المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصحافة، السلطة، المال والمواطن
نشر في هسبريس يوم 29 - 04 - 2010


علاقات ملتبسة وسوء تفاهم كبير
بلغت العلاقة بين الصحافة المكتوبة والسلطة حدا من التوتر غير المسبوق في ظل عقد من الزمن ، هناك ما يشبه الاصطدام البنيوي بين الصحافة المستقلة والدولة.. صدام غير متوازن، ولا يخدم لا مصالح السلطة ولا الصحافة، ولا الأفق الكبير لمغرب نريده ديمقراطيا، خارج أي مجاز..
ما خلفيات هذا الصراع وما أبعاده؟ وما إسقاطاته المستقبلية؟
المقال التالي يحاول إعادة تركيب العناصر الأساسية لهذا الصراع، وانعكاساته على حاضر ومستقبل المكتسبات المحتملة خلال عقد من الزمن.
لنبدأ بالتذكير بالأولويات المؤسسة أو البداهات الأولى وما يدخل في حكمها:
-1هناك أزمة حقيقية متعددة الأضلاع في علاقة الصحافة بالسلطة والمال والمواطن في زمن يعيش فيه المجتمع المغربي فيما يشبه العماء السديمي.. نحن نمر بالعتبة العليا لهذه الأزمة، بحيث يمكن التساؤل: هل يمكن التفكير بهدوء في أزمنة الأزمة؟
أعتقد أن المجتمع الحي هو سلسلة متواصلة من الأزمات، الإبداع والفكر الحر هو الكفيل بإيجاد مخارج تجيب عن أسئلة اللحظة التاريخية.
-2علاقة التوتر بين الصحافة والسلطة، تقتصر على الصحافة المكتوبة الخاصة أو المستقلة (محاكمات، إغلاق، غرامات مالية، سجن الصحافيين...)، بما يطرح أحد احتمالين: إما أن هذه الصحافة غير مهنية وغير مسؤولة على خلاف الصحافة الحزبية، وهذا مخالف لمنطق الحال، وإما أن هذه الصحافة أصبحت مزعجة لبعض صناع القرار..في هذا السياق يجب فهم تصريح وزير الاتصال بكون الصحافة بالمغرب أصبحت سلطة أولى وليس رابعة.. لذا علينا البحث عن بناء علاقة سليمة.
-3إن الصراع بين السلطة والصحافة هو صراع حدود لا صراع وجود، على اعتبار أن الطرفين معا يشتغلان على نفس الحقل "المعلومة" وأهمية السبق في الحصول على الخبر، فقط أن السلطة تنتمي إلى مجال الكتمان والسر، فيما ترتبط هوية الصحافة بالإعلام والنشر، وهذا التعارض الوظيفي يجد حلوله في الدول التي أرست تقاليد باذخة في الديمقراطية، من خلال قانون واضح يمثل مصلحة المجموعة الوطنية، يتم الاحتكام إليه، وفي مواثيق أخلاق مهنية تشكل درعا لحماية المهنة وقيم المجتمع المنفتح، وتشكل ضوابط الممارسة الصحافية وترسم حدود تدخل السلطة.. في حين يفتقد المغرب، كغيره من الدول الثالثية، لمثل هذا القانون وللتراكم الضروري في الممارسة الصحافية وأخلاقياتها المهنية.
لقد وقعت تحولات مجتمعية كبرى، لكن الممارسة الصحافية، حرية ومهنية، ظلت متعثرة بين الانفتاح والانغلاق، بين المسؤولية والفوضى.
-4شهد العقد الأخير مرحلة قصوى للتجريب، فقد جربت السلطة، في سعيها إلى مراقبة المجال الصحافة, أساليب عديدة من منع ثلاث صحف دفعة واحدة إلى استعمال سلطة القضاء.. ومن الغرامات المالية الباهضة إلى سجن الصحافيين أو إيقاف المؤسسات الصحافية دون سند قانوني، وبتجريب نصوص عدة من قوانين الصحافة والقوانين الجنائية.. مما يعني أن السلطة لا تملك استراتيجية واضحة في مجال هيكلة حقل الصحافة المكتوبة، وضبط المجال ومراقبته دون خنق حرية التعبير في شرايين الصحافة.
-5صراع السلطة والصحافة ليس بالضرورة صراع ملائكة وشياطين، فلكل طرف ملائكته وشياطينه، لذا يجب التذكير ببداهة أساسية تتمثل في التباسات المرحلة التاريخية للمغرب، فالصحافة لا تعيش منعزلة عن السياق السياسي والمجتمعي.. إن طول مدة الانتقال الديمقراطي والتباسات المرحلة، هي أحد الأسباب المركزية لسوء التفاهم الكبير بين السلطة والصحافة، الذي تجاوز وضع النقيض الطبيعي المشار إليه آنفا.. من هنا، فإن الذين يلومون الصحافة على تجاوزها لخطوط القداسة أو ينتقدون السلطة على ترددها وضيق صدرها أو هيمنة الأمنيين داخلها.. لم يفهموا جيدا طبيعة المرحلة الانتقالية ومآزقها..، فالمغاربة في مرحلة تجريب بامتياز، نجرب أدوات بناء مغرب حداثي تحكمه مؤسسات قوية، ترتهن في علاقاتها لسيادة القانون. مغرب جديد يخرج، بقوة منطق العصر وإكراهاته، نحو الديمقراطية.
فالمغاربة يجربون اليوم الممارسة المدنية لحرياتهم ويختبرون القوانين المناسبة لتنظيم مجال علاقاتهم ومصالحهم بشكل مغاير..، ونتيجة لذلك يقع الانفلات والاصطدام.. مرة تربحه الصحافة بإحراز مكاسب جديدة بدون ضربات موجعة.. ومرة تكسبه السلطة، وتلك برأيي ضرائب طبيعية في أزمة التحول في مجتمع لازال يبحث عن النور من الجهة الأخرى للنفق المظلم..
إن الصحافيين يحاولون الذهاب إلى أقصى شهد الحرية، يجربون ملامسة الخطوط الحمراء، يقلصون حجم هيمنة القداسة من حقل التداول العام، يحفرون قرب عرين الأسد، إلى أن يُصْعَقُوا أحيانا بأسلاك كهربائية عالية الضغط..، فيما السلطة بدورها تقوم بتجريب أشكال جديدة، ليست بالضرورة استبدادية، وليست ديمقراطية بكل تأكيد.. من المنع إلى سجن الصحافيين إلى الغرامات المالية القاسية وإقبار جريدة دون سند قانوني، وتم توظيف القضاء غير المختص في قضايا ملتبسة تطرح إشكالات كبرى على السلطة كما الصحافة، وذلك في محاولة منها لمراقبة المجال الصحافي وضبطه بوسائل وآليات مغايرة، جسدها ذلك التردد الكبير في إصدار قانون جديد للصحافة!
الحقائق الأربع للأزمة
إن مصدر المتاعب في هذا الاصطدام بين السلطة والصحافة، بعضه يعود إلى السلطة العمياء التي تحاول وضع الكل تحت المراقبة خارج القانون وقواعد اللعب الديمقراطي، وبعضها يعود إلى تسيب المجال الصحافي وتدخل فاعلين جدد في الحقل الإعلامي بخلفيات ليست محض صحفية.. أحيانا بأجندة سياسية، إننا كجسم صحافي لا نعاني تخمة الحرية وعلينا أن نجري حمية على جسدنا المهني، كما أن السلطة لم تعد تلجأ إلى الوسائل البدائية حيث تضع القنابل في المطابع وترسل الطرود الملغومة للصحافيين أو تختطفهم من منازلهم.. لكن علينا أن نضع أيدينا على الداء، الذي نحصره فيما يلي:
-1غياب التواصل
هناك حلقة مفقودة في هذه المرحلة الانتقالية بين الصحافة والسلطة، إسمها غياب التواصل، لا أحد ينصت للآخر بسبب عدم اتضاح هوية المخاطبين المعنيين بتنظيم مجال الصحافة المكتوبة، فمن جهة الدولة، لا تبدو وزارة الاتصال مؤهلة كمخاطب وحيد في إشكالات الصحافة، ليس الأمر مرده لمؤهلات هذا الوزير أو ذاك، ولكن بحكم الضعف المؤسساتي، وأيضا تعدد المتدخلين في دائرة صناع القرار في قضايا الصحافة المكتوبة الخاصة.. إن السلطة لا تؤمن بعلاقة عقلانية مع الصحافة، فهي لا تؤمن إلا بتحويل الصحافيين إلى أتباع أو أقنان في حقلها، لذلك تكتفي بزبنائها الأوفياء من الصحافيين الذين يشبهون سعاة البريد وجرائدهم مجرد علب رسائل، والصحافيون الخارجون عن نفوذها لهم مصادر خبرهم الخاصة حتى من داخلها، بحكم أن السلطة ليست مركبا متجانسا.
غياب التواصل؛ معناه فقدان المحاور المبادر الذي يملك أهلية الاستماع وسلطة التنفيذ في قضايا الصحافة المستقلة.. وفي جانب المهنيين يبدو الأمر أفظع، فمن هو المخاطب المركزي، هل هو النقابة الوطنية للصحافة التي عوض أن تتحول إلى قوة اقتراحية تجميعية، مشاركة ومبادرة، أضحت لاتظهر إلا في مناسبة التشنجات؟ هل هو فيدرالية الناشرين الذين ليسوا على كلمة سواء، ويفتقد معظم المنتسبين إليها إلى استقلالية القرار؟!
إذا كان الصراع طبيعيا بين الصحافة والسلطة، فإن قنوات التواصل التي يمكن أن تخفف من حدة الصراع وتبقيه في جانبه العقلاني والحضاري بدل نزوعاته الغريزية، منعدمة اليوم.
بالأمس كانت الصحافة الحزبية تمتثل لسلطة الأب الزعيم، وكانت السلطة ترسل إشاراتها إلى الصحافة عبر الزعيم الذي يتدخل في تنظيم الصحافة،(في أحد استجواباته بالمساء، يحكي الأمراني واقعة لها دلالتها في هذا السياق، إذ ذكر أن عبد الرحيم بوعبيد توصل بمعلومات من جهات عليا تفيد استهداف حياة محمد البريني، الذي تحمل مسؤولية نشر رسائل باريس لمحمد باهي حول "آيات شيطانية" للكاتب الإيراني، الذي أهدر الخميني دمه، وحُلّ الأمر بدون ضجيج)، مما يعني أنه كان هناك حوار وتواصل.
اليوم الصحافة المكتوبة الخاصة تعددت، وهي بدون أب روحي، ويمكن أن تكون أكثر عرضة للاختراقات وأكثر إزعاجا.. مما يستلزم وجود قنوات واضحة للتواصل العقلاني.. والتواصل لا يعني الاحتواء وممارسة الوصاية.
-2 غياب الوضوح وقصر النظر
إن الإشكالات التي تواجهها الصحافة المكتوبة، في المغرب الراهن، أضحت هيكلية وتستلزم وجود استراتيجية متعددة الأبعاد تنفَّذ على مراحل، بعد أن يتوافق حولها الفاعلون المركزيون في الحقل الصحافي، وفي مقدمتها تغيير قانون الصحافة الذي لم يعد يجيب على مستجدات فرضت نفسها بملحاحية في حقل النشر والإعلام بالمغرب، وفي مقدمتها التداول الحر للمعلومة والحق في الولوج إليها وإزالة العقوبات السالبة للحرية، وإيجاد قضاء مختص، كما يجب الإسراع بإخراج مجلس وطني للصحافة متوازن، ويضم الحكماء من المهنيين وفعاليات المجتمع المدني، قد يصبح هو الفيصل في الكثير من القضايا التي تصبح فيها السلطة طرفا وحكما...
إن افتقاد الوضوح وقصر النظر هو جزء من ضبابية المرحلة السياسية التي يمر منها الانتقال المؤسساتي والتحولات المجتمعية بالمغرب.
أ- ماذا تريد السلطة؟
إن شعارات الدولة من خلال الخطاب الرسمي هو تحقيق الانتقال الديمقراطي وخلق مغرب حداثي، لكن مربع صنع القرار ليس متجانسا في رغباته وطموحاته، في مصالحه واتجاهاته لتحويل الشعارات إلى وقائع مادية في مجال الصحافة.. لا يتعلق الأمر بشياطين الحرس القديم وملائكة العهد الجديد، ولا بجيوب المقاومة.. ولكن بطبيعة التباسات مراحل الانتقال في تاريخ أي مجتمع، وهي في حالنا أكثر غموضا سواء من حيث الإرث التقليدي في النظام السياسي أو الثقافة الاجتماعية المحافظة، والتي تميل إلى أولوية الاستقرار على المغامرة تجاه الجديد والمغاير.
أي صحافة لأي مجتمع؟ ما هي طبيعة الصحافة المكتوبة التي تريدها السلطة؟
إن غياب المخاطب الواضح في قضايا الصحافة وسط مربع السلطة، مرده إلى غياب تصور استراتيجي للدولة في قضايا الإعلام، كما أن تدخل فاعلين متباينين من دائرة القرار تحت غائية هيكلة وضبط وترويض الحقل الصحافي، ولّد اختلالات تبرز كانعكاس لصراعات هؤلاء الفاعلين وطموحاتهم السياسية، من هنا لا يمكن تكييف اتجاهات الصحافة مع مطامح متناقضة في حقل صناعة القرار.
ب: ماذا يريد الصحافيون؟
إن الشعار الجامع بينهم هو "صحافة حرة"، لكنهم يختلفون في تفسير مفهوم الحرية حد التناقض، لأن البعض يأكل مع الشيطان بملاعق طويلة، وآخرون مستعدون لإطلاق رصاصة الرحمة على سيارة إسعاف لأنها تحمل علامة حمراء للدولة، وآخرون متوافقون على الأكل من نفس الصحن، لكنهم خفية يبصقون فيه، وبعضهم مستعد لرمي الرضيع مع مخلفات إناء الغسيل، وآخرون مستعدون للتفاوض مع آكلي لحوم البشر حول وجبة لحقوق الإنسان عدا حقه في الحياة، ومنهم من يريد صنع عجة "أومليط" مشتركة دون تكسير البيض، وهلم اختلافا... إذ قلة قليلة من تضع يدها على قلب الوطن إذا وضع الآخرون يدهم على الزناد..
أي صحافة لأي مجتمع؟ ذلك هو السؤال الذي يفرض نفسه على الجميع، سلطة، صحافيون، أحزاب ونقابات، مجتمع مدني، مثقفون ومفكرون، حقوقيون وجامعيون.. لأن سؤال الصحافة هو سؤال أمة.
لقد أضحت الصحافة المكتوبة الخاصة بالمغرب متقدمة في ممارستها على المجتمع ذاته، بنخبه وأحزابه وسلطته، وأصبح نموذجها هو الممارسة الصحفية في سياقها الكوني، لكنها تظل مرتهنة لسياق تطور اجتماعي هش وغير متوازن، لذلك تنفعل الصحافة بما يغذي المخيال الجماعي: الإشاعة، التبسيط والتسطيح، الاختزال، الدوغمائية، الفلكرة والتفسير السيكولوجي للأحداث والوقائع.. من هنا غياب القضايا الكبرى عن اهتمامنا، ومركزة الهامشي وتهميش المركزي، وطغيان عناصر الإثارة الفجة والرخيصة على حساب الحق في المعلومة وواجب الإخبار، وسيادة التعليق بدل الخبر..
إن عدم هيكلة الحقل الصحافي من جهة، وتزايد نفوذ الصحافة من جهة أخرى، سمح بدخول فاعلين جدد للاستثمار في الحقل الإعلامي، أصحاب مصالح، تجار مخدرات، فاشلون سياسيون، مطرودون من نعيم السلطة أو طامحون أو متنافسون على مراكز صناعة القرار، عناصر استخباراتية من الداخل كما الخارج.. إن تضارب مصالح المجموعة الوطنية لم يعد يعبَّر عنه اليوم من خلال خلق الأحزاب أو النقابات أو الجمعيات الكبرى، بل من خلال الصحف... أي أن الصحافة أضحت محط رهانات لفاعلين لهم أهداف ليست من طبيعة صحافية، إذ في الكثير من الأحيان تذهب الممارسة المهنية ككبش فداء لصراعات بين رموز ومصالح سياسية أو اقتصادية.. لا يمكن إحلال منطق السياسة محل منطق الإعلام، لذا ما أحوجنا اليوم إلى وقفة تأمل لفهم تحولات المجتمع المغربي وحاجياته، والأسئلة الجديدة التي تنمو مع تطور بنياته ومواقفه واتجاهات الرأي داخله، ولضبط توازن ناجع بين مكونات الجسم الصحافي، أقصد المهنة ومصادر الخبر والمتلقين، ذلك هو السبيل نحو ممارسة صحافية عقلانية وناضجة، وإذا كنا نلوم السلطة باتكالها على الأحكام المخدومة للقضاء، وخنق المقاولة الصحافية المشاكسة عبر آليات التضييق الاقتصادي والمالي والأحكام الباهضة التي تشبه الاغتناء غير المشروع على حساب الغير، فإننا أيضا في حاجة إلى وقفة تأمل مع الذات، لكي نحدد بدقة من نحن وماذا نريد؟
الحقيقة الثالثة: غموض هوية ووظائف الصحافي
لا يحدد المجتمع بشكل دقيق الهوية الصحافية ووظائف الصحافة، هناك نوع من الالتباس في تحديد هوية الصحافة والصحافي بالمغرب، وهو ما ينعكس في شكل تطور الصحافي لهويته ولوظائفه، هناك وضع اعتباري متميز للصحافي وسط المجتمع، وضع لا ينعكس على واقعه المادي ولا على علاقته بباقي الفاعلين، فهو لدى البعض مناضل جريء بحكم الانتماء إلى مهنة المتاعب ويوجد في خطوط تماس حارق مع السلطة، وهو ما أنتج نوعا من الوهم، جسده شيخ الصحافيين مصطفى العلوي، حين قال: "لقد تعود القارئ المغربي عادات سيئة، فالخبر الذي لا يدخلك للسجن ليس خبرا" ومن له أذنان للسمع فليسمع!
وهو عند بعض الفاعلين مجرد أداة صالحة للتوظيف، ولدى بعض من لهم أذن من طين وأخرى من عجين، صائح في الريح أو كاتب على الرمل، يواجهونه بعبارة: "اكتب ما تشاء ودعنا نفعل ما نشاء"، أو "هذا مجرد كلام صحافة "، كأنه منزوع المصداقية.. لذا يجب الخروج من دائرة الالتباس، لتتضح شروط ممارسة المهنة بأبعادها المهنية والقانونية والأخلاقية في مجتمع يتوفر على كل عناصر مقاومة إسماع صوت الصحافة (أمية مستفحلة، قدرة شرائية متردية، يأس شبه عام، عدم إرساء تقاليد القراءة، ضعف آليات حماية المكتسبات، المحافظة والقيم التقليدية...) مجتمع لم يُرْضِ حاجياته الأساسية الدنيا ليرتقي إلى مستوى الدفاع عن التمثلات والقيم العليا التي تنتمي إليها الصحافة (الحرية، المساواة، التقدم، التنوع والتعدد...)، يجب أن نحسم إذن حول هويتنا الصحافية وفق ما راكمنا وما أنتجته التجارب الكونية في انسجام مع واقع اسمه المغرب وليس السويد، وأن نحدد وظائفنا بالشكل السليم وفق ما تمليه شروط تاريخية لانتقال مجتمع.
يمكن أن نحدد مآزق هذا الغموض في الصحافة المستقلة في العناصر التالية دون عقدة مازوشية لجلد الذات ولا نزعة أستاذية تعطي الدروس للاخرين وتبرء الذات:
-1مع ضعف الأحزاب وتراجع دور فاعلين مركزيين في صناعة القرار السياسي، وبحكم الدور الذي أصبح يلعبه الصحافي من حيث التأثير السياسي وتأطير الرأي العام، وتشديد أشكال المراقبة على المسؤولين العموميين..، وكما قال بنجامين سطورا: أصبح الصحافي يقوم بدور المعارضة السياسية.. وهو ما ولّد أشكالا من أساليب الانتقام لدى الصحافي من السياسي، انتقام من سنوات التهميش والتبعية التي عانى منها الصحافي لعقود، حين كان الصحافي مناضلا في حزب أو موظفا لدى صحافة الدولة، ولم تكن له هوية مستقلة.. وهنا بداية الانخداع، فإذا كان الصحافي فاعلا في السياسة وليس فاعلا سياسيا، فإن فراغ الساحة، جعل الصحافة تبحث عن أدوار "فوق" صحافية، إذ بدل لعب دور الوسيط بين مختلف الفاعلين والمواطنين من خلال نقل المعلومات والأخبار، وعكس انشغالات الناس والمواقف التي تخترق المجتمع وبنياته المتحولة، تحول الصحافي إلى فاعل سياسي وتضخمت أحلامه وأوهامه، مع شيوع حس انتقامي من باقي الفاعلين ناتج عن سنوات الكبت والذيلية إلى حد الشعور بالتمتع بمواطنة امتيازية وسط المجتمع والتشبه بأسطورة المهدي المنتظر، ببراءة الذات أمام إثم الآخرين!وعن فهم سيء لوظائفه الحقيقة وسط المجتمع..
إن الإشكالات التقليدية لهيمنة الحقل السياسي على الحقل الثقافي والنقابي والمدني والإعلامي، لا يمكن معالجتها بهيمنة مضادة.. ذاك منطق الانتقام من التاريخ الذي لا يصحح وضعا مختلا.. فالإعلام يخضع لقواعده المبنينة التي تعطيه خصوصيته وتفرده، ويجب أن نحارب الأوهام الناتجة عن غياب باقي الفاعلين ومحاولة القيام بأدوارهم بدلا عنهم، يجب أن نتعلم كيف لا نكنس في اتجاه عكس الريح، لأننا أول من سيتلقى المزابل والغبار الذي نزيله من الطرقات.
-2 سياسة الجبّ: إن دور الصحافة كما يقول آن سالزبورجر مؤسس "الواشنطن بوست" هو "ليكن هناك نور" إذا كان الصحافي فاعلا ومنفعلا بسياق تحولات مجتمعه، فهو جزء من بنية هذا المجتمع، ودوره هو الوساطة ورقابة السلط القائمة وحماية القيم الديمقراطية، فالصحافة هي كلب حراسة الديمقراطية كما يقول الأمريكيون (Watch Dog)، دور الصحافي ليس تبييض الأسود ولا تسويد الأبيض، وإنما هو نقد الممارسات السلبية وسلوكات مقاومة التغيير والتطور، بغية خلق أمل لدى المتلقين في إمكانية التقدم وترشيد الأداء وتحسين مستوى العيش والتشبع بقيم الانفتاح والتسامح والمساواة واحترام الآخر.. لكن للأسف، فإن الكثير من صحفنا اختلط فيها مداد الكتابة بسواد القلب، لقد أصبحنا نرى السواد في مجتمعنا بوضوح أكبر مما نرى به باقي ألوان قوس قزح، وهذا ناتج من جهة عن ضعف التكوين الصحافي وغياب الحس المهني الأخلاقي في الصحافة، ووجود طارئين جدد في مهنة النبل متورطين بقوة الأشياء في الممارسة الصحافية، وتخندق منابر إعلامية في الولاءات السياسية، ومن جهة أخرى هو نتيجة لاستراتيجية (Big Bang) أو اصطدام القوى التي اختطها صناع القرار في العهد الجديد، والمبنية على خلق اصطدام جيولوجي هائل في المجتمع لردم كل شيء من أجل إعادة بنائه وفق رغبات وطموحات الفاعلين الجدد في مركز القرار، أي إعمال آلية هدم كل عناصر وبنيات العهد القديم من الأحزاب إلى الرموز من أجل إعادة تشكيلها، دون الوعي بأن الديمقراطية تنمو بفعل جدلية الهدم والبناء، لذلك حين تم الانتهاء من تحطيم الماضي برجالاته ورموزه تحولت معاول الهدم نحو جدران بيت الحاضر!
لقد تراجعت القضايا الكبرى عن صحفنا، وأضحى الصحافيون مهتمين بقضايا الجريمة والمتاجرة في اللحم البشري، والبحث عن المنفلت (لا الجديد) في اجتماعات ناقشت قضايا جوهرية مثل تأخر الغذاء ونوم زعيم وجلابة برلمانية، وفلتة لسان جواب وزير أضحى أهم مما قاله ولو كان مصيريا ويهم مستقبل أمة، وانتقل الهامشي إلى مركز الاهتمام الصحافي، وعوض انتقاد مسؤولين عموميين على أدائهم السياسي، أصبحنا نتساءل فقط لماذا صلوا جالسين، قابضين أو باسطين أيديهم، وذهابهم المستمر إلى المرحاض بسبب مرضهم أضحى مبررا للمطالبة بإقالتهم عوض تقييم أدائهم في مسؤولياتهم!
-3ثنائية الحرية والمسؤولية : من حق الصحافة الخاصة أن تبدي واجب التحفظ كلما رفعت الدولة شعار المسؤولية، لأن الأمر عادة أشبه ما يكون بحق يراد به باطل.. سؤال المسؤولية لا يطرح تجاه السلطة، لأنه كما يقول برتراندرسل: «إنه من غير المنطقي أن نفترض أن أي حكومة تستطيع إرضاء جميع الناس، ومن غير المنطقي أن نفترض أن أي شيء تقوم به الحكومة سوف يحقق العدالة، ولكن إذا كان لدى الناس حرية الحديث والكتابة عن سياسات الحكومة، وإذا كان لدى الناس حرية الحديث والكتابة عن سياسات الحكومة، وإذا كان من يحكمون يرغبون في الاهتمام بهذه الكتابات، فإن النتيجة المنطقية ستكون تحسن أداء الحكومة، وتحقق رغبات الناس».
إن مفهوم المسؤولية يقصد به المسؤولية الأخلاقية تجاه المجتمع، إذا كانت الصحافة وجدت من أجل تنمية وتقدم المجتمع، فحرية الصحافة يجب أن لا تؤثر على حاجات المجتمع، ويجب الكف من الآن عن اعتبار المسؤولية بمثابة سيف ديموقليطس المسلط على رقاب الصحافيين، إنها الوجه الضروري للتمتع بالحرية... وعلينا أن نتأمل التجربة الأمريكية في هذا المجال...
في بلد يؤمن بقيم السوق الحرة، ويتأسس على نظام ليبرالي يعتبر حق الفرد في المعرفة والمعلومة حقا طبيعيا عبر شعار: «الصحافة الحرة في المجتمع الحر من أجل المواطن الحر» .كانت الصحف الأمريكية مع بداية الحرب العالمية الثانية قد وصلت إلى درجة قصوى من التحرر، وظهرت صحف اختصت في تقديم مواد الغريزة: الجنس، الجريمة، والنبش في الحياة الحميمية للناس... وبدأت الأصوات تتعالى من أضرار فوضى ممارسة الحرية الصحافية، لم تكن الدولة أو الحكومة الأمريكية من دق ناقوس الخطر، ولا استخدم القانون أو الإشهار لخنق الصحف، بل قامت مجلة «التايم» من خلال المهني «هنري لوك» بتقديم تمويل لدراسة مستقبل حرية الصحافة الأمريكية.. اشتغل رجل أكاديمي هو روبرت هتشنز رئيس جامعة شيكاغو من 1942 إلى 1947 باستقلالية وبهدوء، وقدمت لجنته تقريرها تحت عنوان «صحافة حرة ومسؤولة».
تقرير لجنة هيتشنز، وضع الأصبع على داء الصحافة الأمريكية، التي أرى أنها تشبه في معظمها ما لدينا اليوم:
أ- انشغال الصحافة أحيانا بممارسات ضارة بالمجتمع.
ب- القلة القادرة على استخدام وسائل الإعلام تعمل على خدمة بعض الجماعات ولا تلبي حاجات المجتمع ككل.
ج- بالرغم من تطور وسائل الاتصال، فإن هذا التطور أدى إلى إنقاص عدد الأفراد الذين يستطيعون التعبير عن آرائهم وأفكارهم من خلال الصحف.
د- اقتحام الحياة الخاصة للناس وتعمد الإثارة وعدم تقديم الخبر بشكل متوازن وعادل.
ه- ظهور ممارسات غير مسؤولة لدى بعض وسائل الإعلام بسبب فشلها في إدراك احتياجات عامة الناس.
و- نمو الإدراك السلبي للصحف وزيادة الشكوك حول مصداقية الرسالة الأساسية للصحافيين.
ي- لا تمارس الصحافة عملها بمسؤولية تجاه مصالح المجتمع وأسئلته، لأنها لا تضع الجمهور في حسبانها، وإنما كثيرا ما تتجاهله وتدينه، بل أصبح خلق الصحافة بمثابة صناعة ذات امتيازات خاصة في المجتمع.
إن الصحافي ليس مطالبا فقط بالدفاع عن الحرية بل بحمايتها، عبر احترام أخلاقيات المهنة وتطوير مواثيق الشرف لتصبح دساتير أساسية يتم الاحتكام إليها « يجب أن ننزع عنا أوهام البطولة، ونتسلح بالوعي، بالسياق التاريخي لتحولات المجتمع الذي نمارس فيه مهنتنا، وعلينا ألا ننام في العسل بتصريحات المسؤولين: «إن الديمقراطية لا رجعة فيها»، وأن نتعلم دروس التاريخ من الردة في صدر الإسلام إلى ردة أسرة "البوربون" في فرنسا خلال القرن 19، فلا مكتسب مضمون في المراحل الانتقالية للأمم.. فالديمقراطية تتحقق وتصان مكتسباتها بفعل القوى الاجتماعية التي تدافع عنها وتتمثل قيمها، وإذا كنا نهدم الكل من السلطة إلى الأحزاب والنقابات والفعاليات المدنية والحقوقية فعلينا كما طالب الأستاذ محمد الساسي أن نحل البديل إذن؟!
الحقيقة الرابعة: الدعم أو المراهم في فساد الدراهم
بالإضافة إلى وجود قانون غير واضح ومتخلف عن الممارسة الصحافية وتطلعات المغاربة، هناك هشاشة المقاولة الصحافية وعدم تنظيم سوق الإشهار وعدم شفافية مصادر الأموال التي تروج في شرايين السوق الصحافية،.. وهي على كل حال ليست هزيلة وتلعب فيها المخابرات الأجنبية والمحلية والمال الحرام للتهريب والمخدرات... يعتبر العقد - البرنامج خطوة إيجابية في توفير الحد الأدنى لعقلنة المقاولة الصحافية وإن كان المحرك هو ضبط ومراقبة المجال، لكن أثبتت تجربة تطبيقه العديد من الهفوات... لا يعقل أن تتوصل جرائد محكومة بالفشل سلفا، مثل العديد من الجرائد الحزبية بدعم مالي ضخم دون أن يكون لها تأثير ملموس لا على تحسين المقاولة الصحافية ولا على الجودة المهنية، في الآن ذاته لا يعقل أن تستفيد مقاولة صحافية خاصة تحقق أرباحا طائلة..من دعم الدولة لذا يجب تطوير المعايير المعتمدة في دعم المقاولات الصحافية التي تعاني من الهشاشة والضعف لتصبح ذات مردودية.. فإذا كانت التوافقات السياسية فرضت بعد التمثيل الحزبي في تلقي الدعم المالي، فإن الوضع الآن تغير، إن تدقيق معايير الدعم والتوجه نحو المقاولات الهشة التي تعاني من خصاص مالي وعدم توازن مهول بين المصاريف التي يقتضيها منتوج جيد شكلا ومضمونا، والمداخيل الموجودة، وفرض مسطرة للتتبع والمحاسبة وتعاقد المقاولات الإعلامية مع هيئات يمكن أن تساهم في تأهيل الكفاءات في إدارة وتسويق المنتوج الصحافي دون التدخل في الخط التحريري للمؤسسة، لأن الهدف هو الارتقاء بالأداء المقاولتي الذي ينعكس إيجابا على استقرار المؤسسة الصحافية وعلى الصحافيين من حيث الأجور والتأمين والتقاعد وهو ما ينعكس على المتلقين من خلال منتوج جيد .
وهذا سيكون له الانعكاس الإيجابي على محاربة ظاهرة الرشوة والتمييز بين الإعلام والإعلان، والحد من اختراق المال الملوث كان من أجهزة المخابرات المحلية والأجنبية أو من الأموال الفاسدة، لجيوب الصحافة المكتوبة.
نحو مستقبل أفضل
هناك ضرورة ملحة اليوم لإيجاد آليات لرقابة جودة المنتوج الصحافي كفيلة بحماية جمهور القراء من شر انحراف الصحافة وانزلاقاتها المهنية، وخلق أجهزة، من داخل الجسم الصحافي وفعاليات المجتمع المدني، تحمي القراء المستهلكين من خداع الصحافيين وتستمع إلى تظلماتهم...
إن الصحافة كمهنة بشرية معرضة للخطأ، لكن آليات مراقبتها لا يمكن أن تتحدد من خارج الجسم الصحافي، وهو ما يدفع في اتجاه الإسراع بإخراج مجلس وطني للصحافة يساهم في الرفع من جودة ومردودية المهنة.. وإذا كانت الصحافة الخاصة لا تعلو على المجتمع الذي تعبر عنه، وهي ليست فوق القانون.. فإننا بحاجة إلى قانون صحافة متواطئ عليه ويمكن أن يتوج لنقاش وطني واسع يحدد ملامح الصحافة التي يستحقها المغرب. وهذا يفرض بدوره قضاة مختصين في قضايا النشر والإعلام وقضاء عادلا نزيها ومستقلا، أما الاتكاء على الأحكام الجائرة وتحميل الصحافة المكتوبة كل فشل وإسقاطات باقي مكونات المجتمع وخنق المقاولات الصحافية المشاكسة عبر آليات التضييق الاقتصادي والمالي والأحكام المتخلفة بسجن الصحافيين أو بغرامات مالية باهضة، فذلك لن يؤدي إلا إلى العودة بنا إلى زمن اعتقدنا أنه ولى إلى غير رجعة...
إن انحرافات بعض الصحافيين لا يجب أن تكون تعله للقضاء على حرية التعبير، وما أحوجنا إلى المنطق الرشدي الذي ألح على أنه لا يمكن أن نمنع الماء بمجرد أن البعض شرق به ومات، بالمثل لا يمكن ضرب حرية الصحافة فقط لأن البعض أساء استخدامها، فالحرية جوهر، والانزلاق مجرد عرض، هو ما يجب الالتفات إليه، فالأضرار الناتجة عن الكبت والقمع هي أقوى من تلك التي تولدها الحرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.