على غرار كل سنة، خلد قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بخنيفرة، الذكرى الثانية بعد المائة لمعركة لهري الخالدة، بحضور المندوب السامي، الدكتور مصطفى الكثيري، حيث تمت زيارة المعلمة التذكارية المخلدة لهذه المعركة، في احتفال حضره عامل إقليمخنيفرة، وعدد كبير من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وشخصيات عسكرية ومدنية ورؤساء مصالح إدارية ومنتخبون وفعاليات جمعوية، وخلالها أطلقت تنسيقية "مؤسسة لهري للثقافة والتراث" و"شبكة أطلس للتنمية والشفافية" 102 حمامة زاجلة في الهواء احتفالا بالذكرى، قبل انتقال الجميع إلى حيث تمت إقامة مهرجان خطابي افتتح بكلمة لرئيس المجلس القروي للهري، مصطفى منصور، تم فيها استحضار ما حققته المقاومة الزيانية من ملاحم بطولية. وفي كلمته، أشاد الدكتور مصطفى لكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، بشجاعة وبسالة أبناء الإقليم الذين لقنوا المستعمر، بقيادة الشهيد موحى وحمو الزياني، درسا تاريخيا في معنى التضحية والوطنية الصادقة، ولم يفته التعبير عن اعتزازه وافتخاره بمشاركة سكان إقليمخنيفرة وأسرة المقاومة وجيش التحرير في تخليد هذه الملحمة التاريخية الكبرى التي ستظل منقوشة في ذاكرة الأجيال، مذكرا بالمكانة التاريخية التي تحتلها ملحمة معركة لهري ضمن سجل المقاومة الوطنية، وما تحمله من دلالة في مواجهة التحديات وكسب رهانات التنمية المستدامة وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية. وصلة بالموضوع، استدل المندوب السامي بشهادات اعترف فيها بعض القادة الفرنسيين بالهزيمة الثقيلة التي تكبدتها جيوشهم في معركة لهري، ومنهم "جيوم" الذي كتب قائلا: "لم تمن قواتنا قط في شمال إفريقيا بمثل الهزيمة المفجعة بمعركة لهري"، إذ بعد أشهر من بسط الجيوش الفرنسية لنفوذها على مدينة خنيفرة، لم تتوقع أن تتكبد كل تلك الخسائر في الأرواح والعتاد بمعركة لهري، رغم التعزيزات العسكرية التي تم استقدامها من تادلة. كما استعرض المندوب السامي حجم الهزيمة التي منيت بها القوات الفرنسية، بسقوط أكثر من 580 جنديا فرنسيا، و33 ضابطا، وقائدهم الكولونيل لافيردور، علاوة على أزيد من 170 جريحا، بينما غنم المقاومون أسلحة وذخائر حية كثيرة. ولم يفت المندوب السامي الإشارة لتقرير أنجزه الماريشال ليوطي وقتها، في 18 صفحة، وفي هامش من هذا التقرير كتب بخط يده قائلا "لو خرج قائد عملية لهري، الكولونيل لافيردير، حيا من المعركة لكانت السلطة الفرنسية قدمته للمحكمة العسكرية ليأخذ جزاءه"، جراء استهانته بالقدرة القتالية لمجاهدي القبائل المشاركة، كما لم يفت المندوب السامي التذكير بوثيقة تاريخية للجنرال ليوطي يتحدث فيها عن بسالة وشجاعة المقاومين الزيانيين. وذكر المندوب السامي بشخصية موحى وحمو الزياني الذي ظل يواجه المستعمر الأجنبي إلى حين استشهاده، صباح الأحد 27 مارس من عام 1921، بأزلاك نزمورت بجبل توجكالت، بعد إلحاقه بالجيوش الفرنسية أقسى الخسائر رغم تفوقها عدة وعتادا، مستعرضا ومضات من حياة هذا البطل الشهيد والمعارك التي شارك فيها، وتمكنه بفطرته وحكمته من توحيد صفوف المجاهدين والرفع من معنوياتهم إلى أن استطاعوا إرباك حسابات المستعمر، مشيرا لما كانت تشكله خنيفرة لدى السلطات الاستعمارية كقلعة عنيدة، ولظروف معركة لهري وما سبقها من محاولات فاشلة كنهج سياسة الإغراء تجاه موحى وحمو الزياني الذي ظل صامدا قائدا لرجاله بالجبال. ومن جهة أخرى، توقف المندوب السامي للحديث عن جهود المندوبية في إطار صيانة الذاكرة التاريخية، مجددا إشارته للفضاء التثقيفي والمتحفي للمقاومة وجيش التحرير بخنيفرة، وما يحتوي عليه من منشورات وإصدارات، ومن صور وألبسة وأسلحة تعود إلى مراحل معينة من تاريخ المقاومة بإقليمخنيفرة، ومن خلالها ذكر بعدد المتاحف التي تم إحداثها لحد الآن وهي 69 في أفق استكمال الرقم 70 بمريرت. وبذات المناسبة، تقدم رئيس المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية والحكامة الترابية، الضابط المتقاعد فاتحي، بعرض مفصل تناول فيه الجانب العسكري والجيواستراتيجي لمعركة لهري، وشخصية موحى حمو الزياني ومنهجيته الدقيقة التي مكنته من الانتصار في معركة لهري. وقد تخللت المهرجان الخطابي مراسم تكريم 10 أفراد من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير المنتمين للإقليم، ألقيت في حقهم جميعا كلمة مؤثرة، كما سلمت لهم لوحات وشهادات تقديرية وتم توزيع إعانات مالية، مجموعها 54 ألف درهم، على 15 من أهالي قدماء المقاومين وجيش التحرير وأراملهم بالإقليم. وموازاة مع الحدث، كان المركز الثقافي أبو القاسم الزياني بخنيفرة، قد احتضن فعاليات ندوة علمية تاريخية من تنظيم "مؤسسة لهري للثقافة والتراث" و"شبكة أطلس للتنمية والشفافية"، تحت عنوان: "معركة لهري إرث تاريخي داعم للوحدة الترابية "، تم على هامشها تقديم كتاب حول معركة لهري للضابط المتقاعد الكولونيل ماجور عبد العزيز عاشير، وهي من ضمن برنامج حافل بالأنشطة الفنية والشعرية والموسيقية، منها مسابقة في الرماية وعروض في فن التبوريدة المحلية، ثم ورشة للفن التشكيلي خاصة بمعركة لهري، وأخرى حول تثمين الرأسمال الثقافي والتاريخي للمنطقة، مع خيمة تعريفية بالجيل الخامس للخيول المشاركة في المعركة وأمسية فنية.