كثيرا ما نتحدث عن التاريخ القريب لمغرب ما بعد الاستقلال، وقليلا من يتحدث عنه بموضوعية. عموما جاءت تسعينيات قرن الألفية المنصرمة لتجعل المغرب يحاول أن «يطوي صفحة الماضي» وأن يمر إلى شيء جديد فيه كثير من التوافق. في غفلة من الشعب اتفق الملك الراحل مع المعارضة على إنهاء الصراع عبر التراضي (بتعبير الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي) على أمل بناء الدولة الوطنية الديمقراطية أخيرا. جاء «التناوب التوافقي» في 1998 وأقبر في 2002، وجاء العهد الجديد في 1999 ب«المفهوم الجديد للسلطة» و«سياسة الأوراش الكبرى» و«الإنصاف والمصالحة» وغيرها وأفلت آمال المغاربة في التغيير المنشود في التنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والحداثة. بدون تبخيس، كانت التراكمات المحصلة بين 1996 و2011 كبيرة وهامة. وحتى وإن كان التوافق أو التراضي يهم القصر من جهة، والمخزن والنخب من جهة أخرى، فإن الشعب وإن غيب في كل القرارات باسم البناء الديمقراطي التوافقي، قد رافق التغيير بكثير من الأمل، بدأت تباشير عدم الفهم مند 2002 و 2003 تعم النقاشات العامة والبسيطة، وجاءت صفارة الإنذار الأولى سنة 2007 . وإن لم تقم أية دراسة سوسيولوجية، على الأقل في الساحة العمومية، لمحاولة فهم ما جرى، فإن المبادرات التي قامت بها بعد المراكز الأكاديمية والجمعيات أتت بمقولة «العزوف عن السياسة»، خصوصا لدى الشباب المغربي، وكنت قد كتبت حينها عن الشاب المغربي «الحراك سياسيا» لكونه مسيسا ومهتما بالسياسة وبكل السياسة في دول ديمقراطية وعازفا عن السياسة المبتذلة كما مورست في بلده. راكم الشباب المغربي، على الأقل منذ 2007, تجارب هامة في نقد السياسة : فضاءات الحوار اليساري، استعادة قدرة شبيبات الأحزاب على التمرد على قيادييها، جمعيات سياسية، ... إلى أن جاء ما بات يعرف بالربيع العربي أو ثورة البوعزيزي، بائع الخضار المتجول بتونس. 20 فبراير منتوج مغربي بمنشطات إقليمية ودولية. إنها لحظة تعبير عن ذكاء جماعي للمغاربة من أجل المطالبة بالتغيير هنا و الآن، مغربيا، بعيدا عن توافقات الماضي وتراضياته، بعيدا عن حسابات السياسة المغربية وإشاراتها غير المفهومة. 20 فبراير إجابة عن سؤال محدد: ألم يطل أمد الانتقال الديمقراطي بالمغرب؟ ألسنا كباقي البشرية لنا الحق في بلدنا أن نعيش الديمقراطية وأن نسقط الفساد والاستبداد؟ إنها لحظة حمل فيها المغاربة في شتى ربوع الوطن مطالبنا في الصف التقدمي وتملكوها. وفي نقاشنا اليوم نستحضر فعالية تنظيماتنا وتاريخها، «إننا لا ننطلق هنا مما يقوله الناس أو يتخيلونه أو يتمثلونه، كما أننا لا ننطلق مما يكونون عليه في كلام الآخرين وفكرهم وخيالهم وتمثلهم، كي نصل بعد ذلك إلى البشر الذين هم من لحم و دم، كلا. إننا ننطلق من الناس في فعاليتهم الحقيقية كما أننا نتمثل تطور الانعكاسات و الأصداء الأيديولوجية لمجرى حياتهم الواقعية انطلاقا من مجرى الحياة ذاك» يقول كارل ماركس. إن الجديد اليوم هو قراءة «استراتيجية النضال الديمقراطي» على ضوء المستجدات الحالية وملامسة تحليل الأهداف مع الوسائل والواقع المغربي على ضوء مطالب الشباب الملحة في الحرية وبناء دولة الحق وإرساء دعائم الديمقراطية مغربيا، خصوصا في 20 فبراير كدعوة للتغيير. إن «الشباب بطبيعته، كان أميا أو مثقفا، يرفض التعقيد والغموض والالتواء، ويطمح إلى الوضوح وإلى فكرة شاملة ومنسجمة» (يقول عمر بن جلون) لا يقبل بأنصاف الحلول ولا بالحسابات السياسية والسياسوية الضيقة. هل انقلبت فئات الشباب المتظاهر عن «استراتيجية النضال الديمقراطي»؟ الجواب يكون بالنفي، فالشارع ارجع للحركة الإصلاحية برمتها بريقها وصواب منظورها. حملت 20 فبراير، كدعوة للتغيير، تجسيدا للذكاء الجماعي للمغاربة في المطالبة، هنا والآن، بالديمقراطية والحقوق والملكية البرلمانية. إن للتطور التكنولوجي ولتملك الشباب لشبكات التواصل الاجتماعي دور مهم في خلق النقاش والتعارف وتقريب المسافات من أجل العمل المشترك. وجاء مسيرات ووقفات لتبين بالملموس التفافا جماهيريا ونخبويا حول مطالب 20 فبراير، وجاء خطاب 9 مارس وما بعده من إطلاق سراح العديد من السجناء ذوي آراء سياسية وإعادة هيكلة الهاكا ... كإجابة من الملك على حوار جميل بينه وبين شباب تواق للتغيير. لم تعط أجوبة شافية لكل مطالب الشباب وظلت السلطة، أو ما يصطلح عليه بالمخزن في شتى تجلياته، تعوم في التردد بين الاستجابة ومحاولة ردع المطالب. وظل الشباب في الشارع العام إيمانا بأنه الملاذ الأخير والضمانة الحقيقية لصون مذكرة مطالبهم. إن كنا مغربيا نقر جميعا بما قامت به 20 فبراير في التسريع، على الأقل، بخروج الإصلاحات المنتظرة في ما يخص الدستور واستعادة النقاش العمومي حول المواضيع الخلافية، فإن سؤالا عميقا، عمق عجزنا على امتلاك أدوات الفهم والتنبؤ بدينامية شباب قيل عنهم غفل، يضعنا جميعا في عمق مستقبل المغرب : ماذا ستصبح 20 فبراير؟ إن السؤال سيحيلنا على أسئلة مقلقة أخرى : كيف سوف تتعامل مكونات 20 فبراير مع اختلافاتها المذهبية والمسطرية والادواتية؟ هل سوف يكون للشباب رؤيا واضحة لأدوارهم بعد انطفاء وهج مطالب التغيير والمرور إلى مرحلة البناء الصعب بعد الربيع العربي؟ هل ستتخلى السلطة (الدولة) المخزن عن مقولة «تفوق الدولة وتأخر المجتمع» ؟ وهل ستأخذ الأحزاب والهيآت التمثيلية بالدرس العشريني لتجدد هياكلها ونظم اشتغالها؟ هي أسئلة وأخرى مؤجلة بفعل الذكاء الجماعي الذي أخرج 20 فبراير للوجود عبر التوافق حول الملكية البرلمانية والديمقراطية وإسقاط الفساد والاستبداد. فهل سنعيش ذكاء آخر يتعايش فيه الإصلاحي والثوري الخلافاتي والقومتي ... أم سنذهب نحو القطيعة؟ إن تسارع التاريخ علمنا إن كل تنبؤاتنا لاغية. كل هذا من أجل وضع النقاش المستقبلي في جور فكرة نراها غاية في الأهمية: إنه في اعتقادنا أن على أهمية الورش الدستوري، فإنه بدون إجراءات ثقة مصاحبة لضمان المشاركة الشعبية في الاستفتاء، وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية وعميقة، فإننا لن نكون قد حققنا أهدافنا. وقد يكون دلك من بين ادوار الشباب العشريني.