التجمع الوطني للأحرار يؤكد دعمه لإصلاحات مدونة الأسرة وينوه بنجاحات الحكومة    محمد ولد الرشيد يستقبل وفدا من مجلس الشيوخ الفرنسي في الرباط    النجاري: "مواجهة الجيش ستكون صعبة لكن نحن على أتم الجاهزية لتحقيق الفوز"    طنجة.. تقدم أشغال تهيئة تأهيل معلمة "بلاصا طورو" بنسبة 95 في المائة    المغرب يخلد ذكرى وثيقة الاستقلال    بورصة البيضاء تفتتح التداولات بارتفاع    حملات فرنسية ضد "مؤثرين" جزائريين    حصيلة الشهداء في قطاع غزة قد تتجاوز 70 ألفًا حسب دراسة طبية    حوار بوتين وترامب.. الكرملين يعلن استعدادا روسيا بدون شروط مسبقة    اجتماع لجان مراجعة اللوائح الانتخابية    "جبهة" تدعو إلى مسيرة احتجاجية بالرباط ضد مشروع قانون الإضراب    في اكتشاف تاريخي : العثور على حطام سفينتين أثريتين قبالة سواحل بالجديدة    وفاة صانعة محتوى أثناء ولادة قيصرية    إدارة السجن تكشف وضعية بوحمرون    بوحمرون: 16 إصابة في سجن طنجة 2 وتدابير وقائية لاحتواء الوضع    "بوحمرون.. بالتلقيح نقدروا نحاربوه".. حملة تحسيسية للحد من انتشار الحصبة    بوحمرون يواصل الزحف في سجون المملكة والحصيلة ترتفع    مندوبية السجون تسجل 47 إصابة ب"بوحمرون" في 9 مؤسسات سجنية    وفاة صانعة محتوى مغربية أثناء عملية ولادة قيصرية    عصبة الأبطال الافريقية (المجموعة 2 / الجولة 5).. الجيش الملكي من أجل حسم التأهل والرجاء الرياضي للحفاظ على حظوظه    2024.. أول عام تتجاوز فيه الحرارة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة    صابرينا أزولاي المديرة السابقة في "قناة فوكس إنترناشيونال" و"كانال+" تؤسس وكالة للتواصل في الصويرة    "جائزة الإعلام العربي" تختار المدير العام لهيسبريس لعضوية مجلس إدارتها    ملفات ساخنة لعام 2025    المغرب يحطم رقمه القياسي باستقبال 17,4 مليون سائح في 2024    100 فاعل سياحي من إسبانيا والبرتغال يكتشفون جهة الداخلة وادي الذهب    توقعات أحوال الطقس ليوم الجمعة    ارتفاع حصيلة قتلى حرائق لوس أنجلس    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    السلطات تمنع جماهير حسنية أكادير من التنقل إلى الزمامرة لمساندته أمام نهضة الزمامرة    رقم معاملات التجارة الإلكترونية يبلغ 22 مليار درهم بزيادة سنوية تقدر ب 30 في المائة    الحكومة البريطانية تتدخل لفرض سقف لأسعار بيع تذاكر الحفلات    النظام الجزائري يثير التوترات مع تركيا باستقباله انفصاليين أكراد في تندوف    السعودية تستعد لموسم حج 2025 في ظل تحديات الحر الشديد    ارتفاع حصيلة الحرائق في لوس أنجليس    نقابيو الجماعات الترابية يضعون مهلة نهائية للحوار ويهددون بالاحتجاج    الذهب يتجه لتسجيل أقوى أداء أسبوعي    اتحاد طنجة يعلن فسخ عقد الحارس بدر الدين بنعاشور بالتراضي    فضيحة تُلطخ إرث مانديلا... حفيده "الرمز" في الجزائر متهم بالسرقة والجريمة    بطولة إنجلترا لكرة القدم.. إيفرتون يفك الارتباط بمدربه شون دايش    قيس سعيد يزيد عزلة نظامه.. تونس وموقعها من قضية الصحراء؟    عمدة فاس يكشف عن خطط لإطلاق شبكة حافلات حديثة ذات مستوى عالٍ من الخدمات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مقتل 7 عناصر من تنظيم "داعش" بضربة جوية شمال العراق    النظام الجزائري يخرق المادة 49 من الدستور ويمنع المؤثر الجزائري بوعلام من دخول البلاد ويعيده الى فرنسا    الكأس الممتازة الاسبانية: ريال مدريد يفوز على مايوركا ويضرب موعدا مع برشلونة في النهائي    آباء و أمهات تلامذة مدرسة ابن حمديس بآزمور تطالب بإعادة الاعتبار للواجهة الرئيسية لدخول التلاميذ    سكان حي المطار بالجديدة يطالبون بإحداث مؤسسات تعليمية لسد الخصاص التعليمي    عملية أمنية محكمة: توقيف مشتبه به متورط في سرقة أربعة محلات تجارية بطنجة    الآلاف يشاركون في الدورة ال35 للماراطون الدولي لمراكش    الموسيقار محمد بن عبد السلام في ذمة الله    في كتاب صدر حديثا بعنوان:« القصة السرية لجزائري أصبح عميلا» .. صديق الرئيس تبون يحكي عن ترتيب لقاء المخابرات الجزائرية مع الموساد!(1)    وفاة الفنان محمد بن عبد السلام    أخذنا على حين ′′غزة′′!    533 عاماً على سقوط غرناطة آخر معاقل الإسلام فى الأندلس    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أومبرتو إكو يفضح العنصرية في أوروبا بالسرد الوثائقي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 03 - 05 - 2011

ما خلا رواية »الملكة لوانا الغامضة«التي أخذ عليها النقاد حال الضعف، تتميز روايات أومبرتو إكو بحبكةٍ ومضمونٍ وشكلٍ أدبي بالكاد يعثر على معادلٍ لها في الروايات التي صدرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة. وهذا ما يجعل القراء متنبّهين دائماً لجديد هذا الكاتب الكبير. لكن ما يدفع اليوم إلى التوقف عند روايته الأخيرة »مقبرة براغ« التي صدرت ترجمتها الفرنسية حديثاً لدى دار غراسيه الباريسية يتجاوز قيمتها كنص أدبي رائع تتجلى فيه مواهب إكو الكتابية ومعرفته الموسوعية التي توقع القارئ في الدوار.
في رواية »مقبرة براغ« التي عمل إكو عليها فترة خمس سنوات، يعمد إلى تفكيك وفضح آليات الكراهية بين الشعوب التي جلبت (ولا تزال) مآسي على البشرية جمعاء، عبر تسليطه الضوء على كتبٍ ووثائق تم تسييرها في القسم الثاني من القرن التاسع عشر كمراجع أصلية وحقيقية في حين انها مفبركة كلياً على أيدي أشخاصٍ وجماعاتٍ لا هاجس لها سوى تبرير ضغينةٍ موروثة أباً عن جد.
وفعلاً، يغوص بنا إكو في هذه الرواية داخل أبرز أحداث القرن المذكور من خلال مذكّرات مزوّر يدعى سيمون سيمونيني مسكون بفكرة المؤامرة اليهودية التي تهدف إلى سحق الديانة المسيحية، ومثل أي مهووس، يُسقط استيهامه على كل ما يراه ويسمعه. وفي هذه الذهنية يعبّر القرن المذكور ويعيش الأحداث التي استبقت توحيد إيطاليا أو تلك التي أدّت إلى العامية في باريس أو إلى الحرب بين فرنسا وألمانيا عام 1870. وبفضل مهارته الكبيرة في تقليد خط أي شخص أو في إنتاج رسائل ووثائق رسمية، يصبح بسرعة غنياً ونافذاً خلال فترةٍ تعجّ بالمؤامرات والتهديدات والأفخاخ والخيانات المبنية على وثائق مفبركة. حفيد مروّج للعداء للسامية وكاره للنساء وعميل لأكثر من طرف، نجده يتجسّد بثوب كاهن يدعى دالا بيكولا ويقوم بأفعالٍ دنيئة ويعاشر وجوهاً سياسية وأدبية وعلمية شهيرة مثل غاريبالدي والطبيبين شاركو وفرويد والكاتبين ألكسندر دوما ومارسيل بروست والرسام دوغا...
ومن تورينو إلى باريس، مروراً بباليرمو وروما، يتعرّف القارئ داخل الرواية إلى بعض عبدة الشيطان ومستحضري أرواح ويسوعيين يتآمرون على الماسونية وثوار يخنقون كهنة بأمعائهم ومجرمين ورجال استخبارات فرنسيين وروس وألمان وإيطاليين. كما يتعرف إلى خلفيات ولادة قضية درايفوس ومصدر بروتوكولات حكماء صهيون ويغوص داخل دهاليز يكدّس سيمونيني فيها جثث الذين يقتلهم.
والمثير في هذه الرواية هو أن جميع شخصياتها حقيقية، كالكاهن بارويل الذي نظر إلى الثورة الفرنسية وإمبرطورية نابليون كمؤامرة يهودية، أو الاشتراكي توسنيل، مبتكر العداء للسامية داخل اليسار الفرنسي والذي كان مقتنعاً بأن الرأسمالية مشروعٌ لخدمة مصالح اليهود، من دون أن ننسى طبعاً الصحافي إدوار درومون مؤلف كتاب »فرنسا اليهودية« وكاتب أبشع المقالات العنصرية خلال قضية درايفوس أو حتى جد سيمونيني، مؤلف تلك الرسالة السرّية التي تسلمها الكاهن بارويل وشكّلت مسودة بروتوكولات حكماء صهيون. أما سيمونيني نفسه، وإن كان الشخصية الوحيدة المبتكَرة، فإن أفعاله لا تنتمي إلى عالم الخيال بل يقف خلفها مجموعة أشخاص حقيقيين أيضاً.
باختصار، عناصر تاريخية مثيرة وغزيرة يضيع القارئ أحياناً داخلها وتشكّل مجموعةً رواية مسارّية بامتياز مكتوبة بأسلوب المسلسل (feuilleton) الذي ظهر خلال القرن التاسع عشر، وتتخللها عشرات المحفورات التي تعود إلى تلك الحقبة. وفيها، استخدم إكو المفاجآت السردية وتبكير الانتياب والوصف الممتع لتسليط الضوء على بعض الجروح المتقيّحة لحقبتنا بالذات، كالعنصرية والسلطات الخفية أو السرية التي لا تزال فاعلة داخل مجتمعاتنا المبنية على الخبث والكذب، مع التركيز على قصة بروتوكولات حكماء صهيون التي يعيد الروائي تشييدها بطريقةٍ دقيقة وخيالية في آن، على لسان سيمونيني نفسه، مبيّناً كيف أن النسخة الأولى لهذه الوثيقة المزوّرة كُتبت باللغة الفرنسية أولاً قبل أن يتم نشرها في روسيا عام 1901 على يد الشرطة السياسية الروسية (أوخرانا) التي أرادت استخدامها لتحويل إحباط الشعب الروسي وغضبه من القيصر نقولا الثاني في اتجاه اليهود وجعلهم كبش محرقة. وثيقة أثبت المؤرخون عدم صحتها ومَن يقف خلفها منذ بداية العشرينات ومع ذلك استخدمها هتلر لتبرير محرقته؛ وثيقة لا تزال ترجمتها العربية تباع مع الأسف حتى اليوم في بعض مكتبات بيروت والقاهرة من دون أن يشير ناشروها إلى كونها مجرد هذيان يعكس مشاعر العداء للسامية التي كانت متفشية في أوروبا خلال القرنين الماضيين.
أما غاية إكو العميقة من كشف جميع الوثائق المفبركة خلال القرن التاسع عشر وتوظيفها في روايته فهي إظهار سذاجة الناس الكبيرة وميلهم إلى تصديق أي هراء يروى أمامهم. ففي أحد الحوارات معه، أشار إلى أن التزوير قديم قدم العالم وبواسطته بُرّرت فظائع كثيرة غير محرقة اليهود، كإبادة الكثريين (Cathares) وفرسان الهيكل وحرق »الساحرات« في أوروبا خلال القرون الوسطى وأيضاً حرب بوش الأخيرة على العراق.
وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن إكو تعرّض لدى خروج هذه الرواية إلى اتهام بالعداء للسامية بأقلام بعض الصحافيين والجهات المسيحية واليهودية في بلده من منطلق الشغف الذي أبداه في وصف كره بطله سيمونيني لليهود، كما من منطلق خلطه بعض الأحداث الواقعية بالأحداث الخرافية، ما يُدخل عناصر الرواية داخل دائرة الشك. انتقادٌ غير منطقي ومضحك في الوقت نفسه. فالالتباس في الرواية متعمَّد ومشروع اعتمده إكو كتقنية سردية في رواياته السابقة. وضياع بعض القرّاء داخلها لعدم قدرتهم على التمييز بين ما هو واقعي وما هو خيالي يقع على عاتق جهلهم فقط ولا يمكن تحميله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.