المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    ولي العهد يستقبل الرئيس الصيني    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34        المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خالد الزكري: الأدب المغربي يعيش بالسيروم
نشر في عالم برس يوم 15 - 08 - 2009

خالد زكري، ناقد مغربي، يدرس بجامعة مكناس وأستاذ مشارك بالجامعة الفرنسية. لفت الانتباه رفقة نقاد آخرين بالجرأة في التعبير عن آرائه والدفاع عنها ولو خالفت وجهات نظر النقاد والكتاب المخضرمين. يصاحب النص قبل صاحبه، ينصت إليه قبل لقاء كاتبه. يعشق النصوص المشتغل أصحابها على الشكل من دون إغفال المضمون المنحاز إلى الأغلبية، صدى من لا صوت لهم. يقرأ كتابات السرب (الكتابة النسائية، الكتابة السجنية) كما الطائر المنفرد (رشيد ميموني، عبد الحق سرحان...)
- يبدو النقد ضمر، هل يمكن الحديث عن استقالة النقد، الناقد؟
- استقالة الناقد. قد يمكن قول ذلك بشكل من الأشكال، لكن لن نجزم في المسألة بطريقة حاسمة، فللأولى أن النقد، ذلك المكتوب باللغة الفرنسية ممكن أن يقال عنه إنه بقي سجين الدراسات الجامعية، لأن أغلبية النقاد الذين كتبوا عن نصوص أدبية بالفرنسية في المغرب أو قرأوا مؤلفات الكاتب برمتها يمارسون التدريس وليسوا صحافيين محترفين. ونعرف أن الجامعي ليس بالضرورة ناقدا. الجامعي يمكن أن تكون له دراية بآليات الخطاب والنظريات والنصوص لكن ذلك لا يعني أن يكون وسيطا بين الحقل الأدبي وقراء الأدب. ذلك أنه كي نمنح القارئ رغبة في الإطلاع على نصوص معينة يجب أن نتحدث بطريقة معينة عن تلك النصوص حتى نبين أهمية جماليتها أو أدبيتها، وفي الآن ذاته، نبين ما يمكن أن يقدمه للقارئ هذا النص البسيط وذي العلاقة الوطيدة بالأدب. ونوع النقد هذا يجب أن يمارس في جرائد مهنية عملها أن يكون بها عمود مخصص للأدب. لحد الآن، في المغرب لا توجد جريدة أدبية محظ. عبد السلام شدادي ومجموعة من الأصدقاء، ومنهم أنا، عندنا مشروع مجلة أدبية متخصصة في الأدب وبدأنا نشتغل فيه. من يكتب بالفرنسية لا يمكن أن يقال عنه إنه يتمتع بحضور نقدي في الساحة النقدية المغربية بالرغم من أن بعض المجلات باللغة العربية أو الفرنسية تتحدث عن نصوص أدبية أو مؤلفات أدبية بين الفينة والأخرى. أما بالنسبة للأدب المكتوب باللغة العربية بالجرائد الناطقة باللغة العربية فيمكن القول بحضور الأدب. المشكل أن النقد الممارس على صفحاتها تحضر فيه الزبونية والزمالة وقد تكون مسألة طبيعية في كل الحقول المعرفية. لكن الزبونية ليست طبيعية، وهي تطغى على هذا النقد. زيادة على ذلك طريقة الحديث عن النصوص في كل الجرائد الناطقة بالعربية، بدون استثناء، إما أن تمجد أو تذم. لا تقدم قراءات موضوعية من وجهة نظر نقدية، جمالية، أدبية.. وانطلاقا من الملاحظة فالكتاب المسيطرون على القنوات، هم في أغلب الأحيان كتاب لهم موقع في الحقل الأدبي بسلطتهم الرمزية كمفكرين وليس بسلطة رمزية كأدباء. لكن هذا لا يعني عدم وجود نقد، لكنه ليس نقدا منتجا. لأنه، على الأقل، الكتاب بالعربية يتصارعون فيما بينهم، ويبقون يتحاككون على من تكون له سلطة رمزية، من يبرز ومن لا يبرز. وهي مسألة مهمة في الحقل الأدبي.. فقط يجب أن يعلموا أنها لعبة لها قواعدها ويجب أن تحترم. نقطة أخرى حين ننظر إلى ملاحق بعض الجرائد، تلاحظ أنها في نفس الملحق تقدم دراسة أكاديمية لا مكان لها بالجريدة ومقالات يكتبها أناس لا علاقة لهم بالأدب. لكنهم ينتمون إلى حزب الجريدة أو منظمة معينة أو اتحاد الكتاب.. الأدب في المغرب يعيش بالسيروم. والنقد الأدبي أيضا.
- يبدو النقد لعنة جامعية، يمارسها من ينتمي إلى الجامعة تدريسا، أحيانا، أو من يضطر إلى تقديم بحث لنيل درجة جامعية.. قلما نجد ناقدا متخصصا يمارس النقد حبا في الأدب أو غيرة على تطور الأدب الوطني.. تحضرني دائما صورة بيلنسكي هذا الكون النقدي الذي يرفع وينزل ويوجه القراء ويفرض النصوص عليهم..
- يمكن القول إن من أسباب عدم ازدهار النقد في المغرب أن الجامعيين أفهموا الناس أنهم هم وحدهم القادرون على الأدب لأنهم يملكون دبلوما متخصصا في الأدب. ونحن نعرف أن تكوين الجامعيين في المغرب متواضع جدا، ليس كلهم، طبعا.. وهذا الكلام لا يقبلون بقوله ولا سماعه.. لكن الواقع أن الجامعي في المغرب لا يحبب للطلبة الأدب في ردهات الكلية ولا مدرجاتها. ومن لا يحب الأدب، هو نفسه، لا يمكن أن يكتب عنه أو يتحدث عنه أو يزرع حبه في الآخر، القارئ. هذا جزء من الجواب. هناك أسباب أخرى. مسألة ثانية تخص النقد أيضا في المغرب حاليا، الأدباء الذين يستحقون الحديث عنهم لا نتحدث عنهم مثال، محمد لفتح، هو مثال عن الحيف الممارس على الكتاب الذين لا يدخلون في حسابات غير الحسابات خارج الأدب. صدرت له رواية "آنسات نوديا" في سنة (1992) ولم تتحدث عنها الجرائد في المغرب كأن الكتاب لم يصدر. وهي رواية من أقوى ما كُتِب باللغة الفرنسية لمغربي في التسعينيات. وذلك يعني أن الناس يخلطون بين العلاقة مع الكاتب كشخص اجتماعي، وبين النص الأدبي ككتاب له حياة مستقلة. وحياة الكتاب لها قنوات تمر بها، لها نقاد للتعامل معها من خلال قنوات أدبية، لها جوائز تمنح له. وفي المغرب لا نمارس هذا النوع من العلاقة مع النصوص الأدبية أو قليلا ما نفعل. بالنسبة للنصوص المكتوبة باللغة العربية، تعاني كذلك من الحيف. لكن ما يجعل الحيف يمارس ويتكرس هو أن الأدباء المغاربة والصحافيون المغاربة الذين قد يكتبون عن هذه النصوص بالعربية، معايير كتابتهم سياسية إيديولوجية، نفسية سيكلوجية، أكثر منها أدبية. ولا يمكن للنقد أن يولد بطريقة غير مهنية. بطبيعة الحال، حياة الكتاب في المغرب حياة شقية. لذلك بالنسبة للأدباء الذين يكتبون بالفرنسية يعانون أكثر من الذين يكتبون بالفرنسية وينشرون في فرنسا، لأن قواعد اللعبة الأدبية في فرنسا محددة، رغم أن هناك مجموعة من الناس يمارسون الحيف. لكن هناك بالمقابل نقاد يتعاملون مع النصوص بغض النظر عن صاحبها. هذان الصنفان من النقاد يخلقان توازنا في النقد. للحديث بلغة المواطن المغربي، نقول إن الحقل الأدبي المغربي والذين ينشرون في المغرب، إلا ناضت عليهم المحامية ما عندهم مايديروا [إذا ما هوجموا لن يفلحوا في الرد وقد لا يجدون فضاء للرد..]. لا مخرج لهم، لأن ما أسمع به كثيرا: ليس أن هذا الكتاب جيد، بل يقولون "مولاه فلان، مولاه ظريف، ما مزيانش.." عموما لا نسمع كلاما عن النص، بنائه، مضمونه، لذة القراءة، الكتابة المحبوكة... لأن النقد الأدبي يتطور ويولد حين تنقص الحسابات الزبونية والشخصية وقد لا تنعدم كليا. هناك مجموعة من الكتاب مكرسون في المغرب، خصوصا أساتذة جامعيون تقريبا، لأنهم يستعملون سلطة الأستاذية كي تدرس نصوصهم، وتعد عنها أطروحات، ويبقون يدورون في الكليات ويتكلمون في المعادلة الثقافية ويأخذون الكلمة باستمرار، لأنهم "يساعدون في مساءلة المجتمع". فهناك علاقة إبهام بين التكريس المؤسساتي والتكريس الأدبي فالمغربي عموما يظن أنك إذا كنت قاري بزاف [قارئا كبيرا]. ويمكن أن تكتب أو تعرف اللغة يمكن أن تكتب. وفي عقلية المغربي فالجامعي مثقف، قاري بزاف. حين يصدر جامعي كتابا ويصدر آخر كتابا وهو يدرس بالثانوي يقولون لا يمكن أن يتساوى هذا والآخر. وهذا خطأ فادح غير مؤسس. والكتاب الحاصلون على دبلوم يديمون هذا الغموض، يستغلون هذا المزج. مثال ذلك، إبراهيم أبوزليم أصدر نصين سيرذاتيين، بالرغم من أنه جنسهما رواية. نشرهما على حسابه. رغم جميع المؤاخذات التي يمكن أن تمس بناء النص فهو وجب أن يشكل حدثا في الحقل الأدبي، وكان يجب أن يشكله لأن صاحبه وزعه على الأكشاك، وعلى بعض المكتبات. والقراء كان لهم تهافت عليه. لكن مورست ضغوط على الكاتب ليسحب نصوصه من السوق، من جميع الجهات.
- خالد، كيف امتهنت لعنة النقد؟
- تمرين جعلني أدرك هذه المسائل هو أن مجلات أدبية سهلت الابتلاء بهذه اللعنة، ومن تم فاللعنة التي مورست علي ليست لعنة الجامعة. اللعنة سهل الابتلاء بها ضرورة المرور من مجلات أجنبية لأصل إلى حوار مع المغرب. مجلات فرنسية تهتم بأدب الجنوب، تطلب مني مقالات عن أدباء الجنوب أو المشرق. ثم كانت هناك بعض الجمعيات والهيئات التي تمارس الثقافة على مستوى المواطنين تطلب المشاركة في موائد مستديرة في بعض المدن ومنها الصغيرة. بطبيعة الحال، هذا التمرين جعلني أدرك ضرورة أن اللغة التي يجب أن أستعمل يجب أن تكون في متناول القارئ العادي. وهذا التمرين جعلني أتحدث عن الأدب من تجربة قارئ عادي وليس جامعي. موازاة مع ذلك، أشتغل في البحث الأكاديمي مع جامعيين حسب المعايير الأكاديمية وفهمت أن هاتين الممارستين النقديتين المختلفتين قد تتكاملان ولا يجب الخلط بينهما. ما جعلني أتعامل مع الأدب بطريقة ليست عقلانية ولكنها تعتمد المشاعر والأحاسيس وما يمكن أن يقدمه لنا الأدب في علاقاتنا بالعالم وما يعلمنا إياه.
- عبد الحق سرحان، كيف اكتشفت نصوصه وما الإغراء الذي جذبك نحو دراستها في كتاب خاص؟
- لم أكتب عن كاتب تحت ضغط معين. دائما أقرأ نصوصا أتفاعل مع بعضها وأخرى لا أتفاعل معها. والخطأ مني أحيانا حين لا أقدر أن أجد فيها ما أتجاوب معه.
- لو عدنا إلى قراءة نصوص سرحان نقديا؟
- يمكن أن نقول إنه كاتب ملتزم ليس بالمفهوم السارتري للكلمة. هو ملتزم في علاقته باللغة الفرنسية، وهي ليست علاقة مبايعة كما هو حال مجموعة من الأدباء، لأنه يحاول دائما أن يمارس نوعا من الترجمة الثقافية داخل نصوصه. بمعنى أن رواية "مسعودة"، هي إعادة كتابة "الماضي البسيط" (رغم عدم دقتها) بطريقة خاصة حسب مسار آخر وبلغة مختلفة عن لغة الشرايبي، بمعنى أن البنية الداخلية للغة "مسعودة" مسكونة باللغة الأم لسرحان. ومسكونة بالشعور واللاشعور الثقافي الشعبي لسرحان وقد وظفه في تلك الرواية. والجانب الثاني التزامه المشاكل التي يعيشها المغرب. كتب عن المشاكل الاجتماعية والسياسية للبلد في قالب روائي، من ذلك أيضا روايته "الأزمنة السوداء" التي تحكي مرحلة الحماية والخيانات التي سادت خلال مرحلة المقاومة وروايته هذه مجاز للمغرب الحالي. لكن قوة كتابته آتية من أنه لا يسقط في الكتابة الوثائقية، والتزامه لا يجرد الكتابة من أدبيتها ولذتها وإبداعيتها. والقراء لا يعرفون أن سرحان شاعر أصدر دواوين شعرية الحريگة وهي نبتة، "أنشودة الحريگة"، وهي ديوان شعري فيه التزام ومواقف تجاه المغرب المعاصر الذي عاشه الكاتب. ديوان آخر هو "القصيدة الثملة" العنوان في الفرنسية يحيل على الثمالة ولكن في نطقه يحيل على الكتاب. ومن ثم هناك إبهام في المعنى يوظفه الكاتب من العنوان. والقصيدة تقوم على اللعب اللغوي، والشعر هو ممارسة لغوية. والنقد المغربي الحالي يجب أن يستمع كثيرا وبجدية للشعراء المغاربة الذين يكتبون باللغة العربية. فالإبداع الأدبي في المغرب، حاليا، يعتبر الشعر فيه هو الأقوى. رغم كل ما يقال عن "أنطولوجية" اللعبي فهي بينت قوة الشعر في المغرب وخاصة الجيل الجديد ومن قبله. فالشاعر، اللعبي، يقوم بتتبع كل ما يحصل في الساحة الشعرية المغربية. فالحقل المغربي محظوظ أنه يملك شاعرا بالقوة الإبداعية لعبد اللطيف اللعبي.. "سنوات الكلب" [لسرحان]، حياة الكلاب، تعرض لسنوات عجاف وتوظف بعض التيمات التي تحولت بسرعة إلى مسكوكات ومنها المرأة المضطهدة من النظام الأبوي. يوم موت الأب تجتمع البنات ويكون فلاش باك يعرض لوضعية المرأة في المغرب وفي الوقت نفسه يتحدث عن مشاكل المغرب فيتجاوز النص وضعية المرأة إلى وضعية الرجل. جانب الالتزام في الرواية مرتبط بالطريقة التي تجعل الرجل يسقط في فخ الفحولة الخاصة به والسلطة الوهمية التي يضمنها له وضعه اتجاه المرأة، التي تنتج مقابل سلطته الوهمية آليات المقاومة المؤسسة على الحيلة. وصمت المرأة لا يعني بالضرورة الخضوع، لأنها حين تتاح لها فرصة المرور من الصمت إلى الكلام لا تتردد لحظة واحدة. لكن إذا ما بدت نوع التيمات بسيطة وساذجة فالبناء الروائي الذي يوظفه سرحان في روايته هو الذي يجعل النص قويا أدبيا. وهذا جانب من الرواية، وهي تيمة أساسية انطلق منها لبناء روايته.
- رشيد ميموني، مبدع أقام بين ظهرانينا، استطاع أن يبدع تاريخ بلده ولحظته الراهنة كما يتسنى للكبار أن يفعلوا ذلك. قد يكون شموخ نصوصه هو الباعث الأوحد على تخصيص كتاب لتجربته الإبداعية؟
- ما أثارني في تجربة ميموني هو رواية يحتقرها الناس ومسها الإهمال، نشرت في الجرائر، وعنوانها "سلام يجب أن نعيشه" أو "سلم يعاش"، لم تنل حظها من الاهتمام. حكايتها بسيطة، الشخصية الرئيسية مشحونة في علاقتها بالعالم ببعد عاطفي، وكتابة الرواية نفسها تشبه إنشاء مطولا وربما لهذا السبب لم يُعن بها الناس أكثر. لكن النص يمثل بدايات الميموني، بينما النصوص التالية قوتها لا نقاش فيها. "طومبيزا"، و"شرف القبيلة"، "إعدام يعاش" وهو تغيير لعنوان "عبء معيش"، "النهر المحول مجراه"، "ربيع لن يكون إلا أجمل"..
- أول مجموعة قصصية نشرت للميموني بالمغرب، هي "حزام الغولة". ورواية في بداية التسعينيات "اللعنة"، وهي رواية تحكي تراجيدية العنف في الجزائر أثناء الحرب الأهلية.
- صحيح، بينما الروايات السابقة لها علاقة بالصراع بين الأصالة والمعاصرة في الجزائر وبإشكالية الحزب وعبث الإدارة والدكتاتورية فمثلا رواية "عبء معيش"، تبدأ وتنتهي على شكل رواية غابرييل ماركيز "مائة عام من العزلة"، حيث أن الشخصية الرئيسية تظهر في مستهل الرواية في موقف إعدام، والرواية تختم بالإعدام. وبين الاستهلال والخاتمة سوف تعيش الشخصية الرئيسية متاهات السلطة ودهاليز العشق وصعوبة توازن بين العشق والسلطة. فتيمة فخ السلطة تشكل المحور الأساسي في هذه الرواية. ورشيد ميموني يمكن اعتباره كاتبا ملتزما لكنه كان دائما جد حريص على بلورة نصوصه جماليا. وهو يعد من أهم الكتاب الذين واصلوا سبيل كاتب ياسين بالرغم من أن طريقة كتابته تختلف عن طريقة كتابة ياسين، إلا أن روايته هذه تعتبر قراءة مستمرة لرواية "نجمة" وحوارا معها. لا يجب أن يفهم من هذا أن "نجمة" تمارس سلطة إخصائية ما على رشيد ميموني. لكن ربما رواية "اللعنة" بطبيعة الموضوع المثار كانت مرتبطة بالواقع بطريقة مباشرة، واقع الإرهاب بالجزائر. وكانت تضحية نسبية بالبلورة الجمالية للنص.
- هذه الرواية تتضمن المواد ذاتها التي وظفت في كتاب رشيد ميموني "عن الوحشية عموما وعن الإرهاب خصوصا" مع اختلاف المعالجة التي يتطلبها جنس الكتابة في الكتابين...
- هذه الرواية كتبها في المرحلة ذاتها التي كتب فيها مجموعة مقالات أو دراسة يتخذ موقفا من الإرهاب والوحشية المسيطرة عليه "عن الوحشية عموما وعن الإرهاب خصوصا". ولذلك هناك صدى هذا الكتاب في الرواية. لذلك رغب في الحديث إبداعيا عن مرحلة الإرهاب التي عاشتها الجزائر واتخاذ موقف مواطن ملتزم وواضح اتجاه الإرهاب...
- في المغرب، قد لا نجد الشجاعة ذاتها التي يتميز بها الكتاب الجزائريون في الحديث عن بعض القضايا الوطنية الكبرى أو التابوهات، بينما نجد مبدعا كرشيد بوجدرة ينتقد الثورة الجزائرية التي تم تقديسها إلى درجة التأليه؟
- المفكرون والكتاب الجزائريون والصحافيون يمتلكون نوعا من الشجاعة في الحديث عن القضايا والمشاكل السياسية، بينما في المغرب نجد نوعا ما النقاش والإشكاليات المطروحة ذات صبغة اجتماعية أكثر منها سياسية. لكن إذا قارننا انتقاد المفكرين الجزائريين لما يحصل في بلدهم يمكن القول إنهم أكثر قدرة وشجاعة على التعبير عن آرائهم من زملائهم المغاربة. مثلا، ليس عندنا مفكر يهبط إلى الشارع لحظة انتفاضة المواطن، ولا مفكر يتخذ مواقف صريحة عندما تطرح أزمة في المجتمع من ذلك مثلا البطالة. لا حديث ولا خطاب ينتجه المفكرون عن هذا المشكل. والتعليم نفسه تقام بشأنه ندوات تقيمها المؤسسات، تجتمع لجان لا أحد يعرف كيف تشتغل، وهي تشتغل في غموض ولا تصدر قرارات لأنها تتخذ تزكيتها من جهات ما أو تجد لها قالبا لتمريرها. بل حدث مؤخرا أن المدارس الفرنسية بالمغرب ضاعفت أثمنة تسجيل التلاميذ المغاربة الراغبين في الدراسة بهذه المؤسسات الفرنسية، وقد نظم آباء التلاميذ بهذه المدارس الفرنسية وقفة احتجاجية لتنبيه المؤسسة الفرنسية التابعة للدولة الفرنسية لتحجم عن هذا القرار. المشكل أنه خلال الدفاع عن رأيهم قيل لهم بأن الزيادة في هذه الأثمنة فرصة للأغنياء ليدرسوا. ومعنى ذلك أن المغاربة الذين يمتلكون موارد مالية أقل من هؤلاء الأغنياء سيحرمون من فرصة الدراسة بهذه المدارس. في الحقيقة، المغاربة منتجو هذا الخطاب كان بإمكان تصرفهم أن يكون أفضل وأكثر عقلانية لو قاموا بوقفة احتجاجية وساندوا المحتجين.. والمدارس العمومية وصلت درجة الرداءة جعلت المغرب يصنف مع محتلي الصفوف الأخيرة في العالم. بعبارة أخرى، الآباء من حقهم الدفاع عن مصالح أبنائهم وهو حق مشروع، وإذا أحسوا أنهم قادرون على ممارسة الضغوط على مدرسة أجنبية فذلك جيد وإلا وجب أن يساندوا في مهمتهم من المثقفين والمجتمع. يجب التفكير في أنهم مغاربة وأن مشاكل المغاربة الآخرين تهمهم. لأن من العار على مواطن مغربي أن يبحث عن حلول فردانية وينسى أن الحلول الشمولية هي القادرة على إخراج المغرب من أزمته الخاصة بالتعليم. المفكرون مثلا، يسود بينهم الرأي القائل إن التعليم رديئ ويحتاج إصلاحا.. لكن في الساحة العمومية لا ينتجون خطابا يمتاز بالشجاعة الكافية والواضحة ليسمعوا صوتهم للمواطنين وللدولة. أظن أن الإصلاحات الآتية من الخارج، من فرنسا، لا يجب أن ترفض لأنها من أجانب بل نقبل ما يمكن أن نفيد منه مع اعتماد نظرة انتقادية نؤقلمها مع السياق الذي نعيش فيه. التعامل مع الغرب عموما إيجابي وضروري، لكن يجب على السياسيين والمفكرين في المغرب التعبير عن ضرورة التفاوض في شأن وطريقة تدبير الإصلاحات المستوردة. فإذا كان لأحد ما حلولا تهم المناهج التدريسية، يمكن الاستفادة منها، يجب عليه طرحها، لكن على سياسيينا ومفكرينا امتلاك رؤية واضحة عن المشروع الواجب تطبيقه في المغرب حتى إذا نقلوا إصلاحات من الخارج يعرفون أقلمتها مع الواقع الذي نعيش فيه. يمكن لمنهجية أن يكون لها تأثير ايجابي في سياق ولا تأثير لها في سياق آخر. التعليم هو تكوين مواطن ليس بالمعرفة، بل تكوين مواطن متوازن فوق الأرض التي يعيش فيها. المفكرون يعيشون في واد، والمواطنون الذين يعانون من اليومي يعيشون في واد. مفكرونا يعيشون في الكتب وفي المزايدات والأحاديث البزينطية، ويتعاملون مع المعرفة بما هي مسألة فكر محض، ولا يبحثون على تجسيده في المجتمع. لا يتكلمون عن ظواهر اجتماعية لها تأثير كبير على الشباب مثل "البولفار"، ومجموعات موسيقية مثل "الدرگة"، "هوبا هوبا سبيريت"، التي تنتج موسيقى فيها مزيج من الآلات، الكلمات، الإيقاعات ولها علاقة وطيدة بالإنسان المغربي الحالي، إنسان القرن الواحد والعشرين. لا أحد يهتم بها والشباب متأثر بهذه المجموعات. كلمات هذه المجموعات لا يجب أخذها بالاستخفاف. مجموعة "الدرگة" لها أغنية عن الزعيم عبد الكريم الخطابي، وحضور الخطابي في القرن الواحد والعشرين عند الشباب له دلالة كبيرة تعني استمراره بين الأجيال والرغبة في عدم التفريط في رمز من رموز المقاومة في تاريخ المغرب.
- طبعا أغاني المجموعة هي ضد الإهانة، وتعتبر الخطابي رمز المقاومة والكرامة وعدم الاستسلام. معنى ذلك أن أعضاء المجموعة يتحدثون عن المغرب الحالي، ونفهم من الأغنية أن الشباب يشعر أن كرامة المغربي مخدوشة. والحديث عن كرامة المغربي فيه إحساس أن هذا المواطن لم يعد يحس بقيمته.. لو نعود الآن إلى كتابك الأخير. فقد تناولت فيه ثلاثة محاور: الكتابة السجنية والكتابة النسائية والكتابة المثلية، وهي كتابة جديدة..
- لم أفكر في الموضوع حتى بداية الكتابة. الجزء الأول خصصته للحداثة في الحقل الأدبي ومسألة القارئ في النص ثم اتضح من خلال النصوص المقروءة عربية وفرنسية أنه انطلاقا من التسعينيات بدأت النساء تكتبن كثيرا، وأن الكتابة السجنية كثرت وخاصة بعد وفاة الحسن الثاني، رغم أنه وجدت نصوص قبل وفاة الملك، مثل "مجنون الأمل" للعبي، والرسائل السجنية له أيضا، ورواية "في ظلال لالة شافية" لإريس بويوسف الرگاب. لكن هذه النصوص نشرت في فرنسا بما فيها نصي كريستين السرفاتي وزوجها أبراهام السرفاتي. لكن بالنسبة للنصوص المكتوبة باللغة العربية نشرت تقريبا بعد وفاة الحسن. فيما يتعلق بالكتابة السجنية، فقد رتبت الدولة أمورها لتكون هذه الكتابات في إطار الحفاظ على الذاكرة. هي مرحلة عابرة إذ كثر الحديث عن هذه الكتابات ثم انتهى الأمر كأنه موضة. هذا يبين أن الكتاب المغاربة لا يتعاملون مع مأساة الناس بجد لأنها لا تطرح لهم مشكلا. والذين كانوا في السجن يفهمون أكثر من غيرهم أن جبن الكتاب والمفكرين يتمثل في كون هؤلاء لم يكتبوا عنهم ولا تحدثوا عنهم. المحور الثالث يتعلق بالكتابة المثلية الجنسية، وقد كتب أول نص عن المثلية سنة (1995). وتسمى هذه الكتابة، حسب المتحدث عنها، اللواط أو المثلية أو مضاجعة النظير أو الشذوذ.. هي عبارات لا تحيل على نفس الدلالة لأن الثقافة المغربية لم تضبط هذه المصطلحات ولم تسائلها لتفهم الظاهرة. ومن كتاب هذه النصوص (عبد الله الطايع)، (رشيد أو)، (كريم ناصري).. المركزي في هذا الأدب هو تكنولوجية السلطة على الجسد، وعلى الجنس المحرم، وجل هؤلاء الكتاب قد نشروا مؤلفاتهم في فرنسا ما عدا إبراهيم بوزليم. فيبدو أن هذه التيمة لا تجد في الفضاء الأدبي المغربي صدى ايجابيا وربما السبب الأساسي لا يكمن في كون هذه التيمة تعد تابوها بقدر ما يكمن في كون المتلقي يجد نفسه أمام نصوص لا تندرج في التجربة الجمالية التي اعتادها عند المؤلفين المغاربة الآخرين. فالسمة الأساسية لهذه النصوص يمكن أن نختزلها في العبارة التالية "البساطة في اللغة تبلغ بعض الأحيان حد السذاجة". فهؤلاء الكتاب ربما نظرا لطبيعة "الشهادة" التي يودون تبليغها للقراء تحول الشهادة دون بلورة لغة الكتابة. وفي الآن ذاته، تطرح هذه الروايات مباشرة أو ضمن النوع والجنس والجسد في المجتمع المغربي. الكتابة السجنية يمكن تصنيفها اتخذت عدة أشكال: الشهادة والرواية والشعر والمسرح كذلك: اللعبي "التعميد الثعلبي"، والقصة القصيرة "كلبة تازمامارت" وتمت مسرحتها في فرنسا بالعنوان ذاته. صلاح الوديع في قصيدة "تازمامارت" و"العريس" وفي الرواية هناك "مجنون الأمل" اللعبي، "حديث العتمة" لفاطمة البيه تعتبر رواية سيرذاتية.. و"درب مولاي الشريف" لجواد مديدش، ثم هناك شهادات عن تازمامارت ومنها "تلك العتمة الباهرة" للطاهر بنجلون و"الزنزانة رقم عشرة" للمرزوقي، وشهادة الأمين مشبال "أحلام الظلمة"، "أفول الليل".. وفي مجال الرسائل نجد بويوسف الركاب و"رسائل السجن"، واللعبي و"يوميات أخبار قلعة المنفى"... ويتضح من خلال قراءة هذه المؤلفات حول التجربة السجنية أن القدرة عن الحديث في المعتقل والاستمرار في الحديث والكلام هو عبارة عن مقاومة ساعدت أغلب السجناء على الصمود والمقاومة ضد الاضطهاد النفسي الذي كان يحاول أن يمارسه عليهم حراس النظام السجني. فمثلا في تازمامارت كان هناك حوار مستمر بين السجناء من داخل زنزانة كل واحد منهم، وهذا الحوار كان عبارة عن استرجاع الذاكرة إلى الحياة السعيدة التي عاشوها قبل ردعهم في تلك الحفر السوداء. ومثلا، كان (بوريكات) يحكي للمعتقلين انطلاقا من زنزانته الأفلام التي شاهدها واللحظات التي عاشها. وكان سجناء آخرون يتلون القرآن بطريقة منتظمة وكان للقرآن دور كبير في خلق جو السكينة لديهم. والذكريات العائلية والشخصية نفسها لعبت الدور ذاته.. الكتابة النسائية المكتوب بالعربية انطلقت مع الكاتبتين المعروفتين خناتة بنونة وليلى أبوزيد.. أما نصوص الكتابة النسائية التي كتبت بالفرنسية فكانت قبل التسعينيات إذ كتبت عائشة بنحدو، "عائشة الثائرة". انطلاقا من التسعينيات بدأت أصوات النساء تظهر شيئا فشيئا في الساحة الأدبية. ففي المرحلة الأولى كانت الشهادة تطغى على البناء السردي وفي مرحلة ثانية ظهرت كاتبات كمليكة مستظرف، رجاء بنشمسي، ياسمين الشامي الكتاني، بثينة عزمي طويل.. بعد الشهادة حضر، في البداية بقوة، البعد السيرذاتي ثم حضرت من بعد كتابة الجسد بقوة، انطلاقا من علاقة المرأة بالرجل ومنها المسكوكات في البداية. فالمرأة دائما في جل الروايات تبدو ضحية النظام الذكوري، لكن في مرحلة أخرى كان تجاوز هذه المسكوكات شيئا ضروريا بالنسبة للكاتبات اللواتي يطمحن في إنتاج نصوص أدبية ذات طابع إبداعي، بعيدا عن القراءات المرجعية السياقية (الإحالية). لكن الكاتبات المغربيات يعانين من الاعتراف بهويتهن كمبدعات حيث أن وظيفة الكاتبة ليس من السهل أن يعترف بها من طرف القراء والنقاد الذين لا يزالون يعتبرون الكتابة كقلعة محصنة للرجال.
- قبل أن نختم نزهتنا هذه، لابد من كلمة في حق هذا المبدع الحقيقي، محمد لفتح، الذي رحل من دون أن يحتفى به باعتبار عياره الأدبي..
- الأدب المغربي اليوم لا يمكنه أن يتجاوز أو يغض النظر عن كاتب كمحمد لفتح. يجب على النقاد والقراء المغاربة أن يطلعوا على مؤلفاته التي نشرت بدار النشر "لاديفيرونس"، ويجب على أولئك المتطفلين الذين يريدون إيهامنا أنهم قد اكتشفوه قبل الآخرين أن الفضل يعود لسليم الجاي ولجواكيم فيتال ناشره في إحياء نصوص محمد لفتح. أول نص نشر له "آنسات نوميديا" وتبعه "في نعيم الينبوس"، و"عنبر أو تحولات العشق" "شهيد من زماننا"، ونصوص أخرى. من مميزات أدب لفتح التوظيف الخاص للغة، حيث أنه يمارس ازدواجية لغوية داخل الفرنسية ويقوم بها بطريقة شاعرية لم يسبق لأي روائيين مغاربة أن مارسوها. بالإضافة إلى هذا فهو يوظف في رواياته وفي قصصه القصيرة شخوصا هامشية تنتفض على المعايير وتعيش خارج المعايير الاجتماعية والأخلاقية المتفق عليها. وهذه الأشياء نجدها في الأدب العالمي، لكن لفتح يعيد لهذه الشخوص الإنسانية التي جردت منها. ويقوم بهذا كله عبر لغة شاعرية مدهشة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.