ماذا ستفعل لو جاوزك المدى و تخطفتك بيارق الذهول، وأنت قاب قوسين أو أدنى ،من دس الاستعارات في سيرة فنانة تأبى التواري ولا تطوي نورا إلا لتشعل آخر؟ سترتد إليك أصوات ثلاثة: -يقول الأول: افتح باب الذاكرة الخلفي وتحصن بشلالات المشاهد.. -يقول الثاني: امنح روحك لسلالة المعنى، وامض نحو حتف التأويل ..لا تخرج إلا بقبضة سحر لا يأفل .. -يقول الثالث: كن أنت، واقترب و اضطرب ..عساك تبيد الجهل فيك ،عسى اقترابك من إمبراطورية اللون يتوج مآرب أخرى.. ... كنا صغارا نتفرس مرآتنا الوحيدة، وحلمنا اليتيم .. نرمي لعبنا المقهورة جانبا و نجلس للأحد في حضرة «شريفة« نراقب أعاجيبها تموجات اللون في متحف القناة حركات أقراننا المأهولة بالشغف ... و كانت هي الإبتسامة و المهارة و عبق الأسرار .. ... ولأن الأصوات تطوحها الرؤى،و تدوخها عروس هذا المساء .لأنها مسكونة بصور ثلاثية الأبعاد لقامة شاهقة الأحلام و الألوان .ولأنها أيضا، تستعيد خشية الخيانات الكلامية في مقام التكريم ... لكل ذلك ،تعالوا نرتطم باللوحات فهي أسرارها ،و نحلم بفرشاة كتلك التي ذرفت بها حيوات أعلى قليلا من الفجر و أوسع كثيرا من ضحى النهارات. يعلمنا الصدى ألا نبحث عن تفاصيل الفنانين خارج جنون إبداعهم ..نطيع هذه المغامرة، و نواجه بقوى المجاز لوحات ثلاث.. -لوحة أولى (ميلاد): كم ولادة تسعف وجودها -سيدة الأولوان هاته-؟ وكم سرابا نفكك لنتباهى و لو وهما ،بلحظة إمساك للجمال؟ هي سيرتها التي تسقط أرقام الوثائق و تواريخ المعارض ،وأماكن الفيض..هي ميلادها «صعب أن يعاد مرتين«. وصعب أن نستنطق الخرافة حين تعجنها أنامل مبهرة ،بين أبيض يغشى المواويل ،و أصفر يسبق منحدرات الفناء ،وأحمر يفسح للجنون بساط التمرد والطموح..وتلك الخطوط المزروعة على جبين الإطار ،كأعواد حظ غجرية تداعب النبوءات والملاحم. عيون الميلاد تبني بيتا للرافعين حطامهم .. يغرينا الفضا بوحي يلتهب يغرد الضباب على سفح نار. تاهت بنا الفراشات ..تاهت على هدأة التكوين ..كم سبيلا سارته الطفولة؟ وكم محطة أتعبت قدمي السفر؟ ....... -لوحة ثانية (تركيب): كأنها الألوان حين تتداعى و لا تستكين إلا للغيم ،و حين يسمع وقع الراحلين تعود الشمس من حيث جاءت ..هي لعبة العناصر وحلم الفتنة ..تركيب بها وفيها: بها تواكب «الشريفة» لفحة الفوضى، وتغوص حتى منعطف المستحيل .. لون يشاكس دربه و حصار معلن لرداءة التصنيف . و فيها تقول قصتها و تعتلي ركح الكبار ،تمزج في خلطة معتقة الظل والضوء تاريخا للذات و رصا بديلا لطبقات ذوق يعشق القلق و مدارات التشكيل. ... جسم الأشياء هروب فوق اسئلة النوتات .. غسل لسهو الوجود. بالتركيب تنفض أسوار الحدود/ وتفتح الملامح وجه الوطن ووجوهنا / -لوحة ثالثة (عابرة للمقاسات): ما معنى أن تذهبي بالأشكال إلى منتهى الصغر يا سيدتي؟يسأل حائر.. معناه أن تفتحي ثقبا مليمتريا على عتبة الشرفات المفروشة بالغيب، وتعلقين الفضول بعدسات المجهر ،مانحة العالم أرقاما لا تعادل .. و معناه أيضا ،أن الفن هش ..رخو..حر ..صالح للإزاحة ..عابر للأبعاد الهلامية ..و خارج عن صرامة المنطق و الأحجام... .... يد التحدي تتمطى / تلهو بأسراب الفجاءة، تعصر عمرا في لوحة ، تعلن: «أنا هنا» من سعف النخيل تهافت وحيي.. جوار الشمس كنت أغزل الآتي .. و قلبي ياسمينة .. هنيئا للزهرة بزهو الفراش حولها ..هنيئا للفنانة الكبيرة الأستاذة «شريفة الحمري« بكل هذا الحب ..هنيئا لها بوهج الإعتراف ،هنيئا لها بكل الروائع ما كان منها و ما سيكون . (*) ألقيت هذه الكلمة بمناسبة تكريم الفنانة التشكيلية شريفة الحمري ضمن فعاليات المهرجان السادس للسينما الجامعية بمدينة الرشيدية/المغرب