يزخر التراث العربي بقصص وأخبار الأولين التي تم تدوينها، في كتب ومجلدات عديدة، متناولة حيوات أو أحداثا وقعت لهذا الشاعر أو هذا الأديب أو لذاك الوالي أو ذاك الحكيم أو هذا المجنون، أو هذا الطماع وذاك المحتال إلخ.. وهي قصص وأخبار انتمت في غالبها إلى الأدب العربي، الفصيح العالم منه، أو الشعبي، مما ظل الحكاة والرواة يرددونه في مجالس أنسهم، أويطالعه المهتمون بالأدب لإغناء قاموسهم اللغوي، لما تنطوي عليه بعض هذه القصص من مفردات مُفعمة بنداوتها الأولى وطراوتها البدئية، أو لما تشمله من عبر وحكم وأمثال أو لمجرد متعة القراءة والترفيه عن النفس. لذلك، اخترنا منتخبات من هذا التراث ليصاحبها القارئ الكريم، عله يجد فيها من البلاغة والفصاحة وحسن القول وسرعة البديهة، وخفة الظل والدم ومن مهارات الخطابة وأساليب المكر والحيل لبلوغ الغاية ومن الامتاع والمؤانسة، ما يملأ به وقته استفادة ومتعة. أقبل على سليمان بن عبد الله فتى من بين عبس، وسيم فأعجبه، فقال: ما اسمك؟ قال سليمان، قال: ابن من؟ قال: ابن عبد الملك! فأعرض عنه، وجعل يفرض (أي يهب فريضة الزكاة) لمن دونه، فعلم الفتى أنه كره موافقة اسمه واسم أبيه. فقال: يا أمير المؤمنين، لا عدمت اسمك، ولا شقى اسم يوافق اسمك، فارض، فإنما أنا سيف بيدك، إن ضربت به قطعت، وإن أمرتني أطعت، وسهم في كنانتك أشتد إن أرسلت وأنفذ حيث وجهت. فقال له سليمان وهو يختبره: ما قولك يافتى لو لقيت عدوا؟ قال: أقول: حسبي الله ونعم الوكيل! قال سليمان: أكنت مكتفيا بهذا لو لقيت عدوك دون ضرب شديد؟ قال الفتى: إنما سألتني يا أمير المؤمنين: ما أنت قائل؟ فأخبرتك، ولو سألتني ما أنت فاعل؟ لأنبأتك، إنه لو كان ذلك لضربت بالسيف حتى يتعقف ولطعنت بالرمح حتى يتقصف! فأعجب سليمان به، وألحقه في العطاء بالأشراف وتمثل: إذا ما اتقى الله الفتى ثم لم يكن على قومه كلا فقد كمل الفتى