يرى محمد العربي المساري في هذا الحوار أن التوتر الناشئ بين الصحافة والسلطة إنما هو عبارة عن خطأ في الحسابات بين الطرفين، ويرى أن الحوار المهني هو وحده الكفيل بنزع فتيل هذا التوتر، ويعتبر أن إخراج القانون، لاسيما ما يتعلق بالمجلس الوطني، سيمكن من حل الإشكالات المتعلقة بتأهيل الصحافة وترشيدها، وينتقد بشدة إغلاق الصحف من غير موجب قانوني، معتبرا أن التراجع عن حرية التعبير والصحافة في المغرب غير ممكن، لأن الشعب المغربي قد تذوق الديمقراطية ولا يمكن له أن يقبل بحصول تراجع في هذا المكسب، كما أن المجتمع الدولي لن يقبل أن يتناقض خطاب المغرب مع ممارسته في هذا المجال، ويقر المساري بوجود بعض مراكز النفوذ ممن يريد أن يعرقل مسار الديمقراطية وحرية التعبير في المغرب، لكنه يقلل من شأنها ويرى أنه من الطبيعي أن تتضارب المصالح وتختلف الآراء، لكن الاندماج في المنظومة العالمية لا يتيح أي إمكانية لهذه المراكز كي تنقلب على المسيرة الإيجابية للسنوات العشر الأخيرة التي حققها المغرب في المجال الديمقراطي وحقوق الإنسان. انطلق نقاش داخل المؤسسة التشريعية حول الإعلام في ظل وجود تناقض بين خطابين: خطاب مجموعة من المنابر الصحفية التي تلقي باللائمة على السلطة التي تقيد الحريات وتكيف المقتضيات القانونية لإقبار المنابر الصحفية والضغط عليها للتحكم في خط تحريرها، وخطاب السلطة التي تتهم الصحافة بعدم احترام أخلاقيات المهنة، في نظركم إلى أي حد يمكن لهذا الحوار أن يدفع إلى تقريب وجهات النظر بين هذين الخطابين؟ أسجل أولا أن هناك توترا ما بين الصحافة المكتوبة المستقلة وجهات من السلطة. هذا التوتر جاء نتيجة لملاحقات قانونية استعملت فيها الخشونة بدرجة كبيرة؛ من قبيل منع الصحفيين من ولوج مكاتبهم، وإقفال الصحف بدون قرار مكتوب ومعلل، وغرامات مبالغ فيها، وأشياء كثيرة. وبالإضافة إلى ذلك، حدث ما يلي: وهو أن كثيرا الصحفيين أقروا بأنهم أخطأوا في تناول بعض الموضوعات، وقدموا اعتذارات علنية وتلقائية. فمن جهة، نرى أن هناك إمكانية لإيجاد حلول لتصفية هذا التوتر. وفي رأيي؛ الوسيلة المثلى هي أن يكون هذا الحوار على صعيد مهني، أي بين الأطراف التي عاهدنا فيها جميعا السماع والجودة، والمؤسسات التي تتبنى اليوم تأهيل الصحافة المكتوبة، وأقصد بذلك وزارة الاتصال والنقابة الوطنية للصحافة وهيئات الناشرين. إذن، الإمكانيات موجودة، والقوانين تسمح بممارسة طبيعية بحرية التعبير، وما ينقص هو ضرورة تحريك هذا المسلسل لإيجاد توافق افتقدناه في السنتين الأخيرتين. إذا تابعنا خطاب وزير الاتصال في كلمته في هذه الندوة الوطنية، نلاحظ أنه يؤكد عل ضرورة وجود شراكة وتعاون بين المهنيين، وعلى ضرورة توفير الشروط الكفيلة بإقامة مؤسسات إعلامية احترافية، وقضية تطوير الدعم وتمكين المهنة من آليات مستقلة للتنظيم الذاتي، وهو ما يفهم منه أنه يلقي الكرة في مرمى المهنيين، وأن دور السلطة لا يتعدى قضية الدعم، في حين أن الجوهر الأساسي الذي نشأ عنه التوتر هو حرية الصحافة، ألا ترى معي أن خطاب الوزارة الوصية غير متوازن في هذا الموضوع؟ الحرية مكرسة، ومن يقف في الأكشاك يجد أن العناوين متنوعة وأن الموضوعات كلها تطرق. المشكلة هي في المباغتة التي تتم من حين لآخر. وهذا ما ينبغي أن تكف عنه السلطة، وكذلك بعض الأخطاء التي يقع فيها المهنيون، وهذا كما هو معلوم شيء قابل للتصحيح. أنا أقصد الحرية التي تمس أحيانا مصالح بعض مراكز النفوذ، فتضطر إلى التدخل، موظفة قانون الصحافة الحالي من أجل فرض غرامات خيالية عليها، وأحيانا تتدخل خارج ما يتيحه القانون من أجل إغلاق مقرات بعض الصحف؟ إغلاق مقرات الصحف إذا تم بمقتضى قانوني هذا شيء مقبول ومعمول به ويقع في كل البلدان. المحاكمات أيضا من الطبيعي أن تقع، لاسيما في مجتمع متحرك تجد نوازل تتطلب إعمال القانون. هذا شيء طبيعي ولا يمكن استنكاره إذا تم وفق شروط قانونية. الذي نرفضه، بل يصل الأمر إلى درجة أننا نشمئز منه، هو أن تعمد قوات الأمن إلى إقفال الجريدة بدون أي قانون. هذا أمر يمكن أن يقع تحت طائلة القانون، ويمكن أن نذهب جميعا إلى القضاء ويقول كلمته في النازلة. هذا هو الخطأ الذي نشتكي منه اليوم. وهناك أيضا أخطاء يقع فيها مهنيون، وأقروا بها واعتذروا عنها، وفي جل الحالات وقعت اعتذارات. ولذلك، أعتقد أن الحوار ينبغي أن يتم على صعيد مهني بين الأطراف التي يمكن أن تنظر في قضية تأهيل الصحافة المغربية وتأهيل المقاولة المغربية المشتغلة في المجال الصحفي. هذه الأطراف معروفة ومحددة، اجتمعت في الصخيرات، وتعقد دوريا اجتماعات للنظر في الدعم وغير ذلك. المهم في النهاية أن يكون الحوار مهنيا. نحن في المغرب لسنا من الدول التي لها تاريخ في تدخل الدولة في الحد من حرية التعبير. المغرب هي الدولة الوحيدة التي طالبت في الجامعة العربية بأن يكون ميثاق الشرف الإعلامي من شأن الصحفيين ولا دخل للحكومات في هذا. ولكن، بعض مراكز النفوذ في المغرب تتدخل حينما تفضح الصحافة بعض ممارساتها أو تكشف عن ملفات تضر بمصالحها، وتتصيد أخطاء الصحفيين لكي تدفع ببعض المنابر إلى حافة الإفلاس من خلال غرامات خيالية. ألا يمكن أن نسمي هذا استهدافا لحرية التعبير في المغرب؟ بكل تأكيد، هناك من يتضرر من حرية الصحافة، وهناك من سيعمل دائما على الحد من حرية الصحافة، ولكن هذا شيء يعاكس ما يريده المجتمع وما تريده حتى الدولة نفسها. المجتمع يريد أن يبني ديمقراطية سليمة وحديثة، وهذا لن يكون إلا بالتخلي عن ممارسات ترجع إلى الماضي. الشعب لن يقبل، وأيضا المجتمع الدولي الذي نريد أن نندمج فيه لن يقبل الرجوع إلى هذه الممارسات البائدة. نسجل هنا أن هناك من يريد أن يعرقل المسيرة التي قطعناها في السنوات العشر الأخيرة، والتي كانت كلها منطلقات إيجابية. وهذا شيء طبيعي، فهناك مصالح وهناك نفوذ وهناك أفكار وقناعات ومواقف تتعارض، وهناك من يريد أن يعود بالعجلة إلى الوراء. في سنة 2007 وصل الحوار بين المهنيين والوزارة الوصية في عهد الوزير السابق نبيل بن عبد الله إلى توافق كبير، إذ لم يعد الخلاف في مشروع قانون الصحافة الجديد إلا في أربع نقاط، لكن اليوم لم تعد وزارة الاتصال تتحمس للحديث عنه، في نظركم، ألم يكن من الممكن لهذا القانون أن يضع حدا لشطط مراكز النفوذ هذه في استعمال القانون الحالي، لاسيما في قضية فرض الغرامات الخيالية على المنابر الصحافية من أجل تعريضها للإفلاس؟ القانون الذي تم إعداده هو وثيقة ناضجة، وكان في الحقيقة جاهزا للعرض في المسار التشريعي. الجديد في هذا القانون، هو أنه يتضمن بابا يتعلق بما سمي بالمجلس الوطني للصحافة، وذلك تماشيا مع سبق لجلالة الملك أن أعلنه في خطاب العرش. ومعنى هذا أن هذا المجلس الوطني كفيل بأن يحل كثيرا من الإشكالات. ولذلك، أعتقد أن هذا القانون ينبغي أن يعرض للمناقشة في المؤسسة التشريعية لكي يأخذ طريقه، ولا أفهم لماذا بقي معرقلا لمدة تزيد عن ثلاث سنوات، مع أن النقاش بشأنه وصل إلى حد كبير من النضج، وهو بصفة عامة مقبول، والتفاصيل التي بقيت إنما تتطلب جلسة أو جلستين للتخلص منها، والكلمة الأخيرة طبعا للمؤسسة التشريعية. تقصد أنه ينبغي البدء مما انتهى منه الحوار بين الوزارة الوصية وبين المهنيين؟ يجب الرجوع إلى هذه الوثيقة حتى يفهم أننا بصدد مسلسل لبناء دولة عصرية ديمقراطية. نحن في حاجة إلى مقاربات توافقية، وهي المقاربة التي وفرت علينا الكثير من المتاعب ووضعت المغرب في سكة التغيير الذي يؤدي إلى إدماجه في المنظومة العالمية. يجب أن نعي جميعا أننا بصدد مسلسل بناء، وهذا يتطلب مقاربة توافقية لا تستثني أحدا ولا تقصي أحدا، بل تقصي فقط الأفكار الإقصائية. نحن في حاجة إلى العودة إلى الروح التي بدأنا بها المسلسل الديمقراطي الانتقالي. هناك تحليل يرى أن مشروع قانون 2007 للصحافة الذي أوشك أن يتم التوافق على كل مقتضياته، إنما كان ضمن موازين قوى سياسية كان فيه المهينون يملكون قوة تفاوضية، واليوم تغيرت موازين القوى لغير جهة المهنيين بعد الإجهاز على كثير من المنابر، وبعد إضعاف بعضها والتحكم في خط تحرير بعضها الآخر، ولذلك لا ترى الوزارة الوصية نفسها ملزمة بإخراج هذا القانون بقدر ما توجه نصائح للترشيد والتوجيه؟ أنا لا أقر بأن القوى الديمقراطية في تراجع، وأن أصحاب المصالح هم الذين يستأسدون الآن، وأن موازين القوى تغير لفائدة مراكز النفوذ. هذا لا أقره. بالعكس، الديناميكية التي نراها في المجتمع تدفع في اتجاه أن نبني دولة ديمقراطية عصرية، وهو الشيء الوحيد الذي سيقبله المجتمع الدولي. نحن منخرطون في مسلسل الاندماج في الاقتصاد العالمي، والطريق الذي اخترناه هو الشراكة مع أوربا، وهي لن تقبل أبدا من المغرب أن يتراجع وأن يكون بمثابة من يخادع في الخطاب ويطبق شيئا آخر في الواقع. والبند الثالث في الحوار مع الاتحاد الأوربي أساسي لأنه ذو شق سياسي، المغرب يجب أن يسير وكذلك جميع مؤسساته وفق المعايير العالمية. ولهذا لا أرى أنه من الممكن أن يحدث تراجع في المسلسل الديمقراطي ولا على مستوى الحريات لعاملين اثنين: الأول لأن الشعب المغربي تذوق الديمقراطية وحرية التعبير ولن يقبل أن يتم الارتداد على هذا المكسب، والثاني لأن شركاءنا في المجتمع الدولي لن يقبلوا من المغرب أن يكون دولة يتناقض خطابها مع ممارستها في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. إذا كان هذا المنطق الذي تتحدث به صحيحا، فكيف تفسر أن وزارة الاتصال تغيب قضية القانون وتسكت عنه وتفضل أن تتحدث عن تأهيل الصحافة وترشيدها وتطويرها حتى تصبح احترافية؟ أنا أعتقد أن ما يحدث هو عبارة عن أخطاء في الحسابات من كل الأطراف من قبل المهنيين؛ لأنهم يتصورون أنه يمكن أن يتجاوزا بعض القواعد فقط رغبة في بيع مزيد من النسخ، وبالتالي يجب احترام المقتضيات المرعية في العمل الصحفي بالتزام الدقة بخصوص ما يفرزه المجتمع من حقائق وتطورات. الصحفي يجب أن يتحمل المسؤولية وأن يتقيد بقواعد المهنة في تقديم المادة الإعلامية التي تصل إلى المستهلك أي القارئ. هذا من جانب الصحفيين، أما من جانب الدولة؛ فينبغي أن تلزم حدها وذلك بأن تعمل على تطبيق ما هو موجود في القانون. هناك الآن منابر صحفية ورموز إعلامية ترى أن السلطة تجتهد في إعطاء دروس للصحافة في أخلاقيات المهنة، وهناك من المنابر الصحفية من يقف حقيقة على وجود أزمة داخل الجسم الصحفي بخصوص هذا الموضوع، في نظركم وخارج حسابات هذا الطرف أو ذاك، كيف يمكن التعامل مع قضية أخلاقيات المهنة مهنيا؟ هذا يتم عبر المجلس الوطني المنصوص عليه في مشروع قانون الصحافة، وهناك ميكانزمات تتيح مناقشة الأمور التي تطرح في المهنة دائما على صعيد مهني. هذا هو الخلاص للجميع، وللخروج من التوتر ولتجاوز المشاكل التي من شأنها أن تقع في هذا الخصوص. لو طلب منكم ورقة خريطة طريق لتجاوز هذا التوتر بين الصحافة والسلطة، وفي الوقت نفسه وضع ضوابط حقيقية للاشتغال أو كما عبرت عنها بأن يلزم كل طرف حده، ما هي في نظركم أهم النقاط في هذه الورقة؟ أنا ليس لي إلا رأي متواضع يمكن أن أسهم به ضمن نقاش مهني. وكما هو معروف فالنقاش المهني هو الذي يتم على صعيد النقابة أو هيئات الناشرين بمشاركة المخاطب الطبيعي وهو الوصي على هذا القطاع الذي هو وزير الاتصال. ولكن هناك من يرى أن انتقال هذا الحوار إلى المؤسسة التشريعية يدل على أزمة في التواصل بين الوزارة الوصية والمهنيين، وأن المهنيين أصبحوا يطلبون مخاطبا أكبر من هذه الوزارة لحل المشكلة من أساسها؟ أن تشارك بعض القوى السياسية في هذا الحوار وأن تعرض لوجهة نظرها بخصوص حرية التعبير فهذا شيء إيجابي. وبدون شك سيخرجون بتأكيد الخلاصات الإيجابية العامة، والتي ستؤكد بدون شك على ضرورة حماية حرية التعبير، لأننا نعرف بأن مكونين من المكونات الداعية لهذا الحوار تاريخهما مرتبط بالدفاع عن حرية الصحافة. ولا أتوقع شيئا إلا هذا.