مغرب مغاير ممكن، مغرب ديمقراطي حداثي، مغرب أهل بكل مواطنيه ومواطناته، قادر على ضمان حريات الجميع وكرامة عيش الجميع وأمن الجميع. حول السياق العام : إن أهم عناصر المرحلة السياسية الأخيرة، وهي مرحلة تجد بعض مقدماتها في تطورات بداية التسعينيات، تتمثل في مميزات السياقات العامة الدولية، والسياقات الوطنية الخاصة. فقد عرف السياق الدولي تطورات متسارعة منذ منتصف الثمانينيات، تمثلت في مسلسل من الأحداث والوقائع على مستوى الصراع السياسي والعسكري والاقتصادي العالمي، مهدت لهيمنة صاعدة وتسلط متنام للإدارة الأمريكية على العالم، توازى ذلك مع العولمة الاقتصادية والمعلوماتية واتفاقيات منظمة التجارة العالمية، ودور جديد لوسائل الإعلام والاتصال بدأ يتعدى مفهوم السلطة الرابعة ليصبح سلطة فوق السلط لدى المتحكم في توجيهها، وبداية تحكم شبكات المال والاقتصاد في الاختيارات السياسية والاقتصادية والمجتمعية في العالم. إن المرحلة التي عاشتها بلادنا كانت تتفاعل فيها، إستراتيجية التوافق السياسي بين الملكية والبنيات التي رعتها أو دعمتها، والمعارضة السابقة على قاعدة المصالح العليا للوطن، وتأمين صيرورة متزنة «للتحول الديمقراطي الحداثي للبلاد»، وإستراتيجية الصراع الاقتصادي لإعادة توزيع الثروة الاقتصادية والسلطة السياسية بين لوبيات العهد البائد ورموز العهد الجديد، وأنصار التوافق السياسي الجديد ومكوناته، واللوبيات الجديدة المرتبطة مصالحيا مع التوجهات الاستبدادية للوضع الدولي الجديد. هذه الدينامية الجديدة في إطار السياقات العامة الدولية، أفضت إلى وضع جديد بالبلاد وأفق مفتوح على التطور الإيجابي متمثل في «انفتاح أفق أرحب للممارسة السياسية ولتطور النظام السياسي نحو ديموقراطية يرتاح لها المجتمع ونخبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية»، لكن بالموازاة مع هذا المنحى الإيجابي سيشهد المغرب بداية التهديد الأصولي وتناميه التدريجي، واتساع تأثيره الاجتماعي والثقافي. هذه المتغيرات الدولية والوطنية ستربك المشهد السياسي، وستضعه أمام مسؤوليات جديدة ومعقدة، مسؤولية تجديد التفكير السياسي وإعادة النظر في بعض اليقينيات على الأقل، ومباشرة مهام مستجدة. حول المسار الداخلي : لقد اختار جزء من المعارضة السابقة موقع التدبير التوافقي للشأن العام لدعم مسار التحول الديمقراطي السلمي للبلاد، والدخول في تجربة انتقالية رامت التأسيس والتقعيد لنظام ديمقراطي ووقف النزيف الاجتماعي والاقتصادي الذي كانت تتخبط فيه البلاد وتتهدده بما اصطلح عليه بالسكتة القلبية، وتأمين انتقال سلس للسلطة لخلف الملك الراحل، على قاعدة توافقات غير معلنة للعموم. فيما تردد الجزء المتبقي من المعارضة السابقة فيما بين موقع الاضطلاع بدور دعم مسار التحول الديمقراطي السلمي من موقع خارج التدبير التوافقي وبرؤية نقدية، وبين دور المعارضة الجذرية للتجربة الانتقالية برمتها بخلفية رؤية مغايرة للنظام السياسي الصالح لتدبير شؤون البلاد. إن المسار الذي قاده ذ. عبد الرحمان اليوسفي من سنة 1998 إلى 2002 كان جريئا وواعدا ومكن المملكة من تجنب السكتة القلبية التي كانت تتهدده بتحقيق العديد من المكتسبات على أكثر من مستوى وفي عدة مجالات، هذا المسار عززته مكتسبات الحركية الحقوقية بعمل هيئة الإنصاف والمصالحة، والحركية المدنية خاصة النسائية والثقافية، والتي رفعت من سقف التوافقات بين الملك الراحل وزعيم الحركة الاتحادية المناضل اليوسفي بمباركة ودعم من ملك العهد الجديد. وإذا كان المنطق السياسي السليم فرض على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الدفاع بشجاعة سياسية وطنية عما سمي بحصيلة حكومة التناوب التوافقي في استحقاقات 2002، فإن الحليف الأساسي حزب الاستقلال اعتمد براغماتية سياسوية أثرت سلبا على مسار التطور الإرادي للمكونات الأساسية للدولة والمجتمع نحو الأفق الديمقراطي الحداثي، وقد تجلى ذلك في الصراع الذي تلا تبوأ الاتحاد الاشتراكي الموقع الأول في استحقاقات 2002، حول حقيبة الوزارة الأولى، والتي مكنت السلطة العليا من التدخل لتأمين الحد الأدنى من الشروط لاستمرارية أوراش التقدم نحو البناء الديمقراطي والتأهيل المجتمعي العام له، بالابتعاد التدريجي عن منطق التوافقات الذاتية الذي حكم المراحل السابقة من التدبير السياسي للشأن العام، على الرغم من الخروج على ما سماه ذ. اليوسفي بالمنهجية الديمقراطية، مما جعل حزب الاتحاد يستمر في دعم السلطة العليا في سياستها الإصلاحية ضدا على التماسك الداخلي للحزب في تصوره للأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وضد خيبات أمل الرأي العام السطحي بدعم ورضا أنصار ثقافة الهمزة والمصالح الخاصة والنادمين عن ماضي الصراع السياسي منذ الستينيات. لقد أنهت هذه المرحلة كذلك فعليا وعمليا، ما كان ينعت بالأحزاب الإدارية، ومهدت الطريق لإعادة النظر في التحالفات على قاعدة الاختيارات الأساسية والبرامج العملية لتدبير السياسات العمومية. وقد أبرزت محطة شتنبر 2007 الحد الفاصل بين تمثل المصالح العليا للوطن وبين المصالح الخاصة في نظر الهيأة الناخبة والرأي العام المغربي بنخبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فقد طالب البعض في الاتحاد بتمثيلية لا تعكس الوزن الانتخابي المصرح به رسميا، وتصارعت بعض أطره (...) ، مما يمكن اعتباره تنكرا وتبرؤا من المنهجية الديمقراطية التي هاجم بها عن حق، خصوم مرحلة الانتقال الديمقراطي، والتي سمحت لخصمه/حليفه بحقيبة الوزارة الأولى، في شروط سياسية أفضل. لقد أخطأ الاتحاد واليسار بجل مكوناته ومسانديه موعدهم مع التاريخ، خاصة بعد 6 يناير 2006 ، وكان من المفترض سياسيا أن يكون هذا اليوم بمثابة العيد الوطني الجديد للعهد الجديد، 6 يناير اليوم الوطني للشفافية ومحاربة الرشوة، واليوم الوطني للمصالحة، واليوم الوطني للإنصاف، واليوم الوطني للمساءلة، واليوم الوطني للحكامة الأمنية،...وباختصار اليوم الوطني للانطلاق نحو بناء المستقبل. إن تواجد الاتحاد الاشتراكي في مواقع المسؤولية الحكومية ساهم في تمكين المملكة المغربية من معالجة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إلى جانب الحركية المدنية في البلاد وحدس وفعالية وانخراط بعض مكونات اليسار، ومكن كذلك من مواجهة المد الأصولي المتطرف والنزعات الإرهابية بأقل تكلفة سياسية بالرغم من بعض الخروقات الحقوقية بالنظر لحجم التهديد، ومكن قبل كل هذا وذاك من انتقال سلس وسلمي وتوافقي للسلطة للملك الجديد. لقد ساد العقد الأخير منطق سياسي تماثل مع المنطق القديم على قاعدة صراع ضمني ما بين مكونات الحركة الوطنية، ومؤخرا مع بعض رموز الدولة والمبادرات السياسية الجديدة التي أطلقتها، في ظل وضع عالمي جديد فعلا وعلى كافة المستويات، وتطور للوضع العام المغربي يختلف جذريا عن مرحلة الستينيات، سواء تعلق الأمر بالنظام الحاكم أو بالمحيط الدولي، أو بالمنطق المتحكم في المتغيرات والمعطيات الجديدة. في الوقت ذاته، وعوض أن تسمح المرحلة الانتقالية بتأهيل المجتمع والنخب لتمثل متوازن بين المصلحتين العامة والخاصة، بدأت تهيمن المصلحة الذاتية والهرولة نحو الاغتناء السريع ضدا على القيم الفضلى، وقد طال هذا المنحى جل المكونات السياسية والمدنية، ناهيك عن تنامي فئة أنشطة الوساطة (السماسرة/ الشّناقا) على المستوى الاقتصادي، وهي فئة لا همّ لها لا تجاه الوطن ولا المواطنة أو المواطن، ولا قيم لها سوى البحث عن أكبر حصة من الربح المادي السريع، ولعل محطة الانتخابات الجماعية بما عرفته من عبث التحالفات، لمن بين المؤشرات الدالة على هذه التطورات السلبية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. حول الأفق : إن تطورات الأوضاع الراهنة للبلاد باتت تفرض على مختلف الفعاليات المناصرة للخيار الديموقراطي الحداثي أيا كانت مواقعها، أن تبتعد عن البراغماتية الانهزامية، وإنجاز التحالفات الموضوعية بعيدا عن منطق التعميم والأحكام المسبقة والمواقف العدائية المجانية والديماغوجية، وعلى قاعدة تحصين المكتسبات السياسية والاجتماعية والثقافية والحقوقية، للخروج من هذه المرحلة الانتقالية نحو بناء ديموقراطية مغربية يتعاقد عليها الجميع، ويمارس وفق قواعدها الجميع وكسب الرهانات الأساسية للمرحلة: - رهان الارتياح للتطور السياسي، بالاطمئنان على قواعد متفق عليها لتدبير شؤون الدولة والمجتمع، من خلال بلورة تعاقد وطني حول ثوابت الدولة المغربية التي في إطارها يمكن التنافس بين النخب، وعبر التقعيد الدستوري والتشريعي والتنظيمي للمشروع الديموقراطي الحداثي التنموي، - إعمال مبادئ دولة القانون، من خلال أجرأة نهج المساءلة والمحاسبة في كل المسؤوليات المرتبطة بقضايا الشأن العام والخدمة العمومية، - رهان الأمن الشامل الجماعي والفردي وهو رهان دولة الحقوق والواجبات والقانون وحماية السلامة الجسدية بالحد من الإجرام ومن الإرهاب على حد سواء، وتأمين الأمن الغذائي والسلامة البيئية، - رهان التنمية وهو رهان تتداخل فيه التحديات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية، - رهان التطور وعدم الارتداد إلى الوراء، بالنهوض وحماية حقوق الإنسان على كافة المستويات، - رهان التضامن والتسامح والتعايش، لتأمين التماسك الداخلي وحفظ موقع اعتباري للبلاد في المجتمع الدولي. ويعتقد اليسار الأخضر بأن التطور الموضوعي، والإرادي كذلك، للمشهد السياسي لابد وأن يفضي إلى ثلاث تكتلات كبرى حاسمة في إمكانيات التطور الديمقراطي : 1 - تكتل يساري يضم المكونات اليسارية الفاعلة. 2 - تكتل للوسط يضم الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار. 3 - تكتل اليمين المحافظ يضم حزب الاستقلال والعدالة والتنمية والحركة الشعبية. وأن النجاح في كسب رهانات الانتقال بمضامينه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية رهين بإمكانيات تدبير علاقة التحالف الموضوعي بين اليسار والوسط. اللجنة التحضيرية حزب اليسار الأخضر الرباط يوم 24 يوليوز 2009 1