لم تكن إشكالية البيئة يوما خارج تضاريس السياسة وانشغالاتها، ذلك أن سؤال علاقة البيئة بالسياسة، هو في عمقه سؤال ارتباط بين مجال وفضاء متفاعلين، يحتل الإنسان مركزهما ومحورهما، إذ تجمع بين الموضوعين (البيئة والسياسة) علاقة تداخل تاريخية تعبر عن ذاتها في صيغة جسور تواصل وشراكة، توحد بينهما شبكة قيم وغايات مشتركة، حيث ترتبط البيئة ارتباطا متينا برهانات التنمية المستدامة التي تعد السياسة هي وقودها ومحركها وموطن رهاناتها واختياراتها، في حين يشكل الإنسان مركز اهتمام السياسة وموضوع أسئلتها ومحور أهدافها. ولقد جسدت موضوعة البيئة هاجسا حيويا في وعي وخطابات قوى التقدم والحداثة المغربية بمختلف تلاوينها الفكرية والسياسية، غير أن هذا الهاجس وإن كان موضوع اهتمام الفصائل السياسية الطامحة للتغيير نحو الأفضل، إلا أنها لم تتمكن من إبرازه وتحويله إلى حقل من حقول الصراع السياسي، وعنصر من مكونات مقاربتها للمشروع المجتمعي الذي تعمل من أجل تحقيقه. لقد خضعت إشكالية البيئة في العقود الثلاثة الأخيرة لتطور متسارع، عبر عنه الاهتمام المتزايد من قبل المجتمع الدولي بصفة عامة، مما جعلها تحتل موقعا رائدا ضمن التصورات والنقاشات العمومية المتعلقة باستراتيجيات التنمية وسياستها، ولقد ركز هذا التطور والاهتمام الدولي والإقليمي والوطني المتنامي بالإشكالية على مجموعة من الأخطار، أهمها التدمير الممنهج في بعض الأحيان للنظام الإيكولوجي، والتدهور البيئي و تكاثر بؤر التلوث وندرة المياه، وارتفاع ملوحة التربة وظاهرة التصحر والاستغلال المفرط للثروات الطبيعية ومن بينها الطاقية، وكذا الاحتباس الحراري، مما بات يتهدد الكرة الأرضية بالاحتضار واستتباعا استمرارية الحياة الإنسانية عليها،..... وتولدت عن هذا الوضع جملة من الأسئلة والهواجس حول الإنسان ومستقبل الحياة فوق هذا الكوكب، وقد دق ناقوس الخطر مؤتمر استكهولم (1972) و عبرت قمة ريودي جانيرو سنة 1992 حول «البيئة والتنمية » عن هذه الهواجس أبلغ تعبير وعن قلقها العميق تجاه مستقبل الحياة الإنسانية. ضمن هذا السياق لاحظ المتتبعون والمهتمون والناشطون في مجال النضال البيئي ميلاد توجه جديد على الصعيد العالمي يتبنى مقاربة نوعية تقوم على إدماج البعد البيئي أو الإيكولوجي في سياسات واستراتيجيات التنمية من خلال مفهوم التنمية المستدامة الذي يعيد ترتيب العلاقة بين البيئة والتنمية ويموقعهما في صلب السياسة وخدمة الإنسان في نهاية المطاف. وقد اعتمد المغرب و منذ أول كتابة للدولة في التنمية مضامين المذكرة21 (Agenda21)، أو ما صار يعرف ببرنامج العمل الدولي، كما صادق على الاتفاقيات الدولية المنبثقة عنه، مثلما شكل الإنسان من خلال العمل على ضمان صحته وتعليمه، وتغذيته وتجويد حياته أهم أجندة اليسار( بمختلف مكوناته واختياراته) السياسية والاجتماعية وأقواها حضورا وهدفا، كما جسدت البيئة (بصفة مباشرة أو غير مباشرة) توأمه الطبيعي وامتداده الحياتي، إنها رئته الطبيعية التي يتنفسها ويعيش ضمن سياقاتها وأجوائها المتناقضة أو المتطابقة، لأنهما وجها العملة الواحدة التي يستحيل الفصل بينهما. إذ تقترب مضامين البيئة الطبيعية من مضامين البيئة السياسية إلى حد كبير، فإذا كانت الأولى تعرف أشكالا متعددة من التدمير والتدهور والتلوث، فإن البيئة الثانية تخضع بدورها لأنماط مغايرة من التلوث على شاكلة التلوث الانتخابي والمالي والإداري والفساد السياسي والانسداد الديمقراطي... إن التلوث والتدهور الذي يصيب البيئة الحياتية والطبيعية بالضرر الواضح، يترك أثره المباشر على الإنسان كمركز للكون والطبيعة والسياسة باعتباره منفعلا ومنشغلا بها ومتدخلا فيها وحافظا لها ومستفيدا منها في نهاية المطاف. سياق اليسار الأخضر المغربي سبق فكرة تأسيس حزب اليسار الأخضر بروز تيار «حرية المبادرة الديمقراطية» في ربيع 2004 كتيار فكري وسياسي مهيكل داخل حزب «اليسار الاشتراكي الموحد»، وكتعبير موضوعي عن حاجة تنظيمية وموقف سياسي وتصور فكري مختلف عن نظيره الذي هيمن على توجه الحزب، وقادت تحليلات وتقديرات هذا التيار إلى التسليم بالانسداد الديمقراطي الداخلي، بعد تجربة ملموسة ومطبوعة بالاختلاف الواضح، حول جملة من القضايا السياسية والفكرية والموضوعاتية والتنظيمية، وكانت محطة 6 نونبر2005 التي أطلقت سيرورة سياسية جديدة من خلال « بيان 6 نونبر» قد قطعت مع الحزب نهائيا، تلاها حوار واسع بين مناضلات و مناضلي «مجموعة» حرية المبادرة الديمقراطية حول إشكالية البيئة والمقاربة الإيكولوجية كمجال خصب وكموضوع للفعل السياسي، وكانت إذن، إعادة تمثل البيئة كموضوعة للصراع أحد مكونات الحاجة لتأسيس اليسار الأخضر، والذي أملته كذلك الإجابة السياسية عن بياض بيئي وموطن شلل يساري في التعاطي العملي مع الأسئلة المقلقة حول مصير البيئة والإنسان، والتعامل مع الاستفهامات الكبرى حول مستقبل الحياة. وقد طرحت هذه الأسئلة والاستفهامات ضمن سياقات دولية عامة وإقليمية ووطنية خاصة، وكذلك في جملة من التحولات العالمية التي طبعت بإيقاعها المتسارع مستويات الصراع السياسي والعسكري والاقتصادي العالمي منذ منتصف الثمانينات ، إذ بدأت تلوح في الأفق ملامح هيمنة أحادية القطب بالموازاة مع عولمة اقتصادية «اتفاقية الغاط» واكتساح معلومياتي، إضافة لدور المال في التشكيل وفي التأثير على وسائل الإعلام والاتصال، لتصبح الديمقراطية الليبرالية وحقوق الإنسان الشعار السياسي الذي طبع معظم «مجتمعات» وبلدان العالم ولينتصر اختيار اقتصاد السوق على المستوى الدولي وتشمل حتى الأنظمة التي شكلت الاشتراكية والشيوعية عنوانها الإيديولوجي ورهانها الاقتصادي. أما بالنسبة لبلادنا فقد عاشت مرحلة اخترقها نمطان من الاستراتيجيات ، استراتيجية التوافق السياسي بين الملكية والمعارضة السابقة والتي توخت ضمان سيرورة متزنة للتحول الديمقراطي الحداثي، مقابل استراتيجية الصراع الاقتصادي لإعادة توزيع الثروة والسلطة بين قوى الأمر الواقع المضادة للإصلاح وأنصار التوافق السياسي الجديد واللوبيات المرتبطة مصلحيا بمراكز الهيمنة والاستبداد الدولي الجديد. لقد أفضت إيقاعات الدينامية الجديدة للسياقات الدولية وتداعياتها على الصعيد الوطني، منضافة لها جسامة التضحيات التي أدتها أجيال متعاقبة من مناضلات ومناضلي قوى التقدم والحداثة على اختلاف مكوناتها، إلى وضع البلاد على سكة جديدة وأفق مفتوح على تطور إيجابي ممكن وعلى رهان مغرب مغاير ممكن، تطرح وثيقة «مشروع التوجهات الإطار» لحزب اليسار الأخضر المؤرخة في يوليوز 2008 على أن العنوان المناسب لهذه المرحلة الجديدة هو «انفتاح أرحب للممارسة السياسية ولتطور النظام السياسي نحو ديمقراطية يرتاح لها المجتمع ونخبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية»، لكن في مقابل هذه الاختراقات الإيجابية ستشهد البلاد مؤشرات سياسية ملموسة عن تنامي تدريجي للتهديد الإسلاموي المتعصب وعن توسع دائرة تناميه الاجتماعي وتأثيره الثقافي. خطاب الضرورات والقيم لدى اليسار الأخضر بداية، تتحدد هوية اليسار الأخضر المغربي في إطار تموقعها السياسي ضمن قوى اليسار، ونقصد باليسار اليوم: الجهة المدافعة عن التوزيع العادل للثروة والسلطة بكيفية تضمن صيانة الكرامة الإنسانية عبر الدفاع عن قيم الحرية والمساواة وإقرار الحقوق الأساسية للمواطن(ة) وضمان أمن الفرد وممتلكاته وحرياته الفردية وأمنه الغذائي، وإشراكه في صنع السياسات العمومية والتدخل في تدبير الشأن العام. وتفصح القناعات والاختيارات الأساسية لليسار الأخضر المغربي عن ذاتها من خلال مجموعة من الأسس العامة ونظام مبادئ وقيم تلخصها مقدمات أساسية أهمها يتضمنها مشروع قانونه الأساسي ومشروع وثيقة التوجهات الإطار، من بينها: - ضرورة بناء حضارة إنسانية متعددة ومنفتحة على تكامل وتلاقح حضارات الشعوب بما يضمن انبثاق مواطنة كونية جديدة تقوم في جوهرها على المساواة في حقوق وواجبات الأفراد تتجاوز وتحد من كل تمييز على أي أساس كان... - ضرورة الحد من الحروب وأعمال العنف بمختلف أشكالها وتعبيراتها، وإعمال الطرق والحلول السلمية في العلاقات والنزاعات الدولية وتعميم قيم التضامن والتسامح بين الشعوب، - ضرورة العدالة الاجتماعية من خلال التوزيع العادل للثروات الطبيعية وطنيا وعالميا بما يلبي الحاجات الأساسية للإنسان، ويضمن التنمية الشخصية والاجتماعية للمواطنين والمواطنات، مثلما يضمن حقهم في التدخل في الشأن العام وفي رسم السياسات العمومية التي تمس حياتهم ووجودهم ومستقبلهم، - ضرورة إعادة النظر في أنماط الاستهلاك وأشكال استغلال الثروات الطبيعية وتوظيف التكنولوجيا والبحث العلمي وكذا المراجعة المستمرة لمجمل تدخلات الإنسان في النظام الإيكولوجي وضمان حماية توازن هذا النظام والمحافظة عليه. ومثلما أسس حزب اليسار الأخضر المغربي لخطاب ضرورات، فإنه قد عمل على بناء نظام مبادئ وقيم تشكلت منطلقاته النظرية ذات القابلية للتصريف على أرض الواقع، وتتلخص بعض هذه المنطلقات في: - مجمل مرجعيات وقيم ثقافة حقوق الإنسان في صيغتها الكونية القائمة على ضمان الكرامة الإنسانية. - التزاوج التركيبي البناء بين القيم الاجتماعية والثقافية الإيجابية للمرجعية الفكرية الاشتراكية وقيم مبادئ الفكر البيئي لحركات الخضر ذات الأثر والامتداد والصيت العالمي وكذا مناصري البعد الإيكولوجي في العالم (ميثاق كامبيرا مثلا). - قيم الديمقراطية بتعدد أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واللغوية و المجالية. - مبادئ الحداثة كسيرورة تاريخية فكرية داعمة ومؤسسة لكل مشروع اجتماعي ديمقراطي قائم على المواطنة والمساواة واحترام الحقوق بما في ذلك الحق في بيئة سليمة ونظام ايكولوجي متوازن ودائم. - تمثل القيم الإيجابية العميقة للحضارة المغربية بتنوع روافدها الإثنية (الأمازيغية العربية والإفريقية والمتوسطية ( والدينية ) الإسلامية واليهودية . مثلما تجسد الرهانات الاستراتيجية لكل حركة أو حزب جوهر اختياراته وأفقا لنضاله، يطرح حزب اليسار الأخضر المغربي جملة من الرهانات الاستراتيجية التي تشكل مركز أجندته السياسية النضالية يكثفها في الرهانات الأساسية التالية: 1 رهان التنمية وهو في عمقه رهان مطبوع بالتداخل الملموس بين التحديات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية إضافة لبعد الإكراهات الوطنية والعالمية. 2 رهان الارتياح لأفق التطور السياسي وتكريس الاطمئنان الإيجابي على قواعد متعاقد عليها لتدبير شؤون الدولة والمجتمع. 3 رهان الأمن الفردي والجماعي الشامل الذي يستوي موضوعيا ورهان الأمن الغذائي والسلامة البيئية ورهان دولة الحق والقانون القائم على ضمانة السلامة الذاتية بالحد من الإجرام ورديفه الإرهاب. 4 رهان التقدم والتطور الذي يفرض القطع مع كل أشكال الانتكاس والارتداد بتحصين حقوق الإنسان على كافة الأصعدة والمستويات. 5 رهان التضامن وتكريس قيم التسامح والعيش المشترك لتمتين وتأمين أشكال التماسك الاجتماعي وضمان أو حفظ موقع اعتباري للبلاد في المجتمع الدولي والمراهنة على النهوض بحماية الوطن على كامل مجاله الترابي هوية ومجالا و حضارة. 6 رهان تعميق مبدأ المساواة بين المرأة والرجل عن طريق تمثل مقاربة النوع في مجمل مناحي الحياة الاجتماعية والقانونية والإدارية والقضائية. إن الأساس وجوهر الفعل السياسي المنشود هو الإسهام في خدمة الإنسانية الجديدة، لكن بالأساس وباعتماد القرب خدمة قضايا الإنسان المغربي بالمفرد والجمع من خلال نصرة قضايا عقلنة استثمارالمجال وضمان استمرارية الحياة وإعمال الكرامة الإنسانية. (عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر التأسيسي لحزب اليسار الأخضر بني ملال 6 أكتوبر 2009) من هو الدكتور محمد فارس؟ - مواليد 1958 بمولاي يعقوب ( فاس) - طبيب بالقطاع الخاص - من مناضلي وأطر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في منتصف الستينات - مؤتمر 16 و 17 أو ط م - من مؤسسي التيار القاعدي داخل الجامعة المغربية ومسؤول بعدة تعاضديات بكلية الطب بالرباط - شارك في عملية تجميع اليسار الجديد وعضو مؤسس للحركة من أجل الديمقراطية وعضو مكتبه الوطني - من مؤسسي حزب اليسار الاشتراكي الموحد وعضو مكتبه السياسي الأول - من مؤسسي تيار حرية المبادرة وحزب اليسار الأخضر وعضو لجنته التحضيرية - فاعل جمعوي خاصة في المجال الحقوقي والبيئي - شارك في عدة ملتقيات وطنية ودولية خاصة في الولاياتالمتحدة حول: * تدبير الماء * تدبير الغاب * تدبير النفايات المنزلية * التدبير الجماعي.