ما هي الغاية من إحداث المجلس الاستشاري للأسرة والطفل الذي نص عليه الدستور الجديد. وما هي طبيعته وأية فلسفة ستتحكم في توجهاته؟ ما هي مهامه ، وما هي مكوناته، وما هي بنياته ومصادر تمويله؟ ما هو المشروع المجتمعي المستقبلي الذي سينشأ من أجله؟ والأهم ما هي انتظارات الأسرة المغربية بأصنافها المتعددة منه ؟ أسئلة الراهن المغربي، ارتأت الأستاذة خديجة اليملاحي أن تطرحها للنقاش والتحليل من خلال ندوة حول «المجلس الاستشاري للأسرة والطفل: انتظارات مجتمع» مساهمة من جمعية ملتقى الأسرة بتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان وكلية الآداب والعلوم الإنسانية أكدال بالرباط، في إغناء النقاش حول سبل النهوض بالأسرة المغربية ، التي تقول خديجة اليملاحي، إنها قد أضحت تواجه تحديات كبيرة وحقيقية ومشاكل معقدة ليس أقلها الفقر والأمية والهشاشة وتراجع القيم والعنف، جراء التغييرات الجوهرية التي لحقت ببنية الأسرة وأدوارها في المجتمع والعلاقات بين مكوناتها، وكل ذلك بفعل التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية المتسارعة في ظل العولمة والاقتصاد الحر. وضع يؤججه انتشار آفة الأمية وخاصة وسط النساء في العالم القروي، بالإضافة إلى الحرمان من الحماية الاجتماعية والإقصاء الاقتصادي الذي يطال بالدرجة الأولى النساء والشباب، وصعوبة الولوج إلى الخدمات الصحية والسكن اللائق، ناهيك عن الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الطفولة خاصة في مجالي التربية والصحة، إضافة للإشكالات الكبرى المرتبطة بإقرار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، والأسئلة الجوهرية المتعلقة بالسياسات العمومية وتقييمها واعتماد مقاربة النوع الاجتماعي ومناهضة الفوارق الاجتماعية والمجالية والتمييز بين الجنسين وسؤال الحكامة. إشكالات وضعتها جمعية ملتقى الأسرة أمام مجموعة من الحقوقيين والجمعويين، من خلال جلستين ومائدة تركيبية ساهم في تسييرها وتأطيرها علميا، الأستاذ عبد الرحمن بن يحيى، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدارالبيضاء، و الأستاذ عبد الله الخياري، كلية علوم التربية بالرباط، حيث ضمت رئيس اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالقنيطرة ذ.عبد القادر ازريع، وذة. ازهور الحر رئيسة الجمعية المغربية لمساندة الأسرة، و ذة. نعيمة بنواكريم عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والأساتذة محمد مورو وعبد الفتاح الزين ومحمد لمعامري، في إطار هذه الورشة التي احتضنتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، وافتتحت بكلمة جمعية ملتقى الأسرة المغربية، تلتها كلمة الأستاذ عبد القادر أزريع، الذي استهل مداخلته بتقديم الاعتذار عن عدم تمكن الأستاذ الصبار من الحضور ، وأوضح أنه في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان تم التوصل إلى مجموعة من الخلاصات حول هذا الموضوع لتركز على إثراء النقاش حول مختلف القضايا المرتبطة بحقوق الإنسان، بما فيها إعمال الدستور الجديد الذي جاء بأشياء جديدة ، سواء على مستوى الهيئات الوطنية أوالاستشارية. يجب أن نفكر ، يقول أزريع، في هذا القانون الذي سيهيكل علاقة هذا المجلس مع الحكومة والبرلمان، وذلك من خلال تقرير سيوضع أمام البرلمان بغرفتيه للمصادقة في إطار التجربة البرلمانية المغربية الجيدة. المجلس الاستشاري لحقوق الانسان، يقول أزريع، سيتكلف بالمتابعة ورصد الاختلالات التي تعيق تطور الأسرة المغربية ، التي مرت بتحولات وتغيرات وهذا التغير لابد أن يكون حاضرا في هذا القانون الخاص بالأسرة، ويبقى أن سمو المواثيق الدولية على القوانين الوطنية ، معناه أن تشتغل هذه المؤسسة الاستشارية وفق الاتفاقيات الدولية وأن ترصد إلى أي حد سيطبق البرلمان المغربي قانون الأسرة .وشدد أزريع على ضرورة اهتمام المجلس الاستشاري لحقوق الأسرة والطفل وبالأطفال والطفلات في وضعية إعاقة ، لأن هذا أساسي ومهم في الحفاظ على استمرار الأسرة ، فالعديد من الأسر تتشتت لعدم قبول الأب والأم للطفل المعاق. قدمت الأستاذة زهور الحر، بعد ذلك ، عرضا ، وقفت فيه على ما شهدته المجتمعات الحديثة من تغيرات كبرى وتحولات عميقة ومتسارعة أثرت على الأسرة تأثيرا بالغا. هذه التحولات خارجة عن إرادة الأفراد وعن وعيهم الشخصي، لأنها تفاعلات بنيوية لها علاقة جدلية بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والتي أفرزت صراعا بين عدد من المتقابلات، بين العلم والدين، بين الأصالة والمعاصرة، بين الثرات والحداثة، بين الخصوصية والكونية، وهو ماشكل أزمة في القيم داخل الأسر نتيجة هذه التحولات. فمن حيث البنية تحولت الأسرة من الأسرة الممتدة التي كانت تتعايش فيها ثلاثة أجيال إلى أسرة نووية، ومن حيث الأدوار تم تبادلها وأحيانا قلبها ، ومن حيث العلاقات داخلها عرفت الأسرة توترات وانفلاتات وعنفا في التعامل بمظاهره المادية والمعنوية نتيجة الإغراق في الفردانية والذاتية بدل التضامن والتماسك والتكافل الاجتماعي. وفي حالات أخرى استقالت الأسرة من مهامها وتخلى الوالدان عن القيام بمسؤوليتهما تجاه الأبناء أو مسؤولية الأبناء تجاه والديهم ، مما أدى إلى تفكك عائلي وحدوث نزيف بين العديد من الأسر وتنامي ظواهر سلبية في المجتمع، وهو ماجعل الأسرة تواجه تحديات عديدة في ظل عالم يتحول وعولمة اكتسحت الحياة بثورة تكنولوجية رقمية ووسائل اتصال حديثة وطريق سيار للمعلومات، هذه التطورات كلها جعلت الواقع المعيش متقدما عن القوانين والأنظمة، والهوة عميقة بين ماهو معاش على أرض الواقع وبين ماهو مقنن في التشريعات والتنظيمات ، والسؤال المطروح: كيف يمكن مسايرة هذه التحولات والمتغيرات بالتشريعات و التنظيمات المناسبة على كل المستويات اقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا في ظل غياب آليات ذات دينامية متحركة تعمل من أجل تطوير مؤسسة الأسرة وقضايا الطفولة والمرأة...؟ ولإيجاد مقاربات وحلول استشهدت الأستاذة زهور الحر بالنموذج القطري في هذا المجال ، الذي استطاع المجلس الاستشاري للأسرة والطفل فيه ، خلق توازن اجتماعي. هذا التوازن، الذي يرى محمد لمعامري ، أنه لن يتحقق إلا من خلال ضمان الحماية الاجتماعية للأسرة المغربية، وذلك بسن سياسة ضريبية عادلة وإقرار سياسة عائلية مندمجة وسياسات عمومية ذات أبعاد اجتماعية وفق مقاربة حقوقية تمكن الأسرة من كل حقوقها . ينتظر من المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة أن ينكب على وضع صيغ لصون ودعم كيان الأسرة وتقوية دورها في عملية التنمية ، بالحفاظ على الأمومة والطفولة والعناية بالشيخوخة وتعزيز مكانة المرأة والرجل في صيرورة النسق الأسري والمجتمعي ومدهما بالدعم اللازم لتحقيق التوازن المرغوب بين مهامهما الأسرية والمهنية، ومساندتهما اجتماعيا واقتصاديا، إذا كان أحدهما معيلا للأسرة. أما الأستاذة نعيمة بنو واكريم، عضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، فقد أشارت إلى أن الإشكاليات التي طرحت في المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول قراءة نصوص هذا التصور لم تحسم بعد.. حيث حرص المجلس على لعب دور تنسيقي حسب ما يسمح له به القانون وفق مقاربة حقوقية وتحفيز كل الحقوقيين للتدخل في النقاس العمومي حول إعمال الدستور .اشتغلنا موازاة مع ذلك ، تقول بنو واكريم ، على المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي واشتغلنا على دراسة مقارنة للهيئات الشبيبية بين 11 دولة في جميع القارات واستأنسنا بمجموعة من الدراسات والتجارب لبلورة سند مرجعي من حيث هيكلة هذا المجلس ، كان لابد من الاستئناس بنص الدستور 169 وتحديد الدور الذي ينص عليه الدستور ويِؤطره من خلال المادة 32 . هذه النصوص تطرح تحديات في فهم الغاية من هذا المجلس ، فالفصل 32 يعرف الأسرة على أساس شرعي ويحد مجال تدخلها في نمط معين . في الفقرة الثانية يتحدث عن ما سماه بحقوق الطفل خارج الوضعية العائلية ، يجب البحث هنا عن مخارج لكي يساهم المجلس للنهوض بحقوق الجماعات والنهوض بالمجتمع ، التحدي المطروح هو هل هذا النص يتكلم عن الأسرة كمكون وكيان ثانوي أم أن النص يأخذ بعين الاعتبار المكونات التي تشكل الأسرة؟ يجب أن يكون هناك نص دستوري واضح قائم على مقاربة حقوقية ، بما يضمن الحقوق والكرامة وبدون تمييز. التحدي الآخر هو عن أية أسرة نتحدث ، إذا اعتمدنا المعطى السوسيولوجي وتطور الأسرة المغربية ، فلا يمكن تغييرها بقرار ، وجدنا أنه يصعب تطويع الأسرة لكي تكون وفق نموذج معين . هناك تدهور الفئات الهشة وتقلص خدمات الدولة للأسر ومشكل العائل الوحيد، وخاصة الأسرة التي تكون على رأسها امرأة. المعاقون ،المسنون،الذين لا يتوفرون على آليات لتدبير الشيخوخة بما يصون كرامتهم. يجب ان نتفق على قراءة الدستور وأن يكون النقاش مستقلا عن الزمن السياسي ، لم نحسم في المجلس الوطني لحقوق الإنسان في السيناريو المعتمد، وضعنا مقاربات للاستئناس ولم نحسم في نموذج محدد . يجب أن تكون للمجلس قوة اعتبارية أو صبغة استشارية ، كما يجب فتح حوار وطني يخلق توافقا اجتماعيا وأن تكون الفلسفة التي يرتكز عليها الدستور مرجعيتها حقوقية . ينبغي أن تشتغل السياسات العمومية والبرامج بمقاربة الدمج وتقليص الفوارق والمساواة. ذ.عبد الفتاح الزين، أستاذ بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالرباط، فضل أن يطرح الإشكالية من زاويتها العميقة متسائلا ، ماذا قدمنا للأسرة المغربية ونحن على بعد 100 سنة من الحماية ؟ هناك انتقال سياسي مازلنا نعيش تبعاته . هناك اجتهاد في طي صفحة الماضي ، تقرير الخمسينية ، دستور جديد في إطار الربيع العربي ،المصادقة على المواثيق الدولية ...هناك جيل جديد من الحقوق، لكن بالموازاة مع ذلك ، لم يحدث تطور في الأسرة المغربية . لابد من الإشارة إلى الضعف الكبير الذي يعرفه المغرب في مجال السوسيولوجيا وفي العلوم السياسية . يجب أن نفرق بين الأسرة الإحصائية والسوسيولوجية .الأسرة تتضمن مجموعة من العناصر البنيوية . على المستوى المادي، الأسرة المغربية عرفت تغيرات بدءا من اختيار الشريك ، المدرسة لابد أن تنتج قيما خارج الأسرة ، لهذا كانت الأسر بالأمس لا ترغب في أن يتعلم أبناؤها في المدارس لكي لا يخرجوا عن طوعها. تطور الوعي عند الأسر وأصبح ينتج أفكارا أخرى .كان المغاربة يقولون «اللي فاتك بليلة فاتك بحيلة» اليوم العولمة عكست هذا المفهوم ، أصبح أولادنا يتفوقون علينا كثيرا في عالم المعلوميات . تقلص عدد أفراد الأسرة وبرز تطور تكنولوجي رهيب في كل مناحي الحياة ,تعدد القنوات التلفزية، تطور نظام القيم.الطبقة الوسطى أصبحت تتقلص وهي التي تعتبر (الميزان) لكل مجتمع .برزت التناقضات الاجتماعية بشكل واضح واختفى السلم الاجتماعي.انتقلنا من الصراع الطبقي إلى الفوضى الطبقية و برزت تناقضات اجتماعية غريبة «مابقاش شي واحد تيموت بالجوع» ولكن كثر الانتحار والضرب، القتل، الحريق.. بصفة عامة السؤال الذي أجده جديرا بالطرح هو: إلى أية أسرة نتجه ؟ يجب أن نقوم بتشخيص الوضع الأسري بالمغرب ، هو السبيل الوحيد للوصول إلى مجتمع ديمقراطي. أما الأستاذ محمد مورو، الباحث بكلية علوم التربية بالرباط وعضو الجمعية، فشملت مداخلته تصورا حول عمل المجلس استنادا إلى مقاربات ودراسات نظرية، إذ يرى أنه على المجلس أن يحدد الإطار الذي سيعمل فيه بدقة ووضوح، لأن تحديد المفاهيم يعتبر مسألة حيوية لتوصيف مهام المنظمات. وإذا كان مفهوم الطفل لا يثير مشاكل كبيرة لوجود معايير دولية ووطنية متعارف عليها كالاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، فإن تعريف الأسرة خلافا لذلك، يتطلب قدرا من التوضيح لاختلاف الرؤى والأعراف والمعتقدات و الغايات. كما يرى أن على المجلس أن يشتغل على ما يريده الناس وليس على ما يراد له أن يريدوه، وهذا يعني إعادة النظر فيما يسمى بالهندسة الاجتماعية التي يجري التسويق لها حاليا من طرف التكنوقراط، لأن هذه البضاعة لا تستقيم مع مضمون الحكامة الجيدة ومبدأ المشاركة، وحرصا على تجنب السقوط في الشعبوية والتدافع السياسي، فإن ما يريده الناس تعبر عنه منظمات المجتمع المدني المنظم في إطار الديمقراطية التشاركية. كما ينتظر من المجلس أن يكون له تصور واضح فيما يخص التوترات التي يمكن أن تحدث بين الديني والدنيوي، المقدس والعقلاني، العلمي والغيبي، لأننا نعتقد أن مهمة المجلس ليست هي أن يسوق الناس إلى الجنة أو النار قسرا ، بقدر ما هي مهمة دنيوية تروم تحسين نوعية حياة الناس في مجتمع متسامح وديمقراطي ومنفتح على الغير. نهاية أشغال الورشة شهدت مداخلات ونقاشات أججت النقاش وأغنته، صبت كلها في ضرورة فتح نقاش وطني كبير حول طبيعة وأهداف المجلس الاستشاري للأسرة والطفل، تشارك فيه جميع أطياف المجتمع المغربي وتلويناته حتى يستجيب لانتظارات المغاربة . واختتمت الورشة بإصدار توصيات . توصيات ورشة «المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة : انتظارات المجتمع» - المطالبة بتعجيل أجرأة وتفعيل المادة 169 من الدستور المتعلقة بالمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة . - الإقرار بتعدد أشكال البنية الأسرية . - نهج المقاربة العلمية التي تعتمد على نتائج الدراسات والأبحاث في مختلف حقول العلوم الإنسانية ، لرصد مظاهر الإختلالات وعناصر الهشاشة والعمل على معالجتها . - تجاوز التوتر بين العلمي والمقدس - التأكيد على حقوق الأسرة لتمكينها من القيام بوظائفها التربوية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية . - اعتماد المقاربة التشاركية ومبدأ التعددية اعتمادا على معيار الكفاءة والخبرة : الجمعيات المهتمة بقضايا الأسرة والطفولة ، الخبراء ، المؤسسات المنتخبة، النقابات، القطاع الخاص. - ضمان استقلالية المجلس والتأكيد على انفتاحه وتعاونه مع مختلف المؤسسات الدستورية والمدنية. - تمكين المجلس من صلاحيات واسعة وموارد بشرية مؤهلة ، وموارد مالية قارة. - بلورة تصور واضح ودقيق للمجلس ، يحدد الأهداف والهيكلة والمكونات والمهام وعلى رأسها اقتراح القوانين والمشاركة في وضع السياسات العمومية ذات الصلة بالأسرة والطفولة وتتبع تنفيذها . - الإشتغال على المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة بموازاة مع هيأة المناصفة ومناهضة التمييز ومجلسي الشباب والجالية . - اعتماد نظام الحكامة بنهج التنظيم الموقفي المرتكز على معيار الكفاءة والشفافية . - مراجعة مقتضيات مدونة الأسرة والقوانين الخاصة بالحماية الاجتماعية والقوانين الوطنية الأخرى وملاءمتها مع بنود الدستور المتعلقة بالمرأة والأسرة والطفولة . - حماية الطفلات القاصرات من الزواج المبكر وضمان حقهن في التربية والتعليم. - حماية حقوق الأسرة المهاجرة . - مطالبة وسائل الإعلام بالمواكبة الفاعلة قصد توسيع النقاش وإنضاجه.