ثمّة ظاهرة تكادُ تكونُ كونيّةً، رافقتِ النّشرَ الإلكترونيَّ الأدبيّ، استحسنَها بعض ورفضها آخر، وما زالَ قسمٌ ثالثٌ لم يحسمْ موقفَه منها. إذ شهدتِ النّصوصُ الأدبيّة النّسويّة تعليقاتٍ متباينةً، تراوحتْ بينَ النّقدِ الموضوعيِّ، والمّدْح المتحيّزِ لتاءِ التأنيثِ على حسابِ الإبداع، حتى باتَ مِن السّهل إحصاءُ جملةٍ مِن التعليقاتِ الصّادرة عن (نقاد وشعراء وكتّاب)، على نصوصٍ رديئةٍ لغويًّا ونحويًّا وبنائيًّا، بل ولم يتردّدْ بعضُهم في الإعلان صراحة،ً عن دوافعِهِ الحقيقيّةِ في كتابةِ التّعليق! تقولُ الناقدةُ يُمنى العيد، بأنّ الكتابةَ النّسائيةَ هي عمليّةُ تحريرٍ لقدراتِها الفكريّةِ، ومجالٌ لممارسةِ مداركِها ومشاعرِها، ولإنضاجِ رؤاها، كما أنّهُ سبيلٌ لإغناءِ وعيِها، وتعميقِ تجربتِها بالحياةِ، إنّه إمكانيّتها الوحيدة لإقامة علاقةٍ جماليّةٍ مع الواقع، تعطيها فرصةَ الاستمتاعِ بفرحِ الإبداع! وبناءً على هذهِ المقولةِ أطرحُ الأسئلةَ الأساسيّة: كيفَ ينظرُ المعلّقُ للمرأةِ ولعمرها، ومِن أيّةِ زاويةٍ، أبوَصْفِها كاتبةً أم أنثى أم شابّة أم جميلة أم ... الخ؟ هل تظلُّ الكاتبةُ معَلَّقةً ومرهونةً على اللاّئحةِ السّوداء، إلى أن يُبيِّضَ صفحتَها أحدُ النّقّادِ الذّكور، وحينَ يرتبطُ اسمُها بلصيقِ اسمِه، يتأتّى لنصوصِها أن ترى النّور، وتحظى بشرعيّة بنوّتها لإبداعِها؟ هل يظلُّ وضعُ المرأةِ في عينِ الرّجلِ تحتَ المجهرِ وتحتَ عدسةِ ضوئِهِ، مِن أجلِ إتمامِ البحوثِ عنها!؟ هل التعليقاتُ والرّدودُ فعلاً تُلبّي أهمّيّةَ الحاجةِ إلى التّحاورِ الأدبيِّ بينَ الرّجلِ والمرأة، مِن أجل خلقِ التّجاورِ الفنّيِّ للإبداع، أم ...؟ هل كلُّ الآراءِ في حقيقتِها مُناصرةً للمرأةِ، أم ببعضِها هيمنةٌ خفيّةٌ للذّكورةِ؟ وأخيرًا، هل يطولُ أمدُ هذا الصّراعِ الثّقافيِّ الحضاريِّ، بينَ الذّكورةِ والأنوثةِ إبداعيًّا وسلوكيًّا، حتى نصل إلى الأدب الإنسانيّ؟ هناكَ تجارب أدبيّة نسائيّة استطاعتْ أن تلفتَ الانتباهَ إليها بآليّاتِ إنتاجِها المختلفةِ، وبطابعِها الخاصِّ المتميِّزِ، فكانَ لها أثرٌ كبيرٌ، وقد حظيتْ بالإعجابِ على مستوياتٍ عمريّةٍ مختلفةٍ، لِما تتبطّنُهُ مِن التماعاتٍ تستحقُّ الاحتفاءَ بها، ويجدرُ الاهتمامَ بتشجيعِها وتطويرِها، وإتاحةِ الفرَصِ للكاتبةِ من أجل التّعلّمِ والتثقّفِ، كي تتنفّسَ بصورةٍ هادئةٍ وسليمةٍ! وهناكَ تجارب أدبيّة تحتاجُ إلى حضانةٍ دافئةٍ ورعايةٍ مؤاتيةٍ مكثَّفةٍ، كي لا تمضي التجربةُ بنبرةٍ خفيضةٍ، بل تؤازرُها كي تنضجَ وتتبلورَ وتتألّقَ! لكن، هناكَ أيضًا تجارب تخلو من التماعةٍ، سرعان ما تتداعى وتنهارُ بينَ الشّكّ والظّنّ، وينتهي بها الوهمُ بخيبةِ أملٍ، فتنطفئُ السّيجارةُ، وتحتجبُ الكاتبةُ عن السّاحةِ الثّقافيّةِ، أو تظهرُ بأسماءَ مستعارةٍ، أو تتخفّى وراءَ المطالعةِ بعيدًا عن الكتابةِ، أو تهجرُ الحروفَ كتابةً وقراءةً، مشحونةً بكمٍّ لا بأسَ بهِ مِن النّقمةِ والنّدم! ولو تابعنا مشوارَ المرأةِ النّضاليِّ الأدبيِّ، لوجدنا أنّها بإرادتِها تمكّنتْ مِن الوقوفِ في وجهِ التّحوّلاتِ التي شاءَها لها الرّجُل، وقد تحدّتْ ودخلتْ مختلفَ الميادينِ الثقافيّةِ والأدبيّةِ، وأتاحتْ لنفسِها أن تكتبَ وتُناضلَ ضدَّ قهرِها، مطالِبةً بالعدلِ وبحرّيّتِها، وبما أنّ القاعدةَ مِن تحتِ قدميْها كانتْ متأرجحةً وغيرَ ثابتةٍ، فقد ظهرتْ نماذجُ كثيرة لكاتباتٍ كتبنَ ليسَ بدافعِ استقلاليّتِهنَّ، إنّما لتحقيقِ مشيئةٍ ذكوريّةِ الصّياغةِ، فكتبنَ بلغةٍ أنثويّةٍ ضدَّ الأنوثةِ، أو بلغةٍ ذكوريّةٍ ترفضُ الاستسلامَ والرّضوخَ، أو خلقنَ نصوصًا أدبيّةً تتساوقُ مع الدّعواتِ والأبحاثِ بعيدًا عن كينونتها الأنثويّةِ، دائسةً بذلكَ على عاطفتِها وأنوثتِها بشكلٍ ناقم أو راضخ، لماذا! هل لتخرُجَ عن نظامِ الطّبيعةِ المفروضِ، ذاك النظامُ الأبويُّ، والتّقسيمُ الطّبقيُّ بينَ خضوعِ المرأةِ وسيادةِ الرّجلِ عليها؟ هل لتُجاريَ الرّجلَ في امتيازاتِهِ التي تُقيّدُها وتُحجِّمُها؟ هل لأنّها وقعتْ ضحيّةَ الفخِّ السّائدِ، وأرادتِ التّمثُّلَ بالرّجالِ، لتتجاوزَ بوّابةَ الأدبِ المحظورِ الممنوعةَ مِن دخولِها؟ عبر السنوات الأخيرة، أخذ الوعيُ الأنثويُّ في التّزايدِ بعيدًا عن الموروث الذّكوريِّ، فجعلتِ المرأةُ تُعرّي المخبوءَ في جواريرِ المحظوراتِ، وتكشفُ المسكوتَ عنهُ مِن التّزييفِ، وتُظهرُ الخفيَّ بثنايا إبداعاتِها، ولا زالتْ تُواكبُ مسيرةَ الاستنهاضِ بالمرأة، ثقافيًّا واجتماعيًّا وحضاريًّا، وهي لا تنسى أبدًا، أنّهُ قد يُزَجُّ بها تارةً في خانةِ الإعجابِ والرّغبةِ بها مِن جهةٍ، وقد تَدفعُ ثمنَ إبداعِها باهظًا، إن لم تُدركْ قراءةَ خريطةِ الكمائنِ المتربّصةِ بها وببناتِ جنسِها، ليسَ مِن الرّجلِ فقط، وإنّما حسدًا وغيرةً مِن المرأةِ أيضًا، ولكن، ومع هذا الإدراك هناكَ ما يدعو للاستغراب: الأديباتُ، لماذا لا يتكافلنَ ولا يعملنَ معًا بلغةٍ حميمةٍ وثّابة، إلى ما هو أفضل لهنَّ كمجموعٍ لا كأفراد، ليُشكّلنَ معًا الهويّةَ الأنثويّةَ الثّقافيّةَ والحضاريّةَ الرّاقية، والتي تتوقُ إلى منافسةِ الهويّةِ الثّقافيّةِ الذّكوريّةِ بشكلٍ متنامٍ ومتطوّر؟ لماذا لا تعملُ المرأةُ على مساندةِ أختِها في الإبداع والنّقدِ، بل وتمارسُ عليها أحيانًا فنونَ القمْعِ، مِن خلالِ مقاطعتِها، أو الغيرةِ منها وحسدِها! هل لأنّها تشبّعتْ فكريًّا بهيمنةِ الإرادةِ والرّغبةِ الذّكوريّةِ؟ أم هيَ محاولة صراعٍ طبيعيٍّ، كي تتجلّى بتميّزِها أمامَ الرّجُل؟
وهناكَ مَن يقعُ تحتَ تأثيرِ الإيحاءاتِ الجماليّةِ للصّورةِ المرافقةِ للنّصّ، فيُسقِطُ مشاعرَهُ على النّصّ، بعيدًا عن خصائصِهِ وجماليّاتِهِ، وقد يتمادى حدَّ التّحرُّشِ الخارج عن اللّيقات الأدبيّة! لهذهِ النّوعيّةِ المتحرِّشةِ مِنَ المُعلّقينَ، درجاتُ انخفاضٍ وارتفاعٍ وعدم توازن في حدّةِ الجموحِ الرّغبويِّ والمزاجيِّ، تقودُهم خطاها إلى سلوكيّاتٍ شاذّةٍ أحيانًا، لأسبابٍ تكمنُ وراءَ الخطى، فالمرأةُ بالنّسبةِ لهم، تُشكّلُ مدلولاتٍ معقّدةً لا تختلطُ ببعضِها، ويُمكنُ أن تعودَ إلى مُكوّناتِها الأساسيّةِ في حالةِ خذلانِها، إن نجحَ هذا الناقدُ في سلبِ إرادتِها وقمعِ طموحِها، وإن تمكّنَ من جعْلِها عاريةً إلاّ مِن أنوثتِها التي قد تكفرُ بها، معتبِرًا، أنّ إبداعَها هو مجرّدُ عتبةٍ، يُمكنُ اجتيازَها فنّيًّا وإنسانيًّا بحذرِهِ وتبصُّرِه الأفعوانيّ. وبعيدًا عن فكرةِ التعميمِ المُسيئةِ للحركةِ الثقافيّةِ، هناكَ تركيزٌ واضحٌ لبعضِ أصحابِ المواقع، على نشْرِ صوَرِ الفتياتِ وخاصّة الأجمل، لماذا؟ هل هذا التوجّهُ والتوجيهُ إنّما يعكسُ حقيقة المجتمع سلبيّا وإيجابيًّا، أم أنّ الأمرَ منوطٌ بنِيّةِ تشجيع الأقلامِ النّسائيّةِ، والشّابةِ خاصّة؟ أم من أجلِ استقطابِ عددٍ أكبر من القرّاءِ من ناحيةٍ، وللتّرويجِ للموقع مِن ناحيةٍ أخرى؟ ألا يحدثُ أحيانًا كثيرةً، أنّ أحدَهم يُوقّعُ نصَّهُ باسمِ امرأةٍ، ويُرسلُ صورةً لصديقتِهِ الجميلةِ، كي يضمنَ نشرَ نصوصِهِ وترويجِها، وبعدَ فترةٍ يُعلنُ الحقيقةَ المفاجئةَ للملأ، بعكْسِ ما كانَ سائدًا قديمًا في الصّحافةِ الذّكوريّةِ، حينَ كانتِ الكاتباتُ يُوقّعنَ نصوصّهنَّ بحروفٍ متفرّقةٍ أو باسمِ رجُل؟ كم من مرّةٍ جرتْ عمليّاتُ تمويهٍ أو تزويرٍ، بأن يُرسلَ أحدُهم نصًّا او تعليقًا باسمِ كاتبةٍ معروفةٍ، من أجلِ خلقِ التباسٍ وتشويهٍ للموقعِ وللكاتبةِ، لكن استطاعً أن يُنصِفَها النّاقدُ الحقيقيّ بكشفِ الحقيقةِ بسهولةٍ، في حالِ غيابِ الكاتبةِ، لأنّ مضمونَ النّصِّ لا يتناسقُ مع أسلوبِها أو هويّتِها الأدبيّةِ؟ هل تغييرُ الصّورةِ والاسمِ قد يُغيّرانِ مِن قيمةِ النّصِّ الحقيقيّةِ نقديًّا؟ وهل القيمةُ النقديّةُ الموضوعيّةُ للنّصِّ، لها علاقةٌ وطيدةٌ باسم الكاتبةِ إن كانتْ هاويةً أو متمرّسةً؟ وهل ينالُ النّصُّ نقدًا مماثلاً فيما لو وُقّعَ باسم رجُلٍ أو مجهولٍ؟ هل صوَرُ المرأةِ عامّةً، شبه المتعرّيةِ أحيانًا، أو المُحجّبةِ أحيانًا أخرى، تُثبتُ المرأةُ مِن خلالِها هويّةَ انتمائِها الدّينيّ أو الإقليميِّ أو الجماليِّ؟
هل إبرازُ المرأةِ لمفاتنِها وإظهارُ دلالِها، هو أسلوبٌ تجاريٌّ تسويقيٌّ لأدبِها يُجْدي في الجذب، لتُثبتَ للرّجلِ أنّهُ يُمكنُها أن تُبدعَ بما لا يَقلُّ عن جَمالِها، ولتدحضَ اعتقادَ فرويد وتوفيق الحكيم، وتؤكّدَ العكسَ تمامًا، بأنّ المرأةّ الذّكيّةَ والمُفكّرةَ، لا تنشغلُ بأمورِ التّجميلِ لمَرافئِ الحياة، لأنّها تنتقصُ للأنوثة، بل ولأنّها كتلةٌ من الجَمال، يمكنُها أن تُضاهي الرّجل إبداعًا على إبداع؟ هل عرضُ الصّورِ للمرأةِ هو شكلٌ حضاريٌّ آخر مِن أشكالِ القمعِ للمرأةِ، والتّرويجِ لفكرٍ تجاريٍّ أو دينيٍّ أو ....؟ أم أنّ العكسَ صحيح؟ ورغمَ أنّ هذا اللّونَ مِن التّعليقاتِ يستهوي الكاتباتِ المبتدئاتِ، ويُشبعُ فيهنَّ غريزةَ التّباهي والغرورِ، إلاّ أنّها ظاهرةٌ سلبيّةٌ، تأتي على حسابِ الإبداعِ وتطوّرِ النّصِّ الأدبيِّ، وهذا يتنافى مع التّشجيعِ المطلوبِ، بالقدْرِ الذي يَدفعُ بالشّاعرةِ والأديبةِ نحوَ الأمامِ، باتّجاهِ خلقِ نصٍّ أدبيٍّ متميِّزٍ بأسلوبِهِ وقوامِهِ، كما أنّهُ لا يتنكّرُ للتعليقاتِ المتوازنةِ التي هي مساحةٌ للتفاعلِ بينَ القارئِ والكاتبِ. ومِن أجلِ معاجلةِ هذهِ الظّاهرةِ، وتوضيحُ موقفِ الأديباتِ والأدباءِ منها، وما هو المطلوبُ أساسًا مِن المواقعِ الأدبيّةِ والثّقافيّةِ لمعاجلتِها، توجّهنا بالسّؤال: كيفَ تُقيّمينَ ظاهرةَ التّعليقاتِ المُرافقةِ للنّصوصِ الأدبيّةِ النّسويّةِ على شبكةِ الإنترنت بشكلٍ عامٍّ؟ هناك فعلاً مشكلةٌ عويصةٌ في التّعليقاتِ لدى بعضِ القرّاء، وذلك لعدمِ تدرُّبِهِ على تشكيلِ موقفٍ نقديٍّ ممّا يقرأ مِن ناحيةٍ، ومِن ناحيةٍ ثانيةٍ يحتاجُ إلى المطالعةِ المكثّفةِ مختلفةِ الألوانِ، ليتذوّقَ ويتثقّفَ ويستطيعَ التمييزَ بينَ الأفضلِ والأسوأ، ومِن ناحيةٍ ثالثةٍ، قد يكونُ المعلّقُ بحاجةٍ إلى آليّاتٍ نقديّةٍ أوّليّةٍ وسليمةٍ، من أجلِ تأهيلِ ذائقتِه الأدبيّةِ، ومن خلالِ الممارسةِ والمتابعةِ الصّحيحةِ. ونحنُ نلاحظ أنّهُ بعدَما غصّتِ السّاحةُ الأدبيّةُ بخلطٍ مِن نصوصٍ متعسِّفةٍ ومفكَِّّكةٍ، كأنّما لا فكاكَ مِن سيطرتِها الكارثيّةِ، فقد صارتْ تركنُ بعضُ النّصوصِ الجيّدةِ والمتميّزةِ إلى زاويةِ الخمولِ واللاّمبالاةِ، وضاعتِ الطّاسةُ الذّوقيّةُ، وضاعَ الكاتبُ الصّالحُ بعزا الطّالح، خاصّةً، حينَ ظهرتْ إشكاليّةُ تقديمِ الرّدودِ والتّقييماتِ على أطباقٍ فضّيّةٍ وذهبيّةٍ وماسيّةٍ، وبعضُها على أطباقٍ هوائيّةٍ مع الصّحونِ الطّائرةِ، تستدعي تلمُّسَ الإجاباتِ الأكثر قربًا للواقعِ في المثلثِ البرموديِّ الثّقافيِّ، بدلاً من افتراضِ علاقاتٍ سببيّةٍ أو تعليقاتٍ وتقييماتٍ ذكوريّةٍ، لنصوصٍ نسويّةٍ لاموضوعيّةٍ؛ قد تكونُ تقليديّةً أو منقوصةً أو منغلقةً، أو حتى غير مؤهّلةٍ للتّداولِ، لكن نجدُ مَن يُدافعُ عنها باستفاضةٍ حدَّ التطرّفِ، رغمَ أنّ هذا الدّفاعَ فيهِ مِن الإهانةِ والإساءةِ لهُ أوّلاً وللكاتبةِ ثانيًا! لماذا تكونُ التعليقات فيها الكثيرُ مِن نثرِ البلبلةِ والالتباسِ، ومِن ثمّ التلبُّس بجريمةِ محاولةِ اغتيالِ الحركةِ الثقافيّةِ؟ هل للأمرِ علاقةٌ بالتّركيبةِ الفكريّةِ أو بالذّاكرةِ أو بالوعي واللاّّوعيِ الذكوريِّ؟ هل ردودُ الفعلِ للمُعلّقِ والنّاقدِ تعتمدُ على المنطقِ الذّكوريّ أم على المنطق ؟ أم هل يُفنّدُ رأيًا أو نقدًا ذكوريًّا مِن منطلقِ منطقٍ ذكوريٍّ ضدّ ذكوريٍّ، ليُحقّقَ إرادتَهُ ومشيئتَهُ الخاصّة؟ النّقدُ المُراوغُ غيرُ الصّادقِ وغيرُ الصّائبِ، قد يضعُنا أمامَ إشكاليّةٍ حقيقيّةٍ، تبعثُ على الشّكِّ في الذّائقةِ الأدبيّةِ أوّلاً، ومِن ثمّ فإنّ بعضَ الكاتباتِ يَعِشنَ وهمًا، فيبْنينَ في الأفقِ قصرًا مِن سرابٍ، وتكونُ هي ونصوصُها ضحيّةَ النّفعيّةِ والمصلحةِ، التي لا تصلُ بها إلى سواحلِ الإبداع، إنّما توصِلُها إلى ما خُطِّطَ لها، مِن أجلِ اختزالِ استقلاليّتِها وكيانِها وحضورِها الحقيقيِّ! بالمقابلِ، هناكَ مَن يُقدّمونَ قراءاتٍ انطباعيّةً لأعمالٍ أدبيّةٍ قيّمةٍ تصُبّ في جوهرِ النّصِّ، وعلى درجةٍ عاليةٍ مِن الإبداعِ وتشجيعِهِ ولفتِ الأنظارِ إليهِ، لكنّ النّاقدَ لا يقصدُون نفشَ الرّيشِ أو التّسويقَ أو التّغريرَ بالكاتبةِ، ولكنّهم يُتّهمونَ بشتّى الاتّهاماتِ الّتي تُشيرُ إلى إساءةٍ له وللكاتبةِ، وللتشبيه المُضمَر على العلاقةِ والنّوايا! ما هو موقفُكِ مِنَ التّعليقاتِ المتحيّزةِ للجنسِ على حساب الإبداعِ؟ وما هي انعكاساتُها السّلبيّةُ على صاحبةِ النّصِّ بالذّاتِ؟ استنادًا إلى ثقافتي المتواضعةِ، بأنّ النّصَّ القيِّمَ لا هويّةَ لهُ، ولا قيودَ ولا حجابَ يُلقى عليه، وليسَ لهُ شفراتٌ أنثويّةٌ أو ذكوريّةٌ، وبناءً على مخزونِ معلوماتي، فلم يسبقْ أن تبادرَتْ معلومةٌ لسمعي مفادُها، بأنَّ النّصَّ يُفرزُ هرمونَ التستيرون الخاصّ بالمظاهر الذّكوريّةِ، فيظهرُ النّصُّ بملامحَ ذكوريّةٍ، فتراهُ مُشْعَرًّا وخشِنَ الصّوتِ، أو أنّ نصًّا آخرَ يُفرزُ هرمونَ الأستروجين الأنثويِّ الخاصّ بالمظاهرِ الأنثويّة، فيظهرُ النّصُّ أنثويًّا بثدييْن كبيريْن وخلفيّةٍ ثقافيّةٍ! وإن صحَّ التّساؤلُ والتّخمينُ، فهل يُمكنُ للنّصِّ الذّكوريِّ أن يتزاوجَ مع النّصِّ الأنثويِّ، ليُنجبا ابنًا شرعيًّا، ندعوهُ نصًّا فذًّا، يُسهمُ في الرّقيِّ الفكريِّ والإنسانيِّ والثّقافيِّ والحضاريِّ؟ هل حقًّا نصُّ الكاتبةِ يكفيهِ توقيعُ أو إشادةِ أحدِ المشهورينَ مِن الكتّاب، ليجعلَ منهُ عملاً إبداعيًّا متألّقًا، وليجعلَها مبدعةً خلاّقةً؟ أم أنّ أمرَ التّرويجِ مرهونٌ بعُمرِها الزّمنيِّ مع هذا الأديبِ أو النّاقدِ؟ هل تحتاجُ المُبدعةُ إلى الاحتماءِ بأديبٍ مضادٍّ للجَرحِ وللنّقدِ، وبجرعةٍ واحدةٍ من جرّة قلمِهِ، يمكنُ لنصوصِها أن تتخطّى ذاتها، ويبقى إبداعُها في الذّاكرةِ الحيّةِ؟ أم تحتاجُ إلى تعزيزِ ثقتِها بنفسِها وبقدُراتِها وملكاتِها الإبداعيّة، وبأنّها تستطيعُ أن تساهمَ في المجالِ الإبداعيّ بشكلٍ حيٍّ وثاقب، إن امتلكتِ المعرفةَ، وأجادتِ استخدامَ الأدواتِ الأدبيةِ الجيّدةِ، دون أن تكونَ ظلاًّ لأحد، أو إطارًا في ظِلِّ هيمنةٍ وسطوةٍ ذكوريّةٍ بيّنةٍ؟ هل يتعاملُ الكاتبُ الأديبُ مع النّصِّ الأنثويِّ، على أنّهُ حالةٌ أقلُّ إبداعيّة مِن النصِّ الذّكوريِّ، وبالتّالي يتناولُهُ بعطفٍ، أو بأقلِّ قدْرٍ مِن الدّقةِ الأكاديميِّة التي تحتاجُ إلى التحليل؟ كثيرٌ مِن النظراتِ النّقديّةِ تأتي بحُرّيّةٍ صافيةٍ، مِن أجلِ التقييمِ الأدبيِّ الحقّ، وعلى مَحمَلٍ ثقافيٍّ نظيفٍ دونَ غاياتٍ دونيّةٍ، بل وتخلو كلّيًّا مِن الومضةِ الذّكوريّة تجاهَ الأنثويّةِ، فتتمكّنُ هذه النظراتُ النقديّةُ الثاقبةُ، مِن إنصافِ الكاتبةِ والنّصِّ والناقدِ والثقافةِ معًا! وهناكَ قلّةٌ من النقّادِ، مَن ينظرُ إلى المرأةِ مِن خلالِ عدسةِ إرثِهِ الثّقافيِّ، الذي يشحنُ قلمَهُ السّليطَ وذاكرتَهُ، بكلِّ ما يُحقِّرُ المرأةَ ويُصغِّرُها ويُقلِّلُ مِن شأنِها، فيَراها إنسانًا منقوصًا وغيرَ كامل، ويرى في نفسِهِ المنقذَ لها، وأنّ دوْرَهُ يتجلّى في تعبئةِ الثّغراتِ، لتكتمِلَ الكاتبةُ والنّصّ! وهناكَ مِن النّقادِ مَن يُحاربُ الكاتبةَ الجيّدةَ من منطلقٍ عدائيٍّ، إن لم تطلْها يدُهُ الدّون جوانيّة، فيقودُهُ قلبُهُ الأسوَدُ إلى تشويهِها، وتمريغِ نصوصِها برصاصِ نقدِهِ القاتل واللاّموضوعيّ والنّاقم لكبريائِهِ! وهناكَ مَن يُقدّمونَ نقدًا يليق بهم ويحترمُ حضورَهم أوّلاً ويُكرّمُ المبدعةَ ثانيًا، إن كانتْ ناشئةً أو متمرّسةً، دونَ تجريحٍ أو مديحٍ لشخصِها وإنّما لنصّها، كنصٍّ جديرٍ بالنقدِ والتّعليقِ، مِن حيث إظهارِ الجوانب الجماليّة وتشجيعِها ومؤازرتِها، وكذلك، تصويب ما ينبغي الإشارة إليه، فيكون النقدُ بنّاءً! وهناكَ مَن يتّبعونَ أسلوبَ النّقدِ النّاقضِ الهدّام، ومن وجهةِ نظر الوصاية على الأدبِ وحمايتِهِ مِن المتأدّبين، وذلك باستخدام أسلحةِ النّقدِ القاسيةِ والألفاظِ الفظةِ، والتي لا تخلو مِن تجريحٍ وإهانةٍ وإساءةٍ للكاتبةِ، إيمانًا منهم أنّهُ النّقدُ الأسلمُ، وبالتّالي، ينكسرُ قلمُ وقلبُ الكاتبةِ النّاشئةِ إلى الأبد! وهناك أيضًا مَن يتّبعُ نفسَ الأسلوبِ الهدّامِ، لكن بأسلوبٍ جميلٍ ومنافقٍ ومراوغ، وهذا النّوعُ مِن النّقدِ ليسَ أقلّ خطرًا، بل وأسوأ زرعًا، وأمرُّ ثمرًا، وذلك "لغايةٍ في نفسِ يعقوب"، فهناكَ نصوصٌ لا تستأهلُ حتى مجرّد الرّدّ أو التّعليق، لكنّ الناقدَ بمبادرتِهِ الشّقيّةِ، او بمُخاجلةِ الكاتبةِ له، ينسى ذاتَهُ، ويكتبُ لها من خلالِ رسالةٍ خاصّةٍ، تسارعُ الكاتبةُ في نشرِها، أو ينشرُ تعليقَهُ المرائي علنًا، رغمَ أنّ تقييمَهُ منافقٌ جاءَ إكرامًا لإرضائِها، أو حياءً، وبذلك يكونُ قد جنى على نفسِه، فيفقدُ مصداقيّةَ رأيِهِ وذائقتِه الأدبيّة، ويخسرُ احترامَ قرّائِهِ، فيَهوي الاثنان معًا في كفّتي ميزان المحاسبةِ والمساءلةِ الثّقافيّة! قد تصلُ إساءةُ المراوِغ بالكاتبةِ، إلى منتهى الوقاحة في الرّدّ على منتقديها الموضوعيّين في الجوانبِ السّلبيّةِ، اعتقادًا منها أنّها وصلت إلى كمالِ تجربتِها وكفاءتِها بشهادةِ تعليقِهِ المزوَّر، وقد لا تصمدُ هذه الكاتبة أمامَ تيّاراتِ الهجومِ عليها، فتنهارُ وتندثرُ، أو، قد تُعيّنُ مُحرّرةً في أحدِ المواقع، وتُصدّقُ كذبتَها التي لن يغفرَها لا غربالُ الثقافة، ولا منخلُ الأدب! التعليقُ مساحةٌ للتفاعلِ بينَ القارئِ والكاتبِ، إلى أيِّ درجةٍ أنتِ مستعدّةٌ للتعاطي مع النّقدِ الموضوعيِّ؟ يمكنُ التعاطي مع النّقدِ الموضوعيِّ إلى أبعدِ حدودِهِ، فيما لو أتى بأسلوبٍ راقٍ ومقنِع، ليسَ فقط مُظهِرًا الجوانبَ الإيجابيّةَ والسّلبيّةَ، بل مقترِحًا بدائلَ تجميليّةٍ أكثر رفعةً أدبية، لأنّ النقدَ البنّاءَ هو أسمى الغايات التي يسعى إليها كلُّ كاتبٍ، بعيدًا عن إسقاطاتِ الناقدِ على النّصّ، سواءً كانت تلك الإسقاطاتُ نابعةً مِن عبوديّةِ موروثِهِ التّربويِّ والدّينيِّ والاجتماعيِّ والثّقافيّ، أو انطلاقًا مِن حالتِهِ النّفسيّةِ أو المزاجيّة، أو مِن مشاكلِهِ الناتجةِ عن تجاربهِ الخاصّةِ مع النّساء، فيصُبُّ مدى فشلِهِ ونجاحِهِ في تعليقاتِه، وبالتالي، يأتي النقد إمّا بلغة النقمة أو الرحمة بعيدًا عن الموضوعيّة، ليُثبتَ لنفسِهِ أنّ المرأةَ لا تُساويهِ عقلاً وفكرًا وروحًا وجسدًا وطموحًا!
إلى أيِّ حدٍّ مِن وجهةِ نظرِك يكونُ الكاتبُ موضوعيًّا بنقدِهِ أو تعليقِهِ على نصًّ أنثويٍّ؟ مِن خلالِ تجربتي المتواضعةِ عبرَ سنواتٍ قليلة، ومِن خلالِ اسمي المستعار الذي لم أبُحْ بهِ إلاّ قبلَ فترةٍ وجيزةٍ، فقد تمكّنتُ مِن بلورةِ علاقاتِ صداقةٍ أدبيّةٍ كثيرةٍ، بَعدَ غربلةِ البعض، وقد طفحَ القلبُ بثقةٍ عارمةٍ وباحترامٍ كبيرٍ لكلِّ مَن عرفتُهم، إذ تعاملوا معي ومع نصوصي الأدبيّةِ بمنتهى الموضوعيّةِ والاحترامِ الإنسانيِّ المتبادَل، ودونَ تحسّسٍ مفرطٍ من الكلمةِ النّاقدةِ الصّادقةِ، فالكاتبةُ يُمكنُها أن تُحدّدَ خطى الرّجُلِ في جميع الاتّجاهاتِ إليها، وكذلك يُمكنُها تحديد أسلوب التّعاملِ والنّقدِ معَها، فما أجملها وما أحكمَها، حينَ تتقبّل التّوجيهات البنّاءةَ دونَ انتقاصٍ من قدراتِها، هذا صحيحٌ فيما لو عرفتْ إمكاناتِها وما تريدُهُ، فيَجدُرُ بها أوّلاً أن تُحدّدَ خطى طموحِها وإبداعِها، فتمشي وتتنقل باتزانٍ وثِقلٍ أدبيّ، فلا تتخبّطُ في أكثرَ مِن اتّجاهٍ، بل تحاولُ أن تتمحورَ في تثقيفِ ذاتِها، لتصِلَ إلى مرحلةِ النّضوجِ الفكريِّ، والاستقلالِ الأدبيّ قدْرَ الإمكان، وأن تعملَ على الاهتمامِ بتحسينِ أدواتِها الأدبيّةِ، وتصحيحِ نقاطٍ قابلة للتحسين في نصوصِها، كي تلحَقَ بالأرقى مِن الأدب! هل أنتِ مع حجْبِ التعليقاتِ؟ لستُ مع حجْبِ التعليقاتِ، بل مع مُراقبةِ التعليقاتِ مِن الكتّابِ ومسؤولي المواقع، ومع حذف المسيءِ منها، لأنّي أومنُ أنّ الكلمةَ الطيّبةَ يُمكنُ أن تُثري النفوسَ المبدعةَ وتُشجّعَها، حتّى وإن لم تكن بكامل موضوعيّتِها، كما يمكنُ أن تخلقَ جدَلاً بينَ المُعلّقينَ، لكن، أهمُّ ما في الأمرِ، ألاّ يخرج النقاشُ عن حدودِ أدبيّاتِه، ولا يصلَ إلى إشكاليّةٍ وتمادٍ وتطاولٍ في الحوار مع ظهور اختلاف في وجهات النظر! التعليقاتُ يمكنها أن تكشفَ مستوى الموقع وكتّابِهِ ومحرّريهِ أخلاقيًّا وأدبيًّا، كما تكشفُ نوعيّةَ النّصوصِ الأدبيّةِ المختارةِ للنّشر والقراءةِ، وتكشفُ نوعيّةَ القرّاءِ وطريقةَ تناولِ النّصوصِ والمضامين، كما أنّ التّعليقَ يُحدّدُ جوهرَ النّاقد أو الكاتبِ أو القارئِ العاديّ مِن ناحيةِ التّفكيرِ، ومن ناحيةِ المنطلقاتِ التي ينبعثُ وينبثقُ منها تعليقُهُ، فيكونُ الأمرُ حينها أسهلَ بالتّعاملِ معه، ومع الموقع لاحقًا، من حيث الحيطة أو الحذر أو ....أيّ شكلٍ مِن إمكانيّاتِ التّعاملِ الأسلم!