يمكن اعتبار الباحث في علم الاجتماع عبد الرحيم العطري نموذج الباحث المغربي الشاب المجد، والذي لا يكف عن مساءلة الحقل السوسيولوجي المغربي من موقع المجرب العارف، وليس الباحث المقيم في أبراج النظرية. كتابه الأخير الصادر عن «دفاتر وجهات نظر» يؤكد أن مستقبل السوسيولوجيا وجدتها يكمنان في العلاقات التي تصوغها مع اليومي. صدر أخيرا عن «دفاتر وجهة نظر» مؤلف جديد بعنوان «الحركات الاحتجاجية: مؤشرات الاحتقان ومقدمات السخط الشعبي» للباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطري الذي اختار هذه المرة مساءلة الحركات الاحتجاجية بالمغرب، محاولا فهمها وتفهمها باعتماد حركة ذهاب وإياب بين الخلفية النظرية والحصيلة الميدانية التي تتيحها الأدوات السوسيولوجية والنماذج الاحتجاجية التي تم الاشتغال عليها ميدانيا. ويشتمل الكتاب على مقدمة عامة وعشرة فصول تنتهي بطرح أسئلة، وقد خصص الباحث الفصل الأول منها لسوسيولوجيا الحركات الاجتماعية، والثاني لتيبولوجيا الحركات الاحتجاجية، والثالث لمسارات الفعل الاحتجاجي، فيما انشغل الفصل الرابع بالحركات الاحتجاجية بالمغرب، والفصل الخامس يرصد ملامح الاحتجاج المغربي، لينتقل العطري بعدئذ إلى الشق الميداني من دراسته بخطاب في المنهج في الفصل السادس، والاحتجاج المغربي وممكنات القراءة في الفصل السابع، ثم السلوك الاحتجاجي بالمغرب في الفصل الثامن، فثقافة الاحتجاج المغربي في الفصل التاسع، لينتهي أخيرا إلى محاولة في التركيب عبر الفصل العاشر والأخير. يقول إدريس بنسعيد، أستاذ علم الاجتماع ومنسق مجموعة الأبحاث والدراسات السوسيولوجية بجامعة محمد الخامس أكدال بالرباط، في تقديمه لكتاب العطري: «الحركات الاحتجاجية متوترة وآنية بطبيعتها، باعتبارها ردات فعل على ضغوط أوإكراهات لا تطاق، يحضر بدرجة عالية التوتر والعنف، خاصة العنف المضاد، يرتفع فيها صوت الحناجر ويخبوصوت اللغة وبعدها المكتوب، وبالتالي فإن الحركة الاحتجاجية لا تعبر عن نفسها، كما هوأمر الفعل السياسي، على مستوى اللغة والخطاب، ولا تخلف أثرا مكتوبا من إنتاجها الداخلي (باستثناء الشعارات)، وتلك صعوبة إضافية أمام التحليل السوسيولوجي الذي يجب أن يضاعف من حذره ويقظته في ظل غياب نص أوأثر مكتوب يسمح بفهم وترتيب الحركة الاحتجاجية». ويضيف الدكتور إدريس بنسعيد: «يندرج عمل عبد الرحيم العطري في هذا الإطار بالنظر إلى مطمحه إلى تناول موضوع «ساخن» هوالحركة الاحتجاجية بمنهج «بارد» هوالسوسيولوجيا، وهوأمر تصدى له بكيفية تستحق التنويه، خاصة في شرط شح الدراسات العلمية، خاصة باللغة العربية، وندرة الوثائق وتعذر إجراء مقابلات، خاصة في صفوف المحتجين في العالم القروي». وفي مفتتح الكتاب يؤكد الباحث العطري أن «السنوات الأخيرة شهدت تناميا ملحوظا لأشكال وصيغ الاحتجاج بالمغرب، ففي أكثر من مناسبة وعلى غير قليل من الأصعدة، لاحت حركات مختلفة في النوع والدرجة، وهي تمارس «فعلها» و«سلوكها» الاحتجاجي، تعبيرا عن موقف يكون منطويا على الرفض في كثير من الأحيان. إلا أن هذا الحضور الذي باتت تسجله هذه الممارسات الاحتجاجية في مجموع النسق السوسيوسياسي المغربي، لم يوازه حضور آخر على مستوى الدرس السوسيولوجي، مثلما لم توازه مقاربات تحليلية من قارات علمية أخرى». وكما أن للمعرفة ثمناً فإن العطري يؤكد في مقدمة الكتاب أن «الانخراط في هكذا موضوع واقع على خطوط التماس مع مصالح مالكي وسائل الإنتاج والإكراه يستوجب حسا معرفيا مغامراتيا، بالنزول إلى الميدان، واختبار الممارسة الاحتجاجية واقعيا، وليس كما «يحكى أنه»، والنتيجة بالطبع تعرض ممكن لمضايقات وسوء استقبال وصيغ إحباط ومنع من الوصول إلى المعلومات، فضلا عن نصيب من الضرب بهراوات قوات الأمن، كما حدث ذات لقاء مع أحد المبحوثين بشارع محمد الخامس بالرباط، على هامش وقفة احتجاجية للمكفوفين من حاملي الشهادات المعطلين». كتاب الحركات الاحتجاجية هوثمرة عمل نظري/ ميداني اتخذ من المقابلة والملاحظة أداة لجمع المعطيات. وفي هذا الصدد، يقول العطري موضحا: «ولمواصلة المسير في طريق ملأى بعوائق البحث العلمي ومثبطاته، لا بد من الانتصار للفكرة، وهوما كان حافزا على الاستمرار في التساؤل والقراءة، انتقالا من العاصمة الرباط بشارع محمد الخامس إلى أقاصي إقليم أزيلال وتحديدا إلى جماعة أيت بلال ثم إلى أحواز إقليمالقنيطرة بسيدي الطيبي، فمن مجال إلى آخر، ومن متن إلى آخر، وبالرغم من كل الصعوبات التي كانت توضع قبالة تساؤلات البحث قصدا وعفوا، لم يخب هذا الانتصار، ولم ينته البحث عن جواب شاف لما تحيل عليه الحركات الاحتجاجية هنا والآن». يحاول العطري في منجزه البحثي هذا أن يسائل الثابت والمتغير في السلوك الاحتجاجي المغربي، واتصالا بهذا السياق، يمضي الباحث موضحا أن «مفهوم الاحتجاج، مع ما يرافق هذا المفهوم من تمثلات وممارسات، انتقل على درب التغير، من مستوى الإضراب، إلى ظاهرة استغلال الفضاء العمومي عبر تجريب عدد من الأشكال الاحتجاجية، كالوقفات والمسيرات والاعتصامات والإضراب عن الطعام، متجاوزا بذلك، وبشكل نسبي، بعض إمكانات صناعة العنف والعنف المضاد التي كانت تبصم اشتغاله وديناميته في أوقات فائتة. إلا أنه بالرغم من ملامح هذا التغير فإن التعامل مع الاحتجاج لا يكون سويا في مطلق الأحوال، فغير ما مرة تلجأ الدولة عبر أجهزتها الأمنية إلى مواجهة السلوك الاحتجاجي بالمنع أوالعنف الذي لا يكون مأمون العواقب داخليا وخارجيا، مثلما يلجأ المحتجون إلى تجريب أشكال «تصعيدية» فائقة الخطورة، كمحاولة الشباب المعطلين إضرام النار في أجسادهم، واحتلالهم لبنايات عمومية وإقبالهم على تكبيل أيديهم وأعناقهم بالسياج الحديدي التابع لمقر البرلمان». وبالطبع، فهذا الكتاب يؤكد انتصار العطري لفهم خاص للسوسيولوجيا يتأسس على النقد والمساءلة، وهوما أوضحه الدكتور إدريس بنسعيد في تقديمه بالقول: «يؤكد هذا العمل لعبد الرحيم العطري التوفر على نفس سوسيولوجي عميق ويضع لبنة جديدة على درب البحث الخاص للمؤلف الذي يبقى وفيا لانشغالاته وهواجسه المعرفية التي تخترق وتنظم كل كتاباته، وهي هموم وانشغالات سوف نجدها حاضرة ومتطورة في كتبه ودراساته المقبلة بنفس الصدق والحرارة والرغبة في مواكبة خلجات أكثر الفئات حيوية وتأثيرا في الحياة السياسية للمغرب». عن عبد الرحيم العطري الكاتب والباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطري هو أستاذ لعلم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة بن طفيل بالقنيطرة، وهوأيضا عضوفي اتحاد كتاب المغرب واتحاد كتاب الأنترنيت العرب ومنظمة كتاب بلا حدود والمجلس الإداري للجمعية المغربية لعلم الاجتماع، فضلا عن عضويته في إطار هيئة تحرير مجلة وجهة نظر. وقد سبق أن صدرت له قبلا مجموعة من الكتب الورقية والإلكترونية، من بينها: دفاعا عن السوسيولوجيا، سوسيولوجيا الشباب المغربي: جدل الإدماج والتهميش، المؤسسة العقابية بالمغرب، صناعة النخبة بالمغرب، مدن ملونة، الجرح الباذخ ومجموعة قصصية بعنوان «الليل العاري». كما ستصدر له قريبا مجموعة قصصية جديدة تحمل عنوان القارة السابعة عن دار غراب للنشر والتوزيع بالقاهرة، وكتاب آخر بعنوان بورتريهات آل الحرف والسؤال عن دار الحرف بالقنيطرة.