اعتبر محمد بنعيسى الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة خلال كلمته الافتتاحية في الجلسة الأولى من الندوة الموضوعاتية الثانية من الدورة الثامنة والثلاثين لموسم اصيلا الثقافي والمتحورة حول "الحكامة أو الحوكمة والمجتمع المدني" ان الموضوع المطروح للنقاش يستمد قوته من كونه ليس حكرا على هيئة دون اخرى بالاضافة الى أنه أصبح اليوم من العناوين الكبرى لتطور العالم الحديث والعولمة. وتوقف بنعيسى عند معطىالنموذج، والتي تطرح بالنسبة للنخب الفاعلة إشكالية حقيقية ليس لتعدد تنظيمات إشكالية المجتمع المدني وانما بسبب محاولات تنميطها في قالب جاهز وجامد ما دامت تستمد مرجعياتها من مبادئ كونية، مشددا على أن مواجهة هذا الطرح لا تعني إخراج الحكامة من روحها بدعوى التشبث بالخصوصية ، وإنما بغاية استثارة نقاش حيوي يقارب هذا المعطى الذي أصبح يفرض نفسه اليوم بقوة على المستوى السياسي والحقوقي. وهو النقاش الذي يتوخى الإجابة عن سؤالمركزي مؤداه: هل يجوز في مجتمعات الجنوب وخاصة في مجتمعاتنا العربية أن نبتكر نموذجا خاصا في الحكامة وتنظيم المجتمع المدني أم علينا التقيد بالمنظومة الدولية في نصيتها؟ وفي أي مستوى يمكن أن يحدث التصادم بين المحلي والكوني؟ وزير الخارجية والتعاون الإسباني سابقا والمبعوث الاممي الى الشرق الأوسط ميغيل انخيل موراتينوس ركز في مداخلاته على أن موضوع الحكامة اليوم اصبح ملحا لأنه يرتبط بعلاقة المواطن والدولة، وضمن هذه العلاقة لابد من دور للمجتمع للمدني الذي أصبح يستفز الأجهزة التقليدية للدولة والتي تعيش حاليا حالة احتضار بما أنها لم تعد قادرة على الاستجابة لانتظارات مواطنيها، معتبرا "أننا بلغنا نهاية دورة تاريخية"، دون أن يعني ذلك ثورة بالمفهوم الكلاسيكي بل ثورة آليات وأدوات تمكن من الحفاظ على الديمقراطية وعلى الحكم السديد بدل الانجرار الى الشعبوية، مقدما نموذج حزب بوديموسالاسباني، وكيف استفاد من الحركات الاحتجاجية، محذرا من خطورة تحول المجتمع المدني من مطالب بالاصلاحات الى منظومة سياسية تحاول إحداث التحولات. التجربة المغربية في مجال الحكامة والمجتمع المدني كما قدمها الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الانسان محمد الصبار ، تميزت بكونها تجاوزت مرحلة الاحتجاج والتنديد الى قوة اقتراحية فاعلة في اطار الديمقراطية التشاركية، وذلك بفعل – يقول الصبار – تجذر التنظيمات المدنية في المغرب، ولهذا لعب المجتمع المدني المغربي دورا رياديا في تسريع وتيرة البناء الديمقراطي حيث طرح الإشكالات السياسية الكبرى، والتي كان من نتائجها مقاربة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، تعديل مدونة الأحوال الشخصية، ترسيم اللغة الامازيغية، معتبرا أن أكبر اعتراف بدور التنظيمات المدنية كان هو إشراكها في وضع المتن الدستوري وتمكينها من ضمانات دستورية للقيام بمهامها. الصبار دعا كذلك الى عدم حصر علاقة المجتمع المدني بالسلطات العمومية في مسألة التمويل رغم ان هذاالاشكال مطروح بحدة الى جانب ضعف الموارد البشرية ،والعراقيل القانونية والإدارية رغم توفر المغرب على مقارب 100000 جمعية مدنية إلا أنها غير موزعة جغرافيا بشكل عادل. ف20 بالمائة منها تتمركز في جهتين فقط، و75 بالمائة منها لها إشعاع محلي فقط ،كما أن نصف الجمعيات بدون مقرات، و94.7 لا تتوفر على أجهزةمحاسبية وفق المعايير القانونية ،بالإضافة الى كون 78.1 غير منخرطة في أية شراكات، و20 بالمائة تقل ميزانيتها السنوية عن 5000 درهم، داعيا الى اتخاذ تدابير تضمن تقوية الموارد المالية الموضوعة رهن إشارة الجمعيات ، وبلورة وضع قانوني للتطوع الجمعوي مع المراقبة البعدية للفعالية ومصادر التمويل من أجل كسب ثقة المواطن والمانحين، ووضع ميثاق أخلاقي يؤطر عمل المجتمع المدني. "الحكامة هي أن تكون للمجتمع المدني مساحة في اتخاذ القرار"... بهذا التعريف البسيط والدال، قدم الدكتور مصطفى حجازي رئيس مؤسسة نسق" square للفكر الإنساني مداخلته، مؤكدا أننا اليوم أمام إعادة تعريف جديد للقيم بما فيها تعريف الدولة نفسها، بمعنى أننا أمام إنسانية جديدة يطالب ضمنها المجتمع المدني بإعادة إنسانيته، إذ لم يعد مقبولا اليوم حصر مفهوم الدولة في ثنائية سلطة ومواطنين، بل أصبح التعريف أوسع ليشمل السلطة والحكام والمحكومين، ولتصبح الحكامة – ضمن هذا التركيب الثلاثي – المؤسسة الرابعة بعد السلط التقليدية في بناء الدولة ، رغم أن هذه الأخيرة لاتزال تبدي مقاومة للحفاظ على هياكلها التقليدية التي تقوي سلطتها في مواجهة المواطن. الأمين العام للمعهد الجامعي الأوربي باسكوال فيرارا تطرق في مداخلته الى تطور مفهوم الحكامة الذي بدأ مفهوما مؤسساتيا ابتكرته المؤسسات والأطراف الفاعلة والمسيطرة على القرار المالي الدولي كالبنك الدولي، وأدرجته بعد ذلك ضمن الأجندة السياسية وهو ما ولد في البداية نوعا من الرفض لدى تنظيمات المجتمع المدني لارتباطه بالسياسة، وبإجراءات التقويم الهيكلي في عرف المؤسسات الدولية الى أن عدلت المنظمات غير الحكومية هذا الخطاب واعتمدت هذا المفهوم لكن بمضامين جديدة لتعزيزموقفها تجاه المؤسسات الحكومية، داعيا المجتمع المدني الى ملء الفراغ من أجل التشارك والالتزام بعد أن أصبحت الحكومات غير قادرة على ملئه لكن رغبة المواطن في المشاركة يجب أن تحترم معايير ثلاثة حددها باسكوال في: الانتخاب، التمثيل، انتقاء النخب . هل يمكن الحديث عن مجتمع مدني في ظل الاحتلال؟ سؤال أجابت عنه مداخلة رئيس الشبكة العربية للتسامح ومدير مركز رام الله لدراسات حقوق الانسان، إياد سليمان البرغوثي، حيث اعتبر أن المجتمع المدني الفلسطيني ، وعكس باقي المجتمعات، نشأ قبل تأسيس السلطة الفلسطينية ، وهو مجتمع نشأ تطوعيا، خاصة جمعيات توثيق الانتهاكات الجسيمة وجمعيات الإغاثة التي صاحبت الانتفاضة الأولى وأخرى اهتمت بإدارة التعليم وحياة الناس من خارج المؤسسات، والمعطى الذي حدث في التجربة الفلسطينية هو أنه بعد تأسيس السلطة الفلسطينية طرحت إشكالات جديدة للمجتمع المدني من حيث طبيعة التعامل معها هي التي ألقت علاقة تصادمية مع سلطات الاحتلال، مضيفا أن معطيات جيدة طفت على ساحة الراهن العربي ويجب أخذها بالحسبان في أجندة التنظيمات المدنية اليوم والتي حددها في الشرخ العربي ، التعصب، الإرهاب، الحقوق الفردية، الحقوق الدينية.