الأكيد أن حياة أي ممارس رياضي تحفل بالعديد من المحطات المشرقة، والذكريات الجميلة، لكنها في نفس الوقت تحمل كثيرا من المواقف غير السارة، والتي تبقى راسخة في الأذهان. في هذه الزاوية ننبش في ذاكرة بعض الأسماء الرياضية عن أسوأ الذكريات، ونعود بهم إلى تفاصيل هذه المواقف، التي تُستحضر اليوم بكثير من الطرافة. من منا يوما لم يتفاعل مع الضربات الرأسية للاعب مصطفى قدي، الذي فضلت الجماهير المراكشية أن تطلق عليه اسم الغزال الأسمر. مصطفى قدي صال وجال بين الملاعب المغربية، أدخل البهجة إلى قلوب الجماهير المراكشية خاصة والوطنية عامة، عاش لحظات الفرح والسرور بين أحضان عشاقه، الوقت الذي يعيش فيه لحظات اليأس والحسرة مع نفسه وبين ذكرياته. فهداف الدوري المغربي في درجته الثانية لموسم (1983 -1984) رفقة الكوكب المراكشي، وبطل المغرب مع نفس الفريق لموسم (1992 - 1993)، وحامل كأس العرش لمرتين، بل والموقع لأسرع هدف في نفس المنافسة، لم تثنه الآن تلك الإنجازات على إبداء حسرته وندمه على المحصول الذي جناه من كرة القدم، والذي كما يقول مصطفى قدي « لم أحصل من كرة القدم سوى على الصفة، لكن المقابل أعطيتها أغلى الأشياء، الوقت والصحة». باللكنة المراكشية، التي تطوي بين ثناياها المستملحات والنكت، يحكي قدي بعض الذكريات السوداء التي اعترضت مسيرته الرياضية، والتي اختزلها في حادثتين. الأولى كان فيها ضحية للقانون الذي كانت كانت تعتمده الجامعة الملكية لكرة القدم آنذاك، والخاص بمنع احتراف لاعبي البطولة الوطنية الذين لم يتجاوز سنهم 27 سنة. مصطفى قدي يرى بكل أسف أن ذلك القانون كان مجحفا في حقه، كما هو الشأن بالنسبة للعديد من اللاعبين، كونه أقبر حلما كبيرا كان يخالج أي مداعب للكرة، ألا وهو الإحتراف لضمان عيش كريم، مع متعة الممارسة الكروية وتحسين الوضعية الإجتماعية. فقانون الجامعة حينذاك كان سورا عاليا بين مصطفى قدي وحلم الاحتراف كيف لا وهو الذي وقف سدا منيعا أمام العروض المغرية لفرق أوروبية عريقة ك «ميتز» الفرنسي، «في في فيلو» الهولندي و«لوزان» السويسري.لتكون لعبة القدر الممزوجة ببدع الجامعة آنذاك، هي من تحكمت في خيوط المسار الإحترافي للهداف مصطفى قدي. أما الحادث الثاني، فيرويه قدي والدموع تسكن أحذاقه، يمنعها من الإنهمار كبرياء وشموخ الغزال الأسمر. يقول قدي «كنت في قمة عطائي موسم (1991 - 1992)، فبعد مساهمتي في الانتصار التاريخي على فريق الجيش الملكي بحصة ستة أهداف لصفر، وتعادلنا مع الإتحاد الرياضي في الدورة الموالية خارج الميدان بهدفين لمثلهما في مباراة شهدت طردي بالورقة الحمراء، وبالتالي أصبحت مقصيا من خوض المباراة الموالية أمام الدفاع الحسني الجديدي في منافسة كأس العرش، الأمر الذي لم يثن الطاقم التقني عن إقحامي في مباراة ودية للحفاظ على الطراوة البدنية. كانت هذه المباراة أمام أولمبيك آسفي الذي كان يلعب بالقسم الوطني الثاني، للأسف كان القدر من خلال تلك المواجهة يخفي لي أسوأ المواقف التي يمكن أن يتعرض لها أي رياضي. لقد ضرب لي موعدا مع إصابة خطيرة على مستوى الرجل في آخر ثانية من المباراة، بعد تدخل عنيف من لاعب يدعى رضوان، خضعت على إثرها لعملية جراحية أكد لي خلالها الطبيب أن الموسم الكروي انتهى بالنسبة لي، لكن بحب الجماهير المراكشية وتعاطفهم ومساندة عائلتي وأصدقائي وبعد مرحلة الترويض، أبيت إلا أن أتخطى صعاب الإصابة وأعود للميادين، الأمر الذي تحقق لي في آخر الدورات من البطولة الوطنية لنفس الموسم. في المباراة التي جمعت الكوكب بالرجاء البيضاوي تم إقحامي في الربع الساعة الأخيرة، وبينما كنت أقود حملة مضادة في الجهة اليمنى من البساط الأخضر لمركب محمد الخامس، تلقيت مرة أخرى تدخلا عنيفا، لكن هذه المرة متعمدا من طرف المدافع الرجاوي المعطاوي التيجاني. تدخل كان هو الفيصل بيني وبين مسار كروي تمنيته أن ينتهي في أحسن الأحوال، لكن «المكتاب ممنو هروب» والحمد لله على جميع الأحوال». ورغم ما سبق سرده من طرف اللاعب مصطفى قدي، فإن حبه للعبة وعشقه لجماهيره أرغمه على العودة مرة ثانية للميادين، لكن هذه المرة بشكل متذبذب، لأن الإصابة كانت العامل المتحكم في مسار وعطاء مصطفى قدي. ورغم ذلك فقد حقق مع نادي الكوكب المراكشي بطولة المغرب لموسم (1992 - 1993)، ليحط الرحال بعدها بفرق مراكشية كجمعية الحليب والأسمار، معلنا بعدها توقفه عن الممارسة في سن لم يتجاوز السادسة والعشرين. ليسدل الستار على مسلسل ذكريات سوداء للاعب سكن قلوب الجماهير في فترة ممارسته وبعدها، لسبب بسيط هو أنه حافظ على الشعبية، التي حققها لدى جماهيره العريضة.