تواصل مجلة «وجهة نظر» تشريحها للوظائف السوسيولوجية والثقافية والمعرفية لاشتغال عدد من بنيات الدولة، وفي هذا الإطار تفتح المجلة في عددها الجديد نقاشا علميا حول المخزن كمفهوم وخطاب وممارسة في المتن المغربي، وذلك في محاولة جادة لتأطير وفهم البدء والامتداد المخزني في تضاريس مجتمع في مفترق الطرق، خصوصا وأن الأمر يتعلق بمؤسسة/ نظام عصي على التفسير كما يقر بذلك مدير المجلة الدكتور عبد اللطيف حسني في مفتتح القول المعنون ب«المخزن حي لا يموت»، والذي يؤكد فيه بأنه «كالهواء والماء، لا لون له ولا طعم ولا يمكن الإمساك به، غير أن نتائجه المادية على أرض الواقع تبقى ملموسة، إنه المخزن الضارب بجذوره في عمق الماضي المغربي والمتحكم في مساره التاريخي، فخلف الشعارات الصاخبة، وخلف كل مظاهر العصرنة التي يعيشها المغرب والمغاربة في الوقت الراهن، يبقى الثابت المتأصل الذي يحكم ويتحكم في كل ما نعيشه هو المخزن». ولأجل الاقتراب من حقيقة هذا المفهوم الملتبس تقترح المجلة على قرائها عددا من الدراسات التي جاءت مجتمعة بعد مقال افتتاحي للراحل إدوارد سعيد في موضوع «المثقف ومهمة الطعن في المعايير والأعراف السائدة»، فبعد الأسئلة الشقية التي أججها الراحل حول مهام المثقف، تنطلق الباحثة هند عروب في اكتشاف الماهية والجذور والاستمرارية، متسائلة إن كان نظام المخزن يمثل حالة متفردة عصية عن البحث، ورائق إعادة إنتاج خطاطات المخزن ما قبل الاستعماري وصلاته وشبكاته الوسائطية. > الباحث عباس بوغالم تطرق إلى الامتدادات المخزنية في المغرب الحديث، مؤكدا بأن المخزن هو المتحكم في قواعد اللعبة وهو المحدد لطبيعة الأدوار التي يجب أن يقوم بها كل فاعل سياسي، ليأخذنا بعدئذ الباحث عبد الرحيم العطري إلى سوسيولوجيا النخبة المخزنية مسائلا شروط الانتماء إلى نخبة النخبة عبر حركة ذهاب وإياب من الأمس إلى اليوم. > «الرياضة لم تفلت من براثن المخزن» ذلكم هو العنوان الذي يقترحه الباحث منصف اليازغي لمساهمته التي حاول من خلالها أن يتتبع صيغ وانبناءات الامتداد المخزني في الحقل الرياضي، في حين سيقدم الباحث عزيز لطرش المخزن الاقتصادي من وجهة نظر الهيئة الوطنية لحماية المال العام، مبرزا أن المخزن الاقتصادي هو الوجه الخفي للمخزن السياسي. لنقرأ في ما بعد صورة المخزن في المخيال المجتمعي من خلال مساهمة الباحث صالح شكاك الموسومة ب«المخزن في الذاكرة الشعبية». الباحث يونس السريفي سيحاول تحديد مفهوم النخبة الشريفية في المجتمع المغربي مقدما أمثلة دالة عن اشتغالها وحضورها، فيما سيناقش الباحث فريد المريني أسئلة التقليد والتحديث أملا في مقاربة الحداثة السياسية واكتشاف ممكناتها وأعطابها في ظل نسق تتوزعه انشدادات إلى التقليدانية وانجرارات إلى الحداثة. في باب الوثيقة التاريخية القار تهدي المجلة لقرائها أهم ما جاء في العدد 292 من جريدة التحرير الصادر بتاريخ 6 دجنبر 1962 أي قبل يوم واحد من إجراء الاستفتاء حول دستور 62، وهي وثائق عميقة المبنى والمعنى تعبر عن جرأة مفتقدة آنا، وتعبر أيضا عن امتداد الأمس في اليوم، ففيها قال الراحل المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي بأن «المغرب في مفترق الطرق، فإما إلى الخير وإما إلى الشقاء الأبدي والشر الدائم»، فما أشبه البارحة باليوم. > خارج تيمة الملف نصادف دراسة للباحث عبد المجيد السخيري تناقش المجتمع المدني بين الحقيقة السوسيولوجية والاستغاثة الإيديولوجية من خلال حالة المغرب، وتحديدا في المأزق الإيديولوجي لليسار، كما نقرأ «القراءة والسلطة» للباحث محمد مريني عبر مقتربي الحقل والرأسمال في علاقتهما بمسألة القراءة. الباحث هشام الشرقاوي سيحلل علاقة المحكمة الجنائية الدولية وحصانة الملك، فيما سيشتغل الباحث بن أحمد حوكا على أنثروبولوجيا الوقائع الاجتماعية والبيولوجية في نظام الحالة المدنية، وذلك حين تكف السلطة عن القتل لتراقب الحياة. بصدور هذا العدد الجديد تكون مجلة وجهة نظر قد استمرت على درب الوفاء لخطها التحريري الذي اختارته قبل عشر سنوات من الآن، منتصرة بذلك للممارسة صحافية ومعرفية جادة تفكك منطق العلب السوداء وتؤجج الأسئلة الشقية حول إنتاج وإعادة إنتاج العطب المغربي وذلك في كافة تخريجاته وانبناءاته، والتي تؤكد في كثير من الأحيان أن الدولة المعاصرة ما هي إلا نسخة مزيدة وغير منقحة للمخزن العتيق.