أصدر المجلس الأعلى للتعليم سنة 2008 تقريره الأول حول وضعية المنظومة التعليمية بالمغرب. وقد كان هذا التقرير موضوع إشادة من طرف كل المهتمين بواقع ومستقبل المنظومة التعليمية، رغم تباين مواقفهم، لأنه جاء أولا ليغطي فراغا مهولا كان يضطر معه الباحثون والمحللون والصحافيون إلى اعتماد التقارير الأجنبية التي كانت تصوغها بعض المؤسسات الدولية لتقييم منظومتنا، وثانيا لما تميز تقرير رسمي، ولأول مرة ، من جرأة وصراحة في تعامله مع اختلالات المنظومة. وتعامل المعنيون بمستقبل التعليم ببلادنا مع هذا التقرير كمرجع أساسي في مناقشتهم وتقييمهم لحال ومآل المنظومة التعليمية. واعتبره البعض مصدرا خلص المعنيين المغاربة من ديكتاتورية التقارير الأجنبية التي كانت في غالب الأحيان تعتمد على معطيات غير محينة، وتبلور خلاصات غير موضوعية في الغالب تثير الكثير من الانتقاد. واعتبر هذا التقرير أيضا المرجع الأساسي لصياغة مشاريع البرنامج الإستعجالي الذي انخرطت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي.... في تفعيل بنوده منذ سنة 2009. وكان جميع المهتمين ينتظر صدور التقرير الثاني للمجلس الأعلى سنة 2010 ليشكل قاعدة لنقاش مرحلي حول البرنامج الاستعجالي والاصلاح التعليمي بشكل عام. غير أنه بوفاة رئيس المجلس المرحوم مزيان بلفقيه توقفت هذه الدينامية التي كانت تعتبر أهم آلية لمواكبة ومتابعة الإصلاح التعليمي من زاوية نقدية. واستمرت الوزارة لوحدها في تفعيل مشاريع البرنامج الاستعجالي في غياب أية محطة مرحلية للتقييم من أجل تصحيح المسارات ومعالجة الأخطاء قبل استفحالها. والآن، وبعد مرور ثلاث سنوات على تطبيق البرنامج الاستعجالي، لا تتوفر الوزارة ولا المهتمون بالمنظومة ولا الفاعلون على أي تقييم، وسيضطر هؤلاء وكل المعنيين إلى اللجوء إما إلى القراءات والتقييمات الجزئية ومعها الأحكام غير الموضوعية، أو سيلجأون من جديد إلى تقارير المؤسسات الدولية بما لها وعليها. إن ما تعيشه المنظومة التعليمية في إطار البرنامج الاستعجالي يحتاج إلى وقفة تقييمية عاجلة لإنقاذ هذا البرنامج من نفس المصير الذي عرفه الإصلاح التعليمي الذي انطلق في بداية الألفية الثانية. فالعديد من المؤشرات المتوفرة لدينا تدفعنا إلى التساؤل القلق حول مآل منظومتنا التعليمية في ظل الارتباك الحاصل، فبيداغوجيا الإدماج التي شكلت العصب الحيوي في البرنامج لازالت تثير وسط رجال ونساء التعليم عدة تساولات وردود فعل نظرا للطريقة التي اعتمدتها الوزارة في تعميم هذه البيداغوجية دون توفير الحد الأدنى من شروط النجاح. كما أن تحديث البنية التحتية لا زال يعرف تعثرا يربك مخططات توسيع التمدرس التي كانت مرتبطة به، ويكرس ظاهرة الاكتظاظ التي أصبحت السمة الغالبة على البرنامج. وفي نفس الإطار يعرف مشروع المدرسة الجماعاتية - الذي تراهن عليه الوزارة في تغيير صورة المدرسة في البادية والنهوض بها- تعثرات ملحوظة، ففي أكبر أكاديمية يوجد بها التعليم بالوسط القروي وفي ظروف صعبة وهي أكاديمية سوس ماسة درعة لم يتم الشروع بعد في أي إجراء عملي لتجريب نموذج المدرسة الجماعاتية رغم إكمال البرنامج الاستعجالي سنته الثالثة. وعلى مستوى الحكامة تعرف العديد من النيابات والأكاديميات مشاكل وممارسات خطيرة تستهدف رجال ونساء التعليم لاتستطيع الوزارة التدخل لتحسم فيها خدمة لمصلحة المنظومة مما يحول تلك المشاكل إلى عوائق حقيقية في طريق إنجاز الاصلاح. والخلاصة أن مشاكل منظومتنا التعليمية العمومية تتفاقم في ظل الوضع الحالي الذي تغيب فيه أية آلية للتقييم والمتابعة، وأصبح من المستعجل الانكباب على تقييم المسار الذي قطعه البرنامج الاستعجالي دون ربط ذلك بنتائج الانتخابات المقبلة. إن المنظومة التعليمية تجتاز أخطر مرحلة في مسارها، فالتداخل الحاصل حاليا بين نظام جديد تعمل الوزارة على إرسائه بكل الوسائل والطرق ونظام قديم لازال قائما في أذهان وممارسات المعنيين يخلق أوضاعا جد صعبة تحتاج إلى قوة إرادة ومبادرات ميدانية من شأنها خلق الشروط الموضوعية لتطوير التجربة الجديدة وتحقيق التفاف حولها من طرف المعنيين الأوائل وهم رجال ونساء التعليم، وهي الحلقة المفقودة حاليا. عبد العزيز إوي الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم عضو الجلس الأعلى للتعليم