الأكيد أن حياة أي ممارس رياضي تحفل بالعديد من المحطات المشرقة، والذكريات الجميلة، لكنها في نفس الوقت تحمل كثيرا من المواقف غير السارة، والتي تبقى راسخة في الأذهان. في هذه الزاوية ننبش في ذاكرة بعض الأسماء الرياضية عن أسوأ الذكريات، ونعود بهم إلى تفاصيل هذه المواقف، التي تُستحضر اليوم بكثير من الطرافة. تعتبر مباراة السد من أجل الصعود إلى القسم الوطني الأول في موسم 1992 من أسوأ الذكريات بالنسبة للجيل، الذي حمل قميص شباب المحمدية في تلك الفترة. لأن الفريق أضاع الصعود أمام النادي المكناسي بملعب الحارثي بمراكش. لكنها بالنسبة لعبد الله أوبيلا، أكثر سوءا لأنها ارتبطت بوفاة والده يوم السبت، في الوقت الذي كانت المباراة مبرمجة يوم الأحد، الأمر الذي فوت عليه فرصة المشاركة. أجبر أوبيلا على البقاء بمدينة المحمدية والقيام بكل مراسم الدفن، عكس شقيقه إدريس الذي تحامل على نفسه وتخطى هول الصدمة، ورافق الفريق إلى مدينة مراكش. يقول أوبيلا إن إدريس خاض المباراة كاملة، وبعد أن بلغ خبر وفاة والدي إلى الجماهير بالملعب، اهتزت المدرجات تصفيقا لقرار إدريس باللعب، ووقف الجميع دقيقة صمت ترحما على روح الوالد، وهو الموقف الذي أثر في نفس أخي إدريس الذي ظل طول المباراة يبكي. شخصيا لم أقدر على اللعب، لأنني كنت مشتت الذهن، وبما أن مثل هذه المباريات تتطلب تركيزا عاليا، فإنني فضلت عدم اللعب، كما أنني تحملت مسؤولية القيام بكل مراسم الدفن وتلقي العزاء. وارتفعت درجة الحزن عندي بتلقي خبر هزيمة الفريق في مباراة السد، وضياع حلم طاردناه لموسم كامل. ومن المحطات الأليمة في مساري الكروي، يبقى الكسر الذي تعرضت له في الكاحل أمام فريق الرجاء البيضاوي، الذي كان مدججا بالأسماء الكبيرة من قبيل الظلمي، عبد الرحيم الحمراوي، إدريس عشا، الحارس أيت صالح. هذه المباراة كانت ودية واحتضنها ملعب البشير بمدينة المحمدية في سنة 1992، وكنا نحن اللاعبين نشتعل حماسا، أملا في تحقيق انتصار معنوي على فريق الرجاء. أتذكر أن عبد الرحيم كان سريعا وبمهارات عالية في المراوغة، استحضرت هذا المعطى في ذهني، وكنت أصر على محاصرته بأي وسيلة. تسلم إحدى الكرات في الجهة اليمنى، وعندما حاولت أن أسيطر على الكرة بعملية انزلاق، اصطدمت بإحدى قنوات صرف المياه، وغبت عن الميادين لفترة طويلة. أما على مستوى البطاقات الحمراء، فإن كوني مدافعا متأخرا، جعلني دائما عرضة للطرد، وهنا أستحضر واقعة طريفة وسيئة في نفس الآن. خلال موسم 1988 - 89 واجهنا بملعب المسيرة بآسفي الأولمبيك المحلي، وكانت هذه المباراة تكتسي طابعا خاصا بالنسبة إلي. لقد شهدت حضور خطيبتي بالملعب لمشاهدتي، رفقة زملائها بالمدرسة التي كانت تتابع بها دراستها بمدينة آسفي. حضور الخطيبة إلى الملعب جعلني أكثر حماسا، ودفعني إلى تقديم جهد مضاعف كي أظهر بمستوى جيد، وتفتخر بي أمام زملائها. وكانت المباراة تسير بشكل عادي إلى أن حاولت التصدي للاعب البشير، الذي كان يقود هجوما مسفيويا، ومن أجل تكسير الهجمة اخترت الانزلاق، ورغم أن انزلاقي لم يصب لا اللاعب ولا الكرة، إلا أن الحكم الشافعي رفع في وجهي البطاقة الحمراء. شعرت بالحسرة والمرارة حينها، وقررت في داخلي أن أعتزل اللعب، وفعلا رميت الحذاء إلى الجمهور وغادرت إلى مستودع الملابس، لأفاجأ بعد الاستحمام واستعادة الهدوء أن خطيبتي تأتي عندي حاملة الحذاء، في مشهد كاريكاتوري، وكأني بها تقرر عودتي الفورية إلى الميادين، وإنهاء الاعتزال الذي لم يستغرق أكثر من دقائق معدودة.. فبمجرد رميي للحذاء، انطلقت خطيبتي نحو المدرجات، ودخلت في سباق واشتباك مع بعض المشجعين لتنجح في انتزاع الحذاء والمحافظة عليه حتى نهاية المباراة.. أتذكر ذلك وأقر أن خطيبتي منحتني حينها تذكرة جديدة لمواصلة المشوار.. اليوم، رفقتها ورفقة أبنائنا أسامة ونعمة، نستعيد تلك الذكرى ونحمده تعالى على نجاحي في مساري الرياضي.