الأكيد أن حياة أي ممارس رياضي تحفل بالعديد من المحطات المشرقة، والذكريات الجميلة، لكنها في نفس الوقت تحمل كثيرا من المواقف غير السارة، والتي تبقى راسخة في الأذهان. في هذه الزاوية ننبش في ذاكرة بعض الأسماء الرياضية عن أسوأ الذكريات، ونعود بهم إلى تفاصيل هذه المواقف، التي تُستحضر اليوم بكثير من الطرافة. تعلق لحبيب محفوظ منذ صباه بفريق شباب المحمدية، لم يكن ذلك غريبا عن طفل فتح عينيه داخل أسرة رياضية بامتياز، فالوالد (بوشعيب محفوظ) كان أحد مؤسسي الفريق الفضالي في نهاية الأربعينيات. جاور الفريق في فئاته الصغرى، ليلتحق بفئة الكبار في بداية السبعينيات، وليحمل ألوانه لسبع سنوات متتالية توقفت للأسف، بسبب كسر تعرض له على مستوى رجله اليمنى. اليوم، يعود محفوظ بذاكرته ليسترجع صور زمن جميل مضى، يكفيه فخرا، أنه رافق فيه نجوما كبار في مقدمتهم النجم الأسطورة أحمد فرس. مايزال منخرطا في عوالم الرياضة من خلال إشرافه على إدارة مدرسة كرة القدم بشركة سامير، ومتابعاته اليومية لأخبار الرياضة من خلال عمله كمراسل صحفي، وكرئيس لجمعية المحمدية للصحافة والإعلام، وكعضو نشيط في جمعية مدينتنا التي يرأسها زميل الأمس أحمد فرس. يعتز محفوظ بمرافقته لكل نجوم المحمدية في عالم كرة القدم، ويفتخر أنه حمل ألوان شباب المحمدية في زمن التألق وزمن العمالقة. في هذا الإطار، لا يشعر بتاتا بحرج وهو يتحدث عن كونه لازم طويلا دكة الاحتياطيين:«أن يتم تسجيل اسمك في لائحة فريق الشباب في ذلك الوقت، رفقة الكبار كفرس، عسيلة ، حدادي وآخرين، فتلك قمة الفخر والاعتزاز، حتى وإن جلست في الاحتياط..». «تعلمنا الشيء الكثير ونحن نقف إلى جانب أولئك اللاعبين الكبار، وكنا محظوظين عندما كنا نشاركهم في الحصص التدريبية، أو في المباريات الرسمية.. أتذكر في هذا الباب، كنت أتقدم بالكرة في الجهة اليمنى، ونحن نخوض إحدى مباريات البطولة الوطنية بملعب البشير، وكنت أشغل مركز مدافع أيمن، وعند تجاوزي لخط الوسط، حاولت تمرير الكرة لمربع العمليات حيث كان يوجد النجمان فرس وعسيلة، لكن الكرة زاغت عن وجهتها وراحت خارج خط المرمى. حينها، خاطبني أحمد فرس «كان عليك أن تمررها بضربة من خارج القدم (exterieure)..»، لزمت الصمت، وفي قرارة نفسي قلت «لو كنت أعرف كيف ألعبها بخارج القدم، لكنت في مكانك السي أحمد، أو كنت عميدا للفريق الوطني».. مرت السنوات السبع وأنا أعيش كل السعادة في مجاورة فريقي المفضل ومع نجومه الكبار، وبعد أن اشتد عودي وبدأ عدد خوضي للمباريات كلاعب رسمي يرتفع، تعرضت لحادث، للأسف، سيكون بمثابة نقطة النهاية في مساري كلاعب. حدث ذلك في سنة 1977، وتحديدا في الحادي عشر من شهر دجنبر من تلك السنة، كنا نخوض إحدى المباريات الودية، عندما أصيبت ساقي اليمنى بكسر خطير، كان لابد معه أن أخضع لعملية جراحية.للأسف، لم تكلل العملية بالنجاح، فكنت مضطرا لعملية ثانية لقيت نفس المصير، ثم الثالثة إلى أن وصل عدد تلك العمليات لسبعة. وفي آخر المطاف، رأى الطبيب المعالج أنه يلزمني اقتطاع جزء من عظم الرجل اليسرى وتركيبه في الجزء المكسور. كان الألم شديدا، تحملت ووافقت.. وعند خروجي من المستشفى، وفي فترة النقاهة، انزلقت وسقطت لأصاب بكسر آخر في الرجل اليسرى. ما آلمني أكثر، ليس هو الكسر، لكنه استحالة رجوعي للميدان لملامسة الكرة. هي ذكرى سوداء أستحضرها بألم، لكن ألم وفاة زوجتي فطومة أم أبنائي سارة، زكريا وهاجر، كان أشد وأكثر وجعا. حدث ذلك في سنة 1998، في عز الوقت الذي كنا فيه منهمكين في تربية الأبناء.. رحلت بعد مرض مفاجئ، وخلفت فراغا مهولا في حياتي، كما خلفت حملا ثقيلا لم يكن بإمكاني تحمله لوحدي إطلاقا.. أتخيل اليوم، وأبنائي صاروا شبانا نجحوا في حياتهم الدراسية كسارة وزكريا الذين حصلا مؤخرا على الإجازة بامتياز، وهاجر التي حصلت بدورها على شهادة الباكالوريا وبميزة حسن جدا، كيف كان سيكون الحال لو لم تتطوع زوجتي الثانية فاطنة شقيقة المرحومة زوجتي الأولى، في تحمل ذلك الحمل الثقيل.. أشكرها اليوم، جزيل الشكر على ما قدمته من عطف لأبنائي وما فعلته من أجل تربيتهم.. نشترك اليوم معا في مهمة أخرى وهي الاهتمام بإبننا الصغير يوسف.. فالحياة مستمرة ولم ولن تتوقف على حادث ممكن أن يقع مرارا لكل الناس..