وهبي يتهم جمعيات المحامين ب"الابتزاز" ويُكَذب تصريحات بشأن قانون المهنة    تأهيل طرق دواوير بإقليم سيدي إفني    منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تطلق بباريس مراجعة سياسات الاستثمار في المغرب    نتنياهو يقيل وزير الدفاع جالانت بسبب "أزمة ثقة"    مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الداخلية برسم سنة 2025 يندرج في إطار مواصلة تفعيل مخططاتها وبرامجها الهيكلية (لفتيت)    ذكرى استرجاع أقاليمنا الجنوبية    حكومة إسبانيا تعلن خطة مساعدات بعد فيضانات خلفت 219 قتيلا    الرباط.. إطلاق العديد من مشاريع التسريع المدني للانتقال الطاقي    وقفة تستنكر زيارة صحفيين لإسرائيل        وزير الشباب والثقافة والتواصل يحل بمدينة العيون    عندما طلب مجلس الأمن وقف «المسيرة « وأجاب الحسن الثاني : لقد أصبحت مسيرة الشعب    بنك المغرب يكشف حقيقة العثور على مبالغ مالية مزورة داخل إحدى وكالاته    الوداد يواجه طنجة قبل عصبة السيدات    "يوسي بن دافيد" من أصول مغربية يترأس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط    "الأطفال وكتابة الأشعار.. مخاض تجربة" إصدار جديد للشاعرة مريم كرودي    18 قتيلا و2583 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعاً بريدياً تذكارياً بمناسبة الذكرى العاشرة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر    الأحمر يغلق تداولات بورصة الدار البيضاء    أخنوش: خصصنا في إطار مشروع قانون المالية 14 مليار درهم لدينامية قطاع التشغيل            مرحلة ما بعد حسم القضية..!    التجمع الوطني للأحرار يستعرض قضايا الصحراء المغربية ويشيد بزيارة الرئيس الفرنسي في اجتماع بالرباط    قرض ب400 مليون أورو لزيادة القدرة الاستيعابية لميناء طنجة المتوسط    جدل في البرلمان بين منيب والتوفيق حول الدعوة ل"الجهاد" في فلسطين    بن صغير يكشف أسباب اختياره للمغرب    تحقيقات جديدة تهز كرة القدم التشيلية    كَهنوت وعَلْموُوت    رئيس الحكومة يستعرض إنجازات المغرب في التجارة الخارجية    التساقطات ‬المطرية ‬أنعشت ‬الآمال ..‬ارتفاع ‬حقينة ‬السدود ‬ومؤشرات ‬على ‬موسم ‬فلاحي ‬جيد    "روائع الأطلس" يستكشف تقاليد المغرب في قطر    الاحتقان يخيم من جديد على قطاع الصحة.. وأطباء القطاع العام يلتحقون بالإضراب الوطني    مستشارو فيدرالية اليسار بالرباط ينبهون إلى التدبير الكارثي للنفايات الخضراء و الهامدة بالمدينة    "متفجرات مموهة" تثير استنفارًا أمنيا في بولندا    فن اللغا والسجية.. المهرجان الوطني للفيلم/ جوائز المهرجان/ عاشت السينما المغربية (فيديو)    الأرصاد الجوية تتوقع ارتفاع الحرارة خلال الأيام القادمة في المغرب    غير بعيد على الناظور.. حادث سير مروع يخلف عشرة جرحى    حقيقة انضمام نعية إلياس إلى الجزء الثالث من "بنات للا منانة    أولمبيك أسفي يوجه شكاية لمديرية التحكيم ضد كربوبي ويطالب بعدم تعيينها لمبارياته    القفطان المغربي يتألق خلال فعاليات الأسبوع العربي الأول في اليونسكو        وزيرة التضامن الجديدة: برنامج عمل الوزارة لسنة 2025 يرتكز على تثمين المكتسبات وتسريع تنفيذ إجراءات البرنامج الحكومي    آس الإسبانية تثني على أداء الدولي المغربي آدم أزنو مع بايرن ميوني    صاعقة برق تقتل لاعبا وتصيب آخرين أثناء مباراة كرة قدم في البيرو    دقيقة صمت خلال المباريات الأوروبية على ضحايا فيضانات فالنسيا    ترامب يعد الأمريكيين ب"قمم جديدة"    تصفيات "كان" 2025.. تحكيم مغربي المباراة نيجيريا ورواندا بقيادة سمير الكزاز    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)        خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    إطلاق الحملة الوطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بإقليم الجديدة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة العابرة والدولة المنشودة -4-

يتحدث كثيرون اليوم عن نهاية «الدولة الوطنية» أو الدولة القومية، مع نمو العولمة الرأسمالية وتقدمها؛ ولكن لم يتحدث أحد بعد ماركس ومن نسبوا أنفسهم إلى الماركسية عن نهاية الدولة السياسية ونهاية المجتمع المدني معاً، بل إن ماركس تحدث عن نهاية الدولة السياسية، الليبرالية، أو انتفائها جدلياً، بما هي شكل غير مطابق لمضمونه، أي قبل أن تفصح الدولة عن مضمونها إلا في الصيغة البورجوازية، في مرحلة التراكم الأولي لرأس المال، وعارضها بالدولة الديمقراطية، الدولة المادية التي هي وحدة الشكل والمضمون، أي وحدة المجتمع والدولة. ولم يقل أحد بعد ما هي الدولة التي ستنجم عن تعمق العولمة، وما مصير الدول التي تتآكل سيادتها باطراد في البلدان المتأخرة. وسؤال الدولة هو نفسه
سؤال المجتمع المدني.
مهمة الفكر النظري، النقدي، بحكم طبيعته ذاتها، هي تعرف ما هو موجود، أي ما هو قائم بالفعل، هنا والآن، وتفهمه وتعقله، وتعرف أسباب نشوئه وعوامل صيرورته على ما هو عليه، وتعرف ممكناته واحتمالات تطوره، والتنبؤ باتجاهات هذا التطور الممكن أو المحتمل، وهذا الأخير لا يعدو كونه تنبؤاً، مهما أسبغنا عليه من صفات؛ لأن ما هو كائن، في كل لحظة زمكانية، هو العقل نفسه، والكينونة لحظة من لحظات الديالكتيك؛ فكل كائن هو ناتج وصائر. الكينونة حتمية، إذ الحتمي هو ما تحقق بالفعل واكتملت تعييناته؛ أما الصيرورة فإنها احتمالية فحسب. والتوتر الدائم الذي يندرج فيه الفعل البشري هو التوتر بين الواقع والممكن، بين ما هو قائم بالفعل وما ينطوي عليه من احتمالات تتوزع عليها القوى الاجتماعية بنسبة اختلاف مصالحها بصورة أساسية، وهو ما يرجح أحد الاحتمالات على غيره؛ والاحتمالات الأخرى لا تنعدم ولا تتلاشى، بل هي التي تحدد قوة الاحتمال الراجح ووتيرة نموه واتجاه تطوره. السياسة العقلانية هي العمل على ما هو ممكن لا على ما هو واجب، والممكن اليوم هو تعزيز الدولة الوطنية القائمة بالفعل في البلدان العربية ومنحها المشروعية السياسية والأخلاقية والارتقاء بها إلى دولة ديمقراطية. «وإذا استطاعت نظرية ما أن تجاوز العالم الواقع فعلاً، وأن تبني المثل الأعلى للعالم على نحو ما ينبغي أن يكون عليه، فإن هذا العالم يكون له وجود من غير شك، ولكن في رأس صاحب النظرية فحسب، على هيئة عنصر لا قوام له»[10]، كالدولة الاشتراكية في رؤوس الاشتراكيين والدولة القومية في رؤوس القومويين والخلافة الإسلامية في رؤوس الإسلامويين. العقل هو عقل العالم بما هو عليه وبما يمكن أن يكون عليه؛ إنه وحدة الشكل والمضمون؛ «لأن الشكل في مغزاه الأكثر عينية هو العقل بوصفه معرفة نظرية، والمضمون هو العقل بوصفه الماهية الجوهرية للواقع الفعلي سواء كان واقعاً أخلاقياً أو طبيعياً» [11].
يعكس الفكر السياسي العربي الهوة السحيقة بين «الدولة» القائمة بالفعل، على ما أصابها من تآكل وفساد[12] في ماهيتها وبنيتها ووظيفتها، وبين يوتوبيا الدولة القومية، (دولة الأمة العربية) أو الإسلامية، (دولة الأمة الإسلامية)، أو الاشتراكية (دولة الطبقة العاملة التي تصير هي الأمة، بتعبير ماركس في البيان الشيوعي)[13]، بين الدولة القائمة والدولة الفاضلة، الدولة غير الشرعية والدولة الشرعية. ويمكن القول إن العربي ينتمي ثقافياً وروحياً إلى دولة متخيلة، أما الدولة القائمة بالفعل فلا تعني له سوى كونها عقبة في طريق الدولة المنشودة، تجب إزالتها، ولذلك لم يمنحها أي نوع من الشرعية حتى اليوم، سوى شرعية الأمر الواقع. حتى الذين يتحدثون اليوم عن دولة ديمقراطية يعيشون نوعاً من طوبى الدولة. أشير هنا إلى هذيان الهدف الذي لا ينتج سوى الهذيان، أو طغيان الهدف الذي لا ينتج سوى الطغيان. و»حينما نقابل وصف الواقع التاريخي بتطلعات الطوبى ندرك تجربة الفرد العربي في مجال السياسة[14]».
حين يتحدث العربي عن الدولة الواقعية يتحدث عن شيء يرفضه، عن قوة خارجية قاهرة وغاشمة تقتضي منه الحكمة أن يتحاشاها ولا يتساءل عن أصلها وفصلها وماهيتها ومضمونها؛ بل يكفي أن يتحاشاها، فينأى بنفسه عن ظلمها وجورها إلى حيث يتوهم أنه في مأمن وملاذ، أو ينقاد لها ويطيع أوامرها أو «قوانينها»، من دون أن تعني له تلك الأوامر أو «القوانين» سوى قوة منع وكبح خارجية، تتجلى دوماً في هيئة شخص ما تتكثف فيه قوة السلطة، على اختلاف مراتبها، بل قوة الجهاز وسطوته. وهذا الشخص يمكن التحايل عليه أو التماس عطفه والتزلف إليه واسترضاؤه أو رشوته، أو الاستقواء عليه بمن هو أقوى منه سلطة ونفوذاً، بأي من وسائل الاستقواء التي توفرها العلاقات ما قبل الدولتية أو ما قبل الوطنية، كالعشائرية والمذهبية والجهوية. ولم يكن للسلطة عندنا أن تتشخصن لولا نظرة الناس إليها وموقفهم منها على هذا النحو، وهما نظرة وموقف متجذران في التجربة السياسية منذ أكثر من ألف عام.
يرى العروي أن «الفكر السياسي الإسلامي صورة معكوسة للتجربة السياسية العربية». وأن المفكرين المسلمين يتفقون في تصورهم لطبيعة الدولة، ويستعملون مفهوماً واحداً هو الذي نجده في القاموس تحت مادة (دول). إذا لخصنا تعريفاتها وجدناها تتناول جميعها ميدانين: الحرب والمال، وتؤدي معنيين: الغلبة والتناوب. الغلبة في الحرب تؤدي إلى الاستيلاء على المال والاستقلال به، لكن الحرب سجال، ولا دوام لسلطة جماعة واحدة لا بد أن تضعف وأن تخلفها جماعة أخرى. وما تحليلات ابن خلدون المتشعبة إلا تعيينات لفكرة القهر والاستئثار من جهة وفكرة التداول من جهة أخرى[15] ولعل الانقلابات العسكرية التي نجحت ومحاولات الانقلاب التي لم تنجح تحيل على هذين المعنيين، الغلبة والتناوب، وتؤكد حقيقة أن الحرية لا تزال تنمو وتنبسط خارج الدولة وبالتضاد معها، وأن ما يسمى دولاً عربية ليست بعد تعبيراً عن الإرادة العامة، ليست بعد تعبيراً عن الحرية وتجسيداً للعقل.. ويضيف: هذا هو واقع الدولة؛ مفهومها هو التسلط، لا يمكن تصور دولة بلا قهر وبلا اسئثار جماعة معينة بالخيرات، وبالمقابل لا يمكن تصور الحرية إلا خارج الدولة، أي في نطاق الطوبى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.