دعا مشاركون في تقديم كتاب حول الحكامة الامنية بالمغرب الى اخضاع المؤسسات العسكرية والامنية الى الرقابة المؤسساتية السياسية المدنية كشرط ضروري للحكامة الامنية وضمان انتقال سلس نحو دولة الحق والقانون. وقال هؤلاء ان الحكامة الامنية بالمغرب ما زالت موضوعا غامضا وغير خاضع للنقاش العام المفتوح وهو ما يعرقل عملية الانتقال الديمقراطي وبناء دولة الحق والقانون. ونظم مركز دراسات حقوق الانسان والديمقراطية، بالرباط، لقاء حضره فاعلون حقوقيون واعلاميون ومسؤولون في الاجهزة الامنية تم خلاله تقديم إصداره الجديد باللغتين العربية والفرنسية حول موضوع 'التشريع في مجال الحكامة الأمنية بالمغرب' الذي يندرج، حسب مقدمة الكتاب، في إطار مواكبة الإصلاح الذي دشنه المغرب في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية منذ تسعينيات القرن الماضي، وفي سياق تتبع توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. وقال الحبيب بلكوش، رئيس مركز دراسات حقوق الإنسان والديمقراطية، إن أهمية هذا الإصدار تتمثل في كونه يعد الأول من نوعه كعمل تجميعي وتوثيقي للنصوص المتعلقة بقضايا الأمن بالمغرب منذ الاستقلال إلى الآن، مضيفا أنه يوفر للمشتغلين في هذا القطاع نظرة شمولية لمختلف القطاعات وللنصوص المرتبطة بها. وأوضح بلكوش أن الإصدار يعد أيضا مدخلا لتعميم المعرفة بالأدوار التي تضطلع بها الأجهزة الأمنية بالمغرب، معبرا عن أمله في أن 'يشكل هذا الإصدار أرضية للتفكير المتأني في متطلبات الإصلاح التشريعي الممكن في القطاع الأمني'. ويهدف الإصدار، الذي يقع في 82 صفحة من الحجم المتوسط، إلى توفير أداة تساعد على تحديد الإصلاحات الممكنة في مجال الحكامة الأمنية، وإنتاج مادة توثيقية أساسية للندوات والأوراش والدورات التكوينية التي قد تنظم بالمغرب حول موضوع الحكامة الأمنية، و'تجميع النصوص المتعلقة بالقطاع بما يسمح بتتبع مراحل تطورها، ومنح إمكانية للمقارنة بين حالة تطور تشريع القطاع الأمني بالمغرب وملاءمته للمعايير الدولية في هذا الميدان. وذكر عبد الحي المودن، جامعي وعضو بهيئة الانصاف والمصالحة سابقا، بالتوصيات التي جاءت في تقرير الهيئة المتعلقة بالحكامة الأمنية، والتي 'شكلت خطة طريق مركزية للانتقال إلى دولة الحق والقانون' وجاء فيها ضرورة تقنين استعمال الدولة واجهزتها الامنية العنف. وأوضح أنه لضمان هذا الانتقال يتعين العمل على تبادل الآراء بين جميع الفاعلين المعنيين بالحكامة الأمنية، والقيام بعمل توثيقي لجرد جميع النصوص المتعلقة بالمجال، وهو العمل المهم الذي قام به مركز دراسات حقوق الإنسان الديمقراطية، مشددا على ضرورة التفكير في كيفية الوصول إلى قناعة مشتركة بخصوص حكامة أمنية ترتكز على مفهوم دولة الحق والقانون واحترام حقوق الإنسان. واكد المودن ان ضمان انتقال ديمقراطي نحو دولة الحق والقانون يمر بثلاثة مراحل تبدأ بتبادل الرأي بين جميع الفاعلين ويلعبون دورا في الحكامة الامنية وجرد وتتميم النواقص في النصوص وتطويرها وهو ما يقوم به المجتمع المدني حتى الان واخضاع المؤسسات العسكرية والامنية الى المؤسسات السياسية التشريعية والمدنية وهو ما لم يفكر به احد. وقال مصطفى المنوزي، محامي ورئيس المنتدى المغربي للحقيقة والانصاف، ان مسلسل الحكامة الامنية يتطلب التأهيل النفسي للمجتمع المدني وللفاعل الامني وازالة حالة التنافر والتنازع بين الامن وحقوق الانسان والشأن العام. وأكد أن تعريف الحكامة الأمنية يتمثل في رفع التنافر بين مبدأي الحرية وحقوق الإنسان والمقاربة الأمنية، داعيا إلى 'ضرورة ترشيد القرار الأمني بالمغرب واخضاعه للرقابة القبلية والبعدية للمؤسسة التشريعية، وذلك لتفادي تكرار ما جرى في الماضي من انتهاكات'، والعمل على تأهيل العاملين بالقطاع الأمني. واشار المانوزي الى عدم تعاون الاجهزة الامنية والعسكرية خاصة المعنية بظاهرة الاختطاف التي شهدتها البلاد في سنوات الرصاص مع هيئة الانصاف والمصالحة في الكشف عن الحقيقة والمساهمة في تقرير مصير عشرات الحالات من الاختفاء القسري، وهو ما يعني خروجها عن الاجماع الوطني حول المصالحة الوطنية التي تبقى عالقة ما دامت عالقة الحقيقة الوطنية المعلقة بدورها حول دور الاجهزة الامنية والعسكرية وموقعها في المعادلة السياسية. وسجل الناشط الحقوقي مفارقة العلاقة التنافسية للاجهزة الامنية مع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين والرياضيين والاعلاميين والفنانين ودعا الى وضع ارشيف الاجهزة الامنية امام الهيئات المكلفة رسميا بالبحث عن الحقيقة وطي صفحة الماضي الاليم. وقال إدريس بلماحي، وهو جامعي وعضو بمكتب مركز دراسات حقوق الإنسان والديموقراطية، ان السياسة العمومية لحقوق الانسان ما زالت غائبة وتفتقر البلاد لقانون يحدد طبيعة ووضعية منفذيه وتوفير العدالة لضحايا الجريمة واستعمال السلطة والشطط في استعمالها. واوضح ان الانفراج السياسي الذي عرفته البلاد منذ تسعينات القرن الماضي لم يترافق مع الاصلاح القانوني للنصوص حول الحكامة الامنية مشيرا الى ان بعضها يعود الى بداية القرن الماضي وجلها وضع في عهد الحماية الفرنسية. ودعا بلماحي إلى إزالة الاختلالات التي تعاني منها النصوص القانونية المرتبطة بالمجال الأمني وملاءمتها مع الوضع القانوني والسياسي الحالي بالمغرب ومع الالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان. وأكد على أن الإصلاح التشريعي في هذا الإطار لا يمكنه أن يتم إلا من خلال سيرورة تشاركية بين جميع الفاعلين، مشددا على ضرورة إعمال آليات المراقبة والتوفر على مدونة سلوك تضبط مجال الحكامة الأمنية. من جهة اخرى أصدر منتدى الكرامة لحقوق الإنسان بالمغرب تقريره السنوي الثاني حول حقوق الإنسان خلال سنتي 2007 2008، الذي يوثق أهم الأحداث الحقوقية خلال هذه الفترة/ مسجلا 'الانتكاسة الواضحة خلال هذه المرحلة' حيث توقف عند إشكاليات حرية الصحافة، وظاهرة الاختطاف، ومحطة هيئة الإنصاف والمصالحة وتوصياتها المجمدة، وقضية بلعيرج، والحوار مع ما يسمى ب'السلفية الجهادية'. وقال التقرير 'إن تحليل المنتدى لتطور أوضاع حقوق الإنسان خلال هذه المرحلة يدفعه إلى الجزم بأن الانتكاسة الحقوقية التي تعيشها البلاد في تفاقم وأن رصد هذه الانتهاكات وتوثيقها ضروري وهو الإنجاز الذي يتقدم به إلى الحركة الحقوقية والمهتمين، ويهديه إلى كافة الضحايا، وقبل ذلك يجعل منه وثيقة تشهد على جرائم المرحلة'. وخصص التقرير حيزا للاعتقال لأسباب سياسية، والحق في التقاضي وفي المحاكمة العادلة ورصد الوضعية العامة للسجون والسجناء ومختلف الانتهاكات التي يتعرضون لها، وتطرق التقرير لانتهاك مبدأ الحريات العامة، ممثلة في الحق في دستور ديمقراطي، والحق في الانتخاب والتمثيل السياسي، والحق في تأسيس الجمعيات، والحق في التجمع السلمي، وحرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير، وحرية العمل النقابي، والحق في التنقل والحق في مغادرة البلد والعودة إليه. واختتمت وثيقة المنتدى برصد للاعتداءات والخروقات التي طالت الحقوق المدنية والسياسية للمرأة المغربية. وتضمن التقرير موقف المنتدى من كل هذه القضايا والإشكالات والانتهاكات والملاحظات على المشرع المغربي والثغرات التي تساهم بالتراجع الحقوقي بالمغرب.