تم مساء الخميس 20 نونبر 2008 بفضاء جمعية لامينوديير دي زار، في الرباط، الاحتفاء بالأستاذ محمد العربي المساري والذي يصادف اليوم الوطني للإعلام، حيث أقيم حفل تكريمي له مع توقيع إصداره الجديد المعنون ب: «محمد الخامس من سلطان إلى ملك» بحضور ثلة من رجال الفكر والإعلام والسياسة البارزين على الساحة الوطنية. وبعد الكلمة الترحيبية التي قدمتها «ثريا الهواري» رئيسة الجمعية، استهلت الحفل بتقديم شهادة في حق المحتفى به، والتي أحاطت فيها بعدة جوانب من حياته تميزت بأصالة شمائله وذماته روحه وسحر أخلاقه واتساع قلبه لمحبة الآخرين الذين عاشروه أو احتكوا معه في مهامه المتعددة. واعتبرته من بين الشخصيات التي أعادت لمفهوم الثقافة وظيفتها، كما أنه أصبح مدرسة في حقلنا الثقافي والسياسي وكرس مفهوم ثقافة القيم، وجعل من الدبلوماسية أمانة ورسالة حضارية، ومن الاعلام رسالة تقوم على قيم الحرية والمسؤولية، وسهر على أن تكون السلطة الرابعة، سلطة إعلام لا إعلام السلطة، وظل مقاوما وملتزما ضد مظاهر الانحراف. وتطرقت الصحافية «مليكة مالك» إلى الجانب الاعلامي بالخصوص بعد أن أحصت المسؤوليات التي تقلدها ، لكنها توقفت كثيرا عند مشروعه الضخم «المناظرة الوطنية للإعلام» والتي انطلقت مع بداية 1993، والتي تعتبر الأولى من نوعها في العالم العربي، ولو طبقت آنذاك، كانت ستكون البلاء الحسن، لأنها جمعت من الخبراء في الصحافة والاعلام والقانون خيرة أبناء هذا البلد، واتخذ صحفيي إسبانيا نموذجا، والذين لعبوا أدوارا طلائعية في دمقرطة الإعلام الإسباني، وكذا مساهمتهم الفعالة في الانتقال الديمقراطي في بلدهم وهناك «يقول المساري» فعلا توجد سلطة رابعة يحسب لها ألف حساب. بهذا المعنى استطاع محمد العربي المساري أن يجمع صحافيين مخلصين لمهنة الصحافة بالمغرب، مؤمنين بميثاق التحرير وبالاتفاقية الجماعية، يعملون بدون ملل في حقل مليء بالألغام، وذكرت في حديثها مرحلة 1996 والتي سمتها بمرحلة «شدلي، نقطع عليك» وهي فترة عصيبة عاشتها «مليكة» في أول تجربة قمع واضطهاد من طرف الوزير السابق في الداخلية، وكيف وقف العربي المساري الى جانبها مؤازرا ومدافعا عن حرية الصحافة والصحفيين وحرية التعبير، وتحكي مليكة وهي تتذكر جملة قالها البصري «من يقف وراء هذه الصحافية؟ سأربيها وأربي من يقف وراءها »وأجاب الأستاذ المساري «النقابة الوطنية للصحافة هي دارها وهي حزبها وهي التي بجانبها في هذه المحنة». ومنذ ذلك الوقت تغيرت صورة الصحافي الضعيف أمام السلطة، إلى دور الصحافي الذي يواجه ويطالب بالحق في التعبير الحر في إطار دولة الحق والقانون. وقربتنا أيضا من مرحلة حكومة التناوب التوافقي لسنة 98 1999 حينما عين على رأس وزارة الاتصال، وقال في أول خرجة إعلامية له: «حان الوقت لتطبيق بنوذ وتوصيات المناظرة الوطنية للإعلام لسنة 1993، نحن جاهزون للعمل والتطبيق» بهذه الرؤية العالمة التي حاول تطبيقها لأجل إعلام صادق وحر ونزيه، فتبوأ رئيس لجنة المتابعة المطالبة بتعديل قانون الصحافة والسمو به إلى مستوى جيراننا الإسبان، لكن تقول مليكة: بعد فترة وجيزة يتأكد للعربي أن التطبيق تلزمه فاتورة مالية ضخمة، وتضيف بدأت العراقيل، ليست المالية فحسب، بل حتى التشريعية والسياسية، وبدأ التوتر يزداد عندما تم توقيف جريدتي le journal والصحيفة وبدون علمه، لأن قرار المنع وقع وهو في مهمة رسمية بالصحراء، وتوصل بالخبر من عند أحد المتضررين، وعندها حاول استعمال فن التفاوض مع الحكومة ذاتها التي هو عضو فيها، فبدأت تبرز التناقضات في صف الحكومة، وكان من الضروري أن تكون ملتزمة بتطبيق المنهجية الديمقراطية في مرحلة انتقالية جد معقدة، وتطرح مليكة السؤال: كيف السبيل لتطبيق ما ظل يدافع عنه طول سنين سواء كصحافي أو سياسي؟ وكيف الخروج من هذه الأزمة الحقيقية التي هي أكبر من المال، ألا وهي أزمة ثقة التي بدأت تأخذ مكانها وسط الجسم الصحافي ؟لم يهدأ بال الأستاذ العربي المساري حتى جاء الخلاص في أول تعديل حكومي عرفته حكومة عبد الرحمان اليوسفي، والذي جاء في صيغة دبلوماسية، لكنه لم يغادر عائلته الإعلامية، بل ظل يشارك وينشر وينتقد في جلسات حوارية في التلفزيون أو الإذاعة داخل الوطن وخارجه، ويعبر بكل شجاعة عن مواقفه، وآخر ما قام به، هو تضامنه مع زملاء جريدة المساء، وكذلك مشاركته الأخيرة في ندوة تحت عنوان «استعجالية تفعيل قانون الصحافة بالمغرب». وتضمنت مداخلة الأستاذ طلال سعود الأطلسي جوانب متعددة في حياة العربي المساري ابتداء من اشتغالهما معا في جريدة «العلم» ورصد دوره الهام في كشف الحقيقة في مقالاته، حيث كانت له الجرأة والقدرة على الإقناع، بل تجده حاضرا في جميع صفحات الجريدة في الحوارات والمقالات والأوراق، وقد قدم لأول مرة الروبورطاج في الساحة الإعلامية الوطنية. وجعلتهما الصدفة مرة أخرى أن يتلقيا في النقابة الوطنية للصحافة في «فترة المدراء» وأيضا عندما أصبحت نقابة للصحافيين بعد أن عين على رأسها والذي كان يشرك المكتب في كل صغيرة وكبيرة، وكان له دور كبير في الدفاع عن الصحافة والصحافيين، وساهم بشكل جدي لتسهيل انتقال النقابة من نقابة المدراء الى نقابة الصحفيين بسلاسة كانت ضرورية في تلك المرحلة. وتشاء الظروف أن يجد طلال سعود نفسه في ديوان وزارة الاتصال ويقول: هو الوحيد المساري الذي لم يكن يحتاج إلى ديوان لأن جل الخطابات كان يكتبها بخط يده، وجعل جل وقته في تطوير مشروع السمعي البصري، رغم أنه لم يتحقق في عهده، إلا أنه سار بخطوات واسعة فيما بعد. وأثار نقطة أخرى علاقة الأستاذ العربي المساري بالثقافة الإسبانية، وكانت علاقته بالإسبان تتسم بالندية وعدم التنازل عن وطنيته، بل ساهم في تقريب العلاقات الثنائية بين البلدين عن طريق طرح قضايا للنقاش مثلما فعل سنة 1997 حيث ناقش الإعلام الإسباني، وكيف ساهم هذا الأخير في الانتقال الديموقراطي، باعتباره تجربة يمكن أن يستفيد منها المغرب إن استطاع تبيئتها في واقعنا وأيضا إذا استطاعت قدرة بنياتنا الاجتماعية والسياسية والثقافية على تحملها. وتوالت النقاشات التي كانت صريحة وخاصة الملتقى الذي كان بين صحفيي الشمال بالمغرب وجنوب إسبانيا وأيضا بين النساء الصحفيات بين البلدين، من أجل التوفيق بين كل الفاعلين بإسبانيا والمغرب لخدمة الوطن تحت إطار «أنه كلما تطور المغرب ستستفيد منه إسبانيا». وساهم عبد الواحد أكمير بالتحليل والنقاش في مداخلته حول الخلفية التاريخية عند محمد العربي المساري، وأبان أن هذه الخلفية لا تقتصر على الجانب الاكاديمي وإنما حتى على الجانب البيولوجي، فقد ولد العربي المساري، يوم بداية الحرب الأهلية بإسبانيا والتي اندلعت في يونيو 1936 ، وألقيت قنبلة قريبة من مكان مولده بمدينة تطوان، وعندما حصل على منحة متابعة دراسته بمصر تزامنت مع حرب السويس لسنة 1956، فألغيت البعثة، واتجه في وقتها الى غرناطة ليؤسس تاريخه ممزوجا بتاريخ الأندلس. وكانت كتاباته التاريخية يقول أكمير: «تكتسي مراحل متباينة ويستعمل مناهج مختلفة، باختلاف المواضيع، فنجد أن ممارستُه للصحافة كان يوظفها في كتابة التاريخ، والدبلوماسية والسياسية كوزير وبرلماني كان يوظفهما في كتابه التاريخ ، وأيضا حياته وذاكرته لكتابة التاريخ، تكون الغاية هي فهم الحاضر». ويقرأ من كلام المساري «المشاكل الحقيقية في المستقبل لن تكون مع استراليا، بل مع الجيران أي الجزائروإسبانيا بمعنى أن التاريخ يحرك الجغرافيا» ويضيف أن العربي المساري لا يستغرب من فترة التوتر التي يعيشها المغرب مع جاريه «لأن التاريخ لا يعيد نفسه بل البشر هم الذين يعيدون أخطاءهم». ويعتبر محمد العربي المساري أن مصطلح البحر الأبيض المتوسط، متعدد الأبعاد، فيستعمله في تحاليله السياسية والجيوستراتيجية والثقافية والحضارية والتاريخية، وهو الذي كلما عبر معبر جبل طارق كان يرى أن الهوة تتسع بين الضفتين، ويرى أن إسبانيا تتقدم بسرعة ويحكي أكمير: «مرة كان العربي المساري في الضفة الأخرى وكان عليه أن يغير توقيت ساعته اليدوية وقال: «إسبانيا تسبقنا بساعة وبأشياء أخرى». وختم الأستاذ عبد الله البقالي الشهادات بقراءة كرونولوجية لحياة العربي المساري، حيث صرح أن مثل هذا الاحتفاء سيكون ناجحا في أي مدينة بالمغرب، لأن حياة هذا الرجل تستحوذ على قلوب الجميع، ثم أخذ يسرد مجموعة من المحطات التي بصمها العربي المساري والتي كانت ذات زخم كبير، وأغنت جميع المجالات السياسية والثقافية والدبلوماسية، ويعد من الذين رفعوا عاليا علم الوطنية والعلم والفن، فهو ازداد يوم 8 يوليوز 1936 وأب لثلاثة أبناء، أما أنشطته في المجال الصحافي فهي: عمل في الإذاعة من 1958 حتى 1964 حيث التحق بجريدة العلم في يناير من نفس السنة كمحرر ثم رئيسا للتحرير ثم مديرا في 1982. * عضو الأمانة العامة لاتحاد الصحفيين العرب منذ 1969 ثم نائب رئيس للاتحاد في 1996 حتى 1998. * نائب رئيس لاتحاد الصحافيين الأفارقة سنة 1992 . اختير سنة 1993 مقررا عاما للمناظرة الأولى للإعلام والاتصال. * أنشأ مجلة «شؤون مغربية للعلاقات الخارجية للمغرب» في 1995. * أنشأ مجلة «العلم السياسي» «للعلاقات الدولية» في 1982. * مقرر عام الملتقى الوطني للصحافة، 11/12 مارس 2005. * عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية للصحافة المغربية ثم كاتب عام في مؤتمري 1993 و 1996 حتى 1998. * رئيس الجمعية المغربية للصحافيين الكاتبين بالإسبانية. * عين عضوا في لجنة التحكيم لجائزة الملك خوان كارلوس الدولية للصحافة، في دورة أوروغواي (ديمسبر 1995). * عضو لجنة تحكيم جائزة «غييرمو كانو» لحرية الصحافة التي عينتها اليونيسكو لسنوات 2002 2004. *ترأس لجنة تحكيم الجائزة الوطنية للصحافة سنة 2004. وفي المجال السياسي: * انتخب نائبا في البرلمان في 1984، وكان رئيس فريق حزب الاستقلال، بعد أن انتخب لأول مرة في اللجنة التنفيذية للحزب في 1974. * تولي وزارة الاتصال من مارس 1998 الى سبتمبر 2000. وفي المجال الثقافي: * انتخب كاتباً عاما لاتحاد كتاب المغرب في ثلاث ولايات 64 و 69 و 72. * منسق فريق المثقفي الإسبان المغاربة في 1978. * عضو «لجنة ابن رشد» 1996، * عضو المجلس الإداري لمؤسسة الثقافات الثلاث للمتوسط (إشبيلية) في 2000. وتم تجديد عضويته في 2004. * ترأس لجنة جائزة المغرب للآداب سنة 2004. وفي المجال الدبلوماسي: * عين سفيرا لصاحب الجلالة بالبرازيل من أكتوبر 1985 الى يوليو 1991. * تم توشيح صدره بوسام من حكومة الجمهورية الاسلامية الإيرانية سنة 1968 ومن حكومة البرازيل سنة 1991. وفي مجال التأليف: له مؤلفات بالعربية والإسبانية والبرتغالية، في موضوعات أدبية وسياسية وتاريخية وفي العلاقات الدولية، منها: «مع فتح في الأغوار» سنة (1968) و «جدال حول العرب» سنة 1973 و «آخر مواجهة بين وإسبانيا؟» (حول قضية الصحراء) سنة 1974 و «مشكل الأرض ضمن صراع سياسي بعد الاستقلال» سنة 1980 و «صباح الخير أيتها الديمقراطية» سنة 1985 و «الإسلام في مؤلفات المفكرين العرب في الأمريكتين» سنة 1989 و «عوالم مغربية» (بالبرتغالية) سنة 1991 طبعتين و «الاتصال في المغرب، من الفراغ إلى المقدرة» سنة 1992 و «المغرب بالجمع» سنة 1996 ثلاث طبعات و «المغرب ومحيطه» في جزئين، سنة 1998 و «المغرب الافتراضي في الصحافة الجزائرية» سنة 2000، وشارك سنة 1967 في كتابة «كفاحنا العربي ضد الصهيونية والإمبريالية» كما كان ضمن لجنة كتابة موسوعة المغرب ومعلمة المغرب. وأنشطة أخرى: * عضو مؤسس للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان. * عضو في مختلف مجموعات البحث حول السياسة الخارجية للمغرب في الداخل والخارج، بما في ذلك «التقرير السنوي حول المغرب» و «مجموعة الدراسات والأبحاث حول النظام الدولي» (GERSI)و «مجموعة الدراسات والأبحاث حول الأبيض المتوسط» (GERM).