوف للاتحاد الاشتراكي: «ذاكرة عمال المناجم المغاربة هي بمثابة ذاكرة مُهانة ومُحتقرة بشكل مزدوج، ومن تم وجب إعادة كتابة تاريخها المشحون بتناقضات عدة». «على المغرب تأسيس متحف ليس فقط لعمال المناجم المغاربة في شمال فرنسا, بل لكل مهاجري «مغاربة العالم»، من أجل بناء ثقافة الاعتراف بالهجرة المغربية التي ساهمت في بناء المجتمع المغربي المعاصر.» لقاء مع الأستاذ الباحث عطوف الكبير بعد صدور كتابه الأخير حول « تاريخ الهجرة المغربية في الحوض المنجمي «لنوربا دوكاليه (le Nord-Pas-de-Calais :بشمال فرنسا) :1917 - 1987» .أهمية هذا الكتاب انه يلقي الضوء على احد المواضيع التي ظلت مهمشة من طرف الباحثين في مجال الهجرة،خاصة الميز الذي تعرض له العمال المنجميون المغاربة بفرنسا والتي مازالت بعض قضاياهم أمام القضاء الفرنسي للمطالبة بنفس الحقوق مثل زملائهم الفرنسيين ،وهو نفس الوضع الذي يعيشه عمال السكك الحديدية بفرنسا والذين يعانون من نفس الميز ،ومازالت قضيتهم التي تتابعها جريدة الاتحاد الاشتراكي أمام القضاء حتى اليوم . في هذا الحوار مع أحد أبرز المختصين والباحثين المغاربة في مجال الهجرة نتعرف على عدد من جوانب وأسباب هذا التهميش من جميع جوانبه. { لماذا اخترتم الأستاذ عطوف الكبير الاشتغال على الهجرة المغربية في الحوض المنجمي بالشمال الفرنسي؟ اشتغلنا على الهجرة المغربية في مناجم «لنوربا دوكاليه» لأنه موضوع مهمّش بشكل كبير من طرف الباحثين في مجال التاريخ رغم وجود وتوفر الوثائق والأرشيفات المتنوعة، وهذا ما يشكل تعارضا مزدوجا، فمن المؤكد وجود أعمال وأبحاث أنجزت من طرف جغرافيين، علماء اجتماع، واقتصاديين أو اثنولوجيين، الخ. لكن هذا الموضوع لم يتطرق إليه المؤرخون الجامعيون المحترفون في هذا الميدان. لا بد من التذكير بكل قوة بأن الدراسات حول العمال المنجميين المغاربة بشمال فرنسا قليلة جدا, اللهم بعض الاستثناءات مثل «الذاكرة المُهانة. العمال المنجميون المغاربة بشمال فرنسا» (La Mémoire bafouée... «.») وهو عنوان كتاب للاثنولوجية الفرنسية ماري سيكارا (Marie Cegara) الذي صدر سنة 1999 باللغة الفرنسية. صحيح أن هذا الكتاب يُغَطّي فراغا هامّا يهم البحث في مجال الهجرة بشكل عام يحيل إلى عمال المناجم المغاربة بشكل خاص، لكن في نفس الوقت لا بد من التذكير بالمحدودية الأكاديمية والعلمية لهذا الكتاب: هكذا نجد أرقاما تقريبية واستشهادات منقولة عن كتب قديمة تُجوزت اليوم بفعل وجود وثائق الأرشيف المتوفرة والسهلة المنال، وقد استغلت المؤلفة مصادر منشورة سلفا غير مُستعملة بالشكل الأكاديمي الجيد والمُتعارَف عليه، ولعل الأدهى من كل هذا أننا نجد في الكتاب المذكور تأكيدا وتقديما لحقائق عامة على أنها خاصة وبالتالي هناك خلط بين العموميات والخصوصيات، بالإضافة إلى ذلك أن الكاتبة ماري سيكارا تلتزم الصمت المحتشم تجاه الممارسات التمييزية العنصرية والاثنية والاجتماعية التي تعرض إليها عمال المناجم المغاربة طيلة اشتغالهم بحوض شمال فرنسا لمدة 70 سنة (1917-1987). زد على ذلك أننا لا نعرف الظروف الموضوعية لانجاز اللقاءات والاستجوابات التي تم استغلالها في هذا الكتاب، والتي لم تُقدّم ولم تُحلّل كما يجب. هذا دون أن ننسى بأن ماري سيكارا «تؤكد» مثلا بأن بيير دوفيلار (Pierre Devillars) هو مؤرخ ( الصفحة 45، 1999) بيد أنه، في الحقيقة التي لا تموت، هو أحد منظري ومؤسسي السوسيولوجية الاستعمارية بالمغرب (إلى جانب روبير مونطانRobert Montagne :)،. كما أن سيكارا تكتب بشكل غير صحيح (في نفس الكتاب طبعا) بأن «عمال المناجم المغاربة بشمال فرنسا هم من أصول قروية» (ص. 127) في حين أن هؤلاء المهاجرين المنحدرين من جنوب المغرب (وخاصة من منطقة سوس) لهم تقاليد هجروية وحضرية قديمة، (الهجرة القروية، الهجرة الداخلية والهجرة إلى الدول المجاورة وخاصة إلى تونس والجزائر وذلك منذ القرن التاسع عشر على الأقل) تتجاوز الحدود الوطنية دون أن ننسى الهجرة ذات الطابع العسكري في إطار ما يسمى ب»العمال الكولونياليين» (1916-1918). لهذا نحن أمام رجال اكتسبوا ثقافة حضرية متطورة، بشكل متقدم لا رجعة فيه، وهذا ما دفعهم إلى البحث عن «السيولة النقدية» l?argent liquide في مختلف المدن والمجتمعات الاستهلاكية. في هذه الظروف إذن تشكلت «مغامرة الهجرة» نحو فرنسا. ولعل العلاقة مع المستعمر (الفرنسي) تمت أولا وقبل كل شيء في مستعمرات شمال إفريقيا. لكن للأسف الشديد كل هذه المعطيات السوسيو- تاريخية الأساسية، والتي لا يمكننا تجاوزها والتغاضي عنها، هي غائبة أو تم تغييبها في تحليل وعمل الباحثة ماري سيكارا. من خلال كتاب ماري سيكارا يجب أن نستحضر بأن كل ذاكرة عمال المناجم المغاربة هي بمثابة ذاكرة مُهانة ومُحتقرة بشكل مزدوج، ومن تم وجبت إعادة كتابة تاريخها المشحون بتناقضات عدة، وقد كان هذا الكتاب موضوع دراسة نقدية أنجزها «موقع بلادي» سنة 2003 (Cf. www.biladi.com) الذي توصل إلى نتيجة مفادها ضرورة إعادة كتابة تاريخ عمال المناجم المغاربة. وهذا ما يفسر اختيارنا للموضوع هذا الذي لم يتطرق إليه المؤرخون المحترفون بشكل ملموس وشامل حتى الآن وبالتالي هذا ما يبرر وجود هذا الكتاب الذي أنجزناه مؤخرا والذي نشره المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مشكورا، ونتمنى صادقين أن يساهم هذا النشر العلمي بشكل ايجابي في النقاش الجاري حاليا حول «ذاكرة الهجرة» قصد إعادة الاعتبار إلى كل «مغاربة العالم» عبر صيانة الذاكرة ليس فقط بفرنسا وباقي العالم المُستقبل أوالمُضيف للمغاربة, بل أيضا بالمغرب سواء على المستوى الجهوي (سوس خاصة والجنوب المغربي عامة) أو على المستوى الوطني بصفة عامة. { سؤالي الثاني: حول دواعي اختيار «كرنولوجية» هذا البحث المُحدد ما بين 1917 و 1987؟ السؤال حول هذه المرحلة التاريخية 1917 و 1987 له ما يُبرره ويُشرًعنه لأنه في سنة 1917 تم تسجيل أول حضور فعلي لعمال مغاربة بمناجم شمال فرنسا من خلال الوثائق المُتوفرة حول الموضوع، في حين أن سنة 1987 تمثل أكبر وأضخم إضراب للعمال المغاربة الذين اشتغلوا في مناجم الشمال الفرنسي وتمثل سنة 1987 كذلك نهاية استغلال المناجم المقررة من طرف الفاعلين العموميين والسياسيين الفرنسيين. { ماذا يمكن أن يفعل المغرب لإعادة الاعتبار لذاكرة عمال المناجم المغاربة بشمال فرنسا؟ لا بد من نقل ذاكرة هؤلاء العمال المنجميين المغاربة إلى الأجيال الصاعدة والشابة، سواء أجيال الهجرة المغربية أو الأجيال المنحدرة من الهجرات الأخرى بصفة عامة، كما يجب على المغرب تأسيس متحف ليس فقط لعمال المناجم المغاربة في شمال فرنسا بل لكل مهاجري «مغاربة العالم»، من أجل بناء ثقافة الاعتراف بالهجرة المغربية التي ساهمت في بناء المجتمع المغربي المعاصر كما نعرفه اليوم. فبالإضافة إلى المساهمة الاقتصادية والسوسيو- ديموغرافية، وجبت الإشارة أيضا إلى الجانب الثقافي والسياسي والرياضي (ما علينا إلا استحضار تشكيله النخبة المغربية الحالية لكرة القدم مثلا) ... هكذا يجب تسطير هذا التاريخ الهجروي في الكتب المدرسية من أجل إعادة الاعتبار بشكل نهائي، ملموس وخالد لهذا التاريخ في الذاكرة الجماعية الوطنية المغربية. { بماذا تفسرون هذا التهميش لقضايا المهاجرين من طرف الجامعات الفرنسية وأعني بالخصوص قضايا عمال المناجم وقضية الشيخوخة؟ فعلا، قضايا الهجرة بصفة عامة لم تكن موضوع دراسات جامعية إلا في السنوات الأخيرة بفرنسا، على خلاف الدراسات الأمريكية التي كانت سباقة في هذا المجال خاصة مدرسة شيكا?و (L?Ecole de Chicago) التي اهتمت بموضوع الهجرة والمهاجرين منذ سنوات 1920. وتجدر الإشارة إلى كون علماء الاجتماع والجغرافيين، على الخصوص في فرنسا، تطرقوا لقضايا الهجرة قبل المؤرخين، ولم يتطرق هؤلاء الأخيرين للموضوع إلا في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، مما جعل البحث الأكاديمي - الجامعي في هذا المجال يعرف نوعا من التأخر في دراسة الهجرة على المستوى التاريخي وهو تأخر لا يمكننا تجاوزه حاليا. ولعل هذا التهميش يُحيل إلى تهميش الهجرة نفسها التي لم تُعط لها أية أهمية تُذكر والتي يُنظر إليها بشكل دوني سواء ببلدان الاستقبال أو بالبلدان الأصلية. ومن الأهمية بمكان أن نستحضر بأنه كان دائما يُنْظرُ إلى الهجرة نَظْرة سلبية وناقصة في مخْيال الرأي العام الذي يوجد تحت تأثير الصحافة ورجال السياسة وهذا ما يُسمّم العلاقات الاجتماعية التي تُصبح في وضعية هشة بفعل الخوف من الآخر وخاصة زمن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. { سجلتم في كتابكم الأخير» أن هذا التهميش يُحيل إلى الهجرة نفسها التي لا تُعطى لها قيمة ويتم الحطّ من قيمتها في بلد الاستقبال كما هو الحال في البلد الأصلي» إذا كنا كمغاربة لا يمكننا تغيير هذه الصورة بفرنسا لماذا نجد هذه الصورة السلبية تتبع المهاجر حتى في بلده الأصلي؟ بماذا وكيف يمكن تفسير ذلك : هل لأن النخبة الجامعية هي فرنكوفونية وتحاكي الآخر حتى في احتقار جزء من مكون المجتمع المغربي؟ أولا يجب الجزم بأننا كمغاربة يمكن أن نغير الصورة النمطية السلبية للمهاجر المغربي حتى داخل فرنسا وذلك بالسلوك الحسن والمثابرة والجد وتسلق السلم الاجتماعي والمشاركة في تدبير الشأن العام عبر الانخراط في الأحزاب السياسية والمشاركة في الانتخابات المحلية والوطنية والأوربية من أجل فرض المواطنة الحقة. يجب أيضا الانخراط في العمل الجمعوي والقيام بدراسات أكاديمية جادة حول قضايا الهجرة المغربية التي يجب أن تبحث في الأسباب والمسببات العميقة وليس البحث في النتائج التي هي بمثابة تحصيل الحاصل. من جهة أخرى، نعتقد أن صورة المهاجر «زماكري» خلقها المجتمع المغربي نفسه، خاصة الرأي العام الشعبي، هذه الصورة يتم نشرها عن طريق الصحافة والتلفاز على الخصوص الذي لا يقدم إلا الجانب السلبي للأشياء. زد على هذا أن بعض الجامعيين غير المختصين هم الآخرون حرّفوا الواقع من منظورهم الخاص ولكن الصحافة عامة هي التي لعبت الدور الأكبر في مَأْسسة هذه الصورة النمطية السلبية. { لكن جزءا كبيرا من نخبتنا تقرأ وتشاهد القنوات الفرنسية؟ من المؤكد أن تأثير الإعلام الفرنسي حاضر في جزء كبير من الشارع المغربي، ولا يمكننا التركيز على النخب فقط، فكل العائلات المغربية معنية بهذه الظاهرة التي يساهم فيها ويطعمها جزء كبير من المهاجرين أنفسهم وأبنائهم من خلال زياراتهم للمغرب (مشكل اللغة الأم، الغيرة والحسد، بعض الممارسات الغذائية المُثيرة والدخيلة، بعض السلوكات غير الملائمة، فتيات جد مُتغرّبات ومُغْتربات، الفشل الدراسي والاجتماعي الخ.) بالإضافة إلى ما يُسميه الباحث الجزائري الأصل عبد المالك صياد (Abdelmalek Sayad) ب «الكذب الهجروي» («le mensonge migratoire») :الموضوع الذي أبدع في تحليله وفدلكته بطريقة علمية رائدة وذلك في كتابه الشيق القراءة والقيم فعلا : La double absence (أي «الغياب المزدوج»الصادر بباريس سنة 1999)، و»الكذب الهجروي» هذا يساهم في نشره وإعادة إنتاجه المهاجرون أنفسهم. { كيف تفسرون تزايد العنصرية واليمين المتطرف بمجموع أوربا؟ هل نجد من جديد أوربا عقد الثلاثينيات تحت الأزمة وتصاعد الفاشية و النازية؟ أتوجه هنا إلى مؤرخ الهجرة الذي تمثلونه خاصة وان أوربا تغرق في أزمة خانقة منذ 2008؟ أنا جد متفق معكم، فمن المؤكد أنه خلال الأزمات الاقتصادية الكبرى يكون المهاجر هو كبش الفداء بامتياز ويتم اعتباره «عالة» على المجتمع المُضيف، هكذا فمثلا نجد جيرار نواغيال, ثم رالف شور (Ralph Schor) ] وهما مؤرخان مرموقان على مستوى الهجرة الأوربية[ يوضحان بأن العنصرية والتمييز «الاثني» الأكثر بروزا وانتشارا يوجد ويتأجج في المجتمعات الهجروية، مثل المجتمع الفرنسي، في فترات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية كما هو الشأن في سنوات1931-1932 حيث كان الفرنسيون يُسمّون الايطاليين ب»ماكاروني» والروس ب»بولاك» وكانت كل الأقليات تعاني من العنصرية والدونية وكراهية الأجنبي (la xénophobie) في هذه الفترة لأنه كان يتم تحميلها أسباب الأزمة (الاجتماعية والاقتصادية) التي كانت تجتازها فرنسا بل كل أوربا. من هذا المنطلق يمكننا التأكيد أن العنصرية ،الميز، كراهية الأجانب وأحكام القيمة لا يمكنها إلا أن تتزايد وتتسارع في فترات الأزمات، علما أن هذه الوضعية تتكرر في التاريخ لأن الرأي العام يصبح أكثر هشاشة في مثل هذه الظروف. { كتابكم يدور حول تاريخ عمال المناجم المغاربة الذين عملوا بقوة في مناجم الشمال الفرنسي وخاطروا بحياتهم وعرّضوا أنفسهم إلى الحوادث والأمراض المهنية، لكنهم مازالوا يتعرضون للميز العنصري حتى اليوم ،حيث توجد قضيتهم أمام القضاء الفرنسي للمطالبة بالمساواة مع زملائهم الفرنسيين كالحصول على امتيازات السكن والتسخين وما إلى ذلك : لماذا تتجاهل فرنسا حتى اليوم هذه التضحيات وتحرمهم حتى من المساواة مع زملائهم في الحقوق؟ قضية الميز التي تمس المهاجرين المغاربة المنجميين تحيلنا إلى عدة أوجه سوسيو- تاريخية: - أقدمية عمال المناجم المغاربة الذين اشتغلوا لمدة طويلة بعقود عمل محددة، يتم تجديدها باستمرار مع إجبار العمال المعنيين بأخذ عطلة مفروضة بين العقدين، ولعل نتائج هذه الممارسة التمييزية هي أن عمال المناجم المغاربة لم يتمكنوا من الحصول على الأقدمية في العمل، فالعقد المحدود في الزمن لا يُخول لهؤلاء المنجميين المغاربة احتساب تراكم سنوات الاشتغال في المناجم وبالتالي الاعتراف والعمل بقانون «المنجميين» الذي يعود إلى سنة 1946 والذي لم يحصلوا عليه وينتزعوه إلا بعد إضرابات سنة 1980 أي في وقت متأخر من مسارهم المهني. - لا بد أن نعرف بأنه يُنظر إلى مغاربة الهجرة بصفة عامة عبر الوضعية الكولونيالية البدائية القديمة التي تجذّرت في النخاع الشّوكي الفرنسي عبر الأطر العسكرية, خاصة والتي طبعت ولازالت تطبع حياتهم اليومية بالدّونية والتمييز فيما يخص السكن، الأجور، التعامل الاجتماعي والمسار المهني داخل وخارج الشركات... وهذا ما يذكرنا حتما ب» نظرة المنتصرين» التي حللها سامي النير في كتابه الذي يحمل نفس العنوان (Le regard des vainqueurs) : نظرة احتقارية استمرت من خلال الأجيال الجديدة المنحدرة من الهجرة الكولونيالية التي تعرضت لكل أشكال الميز العنصري والتاريخي والاجتماعي بشكل مباشر : وهذا ما حاولت تحليله في الكتاب المذكور. - في الأخير، تم ابتكار قضية إجبارية الحصول عل الجنسية الفرنسية ثم الأقدمية اللازمة أو التكوين التقني، الخ. حتى لا يتم إعطاء عمال المناجم المغاربة « الصفة القانونية للمنجمي» (le statut de mineur « «) التي تُقنّن وتضمن الحقوق المُعترف بها لكل الفرنسيين والأوربيين. { «الزمن تغير وأظن أننا لم نتمكن من التكيف مع الأجيال الجديدة التي لا هي بفرنسية ولا هي بمغربية ولا هي بمسلمة 100 في المائة، وهي أجيال تعيش قطيعة مع ثقافة الآباء، مثلها مثل شجرة بدون جذور» : هذه شهادة أحد عمال المناجم المغاربة حول الأطفال المنحدرين من الهجرة ، هل هذه الشهادة تعني فشل الجيل الأول في نقل ثقافته وهويته إلى الجيل الثاني؟ هو فشل مُزدوج ومُعقد في نفس الوقت، ومشترك أيضا بين الآباء الذين لم يتمكنوا من نقل ثقافتهم وهويتهم ومعرفتهم وطريقة عيشهم إلى أبنائهم الذين ازدادوا بالهجرة، ولكن في نفس الوقت نُسطر فشل بلدان الاستقبال التي بنت وجعلت هذه الهجرة (ولمدة طويلة عبر السياسات الهجروية المتعاقبة والمتناقضة) هجرة مبنية على المؤقت. ولازالت هذه السياسة مستمرة حتى الآن، والنتيجة أنه لم تكن هناك سياسة هجروية واضحة المعالم وشفافة تضمن الاستثمار في مجال التربية، وتعليم وتدريس تاريخ الثقافات، تاريخ وذاكرة الهجرة الخ. والمفارقة أن الهجرة القادمة من المستعمرات القديمة وخاصة منها الهجرة الشمال افريقية تم استغلالها ايديولوجيا وسياسيا لغرض في نفس يعقوب من طرف الأحزاب السياسية الفرنسية، وذلك حتى اليوم، رغم التطور الملحوظ منذ مَأسَسة «المُؤسّسة الوطنية لتاريخ وذاكرة الهجرة « بفرنسا والتي شُيدت بباريس سنة 2007. { كتبتم في كتابكم « الهجرة لا تعني دائما التنمية المستدامة, بل على العكس من ذلك يمكن أن تؤدي إلى إغراق كل الساكنة في التخلف الدائم ولعل بعض الدواوير في مناطق مثل سوس أو الريف هي خير شاهد على ذلك، في حين أن أموال الهجرة تستفيد منها الابناك والمؤسسات الخاصة أو العامة التي تُودع بها هذه الأموال»، لكن في نفس الوقت نجد أن تحويلات المهاجرين المغاربة كانت مفيدة للمغرب على المستوى «الماكرو ايكونوميك» وهو ما يُمكّن المغرب من تحويل مبلغ 4 إلى 5 ملايير يورو كل سنة؟ هذه هي مفارقة الهجرة، فالتحويلات المالية الهجروية مفيدة جدا للاقتصاد الوطني ولكن في نفس الوقت لا يمكننا أن ننكر تخلف بعض المناطق والقرى سواء بالريف أو بسوس الكبرى والتي تعاني من نقص حاد في اليد العاملة. هذه الوضعية يمكن شرحها بعدم التوازن السوسيو- ديموغرافي الذي يُحيل إلى هجرة الرجال نحو أوربا، تاركين وراءهم الشيوخ والنساء والأطفال الذين يعتمدون كليا على تحويلات الهجرة. في حين أن أموال الهجرة لا تستفيد منها بالضرورة مناطق الانطلاق. ومن هنا أهمية تحْسيس الأبناك والمؤسسات المعنية بالأمر كي تشارك في مشاريع التنمية المواطنة التي تخص هذه المناطق. وبناءً عليه فالمصطلح المُروج له من طرف بعض رجال السياسة وبعض الجمعيات حول مفهوم «التنمية المستدامة» ليس له معنى هنا ولا يعكس بالضرورة حقيقة الواقع المُعيش. { هل تحليلكم حول هذه الوضعية يخص الجيل الأول فقط, أم أن الجيل الثاني معني أيضا؟ هذا التحليل يعني كل الأجيال المنتمية للهجرة، ولابد من الاعتراف بأن الأجيال الجديدة المنحدرة من الهجرة المغربية في سنوات 1980 - 2000 لا تطرح نفس الأسئلة ولا نفس المشاكل وبالتالي لا يمكن معالجتها بنفس الحلول، لأنه بالنسبة لنا كباحثين مختصين في هذا الحقل لمدة تناهز ربع قرن، هناك اختلافات تاريخية وثقافية وسوسيويو- ديموغرافية ما بين هذه الأجيال الثلاثة أو الأربعة المعنية بالأمر. وهنا لابد من الإشارة على سبيل المثال لا الحصر إلى كون الجيل الأخير يتميز بعدة مميزات: من بينها مسألة التّأْنيث والتّشْبيب, كما يتميز أيضا بمستوى دراسي مهم وتكوين عالي بالنسبة للكثير منهم. ويمكن اعتبار «مغاربة العالم» الآن من أكثر الجاليات تشتتا عبر كل القارات، وهم أيضا الأكثر نشاطا والأكثر دينامية والأكثر تنظيما وهيكلة بحيث تتوفر نخبته على «رأسمال سوسيو- ثقافي» ليس له مقابل لدى الجاليات الأخرى، خاصة على مستوى الأقليات المنحدرة من العالم العربي في أوربا. { هل علينا أن نُذكر أن عمال المناجم المغاربة يتعرضون لإهانة مزدوجة.» أولا من خلال الهيمنة الكولونيالية المستعملة دوما كنموذج لتدبير هذه الهجرة التي تتعرض للمراقبة والمتابعة والتجسس, سواء في المجال الخاص أو المجال العام، وثانيا من خلال البحث العلمي الذي همش الهجرة المغربية بشكل كبير وخاصة لدى المؤرخين (المغاربة). هكذا نجد أنفسنا أمام مجال خصب للبحث لازال غير»نبيل» أو «شرعي» بالنسبة لتاريخ المغرب المعاصر كتخصص قائم الذات رغم التواجد المهم للأرشيفات والمصادر الرسمية العمومية أو الخاصة :» كانت هذه خاتمة كتابكم،كيف يمكن في نظركم الخروج من هذه الوضعية؟ للإجابة عن سؤالكم الأخير، أقول أنه من أجل الخروج من هذه الوضعية المتناقضة، لابد من تدوين «الهجرة المغربية» في الكتب المدرسية حتى تتجذر في الذاكرة الوطنية لكل البلدان الهجروية، وهو الشرط الأساسي للتخفيف من عنف الميز العنصري التي ينتشر عبر ثقافة الجهل وأحكام القيمة، ثم أنه لابد من تدريس تاريخ الهجرة المغربية في الجامعات المعنية, ونحن نعتقد كباحثين بأن المغرب الآن في الطريق الصحيح, حيث بدأت الجامعة المغربية في تدريس هذا التاريخ ابتداءً من السنة الجامعية 2011-2012 بشُعب التاريخ . في الأخير لا بد من الإلحاح على احترام حقوق المهاجرين التي هي في آخر المطاف «حقوق الإنسان» بصفة عامة والتي تدخل في إطار احترام دولة الحق والقانون في بلدان الاستقبال التي يجب أن تضمن وتدافع على هذه الحقوق, إضافة إلى الحق في الهجرة والتنقل, ليس فقط للمغاربة فحسب, بل لكل المهاجرين على السواء دون التمييز بين الجنسيات المختلفة.