ذ. سعيد فجال صدر تقرير المجلس الأعلى للتعليم، وهو أول تقرير يعده المجلس في إطار الاختصاصات المسندة له بموجب أحكام الظهير الشريف القاضي بإعادة تنظيمه ويطمح هذا التقرير، حسب ما جاء في ملخص الجزء الأول، إلى المساهمة في تقديم تشخيص للمنظومة بين الإنجازات الفعلية التي أحرزتها، والتعثرات التي ما تزال قائمة، كما يبتغي إعداد وثيقة وطنية مرجعية تكون في متناول الجميع، والإسهام في تعزيز المكتسبات وإعطاء دفعة جديدة للمدرسة المغربية. يتكون التقرير من أربعة أجزاء رئيسية حول حالة منظومة التربية والتكوين؛ الجزء الأول: عبارة عن نظرة تركيبية عن الحالة الراهنة للمنظومة الوطنية للتربية والتكوين؛ الجزء الثاني: يتضمن تشخيصا مستندا إلى قراءة للمؤشرات الأساسية للواقع الراهن للمنظومة؛ الجزء الثالث: وهو عبارة عن أطلس يقدم المؤشرات الدالة للمنظومة في شكل رسوم بيانية؛ وأخيرا الجزء الرابع: وهو تقرير موضوعاتي ، تم تخصيصه للوقوف على واقع هيئة ومهنة التدريس، والمداخل الممكنة للارتقاء بها من خلال نتائج استطلاع للرأي حول تمثلات المدرسين لمهنتهم وانتظاراتهم لتطويرها. وهكذا، يسرد التقرير جل الإختلالات التي تم تجميعها من التقارير والدراسات والأبحاث الموجودة في أروقة وأرشيف الوزارة، وتم تركيبها بطريقة رديئة دون ربطها بالسياق العام والبنية الناظمة لها( إشكالية الحكامة على جميع المستويات، إنخراط المدرسين أمام ظروف صعبة لمزاولة المهنة، نموذج بيداغوجي أمام صعوبات الملائمة والتطبيق، الموارد المالية وإشكالية تعبئتها وتوزيعها، مسألة التعبئة والثقة الجماعية في المدرسة). ويسهب التقرير في الحديث عن الأوراش النوعية ذات الأولوية، خاصة إلزامية التعليم إلى حدود 15 سنة ومحاربة الهدر المدرسي، وبلوغ نسبة تمدرس لا تقل عن95% بالنسبة للأطفال ما بين 6 و11 سنة على مستوى كل جماعة في أفق 2011 ، ثم تحقيق معدل نجاح لولوج التعليم الإعدادي، بالنسبة للأطفال المسجلين في سبتمبر 2008 بنسبة 90 % ودون تكرار في أفق سنة 2014...الخ. ما معنى أن نكرر كل مرة على مسامع العالم أن النسبة الصافية للتمدرس في التعليم الابتدائي وصلت إلى 94% سنة 2007، في حين يجهل كل المغاربة أن 50% فقط من التلاميذ يتمكنون من مواصلة دراستهم إلى نهاية الطور الإعدادي، وأن ثلاثة تلاميذ فقط من أجل 100 تلميذ مسجل بالسنة الأولى ابتدائي يحصلون على شهادة البكالوريا دون تكرار. كما أن 350 ألف طفل يغادرون المدرسة قبل سن 15 سنة. ناهيك عن عدم التحاق مليوني طفل بالمدرسة. وكان الوزير الوصي على التعليم كشف في قبة البرلمان، قبل صدور التقرير، أن 70% من المدارس لا تتوفر على الكهرباء وان 60% لا تتوفر على الماء إضافة إلى 80 % من المؤسسات التعليمية بالمغرب لا تتوفر على مراحيض... وهلم جرا. لا شك أن تنامي الوعي بقضايا المدرسة لا يرافقه البتة إرادة سياسية معلنة على الأقل لبناء مدرسة مغربية متميزة ومفعمة بالحياة، كما تخيلها الميثاق الوطني للتربية والتكوين. لا يكفي أن نتبجح ونتشدق بالحديث عن المدرسة العمومية وجميع المغاربة يعرفون اليوم أن هذه المدرسة وصلت إلى الحضيض، وكل الذين ينظرون للإصلاح يدرسون أبناءهم في مدارس البعثات الأجنبية والتعليم المدرسي الخصوصي. أما المدرسة العمومية فقد أصبحت أشبه بأقسام لمحو الأمية. الجديد في التقرير، هو الحديث عن مواعيد أخرى غير التي رسمها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، بالرغم من أن تعميم التمدرس تم تحديد أجل له في الميثاق لكنه أرجأ إلى أجل غير مسمى. - هل معنى هذا أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين قد تم التخلي عنه؟ - هل نفهم من هذا التقرير، أنه جاء ليحول الأنظار عن فشل تطبيق الميثاق الوطني ؟ - لماذا تم تغيير المواعيد الوطنية لتحقيق مدرسة للجميع ولا يتم تغيير من يتحملون فشل هذا الإخفاق و النكبة التعليمية ؟ - لماذا لا نحرك المسؤولية التقصيرية ضد كل الوزراء الذين عاصروا فترة تطبيق الميثاق الوطني، خاصة الحبيب الاشتراكي الذي عاصر أهم وأطول فترة من تطبيق بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين؟ - لماذا لا نحاسب من دمر فرصة اللحاق بالركب الحضاري وقام بتبذير 26% من ميزانية الدولة؟ إن ما أسماه التقرير بالجانب الموضوعاتي المتعلق بمهنة التدريس ما هو إلا شكل خبيث وماكر لتحميل المسؤولية لرجال ونساء التعليم في ما آلت إليه وضعية التعليم ببلادنا ، ويظهر هذا جليا من خلال التفاصيل والقضايا التي تفوح من خلال الأسئلة المطروحة على عينة منتقاة من رجال ونساء التعليم، والتي ركزت على بعض القضايا التي توحي بأن رجال ونساء هم السبب الرئيسي في نكبة التعليم. يسرد التقرير من بين الإنجازات الحقيقية للإصلاح اعتماد نموذج جديد للحكامة اللامتمركزة، ولا سيما مع انطلاق تجربة الأكاديميات الجهوية سنة 2003. لكنه في المقابل، وهذا تناقض آخر ينضاف إلى الارتباك المنهجي الذي أطر عملية التجميع والتوثيق ، يضع إشكالية الحكامة في مقدمة المحددات الأساسية التي تشكل مصدر اختلالات المنظومة التربوية. التقرير يجتر بعض التوصيات التي خلصت إليها منتديات الإصلاح، وبعض الدراسات التقنية التي قامت بها بعض المكاتب لفائدة الوزارة الوصية، وكذا تقارير المنظمات الدولية والإقليمية. تقرير المجلس الأعلى للتعليم جاء في سياق امتصاص فشل تطبيق بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي أجمعت عليه مختلف المكونات المجتمعية، واعتبر التعليم خلال هذه المرحلة كثاني أولوية بعد الوحدة الترابية. التقرير التركيبي للمجلس الأعلى للتعليم جاء في سياق حملة محمومة لخلط الأوراق والحديث مرة أخرى عن بداية الإصلاح في إطار خطة استعجالية هي رديف للإحباط والفشل وإدخال التعليم لغرفة الإنعاش دون تقديم الإسعافات الأولية. الإشكالية المطروحة ومعها التساؤلات المقلقة التي يحملها كل من له غيرة على هذا القطاع، هو ما هي القيمة الحقيقية المضافة لهذا التقرير؟ وما هي البدائل التي اقترحها للخروج من نكبة التعليم؟ من جانب آخر هناك بعض الإحصائيات التي نشك في مصداقيتها نظرا لإبتعادها عن الواقع الملموس وتناقضها المطلق مع بعض المؤشرات الأخرى الرسمية. فالتقرير يشير إلى أن نسبة تمدرس الفتيات انتقلت من 62% سنة 2000 إلى 88% سنة 2007، في حين أن العرض التربوي خلال نفس الفترة لم بتقدم بنفس الوتيرة، إذ أن معدل تغطية الوسط القروي لم بتجاوز 46% سنة 2007. وهذا تناقض لا يصدقه مخبول . تقرير البنك الدولي أشار إلى أن تطور الميزانية الإجمالية المخصصة للتربية والتكوين، والتي ارتفعت إلى 6 % منذ سنة2001 أي 26% من ميزانية الدولة، لا تعني بالضرورة تقدم في المؤشرات النوعية ولا حتى الكمية، وهو ما تؤكده حالة المنظومة ببلادنا، لأن تمويل التعليم يرتبط في جانب كبير منه بالمراقبة والتتبع والمساءلة على أساس النتائج المتوخاة. التقرير سكت بكل خبث عن كيفية صرف وتمويل المشاريع والصفقات التي تقضم ميزانية التعليم...، خاصة وأن قضية المطاعم المدرسية لم تستتبعها أية إجراءات تدقيقية وافتحاصية، كما هو الشأن في جميع ملفات الفساد المالي. يحتل المغرب مرتبة مشرفة في مجال تمويل التعليم، ويتقدم كثيرا على بعض البلدان العربية الرائدة مثل الاردن وسوريا ولبنان... لكنه يحتل مرتبة متدنية في تجسيد مؤشرات الهندسة والحوافز والمساءلة، وهي المعايير التي اعتمدها البنك الدولي في ترتيب الدول، وهذا تناقض آخر. والسبب الرئيسي يكمن في عدم تبني آليات المراقبة والإفتحاص والمساءلة والتتبع.
الواقع، أن هذا القطاع الحيوي كتب عليه أن يظل حبيس تجارب عديدة، هي في واقع الحال مهاترات إيديولوجية غثة، يتقاذفها مسؤولون ووزراء حزبيون دون أدنى حس من الوطنية والمسؤولية والالتزام. فمنذ بداية تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، كان جميع الوزراء الذين تعاقبوا على هذا القطاع، أو تواطأوا على تدمير هذا القطاع، يعزفون على ألحان تعميم التمدرس حتى أصبحت أغنية مشهورة لدى جميع العامة... الميثاق حدد هدف تعميم التمدرس في 2004، واليوم نتفق بإرجائها إلى ما بعد 2015. الواقع، إن مغرب التقارير سيظل شغوفا بإنتاج وإصدار تقاريره المضادة لحركية المجتمع وحيوية النخبة في تناسق وانسجام تام مع تقديس الخطاب الدعائي ودرء قيم العمل المبدع والممارسة الجادة والالتزام الوطني الصادق. إن ما تم إنفاقه وتبذيره في جميع هاته التقارير كان من الممكن استثمارها، لو كانت لدينا قطرة من الإرادة الوطنية الصحيحة، في القضاء على بعض الاختلالات التي تحد من عجلة التقدم والتنمية الشاملة. لكن السؤال الوطني المطروح، هو هل يتوفر صناع القرار على إرادة حقيقية ونية صالحة للخروج بالبلاد من عبودية التقارير الغير المقروءة. ذ. سعيد فجال