، تحت عنوان: واقع الفاعل التنموي في التنمية الديموقراطية بالمغرب ارتأت جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي، وهي تخلد الذكرى الأربعينية لوفاة مؤسسها محمد بلكوح ووفاة الفاعل الجمعوي عبد الرحمان فريدي يوم السبت 18 فبراير 2012، أن تنظم، يوم السبت 31 مارس 2012، ندوة بمدينة الرشيدية حول واقع الفاعل التنموي في التنمية الديموقراطية. استغرقت الندوة، بما هي فقرة عالمة من النشاط، كل الحصة الصباحية، في حين خصصت الحصة المسائية للفقرة العاطفية الوجدانية، وهي ذات دلالة رمزية، وحمولة معرفية وقيمية، فتح فيها المجال لكل من يرى نفسه أنه أهل للشهادة إما بالقرابة الدموية من الفقيدين، أو القرابة القائمة على الصداقة أو الإخاء، أو القرابة القائمة على تنمية الفعل الجمعوي بالمغرب وبجنوبه الشرقي. وسنعود لهذه الفقرة في مناسبة أخرى. وأما الندوة فقد انتظمت في ثلاث مداخلات وتعقيبين اثنين، ومناقشة عامة، لتنتهي – الفقرة الصباحية- ب مكان الذاكرة، زيارة قبر محمد بلكوح. لم يكن الإعداد لهذه المناسبة سهلا. فمنذ يوم 07 مارس 2012، والاجتماعات تعقد بمقر جمعية الألفية على كيف التأبين الأربعيني، ذلك أن الفقيد محمد بلكوح فتح أوراشا كثيرة، وأحدث انفعالا قويا بالجنوب الشرقي المغربي مع قضايا ذات أهمية، انفعالا لا يمكن التصور معه توقف الفعل، أو بالأحرى، تنمية الفعل الجمعوي. ومن جانب آخر، لا يجوز أن يؤبن محمد بلكوح بالبكاء وقوفا بقبره أو قعود في بيته أو بمكتبه بمقر الجمعية. فالتأبين المفترض جعل المناسبة أو المصيبة منعطفا للتأمل، منعطفا للإفصاح أن الفعل مستمر، مهما استمرت الحياة. كتب لي أن أحضر بمنزله حفلا للترحم عليه ليلة الجمعة 30 مارس 2012، وهو حفل ذو طابع ديني محض على طريقة التصوف المغربي يسمى محليا (الصداقة). ومعلوم أن الصداقة اتخذت معناها من الإطعام في أيام المسغبة التي شهدتها المنطقة في القرون الماضية، واتخذت دلالات رمزية قوية لا يعنينا الوقوف عندها. وأثناء ذلك الحفل تناول أحد الوعاظ الدينيين كلمة (درسا) حول الموت. الموت حق... أينما تكونوا يدرككم الموت... وكل نفس ذائقة الموت... وقضايا أخرى عن العذاب والرحمة والفردوس. ويفيدنا درس ذلك الواعظ في عبرة العمل... العمل الصالح، وعدم الاغترار بالحياة الدنيا. تساءلت في نفسي، مادام مجال النقاش غير مسموح به في الغالب في مثل هذه الدروس، عن العبرة التي يمكن أخذها من درس ذلك الواعظ، وأنا أستحضر وفاة شابين جمعويين محمد بلكوح وعبد الرحمان فريدي، بغثة في رحلة إلى مدينة بوعرفة لأداء مهمة تطوعية. فالعبرة تكمن حقا في العمل الذي يتجسد هنا في التضحية من أجل الإنسانية بقطع النظر عن كون ذلك العمل يقبل في الآخرة أم لا، لأن المقياس في العمل الجمعوي التطوعي، في مجال التنمية، يكون في الغالب دنيويا. إن البعد الدنيوي للعمل والاعتكاف على القضايا الصادقة طوعا هو ما تناولته لجنة التأبين في اجتماعها الأول يوم 07 مارس 2012. فالتأبين يتجاوز الوقوف عند أماكن الذاكرة، للفاعلين الجمعويين، بل الوقوف عند مسار الفعل الجمعوي من حيث التجديد المستمر للفاعلين الأخيار، والضمانات الممكن الترافع عليها في حال وقوع كل مكروه للفاعلين الجمعويين التطوعين، فوق أن هذه المصيبة شكلت لحظة للتأمل في الوضع والتقييم. تلك هي بعض المواقف المضمن بعضها في أرضية الندوة والمستخلص البعض الآخر في متن المداخلات والتعقيبات. ورد في أرضية اللقاء ذكر للخسارة التي شكلها «الرحيل المفاجئ للمناضلين الجمعويين محمد بلكوح وعبد الرحمان فريدي»، وهي «خسارة كبيرة للمجتمع المدني والحركة الجمعوية بالجنوب الشرقي على وجه الخصوص حيث رحلا وهما يؤديان رسالة التنمية الديمقراطية، وكانا كرسا حياتهما من أجل بناء مجتمع مدني قوي فعال ومؤسس ومحترف، ذي قوة اقتراحيه وقوة ضغط لطرح القضايا المجتمعية أمام أصحاب القرار». و«لَإِن كانت الحركة الجمعوية بالمغرب قد ظلت الأداة الاجتماعية الأكثر قدرة على استنبات وتداول الموضوعات الاجتماعية والثقافية، وهي الأكثر قدرة على تعبئة الرأي العام حول القضايا المرتبطة بالتغيير الاجتماعي عموما، فهي، بموازاة ذلك، أقل تفكيرا لذاتها والأضعف بناء لموضوعاتها الخاصة، وللإشكالات المرتبطة بتطور تموقعها السوسيو سياسي في المجتمع وأدوارها ورهاناتها». ذلك أن الحركة الجمعوية «استطاعت أن تتحول في السنين الأخيرة من مؤسسة تعبوية تثقيفية وتربوية إلى مؤسسة حاملة لمطلب اجتماعي، وهي مؤسسة للبناء الثقافي لهذا المطلب، وحاملة لرهانات التغيير الاجتماعي». ولقد شكل «هذا التحول العميق في بنية ووظائف الحركة المدنية منعطفا جعل الجمعيات قادرة على القيام بأدوار الاحتضان المؤسساتي لحركات اجتماعية وحركات مواطنة حاملة لمطالب لرهانات تعكس ظهور أشكال جديدة للتمثيلية السياسية والاجتماعية، في المجتمع المغربي، وتعكس أيضا بوادر حقيقية لتشكل مجتمع مدني، ذي قدرة عالية على الترافع والتدخل وعلى البناء الثقافي لإشكالات التغيير. ولعل الزخم الذي أصبحت تعرفه الظاهرة الجمعوية بالمغرب يعكس، إلى حد بعيد، ذلك التحول الذي يطول نمط الوجود الاجتماعي للمواطنات والمواطنين، نحو اندفاع أكبر للمشاركة في الحياة العامة من طرف الأفراد، وهو تحول نوعي في تمثل الأفراد للشأن العام وميول متزايد لتشكل وعي اجتماعي أكثر تحررا من رهانات الانتماءات الانقسامية المغلقة، وأكثر استعدادا للمشاركة في مسارات التغيير الاجتماعي. فعبر الظاهرة الجمعوية تتشكل أمامنا هوية مواطنة جديدة. لكن هذه الأدوار الجديد للمؤسسة الجمعوية كلها، بما تتطلبه من بنيات معرفية مؤسساتية، تظل ضرورية، على الرغم من حاجتها لاستراتيجيه عمومية تشاركية تهدف إلى تمكين الفاعل الجمعوي مؤسسة وأفرادا من وسائل وأدوات إنجاز مهماته. إن الرأسمال المعرفي والتقني المروج داخل أوساط الحركة الجمعوية، يشكل أكبر تحد أمام استراتيجيات التأهيل حيث يمكن الجزم بدون مبالغة، أن معظم الجهود المادية والبشرية التي بذلت من أجل الارتقاء بمستوى مهنية الفاعلين الجمعويين، لم تستطع بالفعل تحقيق جل أهدافها، إما بفعل طبيعة هذا الرأسمال المعرفي نفسه الغير ملائم مع احتياجات الفاعل الجمعوي المغربي، وإما بسبب طبيعة الهشاشة المؤسساتية التي تعاني منها الحركة الجمعوية لغياب استراتيجيات تمكين واضحة، فرغم الإنجازات القوية للحركة المدنية، ورغم أنها أثبتت قدرتها على إنتاج فائض قيمة اقتصادي اجتماعي ورمزي، لا زالت لم تفرض وجودها كمؤسسة عمومة تدبر مرافق وشؤون عمومية». وتأتي الندوة «للوقوف عند الاستراتيجية التي تنهجها الدولة للنهوض بالأوضاع الاجتماعية للفاعل التنموي. وهي استراتيجية لا تتضح معالمها ما لم تتم الإجابة على الأسئلة التالية: ما موقع الفاعل التنموي في السياسية الاجتماعية للدولة (التغطية الاجتماعية، الصحية، الاستفادة من التقاعد، حوادث الشغل....)؟ ما هي التدابير القانونية و الإجرائية التي يجب القيام بها لتنظيم هدا القطاع الذي يوفر فرص شغل مهمة؟ وكيف يمكن المحافظة عليها؟ ما هي أشكال المرافعة التي يجب على المجتمع المدني القيام بها؟. إن هذه الأسئلة وغيرها يمكن أن تنير السبيل إلى بيان المراد». إنها أرضية استغرقت مواقفها ثلاث مداخلات: المداخلة الأولى تحت عنوان (واقع الفعل الجمعوي في التنمية الديموقراطية) للسيد قيس مرزوق الورياشي، استغرقت 31 دقيقة و30 ثانية. وهو عبارة عن عرض ركز على القيم في المجتمع المدني، رسمه من خلال النقاشات الوطنية الدائرة منذ عدة سنوات، معتبرا اللقاء ذا طابع خاص لأنه مرتبط بالصدمة، والصدمة امتحان يمكن توظيفه لمراجعة الوضع والتأمل فيه. وتناول كذلك إكراهات المجتمع المدني ورهاناته من منظوره كأستاذ وكفاعل مع تحفظه على مصطلح الفاعل، وأشار إلى دور الجمعيات كفاعل جديد إلى جانب الفاعلين السياسيين والاقتصاديين، وعرف الديموقراطية بتعريفين اثنين، تعريف مغربي محلي يصف الديموقراطية بأنها فوضى، وتعريف عام يصف الديموقراطية بأنها تقنية ورثتها البشرية لحل التناقضات المجتمعية للوصول إلى التراضي، ورأى أن لهذه التقنية هدفا أساسيا للوصول إلى تكافؤ الفرص والمساواة. وخال التأهيل ضرورة سياسية لفهم هذه التقنية. كما أشار إلى دور المجتمع المدني في بلورة ذلك على أرض الواقع، لتحقيق التوازن بين الدولة والسوق والمجتمع، وحسب المجتمع المدني سلطة مضادة وضميرا جمعيا وقوة احتجاجية تصطدم مع قيم السوق التي يتخللها الغش. ووقف مليا عند تراجع الدولة عن مجالات أصبح المجتمع المدني يحتلها باستمرار. لذا لا بد من تطوير المجتمع المدني ليواجه التحديات، لأن في تطويره، أيضا، دعما لشرعية الدولة، وتشاءم السيد قيس مرزوق الورياشي من فقدان التطوع في المجتمع المدني، بما هو واحد من الإكراهات التي يعاني منه ذلك المجتمع. واقترح إيجاد حل للمعادلة بين المنطق التقني والمنطق السياسي، وجدد ختاما على ضرورة بناء القيم. ذلك هو الملخص الذي أعده مسير الندوة الأستاذ مصطفى قاسيمي، في ختام مداخلة السيد قيس مرزوق الورياشي. ومن المفيد الاسترسال في المداخلة لما لفقراتها من علاقة بالمناسبة. يقول السيد قيس مرزوق «طلب مني الأصدقاء في جمعية الألفية الثالثة أن أساهم ببعض الأفكار حول واقع الفعل الجمعوي في التنمية الديمقراطية ولي شرف عظيم أن أساهم في هذه الندوة وللمرة الرابعة والخامسة وأنا أحضر معكم في مدينة الرشيدية مساهمة مني في النقاش العام الذي يمارسه المغاربة منذ مدة صغيرة في التأمل حول...المجتمعي). وأضاف أن لمشاركة اليوم لها طابعا خاصا، لأننا «نحن المغاربة، نعيد النظر في الغالب، في مسائل نسيها الزمان عندما نتعرض للصدمة. فالصدمة امتحان، ومحطة للتأمل». ولأن المناسبة مأثم، تحضر فيه العاطفة أكثر من العقل والحكمة، أشار الأستاذ قيس مرزوق، إلى أنه سيترك العواطف جانبا، للوقوف بالنقد والتمييز للمنعطف الذي خلقته المصيبة، ويتطرق مباشرة إلى المجتمع المدني الذي شغل باله، و«بالضبط الإكراهات والرهانات من وجهات نظر» تأمله «كأستاذ وكفاعل/ مع التحفظ على كلمة فاعل، مع ترك الأستاذين عبد الواحد الغازي ، وأحمد أرحموش في التفصيل في بعض القضايا» المتغافل عن ذكرها. «هناك الحديث اليوم عن فعل جمعوي وتنمية ديموقراطية، أي إن هناك ربطا جدليا بين هذا الفعل الجديد، حيث أصبحت الجمعيات فاعلا جديدا في الساحة المغربية»، رغم أن هذا لا ينفي تواجده من قبل «لكن حضوره اليوم كان في صورة فاعل جديد... منافس كالفاعلين الآخرين منهم، الفاعل الاقتصادي، والفاعل السياسي بالدرجة الأولى». وأضاف السيد قيس مرزوق أنه «عندما نتحدث عن الديموقراطية... ولا بد – لإزالة اللبس والغموض- طرح السؤال،ما هي الديموقراطية؟ للديموقراطية تعريفان اثنان، تعريف إجرائي وهو تعريف عام، والتعريف المغربي»، وهو تعريف خاص. «فالمغربي فوضوي بطبعه، وهو كغيره من الشعوب المتخلفة التي تؤمن بالحرية المطلقة، أي الحرية التي لا قيود لها. فالمغربي حينما يتحدث عن الديموقراطية... فإنه يفسرها كما يلي: أن أفعل ما أشاء، متى شئت، أين شئت، مع من شئت بالوسائل التي شئت، هذا هو التعريف» الخاص «وأما التعريف العام، أي التعريف الإجرائي، فالديموقراطية هي تقنية تدبيرية توارثتها البشرية في إطار متقدم لحل التناقضات المجتمعية للوصول إلى التراضي. ولقد تطورت التقنية، الآن، في اتجاه مهم جدا... فالتقنية هي لعبة [والديموقراطية هي لعبة] ذات قواعد كأي لعبة، يمكن تعلمها. واللعبة يربحها اللاعب الماهر[المتقن لتلك القواعد]. ولهذه التقنية هدف أساسي، الوصول إلى المساواة في الفرص على جميع الأصعدة». ولما نتحدث عن التنمية فإننا نتحدث، أيضا، عن التنمية الديموقراطية، فإننا نتحدث عن هذه التقنية، ونبتغي تعميمها على جميع المواطنين «لكي يتعلموا اللعبة ويتمكنوا من ممارستها، فيصبحوا كلهم لاعبين ماهرين، ويكتسبوا نفس الفرص للقيام باللعبة. وقد حدث ذات مرة وفي نقاش مع أستاذ جامعي، ينتمي إلى أسرة عريقة ذات رأسمال رمزي ورأسمال مادي وسياسي...إلخ، من أسرة فاسية. فالديموقراطية كما تمارس الآن. هناك أغلبية المغاربة هم خاسرون في هذه اللعبة... إنهم مغاربة الهوامش، مغاربة تافيلالت، مغاربة الأطلس، مغاربة الريف، حيث تسود الأمية، وقد بلغت نسبتها في بداية التسعينات من القرن الماضي 80 في المئة». وتساءل السيد قيس مرزوق الورياشي «كيف يمكن لثمانين في المئة من الأميين أن ينافسوا أناسا سهروا على تربية أبنائهم ودعموهم في التحصيل الدراسي حتى تمكنوا من التخرج من الجامعات الأمريكية والأوروبية؟ إن هؤلاء يتحكمون في اللعبة منذ البداية. ومشاركة أؤلئك في أطراف الهوامش، هي مشاركة خاسرة في البداية». لذلك «لما ربط المجتمع المدني فعله بالتنمية الديموقراطية لا شك انه كان واعيا تمام الوعي أنه لا يمكن، أن يتحول بلدنا إلى بلد ديموقراطي، دون إدماج المهمشين، دون إدماج الفقراء، دون إدماج النساء، دون إدماج الأميات والأميين... ليتمكنوا من الحديث بنفس اللغة، لغة التقنية الديموقراطية. من هنا كان ظهور المجتمع المدني وتطوره في المغرب ضرورة تاريخية وسياسية»، واستدرك السيد قيس مرزوق الورياشي بأن لا يجب أن ننسى أن للمجتمع المدني دورا هاما وأساسيا، حتى لا تختلط الأوراق، ونكون قد عملنا على اختلاطها. فالمجتمع المدني لا يبحث عن السلطة بالمفهوم التقليدي. لكن المجتمع المدني في حد ذاته سلطة، سلطة مضادة». وإذا كان المجتمع المدني يبحث عن ممارسة السلطة، أي أن «الماهن الجمعوي يخال السلطة مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة، فإن رهانه خاسر بالمرة. لأن هذا التوجه نقيض للمجتمع المدني». ومن جانب آخر «لما يطرح المجتمع المدني نفسه كسلطة مضادة، فهو بالضرورة فاعل جديد وليس بفاعل قديم... فاعل جديد تمليه ظروف جديدة لضمان التوازن بين ثلاثة أطراف، الدولة، والسوق، والمجتمع... فالدولة هي السياسية، الفاعلون السياسيون، الأحزاب السياسية. والسوق هو الاقتصاد، والمجتمع هو المجتمع المدني، وهو صورة من صور التجاوز والابتكار. والتوازن ضروري للديموقراطية، ولتحقيق التقدم. ولَإِن كان المجتمع المدني صورة مضادة فهو يطرح نفسه كضمير جديد، كضمير جمعي [la conscience collective]، كضمير للإنسانية. ولما كان المجتمع المدني ضميرا فهو يتحول إلى قوة احتجاجية، يصرخ ويحتج ضد الظلم والفساد والحروب والتلوث، والموت ... إلخ. وبما أنه قوة احتجاجية فهو نقيض للسوق»، ينتج قيما غير قيم السوق حيث، جرت العادة، أن ينزع هذا الأخير – السوق- «نحو تسليع القيم، فتصبح مبيعات ومشتريات. وهنا قيم لا تخضع بالضرورة إلى السوق، وهي القيم التي يصنعها الإنسان »، وبالتالي وجب «تخليق القيم، ما دامت قيم السوق لا تهم الأخلاق، إذ يمكن أن أبيع كل شيء، كلما تبينت من أن ذلك سيحقق لي أرباحا، أبيع الغش، والسموم... إلخ »، لكن المجتمع المدني كضمير «يهدف إلى تخليق القيم. وفي إطار هذا الإشكال، نخلص إلى أن المجتمع المدني سلطة احتجاجية، وسلطة مضادة، وقوة ابتكارية... في حاجة إلى تطوير آلياته». ولا غرو فالملاحظ أن المجتمع المدني في العقدين الآخرين نشأ يتطور من جدلية المد والتراجع «فكلما امتدت الدولة لتشمل في بعض الحالات كل شيء [إذ الدولة تحاول أن تتماهى مع الله، يعني أن تتواجد في كل مكان وزمان أي أن الله موجود، قوي الوجود، في كل مكان وفي كل زمان ]، وتحاول أن تتواجد في كل مكان وزمان لكنها تنسى أنها بشر، والبشر لا يمكن أن يتواجد في كل زمان ومكان »، وينتج عن ذلك تراجعها عن هوامش كثيرة، عن فضائل كثيرة، «تراجعا اضطراريا، أو عن عجز سد مجالات فارغة، أصبح المجتمع المدني يحتلها باستمرار، لذلك نلفى أنفسنا قد دخلنا في جدلية»، مفادها أنه «كلما تراجعت الدولة، كلما تطور المجتمع المدني»، وكلما تطور المجتمع المدني كلما ساهم في تقوية شرعية الدولة، وكلما تقوت شرعية الدولة، كلما تطور المجتمع المدني، وهكذا دواليك. ولنأخذ على سبيل المثال ليبيا، «فالقدافي هو الدولة، وهو المجتمع المدني، وهو كل شيء، ولم يكن هناك فراغ للمجتمع المدني» وخلاصة القول، إن «هذا المجتمع المدني الذي نتحدث عنه، هو الذي يؤدي ثمنا غاليا من أجل تطويره، وليس هناك ما أغلى من حياة البشر... يتعرض المجتمع المدني للإكراهات كما أن له تحديات. فما هي هذه الإكراهات؟» يعاني المجتمع المدني من أربعة أشكال من الإكراهات، القصور الذاتي، وتراجع العمل التطوعي، والمعادلة بين المنطق التقني والسياسي، والتناقض بين الحداثة والتنمية من جهة وبين التقليد ومقاومة التغيير من جهة ثانية. يقول: إن «أولى هذه الإكراهات أن هناك قصور ذاتي بالرغم من التطور الكمي للمجتمع المدني. ويتجلى هذا القصور في كون الجمعيات بدأت تطرح نفسها كبديل للسوق، سوق الشغل على وجه الخصوص، وتطرح نفسها كبديل للسياسة في الوقت نفسه. وإذا كنا نتحدث عن ترحال البرلمانيين فهناك ترحال السياسيين. فهناك فاعلون سياسيون انسحبوا من أحزابهم فحسبوا الجمعيات بديلا [لن أسرد كل المستشهدات من الجمعيات لأنها كثيرة]، فهل هذا الترحال يعبر عن خلق سلطة مضادة، أم مساهمة في البحث عن السلطة بطريقة جديدة ؟»، واعتقد السيد قيس مرزوق الورياشي أن النقطتين تمثلان مكن القصور. وهناك إكراه ثان تعاني منه الجمعيات، وهو أن العمل التطوعي الذي هو روح وجود الجمعيات وجوهره بدا يتراجع ويحل محله العمل بالمقابل. فلا حاجة إلى قياس مغاربة اليوم بمغاربة الأمس الذين هم متشبعون بثقافة التطوع والبذل والتضحية. لقد أضحى العمل السياسي اليوم بالمقابل، الحملة الانتخابية بالمقابل. وهناك إكراه آخر يأتينا من الخارج. فثمة اعتراف غير واضح المعالم، اعتراف بأن الدولة واعية بضرورة تطوير المجتمع المدني، وهذا الأخير واع بضرورة تقوية شرعية الدولة، لكن هذا الاعتراف غير واضح المعالم، لأن الترسانة القانونية والترسانة المادية، لا توفرها الدولة، ولا توفرها المجالس المحلية. فكيف يعقل أن مناضلين جمعويين يطالبون من المجالس المحلية أو من سلطات محلية أو إقليمية أن يوفروا لهم قطعة أرضية لتشييد المدرسة، لبناء المركب الاجتماعي، ويتماطل المسؤولون ويتجاهلون هذه المطالب، كما لو كانوا يطلبون منهم صدقة، مع العلم أن المجتمع المدني يساهم في تقوية شرعية الدولة وحضورها». إنه في نظر السيد قيس مرزوق الورياشي اعتراض غير واضح المعالم بالنسبة للدولة، وإنه هو الإكراه الذي يأتينا من الخارج. وأما «الإكراه الثالث، وهو بمثابة التحديات، فتتمثل أساسا في طريقة إيجاد معادلة – ما أحبذ أن أسميه- المنطق التقني والمنطق السياسي. هناك جمعية تروم وصول مستوى الاحترافية، والذي يتطلب منطقا تقنيا. وكلنا يعلم أن التقني لما يعزل عن استراتيجية توجهه عن المنطق السياسي يقع في الروتين ويحافظ عن الهيكل من أجل الهيكل، أي الحفاظ على الجمعية من أجل الجمعية في غياب البعد الاستراتيجي، والذي ينبغي أن ينصب أساسا على الانفتاح على المستقبل، وليس اجترار الماضي». وأما الإكراه الرابع فمضمن في سياق الحديث، ويكمن في التناقض بين الحداثة والتقليد إذ هناك فئة من المجتمع تساهم في التنمية والحداثة وهناك فئة أخرى تعود إلى الوراء تؤمن بالتقاليد كما أن التقاليد منزلة، وهي من صنع الإنسان. وإنه بإمكاني أن أصنع التقاليد كما صنعها أجدادي. ويمكن لأولادي أن يصنعوا تقاليد أخرى جديدة بدورهم. وهكذا دواليك. أعتقد – إن لم تخني الذاكرة- أن الصحابي عبد المطلب... علي بن عبد المطلب [علي بن أبي طالب]... عبد المطلب قال: أيها الناس لا تكرهوا أولادكم على أخلاقكم لأنهم ولدوا لزمان غير زمانكم. ما هي المعادلة التي أتحدث عنها؟ فالتقليد هو مقاومة التغيير. وبعد الوقوف مليا عند بعض الإكراهات اقترح السيد قيس مرزوق الورياشي مجموعة من الحلول منها التفتح على المستقبل كبعد استراتيجي للمجتمع المدني «يفترض حل مجموعة من المعادلات، خصوصا حالة التناقض بين الحداثة والتنمية والتقليد ومقاومة التغيير. إن هذه المعادلة تكمن في ثقافة المشروع، مقابل ثقافة الريع، فالمشروع يحتاج إلى مجهود وإلى عمل، والاستثمار والابتكار. فثقافة المشروع مخالفة لثقافة الريع (واش كاين شي همزة؟ واش كاين شي كريمة [مأذونية]؟ . وثقافة المشروع هي ثقافة الحداثة التي تقضي التخطيط، مقابل ثقافة الغش (كور وعطي للعور)، التي هي ثقافة التقليد. والحداثة تتطلب ثقافة المبادرة، والتقليد يعتمد على الانتظار والاتكال. والحداثة تعتمد على الاعتماد على الذات، وتعتمد على الابتكار. بينما التقليد يعتمد على ثقافة الاجترار. فالأحزاب السياسية أحزاب تقليدية، لا تبتكر وسائل العمل). وخلص السيد قيس مرزوق الورياشي في مداخلته إلى بناء القيم الذي «يعد إشكالا رئيسيا للمجتمع المدني، فالحداثة لا تكمن في لبس الجلباب أو ربطة عنق، فالحداثة مجموعة من القيم، قيم المشاركة، مشاركة المجتمع الشأن المحلي، قيم التضامن هي قيم حضارية وحداثية، قيم الالتزام، قيم الشفافية. تلك هي قيم الحداثة». ولأن الوقت لم يمكنه كثيرا فقد طرح الأسئلة التالية: «ما موقع المجتمع المدني، الذي نتحدث عنه بقوته وضعفه، وبما هو سلطة مضادة، في التحولات الاجتماعية والسياسية؟ وما موقعه في الحركات الاجتماعية والحركات الاحتجاجية؟ وإني أتمنى أن أكون خاطئا لكن زخم المجتمع المدني كان مهمشا في ما يتعلق بحركة 20 فبراير، بما هي واحدة من الحركات الاجتماعية التي عرفها المغرب، وهي ذات وقع خاص نظرا لظرفية معينة. وما علاقة المجتمع المدني بتردي الحركات الاجتماعية الحداثية التي ترمي إلى تطوير القوة الإنتاجية للمغاربة، أقصد بالدرجة الأولى دور الطبقة العاملة، وتقوية القوة الشرائية أيضا. لما وقع تردي الحركة الاحتجاجية التي تعتمد على القوة العمالية، التي تروم تطوير القوة الإنتاجية والقوة الشرائية، مقابل انتشار غير مسبوق للحركة الهوياتية، والتي تتجلى بالأساس في الحركة الأمازيغية، والحركة الإسلامية، والحركة العروبية؟» وكانت المداخلة الثانية للسيد أحمد ارحموش، تحت عنوا (الوضع القانوني للجمعيات والعاملين الاجتماعيين). يقول السيد أحمد أرحموش: «إني بدوري أقدم تعازي الحارة لأسرة الفقيد عبد الرحمان فريدي وأسرة محمد بلكوح وأتمنى لهما الصبر والسلوان. لقد فقدنا فيهم طاقات مهمة، إن على المستوى الإقليمي أو على المستوى الجهوي والوطني. وإن لإشعاعهما دورا وفائدة في التنمية، التنمية الديموقراطية وحقوق الإنسان في بلادنا. وإني أشكر الإخوة في جمعية الألفية الثالثة على دعوتهم لي لأحضر في هذه الندوة مشاركا، ولو أن الرغبة لم تتطور لدي في التناظر في قضية ذات ارتباط بالشأن القانوني أو الاجتماعي لأن الأجواء المحيطة بالندوة أو فوق ذلك اللحظة التي نعيشها والتي توافق الذكرى الأربعينية لوفاة المرحومين، لا تسمح للحفر في هذه القضايا والتعمق فيها. وعلى الرغم من ذلك وجبت الإشارة إلى الأسئلة التي باتت تطرح علينا. ولا جناح إن استفز بعضنا البعض بهذه الأسئلة، ولو لبعض الوقت. فالاستفزاز استجابة لمؤثرات، هي عبارة عن أسئلة تطرح على الفاعلين الجمعويين مساراتهم المهنية، ومساراتهم في الحياة الجمعوية، و- ربما- الخاصة. فالفاعل الجمعوي يحمل هموم الوطن لكنه في لحظات كثيرة يتناسى هموم حياته الخاصة. وهنا وجب طرح سؤال يراد به استفزازنا نحن أنفسنا بالدرجة الأولى، فأي ضمانات للفاعل الجمعوي في إطار مساراته النضالية والجمعوية بالتأكيد. ولما نتحدث عن الضمانات فإننا لا نقصد بها أدوات الحماية، بل نقصد الضمانات الحقيقية، المادية، أو ذات طبيعة اجتماعية، أي الضمانات ذات الارتباط بالمحيط الذي يشتغل فيه الفاعل الجمعوي. فهناك ضمانات من المفروض أن تتوفر في الحياة الخاصة للفاعل الجمعوي. وهناك ضمانات – وتلك هي النقطة الثالثة- لذوي الحقوق في حال هلاك الفاعل الجمعوي، وهم الأصول والفروع، والأزواج والأطفال، وهي ضمانات ذات طبيعة اجتماعية خاصة. فالسؤال المطروح على المناضلين في العمل الجمعوي أنفسهم. هل حدث مرة أن استحضرنا هذا الجانب في مسارنا النضالي في العمل الجمعوي؟ وإني أجدني متفقا – وهذا من الصواب بمكان- على أن يطرح هذا السؤال على الحكومة المغربية لا على الفاعلين الجمعويين والمناضلين. ذلك أن حاملي مشاريع الديموقراطية وحقوق الإنسان، وبفضل ما راكمته الحركة الاجتماعية، هم إلى حدود لحظته، في مواقع قيادية، وبالتالي لا بد من طرح سؤال الذات، أي حول الذات وعليها، أي ما يتعلق بمستقبل الفاعلين الجمعويين، في إطار عمله داخل الجمعيات، ونضالهم داخل الجمعيات وتفاعلهم مع محيطهم، من منطلق المسؤوليات التي يتحملونها داخل جمعياتهم. فهناك مناضلون جمعويون آخرون فقدناهم بالأمس. وفوق ذلك، وفي إطار العلاقة مع الدولة، فإذا كان الفاعل الجمعوي يبحث عن ضمانات. فما هو المقابل التي تستفيد الجمعيات منه، لكي يبحث عن هذه الضمانات ويرجوها؟ لا يخفى عليكم، وإني لا أدري ما إذا كانت المداخلة الثالثة ستتطرق إلى هذه الأمور، فمن المعتاد أن تلفى المناضلين الجمعويين يخترقون الشوارع صباحا ومساء، يغدون ويروحون، ويسافرون بسيارتهم من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب، يعبرون السهل من الأرض والوعر. إن وقت المناضلين تبذل للعمل التطوعي، وتوهب حياتهم لآداء وظيفة تسعى إلى تحقيق وظيفة عمومية. إنهم يسعون إلى بناء مغرب آخر ممكن. وكلنا على دراية أن هذا العمل – إن نظرنا إليه من المنظور التقليدي- تقوم به الدولة والمؤسسة العمومية والبرلمانات...إلخ. وكأني بالفاعل الجمعوي يحمل ثقلا أكثر من الحكومة. صحيح أن ما يقوم به الفاعل الجمعوي ذا فائدة لصالح الدولة. لكن من المفيد الوقوف لحظة لتوجيه السؤال إلى الدولة التي تعتبر هؤلاء حطب جهنم أو رجال المطافئ، علما أن الدولة تستفيد من العمل الجمعوي حيث تحتجن أموال خمس ضرائب على الأكثر، الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الحضارية، والضريبة على الدخل و(الباتونت) وغيرها من المكوس. وأضرب لكم المثل من جمعية الألفية الثالثة التي جهزت ملفات المشاركين في الندوة – ولو أنها خالية من الأقلام فليس عليها جناح في ذلك- فقد نفقت أموالا استفادت الدولة من نسبة منها. فالجمعيات المدنية تساهم بشكل أو بآخر في ميزانية الدولة. ومن جانب آخر، فالجمعيات تمتص البطالة لأن لها مستخدمين مداومين ومستخدمين مؤقتين ولحظيين. ولا شك أن أجورهم تتعرض لاقتطاعات لتسوية ما يرتبط ببعض الحقوق. وكل هذه العملية تستفيد منها الدولة. والمثل الثاني قد تبصرونه في أنفسكم. فمن منكم يستطيع أن يؤسس الجمعية دون أن يتوفر على 600 درهم على الأقل، شراء الأوراق والملفات وتمويل مشروبات الاستقبال وما يطعمه من نشاء وحلويات. وإذا تجاوز المؤسسون مرحلة الإعداد وانتقلوا إلى مرحلة عقد جمع عام تأسيسي، فإنهم يكرهون على استنساخ القانون الأساسي، وطبع لائحة أعضاء المكتب والتصديق عليها في الجماعات المحلية مقابل رسوم تتمثل في شراء طوابع التصديق. والتكلفة ترتفع كلما كثرت والأوراق وارتفع عدد الوثائق المراد تصديقها وقس ما لم يقل على ما قيل لتتصور هول النفقات. وإذا ضربنا معدل 600 درهم في عدد الجمعيات المؤسسة في المغرب، ما بين 50 ألف جمعية وستين ألف، على وجه التقدير تأسيسا على ما يروج، [ليس لدينا رقم مضبوط]. وإذا استحضرنا أن عدد الجمعيات الذي قدرناه، نصفه يتجدد في أحسن الأحوال في ظرف سنة، فاعلم، من العملية الحسابية الجداء، المبلغ الذي تستخلصه الدولة من المجتمع المدني. وعلى الرغم من ذلك لا شيء ضامن أمام المخاطر اليومية التي تحيط بالفاعلين الجمعويين وهم في حالة نشاط، والضغوطات التي يتلقاها هؤلاء الفاعلين مع السلطات المكلفة بتلقي الملفات. والأكثر من ذلك أن الفاعلين الجمعويين يتعرضون إلى أزمات نفسية يوميا، وضغط أعصاب. فلا ضمان على الأمراض المهنية. وحسبنا أن البحث عن مقر لتنظيم تجمع عادي يكلف الفاعلين الجمعويين الكثير، يتطلب التردد على السلطات العمومية خمس مرات أو ست، تسوية الوضع مع المقدم، ومع القائد (رئيس الملحقة)، ومع الباشا. وهناك من ينتظر نتيجة الحصول على رخصة الاجتماع في مكان ما. ذلك أنه في حال الرفض فإن الاجتماع سيؤجل إلى أجل غير مسمى، أو ترتبط تسميته بقرار السلطة قبول الطلب. فهل لكم أن تتصوروا معي الجانب النفسي للفاعل الجمعوي، وهو يعد العدة لتنظيم اجتماع عادي؟ إنها معاناة قد تستغرق خمسة عشر يوما أو شهرين. وإنه من المستحيل تنظيم اجتماع في ظرف خمسة أيام أو أسبوع، اللهم إذا كانت هناك معطيات أخرى غير ذات ارتباط بالشفافية والديموقراطية، والحكامة الجيدة. ومن جانب آخر، كلما غدا أحدنا إلى مكتب القائد، وهو يبتغي تأسيس الجمعية قد يتساءل بالضرورة هل سيصادف حضوره بالمكتب أم سينتظر لحظات كثيرة، وفي حال حضوره هل سيستلم منه الملف أم لا؟ وهل سيحصل على وصل الإيداع أم لا؟ وفي عدم الحصول على الوصل فلا إمكانية للعمل بالمرة. أتدرون وقع هذا المسلسل الطويل من الاستفزاز المعنوي والمادي الذي يصاحب الفاعل الجمعوي، وهو يؤدي مهمته التطوعية، ولا يسعى من ورائها، كما قال السيد قيس مرزوق الورياشي،الوصول إلى الحكم، أو إلى تقليد وظيفة لتدبير الشأن المحلي أو الوطني أو الجهوي؟ إن غاية الفاعل الجمعوي المساهمة في تطوير الأداء الديموقراطي في بلادنا. وأعتقد أن ما حدث للرفيقين محمد بلكوح وعبد الرحمان فريدي، يتطلب لحظة قوية للتوقف، إذ لم يعد الأمر مقبولا أن نفقد مناضلاتنا ومناضلينا والدولة تتفرج ، ولا أحد يقف لحظة للتأمل في هذه المسألة، والتي أحسبها من بين الأولويات في المرافعة عنها، ضمن استراتيجية يجب وضعها لفائدة هذا الفاعل الجمعوي. وفضلا عن المعاناة التي سلفت إليه الإشارة والتي تبدأ من الإعداد إلى التأسيس نسجل أن الجمعيات في حاجة إلى قليل من المال للانطلاق. فما أكثر البذل في هذا المجال. وحسبنا أن المقتضيات التشريعية، للآن، لا تشجع أحدا على الانخراط في العمل الجمعوي. وإني أقصد أؤلئك الذين يبتغون الفضيلة من العمل الجمعوي، أؤلئك المتشبثون بالعمل الجمعوي الديموقراطي النظيف. إن هؤلاء لفي حاجة إلى التمويل لتمكينهم من الانطلاق. وإن لبعض الإكراهات وقعا على الفاعلين الجمعويين مما يدفعهم إلى أن يحيدوا عما هو مضمن في قوانينهم الأساسية، فيبحثون عن الشراكات. ولا غرو، فقد ارتفع عدد الجمعيات لما انتشرت مشاريع التنمية البشرية بشكل واسع. وأريد أن أضيف جانبا آخر من المعاناة، فجل الفاعلين المنعويين منخرطون في وظائف مهنية أخرى، لذلك فهم يبذلون جزءا من وقتهم الثالث في العمل الجمعوي. وكثيرا ما يؤدي العمل المتواصل من هذا النوع إلى أزمات قلبية، فضلا عن أمراض أخرى. فأي ضمانات تتعلق بالتغطية الصحية؟ وأي ضمانات ترتبط بالتأمين من مخاطر الحوادث؟ والحديث عن الحوادث يستدعي استحضار كثرتها وتنوعها، حوادث الشغل، وحوادث السير، حوادث الأمراض المهية... إلخ. أخبركم بخبر، إن كنت أتذكر جيدا، أنه حدث قبل خمسة عشر يوما أن مستخدما بإحدى الجمعيات بمدينة أكادير، يتوفر على التأمين على حوادث الشغل. أُمر بنقل مستلزمات ورش تكويني قررت الجمعية تنظيمه بمدينة العيون، وحدث في مسيرة إلى هذه المدينة، أن هوت سيارة الجمعية أو انحرفت عن الطريق فكانت حادثة، لما وصل مدينة طانطان، نتج عنها هلاكه. ولما بحثنا في شأنه ووضعه الإداري تبين أنه مؤمن على حوادث داخل مقر الجمعية الذي يشتغل فيه. وإن حدث له مكروه خارج المقر فلا ضمان ولا تأمين. ومعلوم أن الضمانات المتوافرة للأجير خارج المقر، لا تتعدى نصف ساعة أثناء الغدو إلى عمله ونصف ساعة أثناء الرواح إلى بيته. فلا ضمانة لمن يبتغي من أجراء الجمعية السفر من مدينة أكادير إلى العيون. ولم نجد في بحثنا أنه يتوافر على التغطية الصحية لأبنائه وعائلته. تلك هي واحدة من القضايا الممكن إضافتها إلى ما ذكرته في بداية هذه المداخلة والمرتبطة بذوي الحقوق. وهناك مشكل تقاعد المستخدمين والمستخدمات والفاعلين والفاعلات. إنها إشكالات كثيرة وعديدة في حياة المناضلين. تطرح أسئلة لا بد لها من الإجابة. وإني لا أملك الجواب الآن. لكن هل نحن واعون بمصيرنا؟ ما هي الضمانات التي يمكن اقتراحها في المستقبل من أجل ألا يتكرر ما حدث. وإني لا أنوي باستفزازي لكم بهذا النقاش إنشاء تدمر لدى الفاعل الجمعوي، لكن ليس يضير الجمعيات أن تقف عند هذه المسألة وتعمق فيها النظر، وتحديد الرؤى المستقبلية ومعالجة هذا الواقع، والأمر لا يتعلق بما هو مادي بل بما هو رمزي. وإنه من المفروض أن يرد لهذين الرفيقين اعتبار على مستوى مدينة الرشيدية عبر البحث عن إبراز اسميهما في الفضاءات العمومية، وهو حق يجب انتزاعه، وتخليدهما بما يليق من وسائل التذكار». المداخلة الثانية كانت للسيد عبد الواحد الغازي تحت عنوان (وضعية العاملين الاجتماعيين في المغرب)، بيانها: «سأنطلق من مقال كنت نشرته في موقع إليكتروني التنمية يوم 22 شتنبر الماضي يتناول العاملين في النشاط الجمعوي، وهم الأشخاص من الجنسين الذين أبرموا عقد عمل مع بعض الجمعيات، ولأن مجموعة من النقط سبق أن تناولها الأستاذ أرحموش فإني لن أفصل فيها الكلام. وأود في البداية أن أعتذركم، وأعتذر على وجه الخصوص أسرة الفقيد عبد الرحمان فريدي لأن علاقتي به غير راقية من حيث الإخاء، لقلة اللحظات التي التقينا فيها، في حين أجد الآصرة التي تربطني بالفقيد محمد بلكوح أقوى وأكثر وثوقا، حيث طفق هذا الوثوق يزداد ابتداء من سنة 2001 [يوم 26 مايو 2001]، بينما علاقتي به تعود إلى ما قبل 22 سنة، حيث تعرفت عليه في النضال النقابي والسياسي في جامعة ظهر المهراز [جامعة سيدي محمد بن عبد الله]... وأريد أن أوظف التعدية، المصطلح الرياضي في مجال الجبر. فإن تحدث عن الفقيد محمد بلكوح فإني أتحدث بمنطق التعدية عن الفقيد عبد الرحمان فريدي، ما دام الاثنان رفيقان في العمل الجمعوي. وأقر في البداية أنه لولا الفقيد محمد بلكوح، وجمعية الألفية الثالثة ما كنت لي لأزور مدينة الرشيدية، يمكن أن أقضي ما بقي من عمري دون أن أكتشف وأزور المناطق الكائنة جنوب مدينة أزرو. والدليل على ذلك أنه لم يسبق لي أن تنقلت إلى مدينة الرشيدية دون أن أكلف بوظيفة ما ضمن برنامج أحد الأنشطة، وهناك أشياء جميلة لن تنس... أقول عرفت الفقيد محمد بلكوح في إطار العمل النقابي والسياسي وأول مرة أضع فيه أقدامي في مدينة الرشيدية كان سنة 2001 ومنذ ذلك التاريخ – أصرح أني- اشتغلت مئات الأيام مع جمعية الألفية الثالثة، ومكنني ذلك من معرفة العشرات من الجمعويات والجمعويين في منطقة الجنوب الشرقي المغربي». وللإشارة فقد سبق للسيد عبد الواحد الغازي، عن منظمة الإعاقة الدولية، أن شارك في ندوة نظمها فرع سلا للجمعية المغربية لتربية الشبيبة بتعاون مع الخزانة العلمية، وجريدة الأسبوعية الجديدة، وفعاليات وطنية تحت شعار «العمل الجمعوي استمرارية وعطاء»، حول «العمل الجمعوي بين التطوع و المهنية»، نشر تقريرها بموقع تنمية الإليكتروني يوم 08 أبريل 2008 قدم فيها تعاريف من قبيل «أن الاحترافية هي القدرة على إنجاز كل عمل منتج وإتقانه، وأما المهنية فهي تحيل على الصنعة والحرفة وإشباع رغبة الزبون، أما التطوع فهو التزام إرادي وقناعة فكرية وعقائدية». ووضع شروطا وقواعد لهذا التطوع من ذلك، قبول العمل مع الآخر والاستعداد لاقتراحات، وقبول الإدلاء بنتائج العمل، ومبدأ الاعتراف و التثمين من خلال عمل المتطوع، وقبول النقد والمحاسبة، واعتماد مبدأ المراكمة. و«أما الاحترافية فهي اقتناع ببيع القوة البدنية جزئيا وبيع القدرة الفكرية كليا بأجرة، حيث يخضع الأخير لقانون الشغل». وأشار الأستاذ عبد الواحد الغازي في تلك الندوة إلى «تاريخ ظهور العمل الاحترافي الجمعوي من خلال ظهور جمعيات السهول والهضاب والتمويل الأجنبي. ثم انتقل إلى ما يحققه الأجير من خلال اشتغاله بالجمعية، إذ أن الأجير يكتسب سلاحا هو اختراق والتأثير في النسيج الجمعوي». واقترح في مداخلته «فكرة صندوق وطني جمعوي خاص بالمتطوعين من أجل التثمين والتحفيز». ويضيف الأستاذ عبد الواحد الغازي «أعود لأذكركم بما سلفت إليه الإشارة بأني أريد أن أتداول في المقال الذي نشره موقع تنمية يوم 22 شتنبر الماضي [بتوقيع السيد عبد الواحد الغازي]. وألفت الانتباه أنه منذ نشرت المقال وأذعته على نطاق واسع بواسطة البريد الإليكتروني. تلقيت ردود أفعال من لدن ثلاثة أشخاص، مفادها الإصرار في التفكير في هذا الموضوع. وإننا في أمس الحاجة إلى تنظيم الشغيلة التعليمية للجمعيات، إذ ليس لدينا تنظيم نقابي، أو تنظيم جمعوي مهني، أو مؤسسة الأعمال الاجتماعية. وهنا وجب أن أنقل إليكم خبرا بيانه أن محمد [محمد بلكوح] كان التزم باسم جمعية الألفية الثالثة، إلى جانب إخوان في جمعيات أخرى، أن يتحمل تكاليف تنظيم لقاء لهذه الغاية في مدينة الرباط. وإذا عدنا إلى وضع العاملات والعاملين في المجال الجمعوي نلفى أن هذا النمط من الشغل انطلق في المغرب مع بداية التسعينات من القرن الماضي. وقبل هذا العقد لم تكن الجمعيات ذات شأن وليس لها مشغلون جمعويون. فمنذ بداية هذا العقد ظهر جيل جديد من الجمعيات يسمى الجمعية المقاولة التي استمدت في نمط تسييرها مجموعة من القواعد ووسائل التنظيم والاشتغال من المقاولة الرأسمالية أي الشراكة. وبالتالي أضحت الجمعية تنجز عقود العمل، وتشتغل بالتنظيم الاستراتيجي، وبمنظومة التسيير المحاسباتي إلى غير ذلك. وقد ترتب عن هذا الوضع وقوع تحول داخل الجمعيات، إذ زاغت قليلا عن نطاق التطوع، أعني لم تعد جمعية متطوعة بالتمام والكمال، إذ أصبحت جمعية مشغلة وفاعلا اقتصاديا مستثمرا في حقل الاقتصاد، تنتج الربح وفائض القيمة لأطراف أخرى، ولم تكن كما كانت من قبل فاعلا ثقافيا أو تربويا أو رياضيا. وأريد أن أصور لكم صورة في هذا المجال.أتذكر أني لما كنت أشتغل في الفضاء الجعوي، اتفقت مع السيد عبد الله ساعف أن نكلف طلبة الماستر في البحث في موضوع مساهمة الجمعيات الناتج الداخلي الخام في المغرب باعتماد عينة تستغرق ست جمعيات على الأكثر، تمارس نشاطها بمدينة الرباط. فإذا كان كلنا يتحدث عن الفلاحة وعن السياحة والفوسفاط، فإننا لا نتحدث عن الجمعية كمستثمر اقتصادي في هذا الجانب. وللأسف الشديد تراجع بعض الطلبة عن اعتماد الموضوع مجالا للبحث والاشتغال لأنهم يخالونه موضوعا شائكا، رغم أننا شجعناهم أحسن تشجيع. إننا لا نحفر في بعض المواضيع التي تخالها بسيطة للغاية، فمن المستحسن النظر في ما تنجزه الجمعيات، كدورها في إنعاش قطاع الفندقة إذ طالما تقدم على تنظيم أنشطة في رحاب الفنادق، فهي تؤدي نفقات المبيت، ونفقات وقفات الشراب (القهوة، الشاي، الحلويات)، مصاريف كراء القاعات... وحسبنا اعتماد جمعية الألفية الثالثة أوراق محاسباتها لبيان عدد الأموال التي صرفتها في فندق مدغرة، وفندق الرشيدية، وفندق الرياض، ومقارنة ذلك العدد بعائدات السياحة أو بما صرفه تجار المنطقة في الفنادق ذاتها. إننا سنلفى مساهمة ذات قيمة معينة. وكم قيمة كميات الأوراق التي تستهلكها الجمعيات المشغلة كما ذكر السيد أرحموش؟ وباختصار تبين أن الجمعيات تساهم في القطاع الفندقي، وفي قطاع النقل البري والجوي، والجمعيات كذلك تساهم في القطاع البنكي، لأنها مدعوة لتنجز ثلاثين عملية بنكية في الشهر، إن كانت تشغل عشرين مستخدما، وأما إن كانت تحصل على الأموال فإن عدد عملياتها البنكية يتجاوز ستين (60) في الشهر. إنها عمليات بسيطة لكنها إذا ضمنت في عملية جداء يمثل عامله الأول عدد الجمعيات في المغرب وعامله الثاني معدل العمليات البنكية التي يمكن للجمعيات أن تقوم بها سيكون حاصل الضرب مهولا. ومن جانب آخر، تنفق الجمعيات أموالا كثيرة في التواصل والاتصال الهاتف، الفاكس، الأنترنيت. وعلاقة بالاتصال والتواصل تساهم الجمعيات في إنعاش الصناعة الإليكترونية لإقدامها على اقتناء الحواسب وآلات التسجيل والتصوير، وقطاع صناعة السيارات، وقطاع المحروقات، والقطاع العقاري إما بالكراء والشراء، وحسبنا أن 95 في المئة من الجمعيات المغربية، لم تعد تتردد على دور الشباب. ونضيف أن الجمعيات طفقت تشغل مكاتب المحاسبة لافتحاص ميزانيتها، ومكاتب الدراسات كلما ابتغت إنجاز دراسة حول مشروع يراد إنجازه في الميدان الذي تغطيه خدمات الجمعية وفقا لاختصاصها. وأما الأجير الجمعوي، فيؤدي مجموعة من الضرائب، كما قال الأستاذ أرحموش، فوق أن الجمعية مدعوة لتحويل الأموال إلى مؤسسات أخرى لضمان حقوقها وحقوق أجرائها والتزاما بواجباتها، ففضلا عن الضرائب الخمس التي أشار إليها الأستاذ أرحموش، تساهم من أجل ضمان الحق في التقاعد، في موارد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وموارد الصناديق التكميلية للتقاعد، فضلا عن الضرائب على سيارات الجمعيات الذي لا يختلف قدرها عما تؤديه الشركات والمقاولات، علما أن سيارات الجمعيات ما هي إلا هبات من لدن المنظمات الأجنبية، بكل من فرنسا أو بلجيكا، أو من لدن مهاجرين مغاربة يبتغون التضامن مع الجمعيات الفاعلة في قرى مسقط رأسهم، أو الأحياء التي ينحدرون منها. فماذا تستفيد الجمعيات من وراء ذلك؟ إذا نظرنا في القانون المنظم للجمعيات، يفتح المجال لاجتهاد شيطاني يجعل الموظفين الذين لهم علاقة بأجهزة السلطة يذلون الجمعيات ويهينونها. فكلما ابتغت إحدى الجمعيات تجديد ملفها القانوني ... يقول لك المجتهد: إنك تريد تنظيم تجمع عمومي... علما أن الجمع الذي تبتغي الجمعية تنظيمه جمع عام وليس تجمعا عموميا وفق الفصل الخامس من قانون الجمعيات... فإن عقبت على قوله بالقول إن الفصل 5 من قانون الحريات العامة قد عدل... يقول لك: إني أشتغل بالتعليمات. فإن طلبت الوصل المؤقت لن تحصل عليه... ودون سرد التفاصيل الصغيرة فالجمعيات تعاني من الاجتهاد الشيطاني الذي يطول النص القانوني كلما تقدم في الزمان، وهو اجتهاد ذي صلة بنوع الديموقراطية التي يراها المسؤولون لائقة لهذا البلد. لدينا سياسة تمويل لكن معالمها غير واضحة، أو على الأقل، نقول: إننا نجهل ما يحدث. وسأضرب لكم مثلا بدورية السيد الوزير الأول حول الشراكات والتي تعود إلى بحر سنة 2003، وهي دورية ملزمة لكل قطاع حكومي ليقدم حصيلة سنوية للتمويلات التي منحها للجمعيات ليتمكن الوزير الأول سابقا، وهو في الحال رئيس الحكومة، من تقديم البيان العام لمجموع التمويلات التي منحتها القطاعات الحكومية للجمعيات، وفق ما نصت عليه الدورية المذكورة. وحسب علمي الشخصي لم يصدر، للآن، أي تقرير أو بيان في ما تقتضيه دورية 2003 أي حصيلة الشراكة بين القطاعات الحكومية والجمعيات. إننا نعاني من سياسة تمييزية خطيرة تعطي امتيازات ضخمة للقطاعات الرأسمالية الطفيلية التي لا تحترم حقوق العاملات والعمال، تلك الشراكات التي تبتغي الحصول على العقار بثمن رمزي 10 درهم. فلما تتقدم إحدى الجمعيات إلى هذه القطاعات ملتمسة منها الدعم والتمويل لإنجاز نشاط ما، تعرض عليها أن تمول لها لافتة.بواجب قدره 300 درهم. ولا غرو، فلو قدرت قيمة الإشهار الذي سيستفيد منه إن عرض رسمه الضوئي في النشاط المزمع تنظيمه، لتجاوزت 50 ألف درهم. وإذا ضربنا مثلا آخر بمنطقة والماس نجدها أنها لا تستفيد من أي شيء في استثمار الماء المعدني المستخرج في المنطقة، حيث تستقدم الشركة المستثمرة العمال من خارج المنطقة، ويصرفون أجورهم خارج المنطقة، وأما الإداريون والمهندسون فإنهم مقيمون في فندق الشركة المستثمرة. الأجراء لا يتمتعون بتسهيلات للحصول على سكن أو تسهيلات أخرى ونستشهد بأجراء جمعيات أودعت مليار سنتيم في بنك ما ولما يرغب أحدهم في الحصول على قرض ما تسري عليه المسطرة المطبقة على كل زبناء البنك، فلا تسهيلات ولا امتيازات ولا ضمانات. تفتقر الجمعيات إلى الأعمال الاجتماعية التي يستفيد منها موظفو مؤسسات القطاع العام والخاص، كمراكز الاصطياف لقضاء العطلة. تلك هي الحصيلة لكن ما هي إكراهات الشغيلة الجمعوية؟ صحيح أن الفاعلين الجمعويين أشخاص مجدون، وأن جديتهم غرست فيهم نوعا من الوسواس. فكلما مر فاعل جمعوي بمزبلة، يصاب بقرف ودوار ويمكث بعيدا، وكلما تردد على محطة سيارات الأجرة، ويصادف الفوضى يتساءل عن النظام. والفاعل الجمعوي يشتغل على الدوام ففي كل لحظة يتذكر ما نسيه من ترتيب الملفات وإعداد التقارير، ومناداة فلان بن فلان لغاية ما. إنه عصاب تنموي بين مزدوجين. وإن أغلب الجمعويين يشركون يوم السبت مع الأحد، وكل ذلك يؤثر على العطاء الفكري للعاملين في المجال الجمعوي. وهناك إكراهات ذات مصادر أخرى، والتي يمكن عدها من نقط الضعف. كلنا يعرف الآن المقاربات التي يغلب عليها الطابع التقني، منها المقاربة الحقوقية، مقاربة النوع الاجتماعي، المقاربة المجالية، المقاربة التشاركية، فالأشخاص المنقطعون للتكوين في هذه المقاربات يكادون أن يكونوا كالآلات، وإن هذا الطابع الآلي يبعد الفاعلين الجمعويين عن الاشتغال على القضايا الفكرية. فالمنقطع للتكوين في المقاربة التشاركية يجهل خلفياتها الفكرية، وأبعادها الإيديولوجية. وإنه لخطر بات يهدد الأشخاص، وينعكس سلبا على التنمية الديموقراطية. وهناك خطر آخر يرتبط بطغيان الجانب التقني على الجانب المعرفي، يتمثل في كون الجمعويين الذين غالبهم التقني عاجزون عن استخلاص خلاصات ذات طابع سياسي كلما دعوا لتحليل قضية ما، ويستنتج من ذلك أن هؤلاء مؤهلين لقبول كل شيء بدون نقد ولا تمحيص، وطالما يفتقرون للجرأة الإيديولوجية والسياسية. ولأن هؤلاء المشغلين تربطهم بالجمعيات عقود شغل فإنهم ينسحبون من المشاركة في كل مقال وناد يروم مناقشة الجمعية استراتيجيتها، وهذا وضع تزداد خطورته، إذا استحضرنا غياب التنظيم النقابي والجمعوي يهتم بشأن الجمعيات مشغليها. وإذا استحضرنا أي أسلوب للعمل النقابي إن كان المشغل لا يرغب في تمييز الجمعية التي تشغله ونقد آدائها، ومنهم من لا يقدر على الإفصاح عن القضايا التي يؤمن بها وبالأحرى الانخراط في تطبيقها. ويكفينا أن انخراط المشغلين الجمعويين الذين نعدهم مناضلين في حركة 20 فبراير شبه منعدم. ليس لدي مقترحات ولكن يمكن القول إن على الجمعيات المشغلة أن تفكر في ضمان الجودة والمردودية، وبالتالي لا بد من توافر الشروط النفسية والفكرية، وذات طبيعة قانونية في المجال الاجتماعي والصحي. ومن الأولويات الواجب تسطيرها العطل الفصلية المؤدى عنها. وكم سيكون وقع التعطل على المشاريع لو افترضنا جدلا أن الجمعيات قررت أن تمتع مشغليها بخمسة أيام عطلة خلال شهر مارس، فإنكم مدعوين لتتصوروا معي الشلل الذي سيطول مجموعة من المشاريع...وسأختم بالتصريح أن لدينا مع جمعية الألفية الثالثة برنامج عمل كبير، ونحن في اشتغال تشاوري سيتوج بتوقيع اتفاقية على برنامج يشتغل على الشباب بإقليم الرشيدية، المنتدى الرابع لشباب الجنوب الشرقي، وأتمنى أن يخلق هذا البرنامج فرصة لإنتاج شباب أحسن من عبد الرحمان فريدي ومحمد بلكوح ، لكن ذلك لن يتحقق في ظرف سنتين، لكن لا بد من الانطلاق وإعلان البداية، وأتمنى أن نخلد روح الأخوين عبد الرحمان فريدي ومحمد بلكوح وذلك بأن نخصص كل سنتين جائزة الالتزام والجودة. سأقول في محمد بلكوح ثلاث جمل فقط، أولها أن محمد بلكوح سيعيش روحا خالدة في ذاكرة الحركة الجمعوية بالمغرب هذا ما قلته في التعزية. وثانيها، مات محمد بلكوح فقيرا بنكيا لم يحتجن مالا، وإني أعرف جوانب كثيرة من حياته الشخصية لأن عمر علاقتي معه 22 سنة. وأستدرك لأقول صار غنيا بما راكمة من تجربة وعمل بل صار هو نفسه رأسمالا للعمل الجمعوي بالمغرب». التعقيب الأول كان للجمعية المغربية للتضامن والتنمية بما هي المدافع عن القيم، بيانه بعد ترحم السيد عبد القادر مومن على الفقيدين ما يلي: إن ما أثار انتباهي في هذه المداخلات الثلاث حول الفاعل الجمعوي والتنمية الديموقراطية. وأظن أنه غير ممكن الحديث عن العلاقة بين الفاعل الجمعوي والتنمية دون الوقوف عند الفاعل الجمعوي وتعريفه، وأقصد به المؤسسات لا الأشخاص. ما هو تعريفنا للجمعية؟ ما هي الكفاءات والمهارات والأخلاق والقيم التي يمكن توافرها في الجمعية؟ وبسؤال آخر، ما هو مشروع الجمعية ؟ إن الحديث عن التنمية الديموقراطية لا يستقيم إذن حتى يمر بالأساس عند تعريف الفاعل الجمعوي أو الفاعل الاجتماعي. والتنمية الديموقراطية لا تقوم إلا على مشاريع متجانسة ورؤية واضحة واستراتيجية. ولما نقول إن الديموقراطية لعبة تقنية، أظن أنها ليس فقط لعبة تقنية، بل هي لعبة مبنية على رِؤية واضحة واستراتيجية، قوامها الأخلاق، والقيم، وهي القيمة المضافة التي يمكن أن تعطيها الجمعية للتنمية الديموقراطية. هذا ما يخص النقطة الأولى. وإني لا أتفق أن تراجع الدولة يؤدي إلى تقوية المجتمع المدني، أو تقوية الجمعية، بل أقول بأن تراجع الدولة يؤدي إلى احتواء الجمعيات. لدينا مجموعة من البرامج، واستشهادات عن حال عزوف الجمعيات عن الانخراط في برامج معينة. ولقد دأبت الدولة، لما تعزف الجمعيات عن للانخراط في برنامج ما،على تفريخ جمعيات أخرى مؤهلة للانخراط في اللعبة، وبالتالي تكون قد توفقت في احتواء الجمعيات . ويمكن أن نستشهد ببرنامج تزويد الوسط القروي بالماء الشروب.ففي هذا المجال، يمكن التساؤل، ما هي القيمة المضافة للجمعيات في هذا البرنامج؟ فالدولة أنجزت المشروع وسلمته الجمعيات وانقطعت لتسييره. قامت الجمعية ببناء مقرها غير بعيد عن البئر المغذية لخزان الماء، وشغلت المداوم لاستخلاص واجب الماء. من هنا تبدو لنا القيمة المضافة جلية. فلا يمكن الحديث عن مساهمة الجمعيات في التنمية الديموقراطية، دون الوقوف عن القيمة المضافة، أي أخلاق الجمعيات وقيمها. ومن جانب آخر، لا أحسب أن تراجع الدولة يؤدي إلى احتواء الجمعيات. فالجمعية تقوم بمقاربة استعجالية. وكأني بالفاعلين الجمعويين رجال يطفئون النار. إنهم يدبرون تناقضات الدولة. إذن فتراجع الدولة يؤدي إلى احتواء الجمعيات يؤدي إلى تقوية وجود الدولة وشرعنة الدولة. وأستشهد أيضا بأن الدولة لما تبني المجمع (مركز) تسلمه للجمعيات. وكذلك تفعل لما تقدم لها المساهمة لمحو الأمية. أعتقد أن ليس هناك قيمة مضافة للجمعيات، ما الخطاب الواجب على الجمعية تصريفه؟ وأضيف أن الجمعية تصبح بديلا للشغل. [لما تعجز الدولة عن تشغيل كل الشبابي]، مما يكره الجمعيات قليلا، حيث لا تفتأ تتسول في آخر كل شهر عن المال بغية تسديد أجور موظفيها. كل ذلك يؤدي إلى تسليع القيم والأخلاق، كما قال الأستاذ قيس مرزوق الورياشي . إننا نظل نفكر في كيفية معالجة المشاكل، وفي كيفية عقد الشراكات؟ كيف نؤدي أجور الموظفين؟ إننا نفرخ جمعيات بدون ، بدون رؤية واضحة. ودون الوقوف عند العلاقة، وعند نوع من العلاقة، ولا الشراكة بين الجمعيات والدولة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه، هل الجمعيات شريك استراتيجي؟ أم الجمعيات مكمل للدولة؟ أو الجمعيات موجودة هنا للتستر على أخطاء الدولة، أو لتقوية وجود الدولة وشرعنتها الدولة. أظن أنها أسئلة كبرى تطرح على الجمعيات، ولا يمكن في نظري أن نتحدث عن مساهمة الجمعيات أو مشاركتها في الديموقراطية بدون الوقوف على الرسالة ورؤية الجمعيات الاستراتيجية. التعقيب الثاني للفضاء الجمعوي (السيد عبد الحكيم الشافعي): عزاؤنا واحد في الفقيدين. لقد أشار الأستاذ عبد القادر مومن إلى مسألة الدولة. والديموقراطية ليست فقط لعبة، لعبة يتبارى فيها اللاعبون أو تنظيم قواعد اللعب بين مجموعة من الفرقاء. فالديموقراطية هي قيمة في حد ذاتها. وهناك – ثالثا- علاقة وطيدة بين مفهوم الديموقراطية، وبين مفهوم حقوق الإنسان، وبين مسألة التنمية، وأضفنا إليها مفهوم الديموقراطية، علما أن مفهوم التنمية، هو بمرجعية الحق في التنمية، الذي يتحدث عن التنمية في واد –بمعزل- عن الجانب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ولا يمكن أن نتصور ديموقراطية، بدون حقوق الإنسان، وبدون تحقيق كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية. ربما هذا ما أشار إليه الأستاذ قيس مرزوق الورياشي من جانب التأهيل. وأعتقد أن التأهيل ليس من جانب تنظيم قواعد اللعب، ولكن التأهيل من جانب الحقوق، وليس الاعتراف الشكلي بالحقوق، وإنما تحقيق الحقوق بشكل فعلي، حتى يمكن أن نتصور الديموقراطية، تلك هي المسألة الأولى. وأما المسألة الثانية التي وددت الحديث عنها هو أن تحدي الحداثة والتقليد. وإني أظن أن الديموقراطية وليدة المجتمع الحديث وليدة الانتقال من مركزية كهنوتية إلى مركزية الإنسان. فالتماهي بين الدولة والذات الإلهية، ربما يصبح داخل الدولة التماهي بين الحاكم والذات الإلهية، فالآية فقد انقلبت وكذلك المعادلة إذ التماهي أصبح بين الإنسان والله. وبمعنى آخر، فتحقيق كرامة الإنسان من تحقيق العدالة الإلهية، إن في مرجعية حقوق الإنسان أو مرجعية كرامة الإنسان التي تنص عليها مجموعة من الديانات السماوية. وبالتالي فتحدي الآليات تطرح سؤالا. ذلك أنه لما نتكلم عن الثقافة الديموقراطية، فما هي آلياتها؟ فإذا نظرنا إليها من زاوية تقليدية نجد آلياتها هي الزاوية، الجماعة، مجموعة من الكتاتيب، مجموعة من الآليات، التي هي آليات آليات تقليدية تؤطر المواطنات والمواطنين. وأما المجتمع الحديث قفد أتى بالمدرسة والحزب والنقابة والجمعية. فهل هذه الآليات الحديثة استوعبت بالفعل الثقافة الديموقراطية؟ وبمعنى آخر، ماذا حدث لهذه الآليات؟ إني أرى هذه الآليات بما هي من إفراز منظومة الحداثة، تمغربت واتخذت لباس المجتمع التقليدي. فلما نجد العلاقات التقليدية هي نفسها السائدة في الحزب، وفي كل آليات الحداثة. وبالتالي، فإذا كانت الآليات التقليدية تستمد مشروعيتها من الدين والتاريخ؟ فمشروعية آليات الحداثة هي المشروعية الديموقراطية. ولما تنعدم المشروعية الديموقراطية، تصبح الأليات فارغة. الشيء الذي يفسر أن مجموعة من المثقفين يلجأون إلى الزوايا، حيث تصادف الفقيه والمهندس يترددان على الزاوية البودشيشية، والزاوية التيجانية. إنهم يجدون في هذه الآليات التقليدية ملاذا للتعبير عن عواطفهم بعيدا عن الحزب والجمعية، ومجموعة من التنظيمات الحديثة. إن التحدي الأكبر، هو كيف نحول الديموقراطية إلى ثقافة داخل آليات الحداثة، وكيف نحدث آليات الحداثة، كيف نحدثها كيف ندمقرطها؟ لكي تصير آليات استيعاب النخب واستيعاب إمكانيات المجتمع، هذه هي المسألة الثانية. وأما المسألة الثالثة وهي تهم الجمعيات. لقد قمنا بدراسة في الفضاء الجمعوي، والدراسة في متناولكم في الموقع الإليكتروني للفضاء الجمعوي، حول مؤشر المجتمع المدني. وإني أريد أن أستشهد بها، لأن في إطار هذه الدراسة، بينا أن مساهمة الجمعيات، في الناتج الداخلي الخام في التشغيل، هي مساهمة متميزة جدا جدا. لكنها في حاجة إلى انتقال الدولة من الاعتراف الشكلي عن أهمية العمل الجمعوي، إلى الاعتراف الفعلي. فالمجال الاجتماعي حديث كله. وإني أجدني أمام تداخل بين المجالات. فلما نتحدث عن الفاعل الجمعوي فإننا نتحدث عن المتطوع وعن الأجير، ولا نتحدث فقط عن الماهن. فهناك من ينجزون أعمالا جبارة وهم متطوعون. تلك هي الصفة الأساسية للعمل الجمعوي. قلنا إن العمل الجمعوي يساهم في الناتج الداخلي الخام انطلاقا من عمل التطوع. وأخذ الاستشهاد من فرنسا التي أصدرت نظامين نظام (Le volontaire)،[المتطوع الذي ينجز العمل طوعا] ونظام (Bénévole) ، [المجاني الذي يؤدى بدون جزاء ولا شكور] وكلاهما في اللغة العربية يعني المتطوع ف (Le volontaire) يتلقى تعويضا لكن (Bénévole) لا يتلقى تعويضا. وكلا المتطوعين والمجانيين يدخلون في خانة واحدة إلى جانب الماهنين. فالإشكال لا يكمن في المجانيين والمتطوعين ولكن يكمن في التشريع. وأستشهد بأن الدولة المغربية كونت المساعدين الاجتماعيين في القضاء بدون نظام خاص. ولما أدمجوا في الوظيفة العمومية افتقروا إلى الإطار، إذ لا وجود لإطار مساعد [مساعدة] اجتماعي، ولا وجود لإطار المربي والمربي المتخصص. وحسبنا أن هناك مهنا اجتماعية برزت إلى الوجود، وفرضت نفسها، لكنها تشكو من تخلف قانوني. وأظن أن هذا جانب من المطالب الأساسية الواجب أخذها بعين الاعتبار والترافع عليها، أي ضرورة سن نظام خاص بالماهنين الاجتماعيين المجانيين منهم والمتطوعين، باعتبار التطوع الاجتماعي مجال أضحى، الآن، ركنا أساسيا في مجال الدولة الحديثة. وفي إطار الحكامة الجيدة، هناك حالة التنافي. فالفاعل الجمعوي لا يمكن أن يحمل صفتين صفة المقرر وصفة المنفذ. وكلنا يعلم أن هناك هيكلين أساسيين في الجمعية، الهيكل التقريري الذي يمثل التطوع والمجانية والبعد السياسي في العمل الجمعوي، وهناك الهيكل التنفيذي الذي يمثل تتبع المشاريع. ولكل هيكل مجال اختصاصه. إذ لا يمكن لك أنت نفسك أن تكون ماهنا ومقررا في نفس الوقت. إنها حالة التنافي. وفي حالة توافرها نتبين أن هناك مصلحة ما في توجيه القرار لخدمة مصلحة المقرر/ المنفذ. فالمطروح حاليا، للدراسة والتأمل والتمحيص، هو كيفية التفاعل الإيجابي والإنسجام بين صاحب القرار السياسي والماهن. كيف نستفيد من خبرة الميدان في توجيه استراتيجيتنا وكيف نقرر انطلاقا من الاستراتيجية، وكيف نتعاون لتحقيق نتائج أفضل بالنسبة للمشروع الجمعوي. تلك هي بعض الملاحظات التي أحببت أن أدلي بها، مركزا في حديثي من قبل ومن بعد، أننا في حاجة إلى التربية على الديموقراطية والتربية على حقوق الإنسان.