النقابات التعليمية تحذر الحكومة من التراجع عن التزاماتها    حروب الرسوم "الترامبية" تشعل أسعار النفط في الأسواق العالمية    ترامب يؤكد عزمه فرض رسوم جمركية على المنتجات الأوروبية    الاتحاد الأوروبي يفرض قواعد جديدة لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي    بوحمرون ‬يتسبب ‬في ‬حالة ‬استنفار..‮ ‬    تبون: "نضيع الوقت" مع ماكرون    سيارة مفخخة تخلف قتلى بسوريا    الصين: عدد الرحلات اليومية بلغ أكثر من 300 مليون خلال اليوم الرابع من عطلة عيد الربيع    كأس العالم لكرة اليد: المنتخب الدنماركي يحرز اللقب للمرة الرابعة على التوالي    طقس ممطر في توقعات اليوم الإثنين    النجمة بيونسيه تفوز للمرة الأولى بلقب ألبوم العام من جوائز غرامي    محاربة المغرب لمد التطرف والإرهاب.. أي إشارات    نشرة إنذارية…تساقطات ثلجية وأمطار قوية محليا رعدية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء    صدمة في غابة دونابو بطنجة: قطع الأشجار يثير غضب المواطنين    إضراب عام في المغرب احتجاجًا على تدهور القدرة الشرائية وتجميد الحوار الاجتماعي    مداهمة مطعم ومجزرة بطنجة وحجز لحوم فاسدة    نبيلة منيب: مدونة الأسرة تحتاج إلى مراجعة جذرية تحقق العدالة والمساواة -فيديو-    توقيف سائق طاكسي بأكادير بتهمة ترويج القرقوبي    ارتفاع تحويلات مغاربة العالم    أكادير تحتفي بالسنة الأمازيغية الجديدة بتكريم مايسترو الرباب لحسن بلمودن    مهرجان قرطاج لفنون العرائس يعود بمشاركة 19 دولة وعروض مبتكرة    المغرب واليمن نحو تعزيز التعاون الثنائي    التساقطات المطرية الأخيرة تعيد الآمال للفلاحين وتعد بموسم فلاحي جيد    النصيري يمنح الفوز لفنربخشة أمام ريزا سبور    الاتحاد المغربي للشغل ينظم إلى الداعين لخوض "الاضراب العام"    الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يمنح فوزي لقجع الجائزة التقديرية ل2024    مفتاح الوقاية من السرطان.. دراسة تؤكد أن الرياضة وحدها لا تكفي دون الحفاظ على وزن صحي!    المفوضية الأوروبية تحذر من "رد حازم" إذا استهدف ترامب منتجاتها برسوم جمركية "تعسفية وغير منصفة"    التساقطات المطرية الأخيرة ترفع نسبة حقينة سدود المملكة إلى أزيد من 27%    ابن تطوان "الدكتور رشيد البقالي" ينال إعجاب علماء كبار ويظفر بجائزة عالمية في مجال الفكر والأدب    صادرات قطاع الطيران ناهزت 26,45 مليار درهم سنة 2024    بني ملال ينتزع التعادل مع بركان    الشرع: الرياض تريد دعم دمشق    خبير صحي يحذر: إجراءات مواجهة "بوحمرون" في المغرب "ضرورية ولكنها غير كافية"    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    بعد انضمامه للأهلي.. بنشرقي: اخترت نادي القرن لحصد الألقاب    نشرة إنذارية (تحديث): تساقطات ثلجية وأمطار قوية مرتقبة من الأحد إلى الثلاثاء بعدد من أقاليم المملكة    تحولات "فن الحرب"    أسعار المحروقات تشهد زيادة "طفيفة" للمرّة الثانية توالياً خلال شهر بالمغرب    النيابة العامة الإسرائيلية تفتح تحقيقا جنائيا بحق زوجة نتنياهو    العثور على مهاجر مغربي مقتول داخل سيارته بإيطاليا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    الزوبير بوحوت يكتب: السياحة في المغرب بين الأرقام القياسية والتحديات الإستراتيجية    القيمة السوقية لدوري روشن السعودي تتخطى المليار يورو    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوراق عبد الجليل الحجمري .. الانتقال من الرؤية السوداوية للحروب الصليبية إلى الحلم الشرقي

أسمى الأخوان جيروم وجون طارو أحدَ مؤلفاتِهما «الرباط أو الأوقات الفرنسية». فأجزت لنفسي أن أستلهم من هذا الوسْم عنواناً لدراستي هذه، التي تناولتُ بها صورةَ المغرب في الأدب الفرنسي؛ فكان «المغرب في الأوقات الفرنسية».
كان مبتغاي من هذه الدراسات أن أرصد الصورة التي تبدى بها الزمن الفرنسي في المغرب في متخيل الإنتاج الأدبي الفرنسي.
وقد كنت اعتمدت مادةَ هذه الدراسات في أبحاث جامعية، نُشِرتْ منذ نحو ثلاثين سنة. والنص الحالي يأخذ من تلك الأبحاث زُبدتَها، ويقدم خلاصة جديدة تعيد افتحاصَ النظرة ذات المنحى النقدي الغالب، التي تحضر في هذا التحول الأدبي الذي شهده المغرب في الكتابات الروائية.
إن معظم الأعمال التي تنساها الأجيال اللاحقة تكون هي الأكثر تمثيلاً لعصرها. وفي ذلك ما يمكن أن يكون مبرراً لإعادة نشر هذه الدراسة.
فإذا كانت فرنسا لوطي وطارو ومونتيرلان لم تستطع، أو لم تعرف، أو لم تشأْ، في معظم الأحيان، أن ترى الآخرَ في حقيقته المختلفة، فإن من حسن حظنا أن فرنسا بونجان وباستيد ولوكليزيو قد أفلحت في أن تكون، وتظل، وتصير فرنسا الوسائط نحو «الآخر».
في البدء كان التعصب والرؤية القاتمة الناجمة عنه ستشكل القطب الأول في التمثل الأسطوري للشرق الإسلامي.
هذه الصورة الأولى لن يتم تجاوزها، بل ستمّم بما يجمع النقاد على تسميته «الكشف الحقيقي عن الشرق»، والذي يموضعه دوفيرنوي في دراسته عن «الشرق الروائي في فرنسا» في منتصف القرن التاسع عشر. وقد ظهر تيار أدبي عريض ظل طوال النصف الثاني من القرن السابع عشر يستلهم «الروايات الموريسكية»15، وبلغ أوجه في المؤلف الذي أنشأته الآنسة دو سيكودوري، وفي مؤلف السيدة دولافاييت، وهو تيار جاء يسلي قرناً قد «شبع ذكاء»، وكان يجهد في أناة لينسي القارئ التمثل الأول، بتعويمه في جو أقل ضنكاً، حيث كانت الأمة الهمجية التي يكونها المورو، تلك «الأمة الظريفة واللطيفة، التي تدين لها أوروبا بكل ما تتصف به من ظرف ومن لطف»17.
وسيصير هذا التيار يثري التيار الذي سيقوم على الاستلهام بضعة قرون بعدُ من الحكايات الشرقية. ليس معنى ذلك أن وضعية النزاع والصدام قد تحولت بفضل مجهود متبادل إلى موقف قائم على التسامح ? «فقد كان الفرسان الإسبان صليبين بوجه من الوجوه»18 ? وكان هؤلاء المؤلفون ينتصرون للدين المسيحي ويحولون إلى الإيمان القوي الأناسي الضالين. فما كانت سوى حروب ومعارك ونزالات ومذابح، وما كانت خاصة سوى انتصارات أوروبية. لكن هؤلاء الأعداء الذين كانوا يبادلون بعضهم الكره الشديد كانوا يبادلون بعضهم التقدير أيضاً. فهذا الأمير، أمير تارس، في [رواية] «زيْد»، قد كان أشبه بكونسلاف آخر، فهو يماثله جمالاً ونبلاً وكرماً.
«كنت قد أخبرتكم بمولد هذا الأمير، وقد قلت لكم عن شخصه ومشاعره ما لاشك أنه قد أقنعكم بأنه محبوب على قدر ما يمكن لإنسان أن يكون»19. (...) لا يمكن أن تجد إنساناً صادقاً وعاشقاً أكثر منه»20. إن هذه الشخصية، وهو من نوع المرو الشائع في جميع المؤلفات، شجاع ومحبوب وغيور. وهو يتحلى قطعاً بصفات إنسان القرن السابع عشر، ذلك الإنسان الصادق، ولم يعد يمت بصلة إلى الشرق أو الأندلس.
وعلى خلاف ما تعتقد شابلين، في تأكيدها أن السيدة دولافاييت، المفرطة في «العقلانية بما يمنعها أن تعجب بالحماقات البطولية لعرق ذي حمية (؟)، لا يبدو أنها كانت تحمل كبير تعاطف للمورو»21. ونحن لم نقف في التصاوير النادرة لمشاهد من حياة المورو على أي كره [للمورو]. فقد كانت السيد دولافاييت، على غرار غالبية المؤلفين، تمتح من هذا المورد التاريخي الموريسكي، غير مهتمة للمورو أو مهتمة لحياتهم ودينهم وعاداتهم. وإن تناول هذه الروايات بالتحليل لمعرفة إلى أي درجة كانت أو لم تكن موريسكية يبدو لنا عملاً باطلاً، ذلك بأننا نتبين من أول قراءة أنها لا تزيد عن استبعادات تاريخية وجغرافية. لكن إن كان هذا الأمر هو ما يشكل القول الأساس ومركز الاهتمام لدى هذه الناقدة فإن الأهم من ذلك حسب ما يبدو لنا هو ملاحظة أن في هذه الرغبة وفي هذا السعي إلى تغريب القارئ بنقله إلى الديكورات الباذخة لقصور غرناطة يكمن المصدر الذي سيغذي رؤيتنا لشرق إسلامي، خرافي ومثير للحواس، وقد كان بدأ يدخل البهجة، حسب التعبير الموفق لبول هازار، «على أواخر قرن كالح وكئيب»22.
إن مغامرات المورو، وهي تسلي بقدر ما كانت تفعل حكايات شارل بيرو الخارقة، كانت تمهد بوجه من الوجوه لكل تلك الحركة التي ستزحزح الوعي الفرنسي من الرؤية القاتمة والعدائية التي كانت رؤية الحروب الصليبية وتنقله إلى الحلم الشرقي. وهو مورد لن ينضب أبداً. وقد تناولت شابلين بالتحليل، وهو تحليل ضعيف بحق، ميراث الرواية الموريسكية في فرنسا. لكن هذا النوع من الاستلهام، الذي سرعان ما غمره إنتاج كبير سيصير يبحث عن نموذج في الحكايات الشرقية، وسيفقد حمية جمهور متلهف لمزيد من الحلم ومزيد من السحر.
وقد كان ينبغي، لكي تكتمل هذه العملية من إعادة خلق الصورة ? كتب هازار : «لكي ينتقل التحول من السخط إلى التعاطف» ? أن تولد فكرة التقدم وتتطور، وأن ينجح بيرو في صراع القدامى والمحدثين، ضد بوالو في أن يوجه ضربة قاضية إلى النموذج الإغريقي، وأن يزرع الرحالة العائدون من رحلاتهم إلى خارج فرنسا الفضولَ في الوعي الفرنسي بلوغاً به إلى التمرد على كل غرابة، وأن يجعل علماء من أمثال ريير وهيربيلو وغالان وبولانفيي وكاردون وماريني وبيتي دو لاكروا بأعمالهم هذا الوعي يقبل بنسبية قيمه.
كتب هازار : «إن الدرس الأكثر جدة بين كل الدروس التي يقدمها الفضاء ربما كان هو درس النسبية»23. ونحن نرى هؤلاء الرحالة والكتاب والعلماء «يميلون على الدوام إلى أن يقارنوا ويحكموا ويعلموا أو يعظوا»24.
لكن تلك المحاولات، خاصة منها محاولات ريير وهيربيلو وغالان إن كانت تمثل في فرنسا ميلاد حركة استشراقية، وبداية لفضول متعاطف، فإنها تظل هي النصيب والامتياز لنخبة. وسيصير القراء وقد ملوا من «حكايات» بيرو، يبحثون عن العجائب على ممر الأيام والليالي في «حكايات» شهرزاد. وفرنسا التي كانت مغرمة بهذه الملكة، وهي الأجمل من كل الأميرات المغربيات، وكانت الأتعس داخل سجنها الذي من رخام وزمرد، ستنصرف عن غرناطة وتدير ظهرها لقصورها وحدائقها لتصير تحلم بجواري دمشق الحسان وتحلم بسلاطين بغداد. وما كانت إلا تستبدل صورة بأخرى، أجمل منها وأكثر سحراً. فقد ابتدأ في القرن الثامن عشر، بصدور الترجمة التي وضعها غالان لكتاب «ألف ليلة وليلة» (1704-1711)، الحلم الرومنسي بشرق حلمي.
والخيال إذا تخلص من إكراهات العصر الكلاسي سيصير يغامر مع أبطال هذه الحكايات الذين هم في بحث دائم عن مزيد من السحر داخل القصور الباذخة ويحلمون بالحريم المؤثث بالجواري في ما وراء الصحاري الشاسعة، وفي بحث عن أشجار أوراقها من ذهب وكنوز مطمورة تحت أنقاض مدينة ميتة، في مكان ما من بلدان عجيبة. والخيال إذ يتجاوز كارابوس [الجنية الشريرة] في الأهوال والجن القساة الذين كانوا يطلعون يحيط بهم المسوخ، لتقطع الطريق على أولئك المغامرين الجريئين، لكن جنياً خيراً، بعد أن تم له التحرر من قنينة قد كان حبسه فيها الملك سليمان، سينقل هؤلاء الأبطال فوق بساط طائر، إلى ما وراء البحار والمحيطات والغابات الباذخة والخطيرة، وصوب سماوات أخرى ومغامرات أخرى.
إن السندباد البحري وألدان ومصباحه وعلي بابا وهو يقاتل الأربعين حراميا، ستبهج رودريغ وفيدر والأمير دو كليف وجمهوراً قد تعب من المواضعات وبات يرغب في التغيير، وفي دُرجات جديدة ومتع جديدة. وإذا الملك الطاغية مارسيل قد خلفته شهرزاد متجللة بحزنها المهيب لتحكي لأوروبا «روعة الشرق». سراب حقيقي وشرق خُردي.
صار الأتراك عند موليير مصدراً للتسلية، وشرقيو غالان وفرس مونتيسكيو مصدراً للتسلية، فإذا خوف المورو قد حل محله رويداً رويداً الضحك والتهكم والحلم، من غير أن تمحوه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.