يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. عمر وعاملُه على ميسان استعمل عمر بن الخطاب النعمان بن عدي بن نضلة على ميسان، فبلغه عنه شعر قاله النعمان وهو: من مبلغ الحسناء أن خليلها بميسان يسقى من زجاج وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية وصناجة تحدو على كل منسم فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقيني ولا تسقني بالأصغر المتلثم لعل أمير المؤمنين يسوء تنادمنا بالجوسق المنهدم فكتب اليه "باسم الله الرحمن الرحيم.حم.تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول لا إلاه إلا هو، إليه المصير"« أما بعد: فقد بلغني قولك: لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المنهدم، وإيم الله إنه ليسوءني، فأقدم فقد عزلتك«. فلما قدم عليه قال: يا أمير المؤمنين، والله ما شربتها قط، وإنما هو شعر طفح على لساني،وإني لشاعر. فقال عمر: أظن ذلك، ولكن، لا تعمل لي على عمل أبدا. عن »"ملح الحديث"« لأحمد الطيب