تراجع المغرب مرة أخرى على سلم احترام حرية الصحافة. تقرير مراسلون بلا حدود الأخير وضع المغرب في المرتبة ال122 عالميا. والسبب حسب المنظمة الدولية هو توتر العلاقة بين الصحافة والدولة. فطيلة السنة الماضية تم سجن صحافيين، وجر آخرين أمام قضاء غير عادل، وحرمان صحف من الإعلانات، وسكت وزير الاتصال عن مشروع تعديل قانون الصحافة لإزالة بعض التوتر الذي يفسد صورة الانفتاح السياسي في البلد. أليس من الظلم أن تسبق الجزائر المغرب برتبة واحدة رغم أن حرية الصحافة في الرباط أفضل 10 مرات من وضع الصحافة في الجزائر، التي تسيطر فيها لوبيات العسكر على المشهد الإعلامي برمته؟ أين يوجد الخطأ؟ أولا هناك سوء التواصل وانعدام قنوات الحوار ما بين الصحافة والدولة. الصحافة تعتبر نفسها مستهدفة في وجودها من قبل مراكز مناهضة الانفتاح والديمقراطية، والدولة تتصور أن الصحافيين مليشيات مسلحة تهدف إلى تقويض شرعية السلطة. والواقع أن هذه الصورة غير حقيقية على الإطلاق. الصحافة المستقلة تعبر عن تطلعات جيل جديد من الصحافيين يطمح إلى الوصول إلى أكبر عدد من القراء، وإلى تقديم أفضل خدمة إعلامية، وإلى دفع الثقافة السياسية والإعلامية للنخب التقليدية إلى الأمام من أجل الوصول إلى مشهد إعلامي حديث، كما هو الحال في البلاد الموضوعة على سكة الانتقال الديمقراطي. الصحافة المستقلة ليست لها أجندة سياسية وليست لها خطة غير معلنة، لكن في بلاد تسعى إلى الخروج من التخلف، وفي نظام يعلن عن رغبته في الانتقال، وفي بلاد لم تراكم ما يكفي من الأعراف والتقاليد التي تنظم علاقة السلطة بالصحافة، يبدو كأن هناك اصطداما بين حملة الأقلام وبين مسؤولي الدولة. المسؤول الثاني عن سوء التفاهم الحاصل بين الصحافة والسلطة، والذي يعطي صورة عكسية تماما عن الانفتاح السياسي الجاري في المملكة، هو الخلط المتعمد لدى بعض المسؤولين بين الدفاع عن ذواتهم ومصالحهم وارتباطاتهم، وبين الدفاع عن النظام وثوابته ورموزه. الكثير من الذين يتطوعون لنصح النظام بضرورة قطع رأس الصحافة المستقلة لا يُقدمون على ذلك حبا في الدولة ورموزها، بل دفاعا عن إقطاعهم السياسي والريعي، ومنعا لحديث الصحافة وتناولها لسلوكهم السياسي كأشخاص وليس كمؤسسات... إنهم يختبئون خلف أسوار القصر وخلف ادعاء الدفاع عن الرموز الوطنية، والحقيقة أنهم يدافعون عن مصالحهم الشخصية ليس إلا. المسؤول الثالث عن سوء التفاهم الحاصل بين الدولة والصحافة هو غياب مؤسسات التحكيم، سواء عن طريق إنشاء مجالس عليا مستقلة للصحافة تشكل إطارا «حبيا» لحل المنازعات والقضايا قبل عرضها على المحكمة، التي من المفروض فيها أن تنظر بعين العدالة -لا أن تسمع بأذن التعليمات- في قضايا الصحافة التي يجب أن يبت فيها قضاء مستقل ونزيه ومتخصص. إن أحكاما صادرة عن قضاء عادل لن تشكل فقط مناسبة لإرجاع الحق إلى أصحابه، بل ستشكل مع المدة مرجعا لرسم قواعد السلوك والسير فوق طريق الصحافة بأقل الأضرار... الحاجة ماسة اليوم إلى إطلاق حوار جدي وعميق في سبيل إيجاد ميثاق أدبي لإدارة العلاقة بين الصحافة المستقلة والسلطة السياسية.. علاقة احترام وفهم متبادل أولا، وعلاقة احتكام إلى القانون والقضاء ثانيا.. والباقي اختلاف لا يفسد للود قضية.