في أول مبادرة لها بعد لقاء اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور، ومساهمة منها في النقاش العمومي الذي يعرفه المغرب حول ملامح وعمق الدستور المرتقب، نظمت الفدرالية الديمقراطية للشغل بواسطة فريقها الفدرالي للوحدة والديمقراطية بمجلس المستشارين، ندوة حول «الإصلاحات الدستورية والمسألة الاجتماعية» يوم الثلاثاء الماضي بمقر الغرفة الثانية بالرباط. لقد اعتبر عبد الرحمان العزوزي الكاتب العام للفدرالية في كلمة افتتاحية لهذا اللقاء الذي حضره كل من محمد يتيم الكاتب العام للاتحاد الوطني للشغل وحميد شباط الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين، وزبيدة بوعياد رئيسة الفريق الاشتراكي ، والكتاب العامون للنقابات القطاعية المنضوية تحت لواء الفدرالية، أن الفدرالية الديمقراطية للشغل كامتداد للحركة النقابية المناضلة تعتبر المدخل الأساسي للإصلاح الدستوري الشامل المرتقب هو أن يوضع المغرب على مسار أفق ملكية برلمانية اجتماعية وديمقراطية قادرة على توفير العدالة الاجتماعية لكل المواطنين، عبر إعادة توزيع عادل للثروة الوطنية لكي يلج المغرب نادي الدول العصرية والديمقراطية. وأن الفدرالية تعتبر نجاح ورش الإصلاح الدستوري بالبلاد مقرونا بمباشرة إصلاحات سياسية اجتماعية عميقة تعيد الثقة للمواطنين في أهمية دور المؤسسات والأحزاب والنقابات في بلادنا. ومن جانبه شدد دعيدعة رئيس الفريق الفدرالي للوحدة والديمقراطية على أن مطلب تغيير الدستور والإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ليس وليد اليوم، حيث عمل الفريق البرلماني وفي مختلف المناسبات على التأكيد على ملحاحية هذه الإصلاحات من أجل إحداث رجة قوية وإعطاء مصداقية للبرلمان ومصالحة المواطنين مع مختلف المؤسسات ، حيث أنه لا ديمقراطية بدون مشاركة وتعبئة واسعة لكل شرائح المجتمع. أما بالنسبة لمحمد مدني الأستاذ الجامعي، فقد اعتبر أن السؤال المركزي في الإصلاح الدستوري الراهن في المغرب هو: كيف يتم الانتقال من دستور سلطوي إلى دستور ديمقراطي؟ وما علاقة ذلك بالمسألة الاجتماعية، مشيرا في نفس الصدد الى أن الوثيقة الدستورية ما هي إلا ترجمة لموازين قوى اجتماعية، وأن المغرب يعرف اليوم نقاشا عموميا جد ايجابي ومحاولة من الجميع لدسترة كل شيء وهذا جميل وجديد، لافتا النظر الى أن الدستور لم يسبق أن كان شأنا يهم المئات والآلاف من المواطنين إن لن نقل أنه اليوم أصبح شأنا «شارعيا»، لكن النقاش العمومي الجاد والحقيقي المبتعد عن التمييع يقول مدني «هو من سيحسم فيما هو أساسي وما هو ثانوي. وأن القضاء الدستوري هو الضمانة الأساسية لصيانة الحقوق الاجتماعية وضمان الحقوق والحريات التي يجب أن تكون مفصلة ومدققة داخل الوثيقة الدستورية». ومن جهة أخرى، أشار سعيد السعدي الوزير السابق في حكومة التناوب وعضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية إلى أن المسألة الاجتماعية لا تحظى بالأهمية الكافية واللازمة في الدساتير المغربية السابقة كما هو الحال لبعض القضايا، كفصل السلط ، استقلالية القضاء والبرلمان والحكومة، مؤكدا على أن المغرب مطالب بالحسم في النموذج الاقتصادي والاجتماعي الذي يجب أن يتبناه بالتالي تضمين ذلك في الوثيقة الدستورية، ساردا العديد من الإشكالات التي يجب على الدولة أن تكون لها مواقف واضحة فيها كقضية الملكية، قضايا الاحتكار الاقتصادي، زواج المتعة ما بين السلطة والثروة، التنصيص على الحقوق والحريات الاجتماعية التي لا نجدها في الدستور الحالي، الحق في التغذية السليمة كما هو الحال في البرازيل، والحق في الماء مثال جنوب افريقيا، الحق في الأجر اللائق ثم المساواة بين الجنسين، بالاضافة إلى العدالة الاجتماعية، والحق في السكن والتعليم والصحة والسكن الكريم والشغل، والعدالة الضريبية فضلا عن أهمية مأسسة الحوار الاجتماعي والأطراف المشاركة فيه بما فيها المجتمع المدني. وأوضح سعيد السعدي أن التنصيص على الحقوق والحريات الاجتماعية في الدستور غير كاف لأن مسألة التفعيل والتطبيق مسألة غير سهلة لذلك سيكون المغرب دائما في حاجة إلى مؤسسات قوية، سواء كانت هذه المؤسسات تابعة للدولة أو للمجتمع المدني التي تتحمل مسؤولية كبيرة في النضال والضغط عبر حراك اجتماعي من أجل التفعيل والتطبيق لكل الحقوق والحريات الاجتماعية التي سيتضمنها الدستور المرتقب. ويرى حسن طارق عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وأستاذ القانون الدستوري أن حركة 20 فبراير والحراك الاجتماعي الذي تعرفه بلادنا اليوم طرح التساؤل الجوهري عن دور النقابات والأحزاب بالمغرب، وأفرز الحاجة الى مطالبة هذه المؤسسات بتدبير هذا التمفصل الجديد الذي تشهده البلاد وحركتها الاجتماعية ، بحيث أصبح من اللازم على الأحزاب ليس تدبير علاقتها على المستوى السياسي في تصورها مع الدولة فحسب، بل بات ضروريا تدير العلاقة مع المجتمع والعمل معه والانصات الى نبضه وتدبير طلبه. كما سجل حسن طارق أن الوثيقة الدستورية الحالية يغيب فيه الهاجس الاجتماعي والحقوقي في الوقت الذي تحكم فيها الهاجس الأمني وهاجس من سيحكم وتفوق مؤسسات على مؤسسات، وذلك راجع لهشاشة توافق دستور 96 الذي كان مبنيا حول السياق وليس على المضمون المطلوب، مركزا في الصدد ذاته على أن اليوم الحاجة ملحة للانتقال من وثيقة متوافق عليها الى وثيقة متعاقد عليها سياسيا اقتصاديا واجتماعيا.