ثلاثة من أبناء أشهر رجال الأعمال البارزين في المغرب قيد الاعتقال بتهمة العنف والاعتداء والاغتصاب    الخميسات.. إيقاف شخص في حالة سكر هدّد بارتكاب جناية وتعريض حياة المواطنين للخطر    الأمن الإقليمي بالعرائش يحبط محاولة هجرة غير شرعية لخمسة قاصرين مغاربة    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    ترامب يستكمل تشكيلة حكومته باختيار بروك رولينز وزيرة للزراعة    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    الأرصاد: ارتفاع الحرارة إلى 33 درجة وهبات رياح تصل 85 كلم في الساعة    قاضي التحقيق في طنجة يقرر ايداع 6 متهمين السجن على خلفية مقتل تلميذ قاصر    ⁠الفنان المغربي عادل شهير يطرح فيديو كليب "ياللوبانة"    غوتيريش: اتفاق كوب29 يوفر "أساسا" يجب ترسيخه    الغش في زيت الزيتون يصل إلى البرلمان    إفريقيا تنتقد ضعف التمويل المناخي    مظلات ومفاتيح وحيوانات.. شرطة طوكيو تتجند للعثور على المفقودات    الاحتفال بالذكرى السابعة والستين لانتفاضة قبائل ايت باعمران    فدرالية أطباء الطب العام بشمال المغرب تعقد المؤتمر الثاني للطب العام    كوب 29: رصد 300 مليار دولار لمواجهة التحديات المناخية في العالم    أفاية ينتقد "تسطيح النقاش العمومي" وضعف "النقد الجدّي" بالمغرب    "طنجة المتوسط" يرفع رقم معاملاته لما يفوق 3 مليارات درهم في 9 أشهر فقط    قوات الأمن الأردنية تعلن قتل شخص بعد إطلاقه النار في محيط السفارة الإسرائيلية    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة    دولة بنما تقطع علاقاتها مع جمهورية الوهم وانتصار جديد للدبلوماسية المغربية    الصحة العالمية تؤكد أن جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ عامة        انقسامات بسبب مسودة اتفاق في كوب 29 لا تفي بمطالب مالية طموحة للدول النامية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران        الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    غارات إسرائيلية تخلف 19 قتيلا في غزة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إحراق الذات: اللغة الجديدة للاحتجاج
نشر في هسبريس يوم 23 - 01 - 2011


ظاهرة إحراق الذات؟
من وجهة نظر مجتمعية وأمنية نحن أمام معطى جديد وأمام سلوكيات غريبة عن ثقافة المجتمع المغربي والعربي. ومن وجهة نظر نضالية سلمية نحن أمام سقف جديد للاحتجاج. ومن وجهة نظر سوسيولوجية نحن أمام ظاهرة اجتماعية وإنسانية جديدة. ومن وجهة نظر نفسية دليل على واقع نفسي جديد ودرجة ضغط كبيرة. ومن وجهة نظر دينية، من المفروض أنها سلوكيات تدخل في باب المحظور والحرام.
وتبقى عملية إحراق الذات كظاهرة سوسيولوجية (جديدة)، في عالم الاحتجاجات الاجتماعية السلمية في العالم الإسلامي، ظاهرة لم تحض بالاهتمام والتحليل والدراسة الكافية.
وعلى العموم هناك أسباب وعوامل، سنحاول إجمالها في عناصر ساهمت بقدر ما في خلق هذه الظاهرة:
- نشير إلى ما لدور الإعلام ووسائط الإعلام المختلفة، والثورة الإتصالاتية والمعلوماتية التي يعرفها العالم ويستفيد منها بدرجات متفاوتة. نضرب المثل هنا بما وفرته قنوات المواقع عبر شبكة الإنترنيت، حيت تزايدت عملية التوعية والفضح عبر العالم وفي ظروف زمنية قياسية. فأصبح الإعلام في خدمة الشعوب ضدا على المسؤولين والحكام الفاسدين.
- ازدياد درجة الوعي لدى المجتمعات النامية، وتطور المعرفة لدى الشعوب المتخلفة.
- نشير إلى الأساليب التقليدية والقديمة في التسيير والتدبير، والتي لم تتطور بدرجة وسرعة تطور الوسائل الإعلامية والإخبارية وتنامي درجة الوعي وتطور درجة وعي المجتمعات والعقلية الجمعية.
- الظروف العالمية الجديدة، المتمثلة في التدخل المباشر وغير المباشر في الشؤون الداخلية للدولة وزعزعة استقرارها. يدخل في هذا الباب تسريبات "ويكيليكس"، والتي عرت أو لنقل علمنة ما كان معروفا بشكل خجول في بعض البلدان العربية والإسلامية، مما سمح بفهم أكبر ودعم أكبر لقضايا الشعوب المستعبدة.
- العالم يصبح يوما بعد يوم قرية صغيرة (وبالتالي سرعة انتقال الأفكار والأخبار والثورات).
- إنه مخاض الانتقال إلى واقع جديد تتحكم فيه "ظروف خارجية" أكثر مما تتحكم فيه (ظروف داخلية ذاتية)، وعلى الظروف الذاتية أن تكون في مستوى الأحداث والتطورات والمستجدات.
ولنقل عموما أن إحراق الذات هو مؤشر خطير على درجة اليأس التي وصلت إليه فئة الشباب المعطل، وأوضاع المواطن بصفة عامة.
وأن لغة الاحتراق الجديدة، دليل عن عجز المقاربات الحكومية وفشلها الذريع في الملف الاجتماعي وعلى رأسها قضية حاملي الشهادات العليا.
والاحتراق؛ ربما هو "الموت" من أجل "الحياة"، ربما هو تجسيد لحكاية وأسطورة طائر "الفينيق" الذي يذهب للموت في طقوس جنائزية ويصنع مكانا للاحتراق، ولما يحترق، من خلال رماده ينبثق طائر "فينيق" جديد، إنها سلسلة من عمليات التحول والتجدد في الحياة، إنه حياة جديدة تنبثق من رحم الموت، إنها تضحية الفرد من أجل الجماعة. رجال يحترقون من أجل حياة ووضع جديد، يحترقون كالشموع لكي يعيش الآخرون في حرية.
الاحتراق هو أن تحترق طاقات جيل كامل من الشباب المعتصم في الرباط في الكلام، وتحليل الأوضاع المزرية، وفي "الحوارات" الماراطونية، ومقاربة سبل الحياة الكريمة، ونيل قسط من الحق والحرية.
الاحتراق هو هدر وضياع طاقة مئات بل آلاف الشباب في العبث والفراغ ومزيد من "الزمن الضائع".
الاحتراق هو معاناة يومية يستلذ فيها الأغبياء والأميون و"البورجوازية المتعفنة" والفاسدون والعابثون بكرامة الوطن ومصالحه العليا، على حساب أبناء الشعب الوطنيين والشرفاء.
الاحتراق هو صرخة عميقة "للعقل والعلم" في وجه الفساد والتعنت ولغة العصا لمن عصا.
الاحتراق هو لغة تروم تصحيح الأوضاع، وهي انتحار على طريقة "الكاميكاز"، ضد الشذوذ في الحياة السوية والمفترضة.
الاحتراق هو أرقى أنواع التضحية الذاتية من أجل الجماعة والمجتمع.
الاحتراق هو نتيجة لصم الآذان والتلاعب بقضايا وحقوق الشعوب العادلة.
الاحتراق هو نتيجة اللغة الاستفزازية والمهينة لبعض المسؤولين عن قضايا الأمة والوطن.
وإذا كان "الكي" هو آخر الدواء في الطب، فإن "الاحتراق" آخر صرخة حق و"هم" في السياسة والحقوق، وهو آخر الحلول لإسماع الصوت ضد الظلم والفساد والإهانة والتعنت.
لم يتركوا لنا دواء لهذه الأمة وهذا الوطن غير لغة "إحراق الذات" دواء لداء العطب المزمن. فهل علينا الاحتراق دائما لتفهمونا كما فهم الرئيس "زين الهاربين بن علي" متأخرا شعبه!
كلمة للتاريخ
على العالم أن يعرف أن ثلة من شباب المغرب الأحرار كانوا هم من بدأ "صرخة الكرامة"، بشكل جماعي ولمدة يومين، وأن الإطار المغربي "عبد الإله بوشنافة" من مجموعة "الاتحاد الوطني للأطر العليا المعطلة" كان أول جسد عربي يحترق باسم الكرامة والحرية، وباسم الجماهير المناضلة. كان أول من قدم جسده قربانا على مسلخ القضية العادلة والمشروعة للشق المقصي من الحل، بمقاربة مجحفة لاوطنية ولااجتماعية وسياسوية. الأمر الذي صاحبته صرخة جماعية في وجه الظلم وفي وجه الجلادين، مع المطالبة من شوارع العاصمة الرباط بفتح تحقيق عادل ونزيه في قضية وملف المعطلين المغاربة، الذي ترامى عليه كل من له مصالح شخصية سياسوية ضيقة ضدا على مصالح الإطار المغربي.
وليس عاديا واعتباطيا أن يتصدر حدث "الإحراق الجماعي" للذات التي أقدم عليها الشق المقصي من "مجموعة الاتحاد الوطني للأطر العليا المعطلة" أهم أحداث سنة 2010، في جريدة "أخبار اليوم" المغربية. كما أن صور المحرقة أصبحت توظف بشكل لافت ومثير للانتباه في جل المواضيع الصحافية التي تتعلق بالمطالب والاحتجاجات السلمية، بل أصبحنا نسمع محاولات وتهديدات فردية مشابهة بإحراق الذات هنا وهناك رفضا للذل والظلم.
إني أقول أن ما يقع الآن ما هو إلا تداعيات وصدى لما سبق وأن استشعرته "الأطر المغربية" وبشكل جماعي وواع، من خلال قيامهم بالمحرقة الجماعية، هذه التداعيات التي بدأت تستوعب وتنضج الآن لدى الكثير من الدول العربية.
لقد كنا سباقين كمجتمع مغربي ناضج وحي ولا يرضى بديلا عن الكرامة والشرف، إلى إخبار العالم بأن المغاربة لا يرضون بالذل، وباعتراف من حاول من الأجانب الدوس على كرامته عبر التاريخ والذين جربوا محاولة النيل منه وهضم حقوقه أو حتى التفكير في استعباده وانتزاع حقوقه الطبيعية.
وللتاريخ نقول إن المغرب كان سباقا كشعب أبي وحر لإعلان "صرخة الهم" التي أطلقت في شوارع العاصمة في أوائل يونيو من عام 2010، والتي أعلنها الاتحاد الوطني (مجموعة الحق الشق المقصي من الحل)، والذي لازال مرابطا بالرباط ومناضلا إلى آخر رمق من أجل انتزاع مطالبه الشرعية والعادلة.
والذي كان ضحية للتعاطي اللاوطني والسياسوي الضيق لملف العطالة بالمغرب، كما كانت أحداث "كديم إيزيك" نفسها، لأسباب سياسية تمثلت في صراعات انتخابية سابقة لأوانها ركبت على أحداث لها علاقة بملف مغربي وطني حساس (الصحراء المغربية).
مثل ذلك تماما انطلقت أحداث تونس الأخيرة، بسبب قضية المعطل "محمد البوعزيزي" الشاب التونسي الذي تعرض للإهانة من طرف المسئولين التونسيين والذي انتهكت كرامته أمام حائط التعنت والقمع والإهانة واللاعدالة.
لكن لماذا تحولت محاولة فردية لإحراق الذات في دولة كنا نسمع عنها أنها تنافس المغرب في الاقتصاد والسياحة والديمقراطية وأشياء أخرى؟ لماذا التحم المجتمع المدني بمختلف أطيافه مع الحدث في تونس، ولم يقع ذلك بالمغرب رغم أنها كانت محرقة ومظلمة جماعية ل 180 إطارا مغربيا ولمدة يومين متتاليين!؟
المجتمع المدني بتونس والمغرب؟
من الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة؛ لماذا تفاعل المجتمع المدني في تونس مع حدث إحراق الذات في تونس لشخص واحد. ولم يحرك المجتمع المدني والهيئات الحقوقية والإعلامية والنقابية ساكنا في المغرب جراء المحرقة الجماعية للأطر المغربية؟ هل هو إعلان رسمي عن موت المجتمع المدني في المغرب؟
إنها في نظري مسألة خطيرة أن يكون هناك حدث في حجم "48 ساعة"، كان اليوم الأول فيها محاولة جماعية لإحراق الذات في شارع محمد الخامس وعلى بضع خطوات من البرلمان الذي يمثل الأمة، تلاه محاولة لإحراق الذات في اليوم الثاني مصحوبة بمحاولات انتحار جماعية أيضا. ولم يتم حتى التنديد من أي جهة في المغرب كله بهذا الواقع الجديد والكارثي الذي رفع سقف الاحتجاج إلى مستوى غير مسبوق.
قد يتزيد علينا متزايد ويقول أننا حماسيون، وأن لغتنا المناضلة هاته هي نرجسية زائدة وأننا شوفينيون وأنها لغة خطابة وأننا مجرد خانعين وجبناء. نرد على هؤلاء جميعا بأن يراجعوا دروس التاريخ المغربي ليصيبهم الرعب بسبب صفحات التاريخ التي كتبت بدماء أبناء هذا الوطن ضد الغطرسة والظلم والتعدي والإهانة والاحتقار. وخير دليل على ذلك ما وقع حين استثني وأقصي شق من مجموعة "الاتحاد الوطني" للأطر العليا المعطلة من حل السنة الماضية 2010، والتي خمن المحاور الرسمي للملف ومن يدبر معه الأمور، وخمن الأمن كذلك أن من أقصي هم حفنة من الجبناء والرعاديد، فكان الجواب محرقة بحجم الكرامة والهوية المغربية الأصيلة وبحجم الوطن وحب الوطن.
لكن مع الأسف، نسجل ها هنا الصمت الشبه مطبق لكل الطاقات المجتمعية والمدنية والسياسية والنقابية الحية، التي لم تتفاعل ولم تزك ولم تقف بجانب هذه المجموعة التي طالبت بالعدل والنزاهة وعرت وفضحت مناحي الفساد والتلاعب... بل الأدهى من ذلك كله أنه لم تصدر عن المجتمع المدني المغربي بكل هيئاته ولو "بيان" تنديد واحد! إنه لأمر خطير يؤدي بنا إلى استنتاج خطير ألا وهو: "موت المجتمع المدني بالمغرب"، والذي بهذه المناسبة ندق ناقوس الخطر بشأنه. إذ لا يمكن العيش في دولة فيها السلطة في اتجاه واحد، في غياب سلطة معاكسة مقابلة تخلق التوازن وتصحح الأوضاع.
إن ترك "نداء المحرقة" المغربية بدون جواب من طرف الدولة المغربية وبدون تجاوب من طرف المجتمع المدني المغربي، كان لهما الأثر الكبير فيما وقع لاحقا من تداعيات سلبية على عموم المنطقة العربية والمغاربية تحديدا، وربما لو كانت الجهات المسؤولة والحية في المجتمع المغربي والعربي أخذت الأمور بجدية وناقشت الظاهرة وأصغت لتفاصيل الصرخة وبحثت في تفاصيلها لكانت وصلت خلال الأشهر الستة التي تفصل بين "محرقة المغرب"، وإحراق الذات التي قام بها "محمد البوعزيزي" الشاب المعطل التونسي(رحمه الله وغفر ذنوبه)، لكانت وصلت إلى إجابات وحلول تمكن من رأب الصدع وتصحيح مكامن الخلل وتفادي سلسلة من الإنتحارات المتواصلة عبر "إحراق الذوات".
قواسم مشتركة
أن تكون معطلا معناه أنك لا تقبل الإهانة، وأن تمتلك العلم معناه أن لديك كرامة، و أن تتعرض للاستفزاز وأنت معطل وتحمل مشروعا ثقافيا معناه أنك تنفجر في وجه الظلم والمهانة حتى ولو بإحراق الذات!
وإذا تأملنا سلسلة إحراق الذوات الأساسية التي تمت في المغرب العربي فيمكننا تلمس مجموعة من الملاحظات الهامة واستنتاج مجموعة من الأمور الخطيرة، وبداية نعرض لأبرز المحاولات:
*التجربة المغربية: الاتحاد الوطني(الشق المقصي)، قام بمحاولة لإحراق للذات، يومي 1 و 2 من شهر يونيو 2010، احترق على إثرها المناضل "عبد الإله بوشنافة" في اليوم الأول ( 01 /06 / 2010)، حروقا من الدرجة الثالثة دخل على إثرها إلى مستشفى "إبن سينا" بمدينة الدار البيضاء، حيث بقي في العلاج لأزيد من شهرين. ناهيك عن الحروق الخفيفة التي أصابت مختلف الأطر. (كان السبب في الإقدام على المحرقة الجماعية هو الحيف والظلم الذي لحق المجموعة جراء حرمانها وإقصاءها من حل الإدماج المباشر في أسلاك الوظيفة العمومية لسنة 2010)
*التجربة التونسية: إقدام الشاب المعطل التونسي "محمد البوعزيزي"، إبن 26 ربيعا، بعملية إحراق للذات بتاريخ (18 / 12 / 2010)، بعد التضييق الذي لاقاه في تجارته كبائع متجول للخضر ، وبعد الإهانة التي تلقاها من طرف المسؤولين الأمنيين والتي وصلت إلى حد صفعه.
*التجربة الجزائرية: "محسن بوطرفيف" معطل، يبلغ من العمر 27 سنة، أب لطفلين، حاول بعد أن سمع بإحداث مناصب شغل بمنجم بوخضرة، ولما قدم بمعية شبان آخرين إلى رئيس البلدية سائلا بخصوص تلك المناصب، غير أن ممثل الشعب رد متعنتا بأنه لا يستطيع تشغيل أحد، ولما احتج عليه بوطرفيف بأنه سيحرق نفسه إن لم يستطع الشعل في هذا المنجم، بادره ممثل الشعب مستفزا "إحرق نفسك إن كانت لك شجاعة محمد البوعزيزي التونسي". فما كان من الشاب إلا أن أحضر البنزين وأحرق نفسه بتاريخ (15 / 01/ 2011).
* تلتها محاولات أخرى في مصر، وموريتانيا، والمغرب...
إننا من خلال التركيز على المحاولات الرئيسية أعلاء والتي حركت المجتمعات العربية نجدنا أمام قواسم مشتركة:
1- فنحن أمام شريحة المعطلين المتسمة بالعلم والمعرفة والإرادة،
2- ونحن أمام شريحة تعرضت للإستفزاز والإهانة من طرف مسؤولين عابثين بالمسؤولية وليست لهم مقاربات وطنية أو حس وطني أو اهتمام بقضايا وانشغالات المواطن (العزف على وتر الكرامة الخطير)،
3- ونحن أمام وسيلة جديدة وخطيرة وغير مسبوقة للتعبير عن الظلم والسخط بعد أن لم تعد الأشكال القديمة للاحتجاج تجدي نفعا أو تحرك ساكنا، و بالتالي تعويضها ب(إحراق الذات)
- فنكون أمام معادلة مفادها:
نفس الشريحة(معطلين وواعين)
+
نفس العامل (الإهانة والاستفزاز)
=
نفس الطريقة (إحراق الذات).

المقاربة "مرة أخرى"؟
كنت في مقال سابق بعنوان "ملف الأطر العليا المعطلة بالمغرب: أية مقاربة؟"، المنشور بجريدة "مرايا بريس" الإلكترونية، بتاريخ "26-7-2010"، حذرت من التعاطي اللاإجتماعي واللاإنساني واللاجاد مع ملف العطالة باعتباره ملفا حساسا وخطيرا، ومن اللازم أن يحضى بالعناية والجدية في التعاطي معه لأنه يضم كتلة بشرية مثقفة وواعية وناضجة ولها كرامة ووعي بقضيتها وبمطالبها ومقتنعة بعدالة ملفها المطلبي. وحذرت فيه أيضا من المقاربة الأمنية القمعية التي لا تزيد الوضع إلا انفلاتا وتوترا، بل الأكثر من ذلك وكما وقع بتونس من تحول مطالب كما يحلو لمعظم المعطلين تسميتها ب"المطالب الخبزية"، عسى أن يفهم بعض المسئولون الأميون أنها مجرد وظائف تتعلق بأناس أفنوا سني عمرهم في البحث والدراسة، والآن هم محتاجون إلى وظيفة تحفظ لهم ماء الوجه من أجل عيش كريم، وتسمح لهم بإفادة وخدمة الوطن بما حملوا من علم ومعرفة، إلى مطالب أكثر عمقا وراديكالية وشمولية مما يزيغ بالملف إلى مناحي جديدة وبعيدة كل البعد عن منطلقاتها الأولى. لكن على العكس من ذلك لا زالت تزكية الموقف الانتهازي، ومنطق المحسوبية والرشوة والزبونية، ومنطق الأشباح، تهدد أكثر فأكثر بمزيد من إحراق الذوات والانتحار للأطر المغربية خيرة فلذات الأكباد وخيرة أبناء هذا الوطن.
أفليس هذا تلاعبا خطيرا بملف اجتماعي يحمل من عناصر الانفجار في أي لحظة ما لا يحمله أي ملف آخر في الشارع المغربي؟ ألم يحن الوقت ليستشعر المغرب الخطر قبل أن تتحول الأمور إلى كارثية لا تحمد عقباها بشكل لا ينفع معه الندم؟ ألم يحن الوقت لتستبدل الحوارات الأمنية المتخشبة التي يستعرض فيها بعض المسئولون في الداخلية العضلات ويلعبون فيها الأدوار البطولية، بحوارات جدية ومن مسؤولين أكفاء و لجان متخصصة؟
لقد حان الوقت - وأدق هنا ناقوس الحذر حتى لا أقول ناقوس الخطر- وهو فعلا خطر نستشعر اقتراب وقوعه في أي لحظة!
- كفى من التعاطي السياسوي لملف اجتماعي علمي.
- كفى من التعاطي اللاإجتماعي مع ملف اجتماعي بامتياز.
- كفى من التسويف والتماطل والتلاعب واستحمار المعطلين بهذا الوطن.
- كفى من تلاعب الأحزاب بقضايا حيوية ووطنية (كما وقع في "كديم إيزيك"، والحسيمة، وفي ملف المعطلين سنة 2010...)
- كفى من المقاربات الأمنية التي تترك لها أحيانا مقاربة ملف يتطلب الكثير من الليونة، وتفرض عليه لغة العسكر واللغة المخزنية الأمنية المتخشبة التي لا تعرف إلا العصا والقمع وإراقة الدماء والتي لا تؤدي بدورها إلا إلى المزيد من الضغط الذي يولد الاحتراق والانتحار والانفجار.
ها هي الجهات المسئولة اليوم عن الملف لم تع الدرس جيدا "درس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والجدية في التعاطي مع الملف"، وأخالها تزيد انغماسا في اقتراف نفس الأخطاء الإستراتيجية والتي لا تسير بالملف المطلبي الاجتماعي البسيط، إلى منحى ومسار لا علاقة له بأهدافه التي ذكرنا.
لقد مل الشارع النضالي سلسلة من "الأمور الكريهة"، والتي لا تزيده إلا استغرابا مما يقع ويمارس، ولا تزيده إلا عياء جسديا ومرضا نفسيا وضغطا منبئا بالانفجار الكارثي للأوضاع، سلسلة من التعذيب البعيد الأمد والمستمر في الزمن، وضعٌ، مفرداته الأساسية وكلماته المفتاح هي: المقاربة اللاوطنية، المقاربة اللاإجتماعية، المقاربة الأمنية القمعية، التسويف والتماطل بل و"الكذب" المباح، الاستحمار المتزايد للإطار المغربي، تكريس الانتهازية كمعيار للحصول على الوظيفة، تزكية الأشباح و"الخونة" أصحاب الطرق الملتوية ضدا على أبناء الشعب النزهاء... سلسلة من الرذائل يزكيها حزب "وطني" يؤمن بالتعادلية والوسطية ومرجعيته مرجعية دينية أكثر من أقرانه! (هناك من سيتساءل حول وجود بعض التحامل على حزب الاستقلال بسبب من انتمائي لحزب آخر، وأجيبه أنني لم أنتم ولن أنتمي لأي حزب في المغرب في ضل المشهد الحزبي والسياسي المبلقن والمشتت).
وبينما عملت "مصر" عبر اجتماع مجلس للحكومة المصرية عقب أحداث تونس "حسب قناة الجزيرة"، حيث دعا المجلس للتنسيق بين الأمن والدفاع من الآن فصاعدا. كما دعا أيضا الاجتماع الوزاري لعدم الإدلاء بتصريحات استفزازية للمواطنين وعدم تطبيق ما يمكن أن يستفز المواطنين من ضرائب وزيادات في الأسعار وما إلى ذالك.
مقابل ذلك فإنني أرى أنه من "الغباء" أن الدولة المغربية بخبراءها ومستشاريها، سمحت بتنزيل قرار إلغاء قراري الإدماج المباشر من طرف "سعد الدين العلمي" أحد رجالات الحزب الحاكم، في ظرفية دولية بل إقليمية تتسم بالاضطراب والتوتر!
و إذا كان الرئيس التونسي قال أهم كلمة وأغربها في تاريخ خطاباته فإن الأمر ليس هينا، والكلمة هي "غلطوني" وربما على المغرب أن لا يكرر الخطأ ويأخذ حذره من رؤوس الفتنة المتمثلة في بعض المسئولين المستهترين بحقوق الشعب وبالمطالب المشروعة لأبنائه.
و الأدهى من ذلك أن القرار المنزل حاول بشكل يدعو إلى التساؤل والاستغراب العزف على الوتر الحساس والخطير الذي انطلقت منه انتفاضة وثورة تونس والتي أطاحت بالرئيس "زين الهاربين بن علي". ألا وهو "العطالة"! فكيف ترك لهذا القرار أن ينزل في هذه الظرفية، إنني أرى في نظري الشخصي والمتواضع أنه تنزيل "سياسي" يرام منه شيء معين، كما وقع في "كديم إيزيك" من خلال ما أثبتته الأيام بعد الأحداث.
يجب أن يعاقب كل مسئول يحاول العبث باستقرار وأمن البلاد التي يحسدها جيرانها على أمنها وثباتها، من أجل أجندة سياسية وحزبية وانتخابية ضيقة، إذ لابد من الفضح والضرب بيد من حديد على كل من يناور ويلعب بأوراق وطنية ليست من حقه حتى الاقتراب منها، لأنها في ملكنا جميعا وفي ملك الوطن.
أقول! هاهم المسئولون اليوم يحاولون تكرار نفس الخطأ ومن شوارع الرباط في تنزيل قانون يلغي قراري التوظيف المباشر واللذان يخولان الإدماج المباشر لحملة الشهادات العليا، وفي هذه الظرفية المشحونة والمتأججة في الجارتين تونس والجزائر...
ومن هذا المنطلق نشد بحرارة على يد كل المغاربة الأحرار الذين يطالبون بالمساواة في الحقوق والمطالب وبشكل عادل، ضدا على الميز العنصري الذي ما فتئت الدولة المغربية المخزنية تكرسه من خلال مسئولين أغبياء لا يتورعون عن إشعال فتيل ونار الفتنة، عبر الاعتناء بإقليم أكثر من الآخر تحت أي نوع من الذرائع كان.(حيث تم توظيف دفعة من الصحراويين تتجاوز 3000 آلاف من مختلف الشهادات، في ظرف 3 أيام، بينما يقضي باقي المغاربة 3 سنوات على الأقل تحت الضرب والعنف والإهانة المستدامة قبل الالتحاق بالوظيفة العمومية). الأمر المستفز الذي أصبح يتسرب إلى شعارات المناضلين بشوارع الرباط، حاملين شعارا جديدا انضاف إلى لائحة شعاراتهم الخبزية المطلبية ألا وهو: "من طنجة إلى الكويرة كلنا سواسية".
وإنه لأمر محير! كيف يسير مسئولو هذا البلد الأمور في المغرب؟ هل يبحثون عن مشاكل وكوارث اجتماعية وسياسية بسبب من جهلهم ومصالحهم!؟ هل مصالحهم السياسية أسمى من الاستقرار والأمن الذي يجب أن تحرص عليه هذه الجهات المسؤولة في البلد؟ والله لم نعد نعرف شيئا حول أدبيات التسيير في المغرب من خلال ما بدأ يقع مؤخرا فيه.
إننا ندق ناقوس الخطر وندين حفنة من المسؤولين والذين هم في الحقيقة "لا مسؤولين" من خلال استهتارهم ولعبهم بالنار ضدا على القضية الوطنية، وضدا على الاستقرار والأمن في البلاد.
احتراق ختامي!
فهل تنتظرون أيها المسؤولون محرقة جديدة ل "تفهمونا" كما فهم الرئيس "زين الهاربين بن علي" شعبه متأخرا؟
هل أصبحت عقولكم وضمائركم ميتة إلى درجة اضطرارنا لحرق ذواتنا حتى يصلكم حجم معاناتنا؟ وحتى تصلكم رائحة جلودنا المحترقة على إسفلت الكرامة الوطنية؟
و أخيرا أطلع الرأي العام المغربي والإسلامي بل والعالمي بالموقع التالي والذي يبرز مدى الحيف والظلم الذي لحق المجموعة المقصية من الوظيفة العمومية، "مجموعة الاتحاد الوطني للأطر العليا المعطلة" (الشق المقصي-الحق-) والتي بسبب حجم الظلم الذي نزل بها صنعت وسيلة جديدة وخطيرة ورفعت سقفا جديدا وخطيرا من أشكال الاحتجاجات ألا وهو " إحراق الذات" و "محاولة الانتحار"....
و رابط المجموعة هو: http://www.ittihade.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.