الكاتب الجزائري المقيم بإيطاليا، عمارة لخوص: الكتابةُ ليست إلهاما و على الروائي امتلاك أدوات لقراءة الواقع، نخشى أن تهمّش القاهرة كتّاب المعارضة من المشاركة في معرض تورينو. يُعد الكاتب الجزائري، عمارة لخوص، أحد الأصوات الروائية الجديدة والقوية في الغرب، فروايته «صراع الحضارات من أجل مصعد في ساحة فيتوريو» التي اعتبرها النقاد نقلة في الأدب العربي من الكتابة عن الذات إلى الكتابة عن الآخر، تُرجمت للغات كثيرة، وحصدت عديد الجوائز في إيطاليا والعالم، آخرها جائزة المكتبيين في الصالون الدولي للكتاب بالجزائر نهاية السنة الماضية، وهي المناسبة التي التقينا فيها بالروائي وأجرينا معه هذا الحوار: علاوة حاجي: - تتويجُ روايتك «صدام الحضارات من أجل مصعد في ساحة فتوريو» بجائزة المكتبيين في الصالون الدولي للكتاب، مؤخرا، يأتي بعد خمس سنوات من صدورها باللغة العربية في الجزائر، أي بعد إعادة كتابتها بلغة أخرى ونجاحها اللافت في إيطاليا وأوربا. هل تعتقد أن روايتك المكتوبة بالعربية ظُلمت في بلدها الأم؟ عمارة لخوص: - ثمّةَ جانب سجالي في الموضوع، ولئن كان البعض يعتقد أن هناك نظرة للرواية المعربة والكتاب المعربين على أنهما من الدرجة الثانية، وأن المكتبيين لا يعطنوهم قيمتهم الحقيقية، عكس ما يحظى به الكتاب المتفرنسون؛ فإن رأيي هو أن الأدب وحده يدافع عن نفسه. إن كانت الرواية قيمة فستُثبت ذلك لا محالة، خصوصا إذا تُرجمت إلى لغات أخرى، فالأدب لا يعترف بالحدود الجغرافية، وكلما تجاوز حدود وجنسية كاتبه، اتّضح وزنه وقيمته الحقيقيين. المهم في النقاش الجزائري هو ضرورة الخروج من هذا الصراع بين المعربين والمتفرنسين وكذا الكتاب بالأمازيغية، وهو ما أسميه «حربا أهلية ثقافية». قطعا إنه سياقٌ غير صحي، فمن خلال متابعتي للصحف والحوارات مع الكتاب الجزائريين، أتأسف للصراعات الدائرة بين المثقفين، والمؤسف أنها لا تدور حول الأدب والثقافة، وإنما هي صراعات خارجها ولا تخدمها البتة. الأدب بحاجة إلى تعدد المنابع، فكلما كانت المنابع كثيرة؛ كان الأدب ذا مستوى راق. أما بالعودة إلى روايتي فقد صدرت عام 2003 بالجزائر، أي أنها وُلدت هنا وسافرت إلى لغات أخرى عبر العالم ثم عادت، وهذا لا يسبّب لي شخصيا أية مشكلة. علاوة حاجي: حقّقت الرواية نجاحا كبيرا ونالت جوائز وتكريمات في إيطاليا وأوربا بعد إعادتك كتابتها بالإيطالية، هل يعني ذلك أنها كانت موجهةً أصلا للقارئ الإيطالي؟ عمارة لخوص: أنت تذكّرني بشاب إيطالي قال لي أثناء تقديم الرواية في إيطاليا: «حاولتُ إقناع نفسي بصعوبة بأن كاتبها ليس إيطاليًّا». أجيب بأنها ليست رواية إيطالية والدليل هو جائزة المكتبيين نفسُها، والتي أعتز بها لهذا السبب. لو كتبتُ روايةً للقارئ الإيطالي لما تُرجمت إلى الفرنسية والانجليزية والألمانية وغيرها من اللغات. أعتقد أن على الكاتب أن يكون صادقا مع نفسه أولا، وصادقا مع القراء دون تمييز بين جنسياتهم. علاوة حاجي: - البناء المتقن للرواية يوحي بأنك اعتمدت على تصوّر هندسي مُعيّن ودقيق في الاشتغال على عملك الروائي، بالإضافة إلى اهتمامك بالبعد المعرفي. هل أنا على صواب؟ عمارة لخوص: - أهتم كثيرا بالرواية ولا أدّخر جهدا في حشد مجموعة من العناصر التي تعمل على إنجاحها. وبالنسبة لي؛ العمل الروائي يقوم على ثلاث أسس: الأول هو ما أشرتَ إليه، أي البنية، فالرواية تقوم على بنية هندسية هي أقرب للهندسة المعمارية، الأمر أشبه ببناء منزل، فحين أشرع في كتابة رواية، يكون لدي تصورٌ قبلي وتقسيم جيّد للشخصيات والأحداث. من ناحية أخرى؛ أوثر استعمال ضمير المتكلم، فعلى عكس ضمير الغائب الذي يجعل الكاتب يتصرف مع شخصياته بتعسف وتسلط، يمنحك ضمير المتكلم إمكانية تجريب أساليب جديدة. يجب أن تكون لديك قدرات أدبية كبيرة لتتقمص شخصيات مختلفة عن ثقافتك الأصلية أو جنسك، ففي الرواية مثلا، يتحدث الإيراني والبنغالي والبيروفي، وكل منهم يكشف عن شخصيته وثقافته وهويته. الأساس الثاني هو الاشتغال على اللغة، وهو أمر من الأهمية بمكان، وكلما تعلمت لغة أخرى؛ اكتسبت القدرة على رؤية أشياء جديدة لا يراها أحاديو اللغة. الأساس الثالث هو المعرفة. لا أؤمن بالنظرية التي تتصور الكتابة الأدبية على أنها إلهام، أنا متأكد أنها فعل واع لأنها تقوم على البحث، كاتبة رواية تستغرق مني شهورا، فحين أكتب عن طبيب مثلا، أجري حوارات مع أطباء، يحدثونني عن مشاكلهم وتصوراتهم ما يعطيني إمكانية الاقتراب من الشخصية بشكل جيد، وهذا ما فعلته مع «كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك»، إذ أجريت، مثلا، بعض البحوث عن الأمثال الشعبية في نابولي، لأن شخصية البوابة من نابولي وهي تستخدم الأمثال، حيث تتحول الرواية إلى أداة للضحك، يجب أن يكون لدى الروائي أدوات لقراءة الواقع. علاوة حاجي: - هذا يحيلني إلى تخصّصك في الفلسفة ثم "الانتروبولوجيا" فيما بعد. إلى أي مدى ساهم تكوينك "الانتروبولوجي" في مساعدتك على سبر أغوار المجتمعين الجزائري والإيطالي في عمليك الروائيين؟ عمارة لخوص: - درستُ الفلسفة في الجزائر وتخرجت عام 1994. أردتُ في البداية التعمق في دراسة المشكلات الكبرى كالحرية والديمقراطية، لكن في الوقت ذاته أردت الاقتراب أكثر من الواقع. أعتقد أن الانتروبولوجيا أتاحت لي ذلك، عبر دراسة الإنسان ومحيطه الثقافي، وقد كان ذلك أولوية بالنسبة لي. أزعم أن الانتروبولوجيا أعطتني أدوات لفهم الواقع، أعطتني نظارات من نوع خاص تجعلني أرصد تفاصيل التفاصيل، وأرى الأشياء بطريقة لا يملك آخرون الفرصة ليروها بذلك الشكل. علاوة حاجي: - وماذا عن تأثير تجربة الهجرة؟ عمارة لخوص: - الهجرة أيضا تجربة مهمة. في إيطاليا تعرفتُ وعشت مع أشخاص من مختلف أنحاء العالم، وهذه الأشياء لا تتاح حتى للسائح الذي يزور بلدا بغرض المتعة، لأنه يرى الأشياء التي يريد هو أن يراها فقط، لكن أن تعيش مع أشخاص آخرين فتلك فرصة رائعة أكسبتني كثيرا من المعارف والتجارب. علاوة حاجي: - تبرزُ في الرواية ثنائية الهوية والذاكرة، ويبدو أنها تضع خيارين اثنين أمام المهاجر، الاندماج، أي التخلي عن الهوية الأصلية، أو العزلة؟ عمارة لخوص: - مشكلة الهوية عشتُها شخصيا كمهاجر، ثم درستها وتعمقت فيها فيما بعد. أعتقد أن الهوية مشروع مفتوح رغم أننا نتصور أنها سجن، قضبانه لغوية أو دينية أو غير ذلك، لكن الحقيقة مختلفة، فحين تعيش في مجتمع غير مجتمعك، سيكون هناك تفاعل مع الواقع الجديد، تبادل، أخذ وعطاء، إذا تعرفت على أشخاص من ثقافات أخرى فسيؤثرون فيك وتؤثر فيهم، حتى إن كانت النتائج غير مرئية فإنك ستكتشف تغير أشياء كثيرة فيك مع مرور الوقت، وإذا اكتسبت لغة جديدة فإن هويتك ستختلف، لأن اللغة ليست فقط أداة، بل هي رؤية للعالم. الهوية ليست كيانا كاملا ومحددا، بل شيء مفتوح، وهذا شيء إيجابي لأنه يساهم في إثراء الثقافات من خلال التعدد. أما بالنسبة لموضوع الذاكرة، فقد طرحته في الرواية، وأيضا في الرواية السابقة. لدينا في الجزائر مشكلة عويصة في التعامل مع الذاكرة، مثلا، لم نستطع لحد الآن، للأسف، مراجعة تاريخ الثورة، فإذا كانت القوة والشجاعة تعوزنا للتعامل مع هذه الذاكرة التي مرت عليها أكثر من خمسين سنة، فكيف سنتعامل مع الذاكرة القريبة الأكثر إيلاما؟. تطرح الرواية قضية الذاكرة من خلال بطلها الذي يتعامل مع الذاكرة القريبة، خلال سنوات الإرهاب في التسعينات، وهو يقول في النهاية: «ذاكرتي كمعدة السكير»، وهو ما يجعله يتقيأ في لحظة من اللحظات. إذا لم نتعامل مع الماضي بشكل جيد فسيصبح مشكلة. علاوة حاجي: - اعتبر بعض النقاد الرواية نقلة في الأدب العربي من الكتابة عن الذات إلى الكتابة عن الآخر، ماذا عن روايتك الأولى «البق والقرصان»؟ عمارة لخوص: - في روايتي الأولى «البق والقرصان»؛ كان هاجس «حسنيو»، بطل الرواية، هو فضح المجتمع الجزائري المبني على التناقضات. ففي تعامل الذكر مع المرأة مثلا؛ هناك أمه وأخته خطوط حمراء والأخريات قد يفعل بهن ما يشاء، بالإضافة إلى قمع المرأة باسم الدين، العرف المبني على عقلية متخلفة الرجل هو المركز والمرأة هي الأطراف المجتمع تغير.التعامل مع المجتمع. المجتمع الجزائري، للأسف، مبني على التناقضات، وهي تناقضات دينية في الغالب، فكيف نقول أن الجنة تحت أقدام الأمهات ونقول في الوقت ذاته إن المرأة شيطان ونمنعها من حقها في الميراث في بعض المناطق رغم أن الإسلام أقره لها؟ أنا متأكد أن الدين الحق بريء من هذه الممارسات، لكن الأسوأ أننا نسبنا للدين ما هو في العرف. علاوة حاجي: - في أية ظروف كتبت باكورتك الروائية، هذه؟ عمارة لخوص: - كان المجتمع الجزائري مقبلا على تحولات كثرة، وكنت أستشعر ذلك أثناء دراستي بالجامعة التي دخلتها عام 1989م، فخلال حديثي مع الإسلاميين كنت اسألهم عن مشروعهم السياسي فينزعجون ويوقون إن مشروعهم هو الكتاب والسنة. وحين أسألهم عن حلولهم لمشكلة البطالة، مثلا، يجيبونني بأن الحل يكمن في توقف النساء عن العمل والقضاء على الاختلاط. لقد استشعرت مستقبلا مظلما بسبب تلك الأفكار التي انتشرت في الجامعة والمجتمع بشكل كبير، أصبت بالإحباط وكتبت رواية «البق والقرصان» في هذه الظروف، ولكن كانت فيها لمسة من السخرية، هناك صديق جزائري مقيم في إيطاليا حين قرأ الرواية اتصل بي وقال لي جملة أثرت في كثيرا: «روايتك أضحكتني وأبكتني في الوقت ذاته» فالسخرية بالنسبة لي مهمة جدا. علاوة حاجي: - لكن الرواية لم تنل النجاح والانتشار الذين حظيت بهما روايتك الثانية، ما هي أسباب ذلك في اعتقادك؟ عمارة لخوص: - الرواية لم تُوزّع في الجزائر، كتبتها عام 1993م ونشرت في ايطاليا عام 94 بالعربية والايطالية، لكنها نالت اهتماما نقديا جيدا، كبعض القراءات النقدية القيمة في تونس. علاوة حاجي: - على صعيد اللغة؛ وظفت في «البق والقرصان» مفردات فرنسية ودارجة، وأخرى يمكن أن نتفق على تسميتها ب«السوقية»، هل كنت تنشد ما يسمى «الواقعية اللغوية»؟ عمارة لخوص: - وضعت في هذه الرواية كل ما تعلمته وقرأته في ذلك الوقت، وقد حاولت تجريب ما يمكن أن نسميه عربية جزائرية. أتصور أننا نملك خصوصية لغوية ذات مصادر مختلفة، ولو بقيتُ في الجزائر ولم أسافر عام 95 لواصلت الكتابة بتلك الطريقة، فهي تجربة واعدة بالمعنى الأدبي. الهجرة تسببت في قطيعة، لذلك، لا أستطيع اليوم الكتابة عن الجزائر من الخارج، أرفض الكتابة عن واقع لا أعرفه، وأحتاج لوقت لمعرفة هذا المجتمع الجديد، وأنا أيضا تغيرت.. لقد فضلتُ أخذ مسافة والتعمق في اللغة الايطالية التي أعطتني رؤية جديدة ومختلفة كمبدأ. علاوة حاجي: - دعني أسألك هنا عن رأيك فيما يكتبه الأدباء الجزائريون الموجودون في الخارج عن الجزائر؟ عمارة لخوص: - لا أحب تطبيق منطق التخوين، الكاتب حر في الكتابة، والقارئ أيضا حر في الانتقاد. لدي علاقة شخصية مع آسيا جبار، وهي تكتب عن الذاكرة، هي مؤرخة على مستوى عال ولديها قراءة مدهشة للأشياء، وقد تعمقت في قضايا المرأة بحساسية مرهفة، لكن بعض الكتاب لا يكتبون لأغراض فقط أدبية بحتة، بل لأغراض سياسية. ومن المؤسف أن البعض استغل الأزمة الأمنية التي ألمّت بالجزائر ليجد فرصة لنشر أعماله في الغرب. علاوة حاجي: - خلال ملتقى أدباء المهجر العام الماضي، شبّهت غيرة الكتاب العرب على كتاباتهم بغيرتهم على زوجاتهم، أتعتقد أن طريقة تصور الأدباء العرب للأدب والكتابة في الأساس هو ما يحول دون إنتاجهم أدبا عالميا؟ عمارة لخوص: - ما تعلمته في تجربتي بإيطاليا والغرب عموما، هو الاحترافية في الأدب. أصدقائي من الكتاب الجزائريين يقولون لي إنهم يكتبون أعمالهم ويوجهونها للمطبعة رأسا، ويقول لي الناشرون: لدينا صعوبة في التعامل مع كتابنا، فإذا قلت لأحدهم إن هذا الفصل طويل أو يستحسن صياغة تلك الجملة، فكأنك شتمته، الشيء الذي لم يستوعبه أدباؤنا هو أن العمل الأدبي عمل جماعي يتدخل فيه الناشر والمكتبي والإعلام، فكلها وسطاء لإيصال الكتاب للقارئ بشكل جيد، فإذا كان العمل مطبوعا بشكل سيء فذلك ينقص من قيمته، وإذا كانت وسائل الإعلام لا تعرف بصدوره فلن يأخذ نصيبه من الرواج. علاوة حاجي: - اقتحمت مؤخرا تجربة النشر مع دار «شرق غرب»، التي تهدف لربط جسور بين الأدب العربي والايطالي، هل تعتقد أن هذه الأهداف ممكنة؟ عمارة لخوص: - أؤمن بالوساطة الثقافية، ومشروع دار نشر إيطالية تنشر بالعربية يأتي من باب تشجيع الأدب العربي عموما عن طريق الترجمة. لطالما تساءلت لماذا لا توجد رواية بوليسية عربية، وقد قرأت في جريدة «الوطن» الجزائرية أن روايتي هي أول رواية عربية في قالب بوليسي، لا يمكن ذلك إذا لم تكن هناك ترجمات، فإن لم تكن للكتاب إمكانية للقراءة بلغات أخرى، فكيف يعلمون التقنيات الكتابة الروائية، باعتبار الرواية تقنية. «شرق غرب» تحاول ربط الأدب العربي بالآداب الأجنبية عن طريق الترجمة المباشرة، هي حاليا تترجم للايطالية والانجليزية في نفس الوقت. وفي مرحلة لاحقة ستنفتح على الكتاب الذين يكتبون بالعربية مباشرة لتترجم أعمالهم للغات مختلفة. علاوة حاجي: - هل بدأ المشروع عمليا؟ عمارة لخوص: - أصدرنا الرواية الأولى «أيام الهجران» للكاتبة الايطالية "إيلينا فرانتي"، العام الماضي، وقد تُرجمت هذا العمل ل15 لغة، وحول للسينما. أعجبتني الرواية وأحسست أنها قريبة من الواقع العربي، وهي تروي قصة امرأة يهجرها زوجها بدون أسباب واضحة، فتدخل في أزمة تحاول فهم وضعيتها كامرأة وعلاقتها بزوجها، وقد بدأنا في التوزيع.. شاركنا في معرض الجزائر السنة الماضية، والدار البيضاء وسنشارك في القاهرة وأبو ظبي لاحقا. علاوة حاجي: - ما تقييمك للجهود التي تبذلها الدول العربية بشكل عام من اجل إيصال أدبها إلى لغات أخرى؟ عمارة لخوص: - الترجمة في كل دول العالم تقوم على مؤسسات، ولكن ما تصرفه السفارات والملاحق الثقافية العربية التي كانت لي الفرصة معرفتها في إيطاليا على الحفلات والاستقبالات التي حضرت بعضا منها وندمت، لو صرف جزء بسيطا منها لترجمة أعمال أدباء جزائريين وعرب لكان وضع الأدب العربي الآن في أوربا والغرب أفضل بكثير، ما ترجم لحد الآن هو مبادرات لمترجمين محبين للثقافة العربية، كثير منهم من الجيل الجديد، أعرف ناشرا إيطاليا شابا نشر كثيرا من الروايات العربية، وقد أخبرني أنه خسر 200 ألف يور، وقد كان ينتظر من السفارات العربية شراء بعض النسخ منه لتعيد توزيعها، لكن ولا واحدة منها فعلت. علاوة حاجي: - لماذا شاركت في معرض الكتاب الدولي "بتورينو"، في الوقت الذي قاطعته الدول العربية لأن إسرائيل كانت ضيف شرف فيه؟ عمارة لخوص: - كنتُ ضد المقاطعة لسبب بسيط، وهو أن المعرض كان أيضا فرصة للحديث عن القضية الفلسطينية. فحين تقاطع؛ فأنت تضيّعُ هذه الفرصة. لقد شاركت وأكدت أنني مع القضية الفلسطينية وضد استغلال الثقافة لأغراض سياسية، المقاطعة ليست سوى موقفا سلبيا ينم عن العجز. بالنسبة للدورة المقبلة في 2009م، فإن مصر ستكون ضيف شرف المعرض، ونحن كمثقفين عرب في إيطاليا، متخوّفون من أن يكون الكتاب المصريون الذين يشاركون في المعرض هم مثقفو السلطة، في حين يهمش الكتاب المعارضون ويمنعوا من المشاركة، وإن حدث ذلك فستكون مصيبة.. هناك كتاب مصريون معروفون في إيطاليا مثل علاء الأسواني وحامد أبو زيد، وهما معارضان للنظام المصري، وثمة توجه الآن لاستضافة هؤلاء بشكل مستقل. علاوة حاجي: - كنت قد أعلنت اعتزالك الكتابة باللغة العربية، ما هي أسباب هذه الخطوة وماذا يضيف عمارة لخوص للأدب الإيطالي؟ عمارة لخوص: - أنا أكتب بالعربية وأكتب بالايطالية. كل ما في الأمر أنه في ملتقى المهجر بالمكتبة الوطنية؛ سألت عن روايتي القادمة فقلت أنني سأكتبها بالايطالية، ولكني وعدتُ، في الوقت نفسه، بإعادة كتابتها باللغة العربية. لا أستطيع أن أعيش في لغة واحدة، لقد ولدت في بيت نتحدث فيه الأمازيغية، في الشارع بحسين داي تعملت العربية في المدرسة القرآنية، ثم تعلمت الفرنسية من أولاد العم المهاجرين.. حياتي مبنية على التعدد اللغوي والثقافي، حتى في الكتابة وجدت نوعا من التوازن بين اللغة العربية والايطالية. الرواية القادمة تدور أحداثها في روما، وشخصياتها ايطالية لذلك فضلت أن أكتبتها بالايطالية، وإذا كان ثمة مشاريع فالجزائر فستكون حتما بالعربية. علاوة حاجي: - ما هي ملامح روايتك المقبلة؟ عمارة لخوص: - أخوض تجربة جديدة، إذ فضلت الدخول في لعبة التسويق الأدبي، مستغلا في ذلك نجاح روايتي الأولى. أنا أحب المغامرة لذلك فكرتُ في شخصية متسلسلة، أو ما يسمى بالشخصية «النهرية»، ستكون في روايات عديدة، وهذا يُعطي فرصة لخلق علاقة مع القراء، ستكون شخصية مختلفة وجديدة تفاعلية فهذه تجربة أيضا جديدة أن تخلق هذا النوع من النفس الطويل. علاوة حاجي: - هل هي شخصية إيطالية؟ عمارة لخوص: - نعم، هي شخصية إيطالية، لكن جذورها عربية، فهي من صقلية، وهي منطقة كانت الثقافة العربية هي ثقافتها الرسمية لأكثر من قرنين، ولحد الآن تجد هناك تشابه في الأسماء والأماكن وحتى الملامح، وفي هذه الرواية أحاول أن أعيد اكتشاف هذا الموروث الثقافي المشترك. وقد سافرت إلى صقلية وأجريت أبحاثا هناك. علاوة حاجي: - أهي رواية بوليسية؟ وإن كان الأمر كذلك، فلما اختيارك لهذا القالب بالتحديد؟ عمارة لخوص: - نعم، ولكن ينبغي التمييز بين مدرستين في الرواية البوليسية: مدرسة أجاثا كريستي، والرواية البوليسية على الطريقة الايطالية الآن، أو ما يسمى بالرواية السوداء. في الرواية البوليسية الكلاسيكية؛ هناك نوع من التقديس للعدالة ففي النهاية يُلقى القبض على المجرم، لكنني أعتقد حسب ما عشناه في الجزائر أن العدالة لا تنتصر دائما، وهذه الفكرة تتجلى في الرواية البوليسية الايطالية المعاصرة بشكل واضح، فنحو 80 إلى 90 بالمائة من الجُنح تُسجّل ضد مجهول، وحقيقة ما حدث من مجازر واغتيالات بقيت غير معروفة لحد اليوم. ونفس الأمر أيضا ينطبق على الجزائر، في التسعينات مات حوالي 150 ألف إلى 200 ألف شخص، ولا أحد يعرف من قتلهم، لذلك فإن انتصار العدالة على طريقة أجاثا كريستي أمرٌ غير واقعي. هذا من جهة. و من جهة ثانية؛ القالب البوليسي الكلاسيكي هو لعبة بين القارئ والكاتب، إذ على القارئ أن يكتشف من هو المجرم، أما بالنسبة لي فإن القالب البوليسي هو فقط ذريعة للاقتراب من المجتمع. والشيء الثالث والأهم، سواء المجتمع الجزائري أو الايطالي؛ هو أننا دخلنا في مرحلة أسميها مرحلة المجتمع الإجرامي، والدليل هو ظاهرة الاختطاف، وهذه الظاهرة التي عاشتها إيطاليا في السنوات الماضية، نراها في الجزائر اليوم للأسف الشديد، ولما كان الأدب الرفيع هو القادر على التنبؤ بالمستقبل وليس فقط الاكتفاء بالماضي والحاضر؛ فأنا أعتقد أنه عندي إمكانية، من خلال تواجدي في الأدب الايطالي ومعرفتي، على استشراف الظواهر في الجزائر. علاوة حاجي: - ألا أتخشى أن تضع نفسك في إطار ضيق، هو الرواية البوليسية؟ عمارة لخوص: - قطعا لا. فالرواية البوليسية عندي تقوم على مجموع ما ذكرته سابقا، وليست للمتعة فقط. هاجسي في اللغة فمثلا في الرواية القادمة سأشتغل على اللغة الصقلية التي تحوي كثيرا من المفردات العربية. في الأدب الايطالي هناك اهتمام أيضا بهذا المشروع، أنا أقرب إلى محاكاة المجتمع المتوسطي، ولكن يمكن أن أجرب مستويات عديدة لأن الكتابة هي عملية تجريب بالدرجة الأولى. علاوة حاجي: - تناولت ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في مقال صدر مؤخرا، هل تعاني الجاليات المسلمة من التمييز، وهل زادت حدة العداء للمسلمين في إيطاليا بعد أحداث سبتمبر 2001؟ عمارة لخوص: - بعد أحداث 11 سبتمبر وقعت مجزرة إعلامية في حق المسلمين، بعض الأصوليين من أصول عربية انتهزوا الفرصة وأصبحوا وسطاء مع المجتمع الايطالي والمجتمع الأوربي واستغلوا ذلك لصالحهم، فانتشرت في المجتمعات ظاهرة سيئة للأسف الشديد هي "الإسلاموفوبيا" أو الخوف من الإسلام، وهذه الظاهرة قامت أيضا على أسس غير معرفية، قامت على التعميم فإذا ارتكب أحدهم عملا إجراميا فمن الخطأ أن يتعمم على كل الذين ينتمون إلى ثقافته أو ديانته، أيضا قانون التبسيط الشديد ساهم في ترويج أفكار خاطئة ولقيت رواجا كبيرا في وسائل الإعلام. لقد حاولت أن افهم المجتمع الايطالي على خصوصياته، ففي إيطاليا توجد إيطاليات.. الشمال مختلف عن الجنوب وفي الجنوب اختلافات أيضا من مدينة إلى أخرى، لذلك حاولت في روايتي وكتاباتي أن أنبه إلى عقم الأفكار المسبقة والسخرية منها. علاوة حاجي: - هل أتت الرواية بنتائج من هذا الجانب؟ عمارة لخوص: - بالنسبة لي؛ الردود إيجابية، فهي الآن في الطبعة 11 والفيلم انتهى تصويره ليعرض سنة 2009 من إخراج السيدة "إيزوتا توزا"، مع منتج إيطالي وممثلين عالميين إيطاليين وأجانب، أما الدور الرئيسي فأسند لممثل تونسي موهوب جدا اسمه أحمد حفيان. علاوة حاجي: - هل أشرفت على العمل؟ عمارة لخوص: - لا للأسف، فالمنتج اتخذ قرارا، لأنه في بعض الأحيان يكون وجود المؤلف في التصوير أمرا غير مرغوب فيه.. وبالتأكيد هناك تصرف كبير في النص، فالرواية شيء والفيلم شيء آخر. علاوة حاجي: - أتجدُ نفسك مسؤولا عن تحسين صورة العرب والمسلمين في الغرب؟ عمارة لخوص: - لكل شخص دوره ومهامه، وأنا لست سفيرا في إيطاليا، أنا أديب وكاتب، وقبل كل شيء أنا متمسك بحريتي. في بعض الأحيان الوطنية تستخدم كابتزاز، إذا أراد أحد ما أن يتهمني بالخيانة فليفعل، أعتقد أن الوطنية مثل الإيمان يكون بين الإنسان وله، لا يوجد جهاز لقياسها، ولا نحتاج لشهادات في الوطنية. الحمد لله أنا كاتب حر ومستقل، فمشكلة المثقف العربي عموما تكمن في كونه موظفا عند السلطة، فانتقادها من الداخل سيكون من الصعوبة بمكان. علاوة حاجي: - أنت متفرغ للكتابة الأدبية إذن؟ عمارة لخوص: - كنت أعمل بوكالة خاصة، والآن أنا كاتب حر، أتعامل مع بعض المجلات والصحف. علاوة حاجي: - هل تملك الجنسية الإيطالية؟ عمارة لخوص: - نعم ولكنني لم أحصل على الجنسية الايطالية لأسباب سياسية بل ثقافية، على اعتبار أنني كتبت رواية دخلت إلى الأدب الايطالي. علاوة حاجي: - هل سنراك مستقبلا في منصب سياسي على خطى عزوز بقاق؟ عمارة لخوص: - في إيطاليا؟ إنه أمر وارد مستقبلا. علاوة حاجي: - لماذا اخترت ايطاليا بالتحديد للهجرة والاستقرار؟ عمارة لخوص: - تلقيت دعوة من صديق ايطالي للمشاركة في ملتقى بالجامعة، وكان عندي اهتمام أصلا بالسينما الايطالية، وقد فضلت الاستقرار هناك للعمل ومواصلة الدراسة.