تكتسي ظاهرة التشيع لآل بيت النبي بالمغرب بعدا تاريخيا إذ تندرج ضمن البعد الهوياتي لنمط التدين المغربي، والبعد الديني لنظم الحكم السياسية التي حكمت المغرب على مر عدة دول تاريخية والتي انتسبت لآل البيت. تطرقنا للموضوع عبر محورين، تناولنا في أولها مختلف المظاهر السوسيو ثقافية للتشيع بالمغرب، بدءا من التعبيرات الشفهية والاحتفالات والطقوس الدينية، وصولا إلى الانتاجات الفكرية التي لامست فكر آل البيت واهتمت به. في المحور الثاني اشتغلنا على جغرافية الوجود الشيعي بالمغرب تعرضنا فيه لمواقع انتشار الشيعة والاتصال الجغرافي بين هذه المناطق وكذا التأثير و التأثر بينها وأبرز العوامل التي ساهمت في انتشار المذهب و الأفكار الشيعية بالمغرب. للوقوف على جغرافية الوجود الشيعي بالمغرب سنتعرف على مناطق انتشار الشيعة والتشيع أولا، ثم سندرس الاتصال الجغرافي بين هذه المناطق وما نتج عنه من تأثير و تأثر بينها ثم سنختم هذا الجزء بالتعرف على عوامل التشيع بهذه المناطق. مواقع الانتشار في سياق رصدنا لجغرافية الشيعة والتشيع بالمغرب، سنعمل على التعرف على مواقع انتشار الشيعة بدءا من منطقة فاس – مكناس ثم منطقة طنجة – تطوان، وسنطل كذلك على مدينة الدارالبيضاء وأخيرا منطقة الجنوب المغربي. منطقة فاس - مكناس عرفت مدينة مكناس حركية تشيعية مهمة منذ بداية الثمانينات، حيث كانت أبرز المواقع النشطة في هذا الشأن. و يعتبر المتشيع حسن إيغيري ابن هذه المدينة، والذي درس بالحوزة العلمية بلبنان، أبرز الناشطين الذين عملوا على نشر واستقطاب متشيعين جدد في المدينة. ودائما في مدينة مكناس يعتبر ادريس هاني، ابن المدينة هو الآخر، أبرز قادة الفكر اليوم وهو الذي درس بسوريا وحصل فيها على درجة الدكتوراه في الفلسفة. وللأمانة العلمية، يمكن وصف تشيع الباحث ادريس هاني بأنه تشيع عقلاني لاينطلق من موقع التقليد للمحيط الاجتماعي ولرجال الدين. كما يعتبر محمد دكير، مقدم أحد البرامج بقناة المنار اللبنانية التابعة لحزب الله، من المتشيعين بمدينة مكناس، ذهب بعد اعتناقه للمذهب الشيعي للدراسة بالحوزة العلمية بلبنان وعمل هناك. الشيء نفسه، ينطبق على مصطفى مياز، أحد قياديي جماعة العدل و الاحسان بمكناس، والذي تشيع هو الآخر في إطار هذه الحركة النشيطة التي عرفتها مدينة مكناس. وكان من الأنشطة التشيعية التي عرفتها هذه المدينة تأسيس مكتبة شيعية بالمدينة وتقديم طلب للحصول على اعتراف رسمي ب»منظمة الغدير» سنة 2002 ، لكن الدولة لم تمنحهم أي اعتراف. كما اتجه شيعة مكناس الى تأسيس جمعية الغدير والتي اعتبروا انها ليست صورة عن الحالة الشيعية بمدينة مكناس، وانما هي تعبير عن آراء وقناعات بعض الافراد. أما مدينة فاس فقد عرفت حركية تشيعية ضعيفة بالمقارنة مع مدينة مكناس، و رغم ذلك فإنها تميزت بظهور عدد من المتشيعين في صفوف الطلبة الجامعيين انتقل عدد منهم للدراسة بالحوزات العلمية بسوريا ولبنان وعند عودتهم للمغرب، انخرط بعضهم في نشاط الحركات الإسلامية فيما اتجه البعض الآخر للنشاط الحقوقي. منطقة طنجة – تطوان تعد مدينة طنجة اليوم عاصمة الوجود الشيعي بالمغرب، وذلك راجع للعدد المهم من الشيعة القاطنين بها وكذلك للأنشطة العلنية التي يقومون بها هناك. فالمدينة تعد مركزا ومقرا لتيار الخط الرسالي وكذلك هيئة الإمام الشيرازي المتبنية لفكر الكويتي ياسر الحبيب. ويرجع بعض الدارسين استقرار التشيع في طنجةوتطوان إلى نمط التدين السائد هناك، من حيث انتشار الزوايا والطرق الصوفية والتي تتقارب بعض أصولها الفقهية مع المذهب الشيعي من حيث الولاية لدى الصوفية و الإمامة لدى الشيعة (الولي الصالح لدى الصوفية يقابله الامام الشيعي لدى الشيعة)، حيث يذكر ابن خلدون أن الصوفية تأثروا بالشيعة وتوغلوا في مذهبهم حتى جعلوا مستند طريقتهم في لبس الخرقة أن عليا ألبسها الحسن البصري وأخذ عهدا عليه بالتزام الطريقة، كما جعل الصوفية قديما بيت علي بن ابي طالب من بيوت الله المقدسة. وكانت الزاوية الصديقية بزعامة أحمد بن الصديق الزاوية المتهمة في هذا الشأن بأن لها دورا كبيرا في نشر فكر آل البيت هناك، حيث عملت على تأسيس مكتبة عبد العزيز بن الصديق التي ساهمت في نشر وتوفير كتب عن المذهب الشيعي. لكن في مقابل هذا الاتهام هناك من يرى أن الزاوية الصديقية تمثل فكرا متحررا من التشدد السني اتجاه الشيعة، ولم تصل الى درجة اعتناق المذهب الشيعي. ومن بين مسببات استقرار الأفكار الشيعية بطنجة ونواحيها، كذلك، دور المهاجرين المغاربة الشيعة بهولندا وبلجيكا حيث ينحدر غالبيتهم من منطقة الريف، حيث تجلى دورهم في نقل مبادئ وكتب التشيع عند اتصالهم بأسرهم بالمغرب. كما أن عددا من المتشيعين المغاربة في حركية دؤوبة بين طنجةوبروكسل في إطار الأنشطة الثقافية، ونذكر بهذا الخصوص شخصية عصام احميدان الحسني زعيم الخط الرسالي، والذي يقدم دروسا منتظمة في الفقه والعقيدة بمسجد الرحمن بمدينة بروكسل. كما عرفت مدينتي طنجةوتطوان عدة محاولات لتأسيس جمعيات مدنية تعمل في المجال الثقافي والتربوي باءت كلها بالفشل بسبب رفض السلطات الإدارية في المدينتين منح الترخيص القانوني للشيعة هناك. ومن هذه المحاولات، تقديم طلب تأسيس جمعية «أنوار المودة» بمدينة طنجة سنة 2010، وتقديم طلب أول بمدينة طنجة لتأسيس جمعية «رساليون تقدميون» سنة 2013، رفض الطلب هو الآخر، ثم تقدموا بطلب ثان بمدينة تطوان مؤخرا بتاريخ 2016.04.16 رفضته عمالة مدينة تطوان هو الآخر. لكن يحسب للشيعة بشمال المغرب قيامهم بتحايل قانوني ذكي، إذ بعد الرفض المتتالي لطلباتهم في إطار قانون الحريات العامة توجه الخط الرسالي لمسار قانوني آخر لا تكون فيه لوزارة الداخلية أية سلطة على طلبهم حيث تقدموا بطلب سنة 2014 للمحكمة التجارية بفاس لتأسيس «مركز الخط الرسالي للدراسات و النشر» يكون خاضعا للقانون التجاري فقط. وقد نجح الشيعة المغاربة في مسعاهم هذا، لكنه يبقى مؤطرا في حدود النشاط التجاري الربحي و لايتعداه إلى أنشطة أخرى. منطقة الدارالبيضاء تعرف مدينة الدارالبيضاء هي الأخرى أنشطة تشيعية، حيث يوجد بها أفراد ينشطون في المجال الجمعوي والثقافي. كما ان المدينة كانت سابقا مقرا للمكتبة الشيعية «مدينة العلم» بحي المعاريف. هذه المكتبة تركز دورها في توفير الكتب الشيعية و الفكرية، وتوزيعها وتقديم الدعم النفسي للمتشيعين الجدد، بالإضافة الى عقد ندوات ومنتديات فكرية ومساعدة الطلبة المغاربة الذين يرغبون في إتمام دراستهم بالحوزات العلمية بسوريا وإيران والعراق. في مقابل هذه الأنشطة نجد من المتشيعين من فضل العمل والانخراط في بعض الأحزاب خصوصا اليسار لما يتميز به حسبهم بالحرية والتسامح و الاعتراف بالآخر المختلف. منطقة سوس -الجنوب تعرف منطقة سوس وبعض مدن الجنوب وجود أفراد قليلين يعتنقون المذهب الشيعي، وأخص بالذكر مدينة مراكش وسوس وتارودانت ثم العيون والداخلة اللتين وصلتهما الحركية التشيعية حديثا، وأصبح ينشط بها عدة أفراد اعتنقوا المذهب الشيعي أثناء اقامتهم بمدن الشمال أو عبر الإعلام والتواصل مع شيعة المشرق عبر الوسائط الالكترونية والقنوات الفضائية، خصوصا قناة آل البيت العراقية وقناة فدك المملوكة للشيعي الكويتي ياسر الحبيب.