لم تتجاوز تظاهرات 20 فبراير السقف المتوقع لها من طرف كل الفاعلين، وبقيت في حدود شبه متوقعة ... ويستوجب ذلك منا أن ندلي بالملاحظات السريعة التالية. لا تأثير لأحداث تونس أو مصر أو اليمن على المستوى الذي انتظرته الكثير من التحليلات، وأن الدرس الذي على الجميع أن يستخلصه هو أن المغاربة يريدون الاستقرار والتعامل بما يتفقون عليه. ولعل الشيء الأساسي هو أن التظاهرات، عندما تكون مبنية على توافق وطني، تكون بحجم وطن وبحجم مطالبه. وعلى الذين يركبون أكبر من الخيول الواقعية أن يستخلصوا الدرس جيدا، ويقرأوا الوقائع بعيدا عن الأمنيات وعلى التأثير الحماسي. 20 فبراير، أولا بالرغم من الأجواء المشحونة نسبيا، وبالرغم من الأجواء المحيطة بالدعوة، فهي لم تتجاوز ما يمكن أن تحققه أي تظاهرات أخرى تدعو لها النقابات أو الجمعيات ذات الصلة بالناس من تنسيقيات ومن هيآت تدافع عن المستهلكين. ولم يحدث أن حصل ما توقعته كل الأنباء التي كانت تتصور جماهير غفيرة تواجه النظام، كما في نشرات «الجزيرة» و«العربية».. تبين أيضا أن الشعارات الغالبة ذات ارتباط بالفساد، وهو الفساد المحلي الذي يتشخص في المسيرين الفاسدين محليا. ففي كل مدينة كانت هناك شعارات ضد الفاسدين والمفسدين. إذ لم يرفع إلا في حالات نادرة معزولة وهامشية ما يمس بالنظام وبثوابته. بل إن الشعار المركزي والموحد هو الشعب يطالب بإسقاط الفساد (بكل وجوهه).. فالفساد هو الآفة القاتلة التي تتهددنا ويستشعرها المغاربة، والذين لم يخرجوا ربما أكثر من الذين خرجوا. ويبدو من خلال عناوين في تازة وكازا وفي فاس أو في غيرها أن الفساد المحلي هو الذي يشكل العنوان الكبير والأقرب في مطالب المحتجين. وما يمكن أن يشير إليه الملاحظ النزيه، هو الدرجة العليا من التعامل الناضج والسلمي والحكيم لرجال الأمن، السلوك الأمني الرفيع والحكيم الذي فوت الفرصة على البعض من المهمشين الذين أرادوا الركوب على حركة ارتبطت بيوم 20 فبراير.. التداعيات محدودة للغاية، التظاهر لا يختلف عن ما حدث من قبل بلا إضافات، وأن المحتجين أدخلوا التكنولوجيات إلى التأطير السياسي .. وبذلك كان جزء كبير من القادمين إلى ساحات 20 فبراير جاؤوا إليها من خارج التأطير التقليدي..! وكانت هناك رسائل من حضور ووجوه سياسية.. وهي الرسائل التي تقول بأن الأحزاب السياسية مازال لها حضورها وأن الفراغ الذي يتم التبشير به ليس بالحجم الذي يصوره لنا البعض . وعلينا أن نقرأ هذه المفارقة من زاوية عقلانية : لماذا لا يوجد بديل راديكالي ضد الأحزاب؟ ولماذا لا تستطيع الأحزاب نفسها أن تغري بمسيرات إلى صناديق الإقتراع؟ نقطة أساسية تفيد بها التظاهرات: النظام السياسي في مكانه ومكانته، والملكية تحظي بمكانة لا يمكن أن تمس، ولا يمكن أن نعبئ عليها وضدها مهما كانت الظروف. وأن الاستثناء المغربي في هذا الباب قائم فعلا ليس مقولة معزولة في الهواء. لا إيران ولا ليبيا ولا مصر ولا تونس ولا هم يحزنون فالإجماع المغربي حولها، كثابت وطني لم يخضع للتفاوض حتى باللجوء إلى الشارع. وعنصر التغيير الكبير يكمن فيها هنا بالذات. ولعل محدودية الدعوات التي تريد «الاحتكام» إلى الشارع تبين بأن الدعوة التي تحملها معاني التوافق مع الملك هي بالضبط وبالأساس استمراره في قيادة الثورة والتثوير والتغيير مع القوى الوطنية الحقيقية.. وهو التثوير الذي يتم عبر الديموقراطية.. شباب الفايسبوك أيضا عليه أن يستخلص العبرة والدرس الأساسي من حركته هاته، ويعي بأن الشعوب تسير في طريقها بإدراك، وليس بالتحميض السريع للصور القادمة من دول أخرى، وبلغة محمود درويش، لا نهر الكونغو يصب في الفولغا ولا النيل يصب في نهر الأردن. إن التجربة في حالة الشبيبة هي أهم درس يمكن أن يجنيها، والخلاصة أو الدرس هو أن هناك حالة مغربية تستوجب الإصلاح، ولكن بالطريقة التي يختارها الجميع، ولا يمكن أن نستحضر الآخرين دوما، لا سيما في الدول القريبة. هناك تفاوت كبير بين تجاربنا السياسية بقدر ما هناك تقارب بين أنواع الفساد مع الدول المعنية، وإذا كان علينا أن نسير، فلنسر في الطريق التي نراها كلنا صالحة لنا. ولا يمكن للتفاوت في الاستجابة، سواء بين المدن أو بين الفئات أن يبرر استحكام المفسدين أو لعبهم على ذلك، فذلك لأن الحرب عليهم هي مطلب جماعي للمغاربة كلهم من خرج ومن لم يخرج.